دراسة نقدية مقارنة مع نموذج حداثي
حسن العلوي
يكثر طه عبد الرحمن الكلام عن مخاطر التحديث والحداثة على الحياة الإسلامية، ويدعي في ذات الوقت أنه يؤسس بدائل يسميها، وهنا المفارقة، “حداثة”، ويبدو أنه آن أوان اختبار هذا الكلام ودعاويه، من خلال نموذج عملي تطبيقي، اخترنا أن يكون في مجال “التربية”، إذ يدعي طه، بعد حملته على التربية الحديثة، ودعوته إلى التصدي لقيمها وأدبياتها في برامجنا التربوية و التعليمية، أنه يؤسس “نظرية” بديلة يسميها “النظرية التربوية الإسلامية”. ونضع هذا “البديل” المدعى على محك “الاختبار” من خلال دراسة تحليلية مقارنة مع تصور واحد من كبار مؤسسي الحداثة، هو تصور الفيلسوف الألماني كانط.
ونعتمد في هذا العمل على الكتاب الذي خصصه طه لموضوع التربية، الذي يحمل عنوان: “من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر”، و”تأملات في التربية” لكانط الوارد ضمن كتاب “ثلاثة نصوص: تأملات في التربية-ما هي الأنوار-ما التوجيه في الفكر”.
تصور طه للتربية دراسة نقدية تحليلية
تناول طه عبد الرحمن قضية “التربية” في صيغة حوار، أجاب فيه عن أسئلة طرحت عليه، جمعت في شكل كتيب اختير له عنوان: “من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر”، ويتضح من العنوان، الذي ينطوي على حكم قيمة، أنه لا يقارب التربية بشكل عام أو مطلق، وإنما يتناول “تربية” بناء على تصور مسبق [أيديولوجيا]، يميز بين الناس على أساس حكم مسبق ويقسمهم إلى “أبتر” و”كوثر”.
جاء عنوان الفصل الأول ليؤكد هوية “التربية” التي يقصدها وهي أنها “إسلامية”، وكلامه عنها من جنس “الفقه”، لكن توصيف هذا “الكلام الفقهي” بأنه “تأسيس فلسفي”، يبدو أنه ملتبس ومتنافر، إذ يعكس، في نظرنا، سمة يتسم بها خطاب طه عبد الرحمن عامة، وهي تركيب-بناء الخطاب بشكل سليم من الناحية الصورية واللغوية، غير أنه من الناحية المعرفية والمضمون لا يسلم من النقد([1]).
ويتأكد هذا اللبس في عنوان: “فقه التربية: تأسيس فلسفي”، بما حدد به عبارة “فقه” في كتابه: “فقه الفلسفة”، إذ حسم في جزئه الأول، أن “فقه الفلسفة” الذي يؤسسه “علم” يفوق الفلسفة ويتفوق عليها، وهو ما يؤهله، في نظره-كما يزعم، أن تخضع له الفلسفة، إذ يتخذها موضوعا للدراسة يكشف “أسرارها” ويبرز أسبابها التي لم يستطع ولا يستطيع الفلاسفة المنتجون لها أنفسهم الوعي بها، ورغم ذلك، قرر هنا في عنوان الفصل، أنه يؤسس “فقه التربية” على الفلسفة، فتصبح هي المؤسسة، وليست مؤسسة على غيرها.
ويزداد خطاب طه لبسا، إن لم يكن “تلبيسا”، بما جسم فيه تحت عنوان “التأسيس الفلسفي”، أنه يؤسس “نظرية تربوية إسلامية”، وأنه “تأسيس داخل الدين، لا من خارجه”([2])، و”قوامها تعاليم الشرع الإلهي”([3])، فنتيجة هذا الإخراج أو التوصيفات أن “تعاليم الدين”، “فلسفة” عند طه، فهل “الدين” وتعاليمه فلسفة بالمعنى المتعارف عليه في تاريخ الفكر البشري قديما وحديثا؟ ألا يمارس طه بهذه التراكيب الخطابية- الإنشائية التلبيس والتغليط على القارئ؟
لايتحدث طه ولا يؤسس، بناء على القيود الوصفية لموضوعه و”نظريته”، عن “التربية” بشكل مطلق، أي عن التربية الجديرة بالإنسان بما هو إنسان، بغض النظر عن دينه ولونه ولغته […]، وهو ما ينفي عن تصوره البعد الكوني، الذي هو شرط وسمة “التفلسف” في أي فكر، ويموقعه في المقابل ضمن التصورات الأيديولوجية.
ولأن طه “ينظر” للإنسان الذي يشترك معه في الانتماء إلى الدين والثقافة، التي يتخذها منطلقا، فمن حق هذا الإنسان مناقشته ونقده، قبل أن يتحول ما يقرره ويدعو إليه إلى واقع وسياسة مفروضة، وأول سؤال يفرض نفسه في هذا السياق، هو لماذا يكون الإنسان المسلم وحده، من دون الناس كلهم، الإنسان الذي يتحدد وجوده بالدين؟ إذ يدعي طه: “أن التدين في حق المسلم ليس مجرد سلوك تعبدي يلجأ إليه لكي تسكن به نفسه، ويملأ به فراغ قلبه، وإنما هو طريقة تحقيق ذاته نفسها في الوجود، بحيث يوجد المسلم في الدين وجوده في العالم، بل لا عالم للمسلم غير دينه”([4]).
ونلاحظ هنا، أنه يمارس اللعبة التي يتقنها جيدا، وهي لعبة “الخطاب”، إذ جمع بين “التدين” و”الدين” في سياق خطابي واحد، كما لو أنهما يفيدان معنى واحدا، ثم أين نصيب الآخرين من الناس من تصور طه للتربية؟ أليسوا هم أيضا، بشرا يستحقون التربية؟
يبدو أن طه يسحق ذات المسلم الإنسانية، إذ يجرده من إنسانيته ويخضعه لـ”تدين” تفرضه عليه المؤسسة الدينية التي يدعو إليها طه في أغلب مؤلفاته، ومن أجلى مظاهره هو تجريد المسلم من العقل الذي به تتحدد إنسانية الإنسان وأخلاقيته، و”العقل” المسموح به له، في نظر طه، هو ما يسميه “عقلا مسددا”، وهو “العقل” الذي يؤسسه “الشرع”، لأن: “الشرع أولى بتأسيس العقل من أن يؤسس العقل الشرع […] أي باصطلاحي عقلا مسددا، حتى كأنه عقل الشرع عينه، بحيث يكون الشرع مؤسسا لنفسه بنفسه”([5]).
فالمسلم وحده، وفق هذا التصور، من دون الناس كلهم، غير مستقل الذات والعقل، ، بل هو تابع، وهو ما اعترف به ويصرح به في كتب أخرى، وأجمل الكلام عنه هنا، عندما بين أن ما “ينظر” له: “مقيد بالتاريخ غير مستقل عنه؛ ذلك أن وصف هذه النظرية التربوية بـ”الإسلامية”، يحتم أن توجد لدى واضعها إرادة العودة إلى الذات وإرادة استعادة الهوية الثقافية؛ ولا سبيل إلى ذلك بغير إعادة الصلة بسابق الممارسات التربوية الإسلامية”([6])
ولا يخفى أن هذا القيد” التاريخي”، أو بالعبارة الصريحة “القيد السلفي” المحدد بـ”العودة” و”الاستعادة”، يفرغ مفهوم “التأسيس” من معناه الذي يفيد بناء شيء جديد، فكل ما تحتاجه هذه “النظرية” المدعاة، في رأيه، كونها فقط: “مأصولة غير منقولة”([7])، هو إعادة صياغتها بخطاب جديد، بما: “يسند عمقها التاريخي، ويرد الشبه الواردة عليها، ويبرهن على مشروعيتها؛ بحيث لا يزيدها هذا الإسناد والسرد والبرهان إلا مأصولية من فوق مأصوليتها”([8]).
وما تسعى إليه “النظرية” هو إعادة الاتصال بالحقيقة الدينية: “وتحصيل أسباب هذا الاتصال بما يجدد فاعلية الحقيقة الدينية ويرتقي بها”([9])، ولهذا يتعين أن تدفع ما يسميه “آفات” الحداثة التي دخلت على الخطاب التربوي المتداول عندنا، وأولها: “فصل الحداثة لكثير من المقولات والمسائل التربوية عن أصلها الديني”، وإذا اضطر هذا الخطاب إلى الاقتباس من فكر الحداثة، فينبغي أن نعمل بالمبدأ التالي: “كل منقول حداثي معترض عليه، حتى تعاد صلته بالحقيقة الدينية”([10])، بمعنى العمل بما نصطلح عليه في مشروعنا النقدي لخطاب طه بـ”منطق منهج الضد”([11])،.
ورغم أنه لم يبين ماهية “الحقيقة الدينية” التي تعمل “نظريته” على إعادة الصلة بها، إلا أنه يمكن استخلاص مقصوده بها في أسفه على موقف الحداثة: “في منع الآلاف من رجال الدين من مزاولة أعمالهم التربوية والتعليمية”([12])، فـ”الحقيقة الدينية” هي ما يقرره هؤلاء بأفهامهم وفتاويهم ويرسمونه، والهدف: “هو إقامة الدين في العملية التربوية كلها، توجيها وتنظيما وتحقيقا”([13]).
ويأتي، في سياق الانقلاب على المنجز الحداثي، بمفهوم “المواطنة”، مثالا لإلغاء الاعتبار الديني في التربية، والقائم على معنى “المشاركة في الوطن الواحد”: “تتولى المدرسة تربية المتعلمين على ما يسمى بـ”الفضائل المدنية”؛ وتأتي على رأسها، المشاركة السياسية وحب الوطن”، وخلص إلى القول: “ويبدو أن “المواطنة” بهذا المعنى الحديث، لا تناسب توجهات النظرية التربوية الإسلامية”([14])، وانتهى إلى الدعوة إلى استبدال مفهوم “المواطنة” بـمفهوم “المخالقة” المأصول، إذ: “يحفظ الصلة بالدين مع إقرار نفس الحقوق التي تقر بها المواطنة، إذ تصير الأخلاق هي الجامع بين المواطنين، والحقوق إنما هي جزء من الأخلاق”([15]).
ما يجدر الانتباه إليه هنا، هو أن طه يجمع بين أربعة مفاهيم، ويخلط بينها دون تحديدها أو وضع الحدود اللازمة بينها وهي: الحقوق، والأخلاق، والمواطنة، والدين، فبعد إقصاء “المواطنة”، إذ لا وطن حقيقي في تصوره “التربوي”، فإنه يقرر هنا، وفي كتبه الأخرى بشكل أوضح أن الأخلاق عنده هي “الدين”، فيصبح التدين بـ”دين” محدد هو أساس الانتماء وليس “الوطن”، ويلتقي في هذا الموقف من الوطن والمواطنة، مع الحركات الأصولية التي ترى أن العالم كله هو مجال إقامة مشروعها “الديني” الأصولي، وهو ما يؤكده بقوله: “المخالقة لا تتقيد بوطن معين، ولا بدولة محددة؛ فقد يكون وطنها العالم”([16]).
يغالط طه القارئ بإقحام “الحقوق” في مفهوم “المخالقة”؛البديل عن “المواطنة”، فإضافة إلى أنه لم يبين كيف تقر “المخالقة”: “بنفس الحقوق التي تقر بتا المواطنة”، كما يدعي، فإنه قد قرر بشكل حاسم في مؤلفاته الأخرى، أن تعاليم الدين، التي تعمل “التربية” في نظره على إقامتها، لا اعتبار فيها لشيء اسمه “الحقوق”، إذ هي قائمة على العبودية الخالصة([17]).
وبعدما أكد من جديد أن: “المسلم لا يحقق ذاته إلا من خلال دينه”([18])، انتقد البرامج التربوية الجاري بها العمل، بأنها تغيب المفاهيم والأحكام الدينية مثل: التطهر، والنور، والظلمة، والهدى والضلال، والبصيرة، والفؤاد، والغشاوة، وأولوا الألباب، وأولوا الأبصار، والصراط، والميزان […]([19] ).
ولتأكيد البعد الصوفي الطرقي لـ”التربية الدينية” التي يقصدها، سلط الضوء، في سياق هذا التغييب المدعى، على مفهوم “التزكية” فقال: “ولا أدل على شناعة هذا الإهمال من حذف مفهوم “التزكية” وأحكامها من هذه البرامج”، ووقف عند مفهوم “التربية”، فقرر أنه يختلف عن مفهوم “التزكية” الذي يقترح اعتماده بديلا عنه، رغم أن الأول يفيد معنى تنمية كامل قوى الفرد المتعلم، بينما الثاني لا يفيد إلا: “معنى رعاية الفرد في صباه”([20] )، فأيهما يفوق ويتفوق على الآخر؟ بل أيهما أنسب إلى زماننا وعصرنا الروحي؟ وهل ثقافة الراعي والرعية والرعي مناسبة لهذا العصر؟
لم يقف طه عند حد الرفض لعبارة “التربية”، التي يتحدد مضمونها في: “تنمية جميع قوى الفرد المتعلم”، بل انتقل إلى الدعوة إلى ضرورة: “التصدي للمقولات التربوية المنقولة التي دمغت العقل الإسلامي، فجعلته لا يرى التربية حيث ينبغي، ويراها حيث لا ينبغي”([21] )، وهو، رأينا، موقف خطير، لأنه يتعلق بمصير الإنسان المسلم وحياته، إذ يحرمه من منجزات الحداثة الفكرية والقيمية والعلمية والتقنية، التي هي نتاج التربية الحديثة، ولا نصيب فيها يذكر لـ”التزكية” الصوفية الطرقية، وهو موقف يعكس في الآن ذاته حقيقة المشروع الخطابي لطه؛ القائم على “السلفية” وتكريس الجمود على قيم القدامة والعتاقة التي يغلفها بـ”الدين” وباسمه.
ينيط طه لـ”نظريته التربوية” مسؤولية بناء المتعلم المسلم على قناعة أنه: “يحمل رسالة وجودية لا يحملها غيره” إلى الإنسانية([22] )، وهي قناعة تجعله يعتقد أنه “وصي” على البشرية جمعاء، وما يقرره بهذا الموقف، ما هو إلا إعادة إنتاج لموقف لـ”نظرية الفتوحات”، وهو موقف ينتمي إلى عالم غير العالم الحديث، إن لم يكن من أحلام كهف الزاوية، فهل يوجد في العالم اليوم من يقبل “الوصاية” وثقافتها؟ ينطلق طه في هذا الموقف، الذي ارتقى به إلى مستوى أنه “مبدأ” من مبادئ “نظريته، من دعوى لا تقل غرابة في انتمائها إلى أحلام الكهف الصوفي، مفادها أن المسلمين مسئولون عن “تخليق” العالم والبشرية، بدعوى أن الزمن هو زمنهم الأخلاقي([23] ).
واعترف بالخلفية التي تؤطر عقيدة الوصاية على العالم، وهي “عقيدة التفوق الأخلاقي” للقيم التي يحملها المسلم يقول: “الشهود على الناس لا يتحقق بغير التفوق الأخلاقي الحي”، وهو تفوق لا يتوقف على امتلاك: “المعرفة العلمية والقوة المادية […] [و] إقامة صروح العلميات والتقنيات، إذ أنه يكتفى في إقامة هذه الصروح بالعقول الضيقة والإرادات القلقة”([24] ).
لا يكفي المسلم، في نظر طه، ما يستمده في “النصوص” من أحكام، للقيام بواجب “التخليق” أي “التديين”: “بل يحتاج إلى أن يعرف الطريق إلى ما سدد إليه”، لأنه: “عنوان التأييد الإلهي”([25] )، وسمى منتوج هذه “التربية” بأنه “إنسان كوثر”، في مقابل “الإنسان الأبتر”، الذي هو منتوج “التربية الحديثة”، والذي بفضله حصَّل العصر الحديث: “تقدمه المادي”([26] ).
يحدد مهمة “نظريته” في العمل على “إحياء القلب”، وليس العقل باعتباره مصدر كل قوى الإدراك: العقلي، والسمعي، والبصري، والشمي، والذوقي، إذ: “كل واحد منها فعل من أفعال القلب”([27] )، واستنكر على المسلمين إهمال مكانة القلب: “مؤثرين الكلام عن “العقل” و”الفكر””، واعتبر هذا الاختيار: “علمنة الخطاب الديني […] واستهتار بالاصطلاح القرآني، فضلا عن جحد الحق”([28] )، ولا ندري عما إذا كان طه واعيا بما يترتب على هذا الموقف، لأنه إذا كان “العقل” و”الفكر” علامة على “العلمنة”، فإن “التديينية” التي يعمل لها وعليها طه، لا عقل ولا فكر فيها، فهي مؤسسة على “القلب” وحده.
وفي المقابل يتعين على التربية أن تحرر المتعلم المسلم من العقل، الذي يصفه بـ”ضيق العقل”، أو أن تعمل على ترويضه: “وتربيته على أن يزدوج بعقل ثان يؤسس ما أدركه عقله الأول”، مستمدا التأسيس من القلب الذي انقطع عنه عقله([29] )، ويطرح السؤال عما إذا كان صحيحا تسمية ما هو مطلوب من العقل أن يزدوج به عقلا؟ لاشك أن طه يقصد هنا ما يسميه بـ”العقل المؤيد”؛ أي عقل رجل الدين الصوفي، أو لنقل “شيخ الطريقة” الذي يصبح المتعلم المسلم إذا اقترن به: “هو بعينه الإنسان الكوثر، الذي تريد النظرية التربوية الإسلامية أن تكونه”([30] ).
تصور كانط للتربية: دراسة تحليلية تقييمية
ورد هذا التصور في كتاب، يضم ثلاثة نصوص، خصص الأول منها لموضوع “التربية”، بعنوان: “تأملات في التربية” أو “في التربية”، بحسب المترجمين. بدأ كانط تأملاته بإقرار: “أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يجب تربيته”([31] )، بخلاف الحيوانات التي تقودها طبيعتها إلى غاياتها المرجوة لها: “فالحيوان بغريزته هو سلفا كل ما يمكن أن يكون، إذ سبق لعقل خارجي أن رتب له كل شيء”، عكس الذي يحتاج إلى عقله الخاص([32])، ليحدد مسار سلوكه، ولأنه يأتي إلى العالم غير قادر على القيام بذلك: فقد وجب أن يقوم آخرون بذلك من أجله”، وهكذا: “فكل جيل يربي الجيل الآخر”([33] ).
وعاد إلى تصور البدايات الخالية من الثقافة والحضارة، فقرر أنه إذا فرضنا أن الثقافة قد طورت في النوع البشري الصفات الإنسانية، فإنه يجب: “أيضا التسليم بأن الإنسان، فيما بعد قد أصبح متوحشا من جديد وتردى ثانية في البربرية”([34] )، ولهذا يحتاج إلى “الانضباط” ليحافظ على إنسانيته، فهو الفعل الذي يجرد به من حيوانيته، رغم أنه سالب فقط، لكن يكتمل بالتعليم الذي يمثل: “الجانب الإيجابي من التربية”.
ومعنى “الانضباط” هو الخضوع للقوانين التي يوقع الانحلال منها في التوحش، ويرى أن الانضباط بهذا المعنى ينبغي أن يبدأ في زمن الطفولة، إذ يرسل الأطفال إلى المدرسة في البداية، ليس للتعلم: “بل من أجل أن يتعودوا البقاء جالسين في هدوء والامتثال لما يؤمرون به”، وإلا استحال تغييرهم مستقبلا، لنزوع الإنسان الشديد إلى الحرية وإلى إتباع نزواته([35] ).
تهدف التربية إلى تنمية الإنسانية في المتعلم، عن طريق تعويده المبكر: “على الخضوع لأوامر العقل، ولو ترك وفق مشيئته، وبدون تربية، لاحتفظ بنوع من التوحش، وخلص إلى القول: “لا يستطيع الإنسان أن يصير إنسانا إلا بالتربية […] ومن قبل أناس ربوا هم أيضا”([36] ).
ويرى أن التربية تتطور باستمرار، فهي: “تصبح دائما أفضل باطراد، كما بوسع كل جيل أن يخطو بدوره خطوة أكثر نحو اكتمال الإنسانية”، وبالتربية يتحقق كمال البشرية([37] )، (ضد التقيد بالتاريخ) ويقر بأن تأسيس: “نظرية في التربية لهو مثل أعلى وسام […] ولو أننا غير قادرين على تحقيقه”، ويحدد لذلك شرطا، وهو: “أن تكون فكرتنا صحيحة” عن التربية، وحينئذ فقط لا: “تكون فيما بعد مستحيلة على الإطلاق”([38] )، فكانط رغم أن ما يعرضه هو “نظرية في التربية” حقيقة، اعترف أنه غير قادر على ذلك، بخلاف طه الذي ادعى ويدعي طوال كلامه أنه يؤسس “نظرية” في التربية.
لم يغفل كانط واقع التربية، فنراه بين الفينة والأخرى، يتوجه بالنقد له يقول: “إنه لشيء محزن بالنسبة إلى شخص يحب الإنسانية […] أن أغلبية أولي الأمر لا يفكرون أبدا إلا في أنفسهم”، ولا يهتمون أبدا بتطوير التربية، واعتمادا على التربية الراهنة: “فالإنسان لا يبلغ الغاية من وجوده” ([39] ). بينما يركز طه على خلو البرامج من المادة الدينية ومفاهيمها.
ولأن كانط يمتهن التفكير ويمارسه، فقد فكر في قضية التربية، إذ واجه واقع اللاتربية، فصاغ آراءه على بناء على ملاحظة الوقائع مثل: دولة العدالة، وطيور الوطواط، وعصافير الدوري والترْنُجي، إذ تدل التجربة على أن هذه العصافير هي وحدها، من بين الحيوانات تحتاج إلى تعلم الصوت من بعضها بعضا، وأورد في سياق هذه الأمثلة تجربة دالة تتعلق بزهرة”آذان الدب”، التي تختلف أزهارها من لون واحد، إلى ألوان مختلفة ومتنوعة، في حالة غرس جدع منتزع من ساقها، وحالة زرع بذورها.
بنى على التجربة قائلا: “فالطبيعة إذن وضعت فيها بالتأكيد بعض البذور، ولتنميتها لا مناص من زرع هذه الأزهار وغرسها بطريقة ملائمة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الإنسان”([40] )، وسمى “البذور” المحتضنة في الطبيعة الإنسانية بـ”الاستعدادات” المنوط بنا : “تنميتها تنمية متوازنة، ونطور الإنسانية من مبادئ نموها، ونعمل على أن يدرك الإنسان غايته” والتي يدركها الحيوان بذاته دون معرفتها([41] ).
ويؤكد من جديد فكرة تطور التربية بقوله: “إن التربية فن يجب أن تستكمل ممارسته من قبل الكثير من الأجيال، فكل جيل […] هو دائما أكثر قدرة على إرساء تربية تنمي كل الاستعدادات الطبيعية لدى الإنسان تنمية هادفة ومتوازنة، وبالتالي تقود النوع البشري بأكمله إلى غايته، وقد رأت العناية الإلهية أن يضطر الإنسان إلى أن يستمد الخير من ذاته، قائلة له على هذا النحو: امض في هذا العالم-هكذا يمكن أن يتحدث الخالق إلى الإنسان-فقد وهبتك كل الاستعدادات إلى الخير، ويجدر بك أن تنميها، وبالتالي فسعادتك الخاصة وشقاؤك بيدك”([42] )، وهنا نسجل فرقا آخر بين هذا التصور، وتصور طه، إذ التربية في نظر كانط “فن” يتطور بمساهمة الأجيال، فيضع كل جيل التربية الملائمة له، في اتجاه يقود البشرية كلها نحو غايتها، بينما التربية في تصور طه “دينية”، تقوم على استعادة ما وضعه “السلف” الماضون، وتسعى إلى استعادة الصلة بالحقائق الدينية، وهي خاصة بالمسلمين وحدهم.
فالإنسان مسئول عن تنمية استعداداته إذ: “لم تضعها العناية الإلهية فيه مكتملة كلها، وإنما هي مجرد استعدادات تفتقر إلى العلامة المميزة للخلقية، فأن يتحسن هو ذاته وأن يثقف نفسه، وأن ينمي الخلقية في ذاته إن كان شريرا”، ويخلص كانط إلى نتيجة أن: “التربية أهم وأصعب مشكلة تطرح على الإنسان”، فهي ترتبط بالتنوير: “فالأنوار تتوقف على التربية، كما أن التربية تتوقف بدورها على الأنوار”([43] ).
وبعدما قرر أن التربية تنمو خطوة خطوة، إذ لا يمكن لجيل واحد أن يرسي مفهوما دقيقا للتربية إلا بأن يعتمد على تجارب ومعارف السابقين، ثم يضيف إليها، ويورث ذلك كله إلى الجيل الذي يأتي بعده، ونوه في هذا الإطار إلى أن: “ثمة اكتشافان إنسانيان يحق لنا أن نعتبرهما أصعب الاكتشافات، وهما فن سياسة البشر وفن تربيتهم”([44] ).
طرح كانط السؤال: “من أين نبدأ بتنمية الاستعدادات الإنسانية؟”، وقاده هذا السؤال إلى سؤال آخر هل انطلق الإنسان “من حالة خالية من الثقافة أم من حالة مثقفة سلفا”، ورغم أن: “مفهوم الإنسان الأول مستعص جدا” أكد أنه: “من الصعب تصور نمو ينطلق من البربرية”، بمعنى أن حالة الثقافة هي الأصل والمنطلق، لكن تعقبها حالة البربرية، ولهذا حتى إذا سلمنا بهذه الحالة منطلقا للنمو والتربية، فإن التراجع يقع: “دائما إلى المنطلق، ويبدل الجهد دوما من جديد للخروج منها”.
لاتنمو الاستعدادات الطبيعية عفويا، ولا بشكل آلي وبدون تخطيط، وإنما تنمو بفن قائم: “على النظر والتفكير أو الروية”، وما يتم تعلمه بشكل عفوي، عن طريق التجربة، فإنه يحتوي على الكثير من الأخطاء والنقائص، لذا لابد من بناء التربية على النظر والتفكير والتخطيط([45] )، ويدل هذا الكلام، في رأينا، على أن كانط ينظر للتربية بشكل علمي، رغم تصريحه، كما سبق، بأنه غير قادر على ذلك.
يرى كانط أن المبدأ الذي ينبغي أن تقوم عليه هذه النظرية هو: “أن يربى الأطفال فقط بحسب حالة النوع البشري الراهنة، بل بحسب الحالة الممكنة التي تكون أفضل منها في المستقبل، أي وفق فكرة الإنسانية وغايتها الكاملة”([46] ) وهنا
وانتقد في هذا الإطار طريقة تعامل الآباء والحكام مع التربية، إذ هدف الأولين: “أن ينجح أطفالهم نجاحا جيدا في الحياة”، ولا يرى الأخرون في شعوبهم: “سوى أدوات لأغراضهم”، فكلاهما يغفل عن الخير والكمال الذي هيئت له الإنسانية، لذا فأي تخطيط لـ”التربية يجب أن يتخذ اتجاها كونيا أو عالميا”([47] )، وحسم موقفه، بشأن الخير الكامن في الإنسان بالقول إن البذور التي تكمن في الإنسان كلها خير: “فلا بذرة في الإنسان إلا من أجل الخير”، ولا شر في استعدادات الإنسان الطبيعية، وإنما منبع الشر في إهمال هذه الطبيعة دون تربية([48] ).
يقرر كانط بشكل حاسم أن تقتصر: “إدارة المدارس على أحكام الخبراء المشيرين أكثر من غيرهم”([49] )، بحيث تركز التربية على: “التفكير خاصة في نمو الإنسانية، والحرص على أن لا تصبح ماهرة فحسب، بل أن تصبح أيضا أكثر خلقية” و”قيادة الأجيال القادمة إلى أبعد مما مضوا هم فيه”([50] )، هنا يتضح فرق كبير بين التصورين، إذ يدل أسف طه على استبعاد رجال الدين عن مجال التربية والمدرسة، على أن هؤلاء، في رأيه، هم من ينبغي إدارة المدارس، كما يدل تركيز كانط على الأخلاق والخلقية على تهافت اتهامات طه للحداثة وفلاسفتها باللاأخلاقية، فلا تقتصر التربية في نظر كانط على الترويض: “وأن يتعلم الأطفال التفكير” فقط: “بل لابد من الحرص على التنشئة الخلقية”([51] ).
إذ يجب تعليم الأطفال مقت الرذيلة، ليس لأن الله حرمها فقط، بل لأنها في خد ذاتها مقيتة وألا يفعلوا الشر لأن: “الله هو الكائن الأكثر قداسة هو لا يريد إلا الحسن ويوجب أن نمارس الفضيلة بناء على قيمتها الخاصة، لا لأنه أوجبها”، وينتقد عصره، الذي رغم ما يتميز به من انضباط وتحضر وثقافة، بأنه لا أخلاق فيه فقرر: “أن سعادة الدول تزداد في نفس الوقت الذي يزداد فيه بؤس الشر”([52] ).
يقسم كانط التربية إلى جسمية، وعملية أو أخلاقية بواسطتها يتم تثقيف: “الإنسان كي يستطيع أن يعيش كائنا فاعلا بحرية […] كائن يتصرف بحرية ويقدر على الاكتفاء بذاته وعلى أن يكون عضوا في المجتمع”([53] )، ويحتاج معلم التربية الجسمية-البدنية إلى المعارف المتعلقة بهذه التربية([54] )، وركز على قيمة إرضاع الطفل لبن أمه، في سياق كلامه عن الغذاء، وعما: “إذا كان بالإمكان أيضا إرضاع الطفل باللبن الحيواني”، وما يقدم له إذا استنفذ لبن الأم، وهل يمكن مناولته الخمر والتوابل والملح […]([55] ).
وخلص إلى: “أن التربية الأولى تكون سالبة فحسب، أي أنه ينبغي أن لا يضاف أي شيء إلى الاحتياطات التي اتخذتها الطبيعة”، وعدم إرباكها، والاقتصار على ما يقوي عود الطفل([56] )، وتناول أيضا مسائل تفيصلية مثل تقميط الأطفال وهل تفيدهم “الهدهدة” لمنع الطفل من الصياح، حيث أكد: “أن الصياح نافع للأطفال”، ويفسد الطفل عندما يهرع إليه لنجدته عندما يصيح([57] )، فـلا يصح تحقيق جميع نزواتهم، إذ يصعب بعد ذلك كسر إرادتهم، فالطفل لايملك بعد: “أي مفهوم عن الأخلاق”، فنفسد بذلك استعداداته الطبيعية، وحينئذ نحتاج العقاب لنجعل منه طفلا مستقيما([58] ).
لا يبصر الطفل في الأشهر الثلاثة الأولى، وتنمو لديه: “القدرة على الضحك والبكاء بنمو البصر”([59] )، لاتكسر إرادة الطفل ما لم يبدأ في إفسادها، ووقف أيضا على قضية استعمال العنف مع الأطفال، فالعنف، في رأيه، يعودهم على إخفاء مشاعرهم الدفينة وعلى الزيف، فليست العصا، كما يقول: “بحق هدية رائعة حتى يعترف من أجلها بالجميل”([60] )
يمُكَّن الأطفال من استعمال قلة من الأدوات ، ثم تركهم يتعلمون المزيد بأنفسهم، إذ بهذا يتعلمون الكثير وبأنفسهم([61] )، ووقف في سياق هذا الحيز الكبير الذي خصصه للطفولة، على تربية الطفل المعاق وسأل: “نمتلك الوسائل لتقويم البنيات المعوجة التركيب والمشوهة؟”، ومتى يكون التعويد-العادات إيجابية وسلبية([62] )، وألا يكون الانضباط استعبادا نفقده حريته، ولا يقال في وجهه “أف”، فلا تجعله إلا خجولا: “فيحس بالحرج أمام الغير ويختبئ طوعا عند رؤية أشخاص آخرين […] فلا يجرؤ من بعد على طلب شيء […] ويخفي نواياه ويظهر دائما على غير ما يكون، في حين لابد له من قول كل شيء بصراحة”([63] ).
لاتنشأ مواطن الضعف لدى الإنسان من عدم تعليمه، وإنما: “من أنه لقن انطباعات خاطئة”، مثل تخويف الأطفال من العناكب والضفادع […]([64] )، وفي المقابل سلط الضوء على الأنشطة التي تنطوي على المغامرة والجرأة، رغم ما فيها من مخاطر، فرأى أن خطرها على الأطفال قليل، إذ تكسب: “القوة والمهارة والوثوق”، مثل عبور جسور ضيقة وصغيرة، وتسلق مرتفعات وعرة، والمشي على خشبة مترنحة، فالخوف من السقوط المتخيل: “يشل نوعا من أطرافهم”، والعدو، والقفز، ورفع الأثقال وحملها، والرمي، والمصارعة، والمباراة في العدو […]([65] ).
وبعدما خصص للعبة الرمي من بعيد، وقفة بين فيها أهميته في تمرين الحواس خاصة التقدير البصري، قال: “وبوجه عام، أفضل الألعاب هي تلك التي تنضاف فيها إلى تمارين المهارة تمارين الحواس، مثلا التمرن على التقدير الصحيح بالبصر للمسافة والمقدار والنسبة، والعثور على موقع الأمكنة بحسب الأصقاع”، وخلص إلى استنتاج عام ثان، بعدما أبرز قيمة مزيد من لعب الأطفال، مثل لعبة “الغمامة” أو تعصيب العينين فقال: “بوجه عام، تتميز ألعاب الأطفال بقدر كبير من الكونية […] وفي أصل هذه الألعاب نزوع طبيعي لدى الأطفال” وأن: “مثل هذه الألعاب الصبيانية توفر للرشد فيما بعد مادة التفكير، بل تكون أحيانا فرصة لاكتشافات مهمة”([66] ).
بعدما أشبع كفاية “التربية الجسمية”، انتقل إلى الكلام عن “التربية العقلية”، وبدأ، بعدما أشار إلى الاختلاف بين الطبيعة والحرية، إذ وضع قوانين للحرية مغاير تماما لتنمية الطبيعة، أنه: “مع ذلك تتوافق طبيعة الجسم وطبيعة النفس في […] أننا في كل من ثقافتي الجسم والنفس نحاول تجنب كل فساد، ونطمح إلى أن يضيف الفن شيئا ما إلى هذه كما إلى تلك”([67] )
ترتبط التربية الأخلاقية بالحرية، بينما تتعلق التربية المادية بالطبيعةـ، ويبرز الفرق في أن الإنسان قد: “يكون مثقفا جدا من الناحية المادية وذهنه مزدانا جدا [بالمعارف]، ومع ذلك يكون سيء الثقافة من الناحية الأخلاقية، وإنسانا شريرا لا غير”([68] ).
يقول: “إنه سلفا لمصيبة على قدر هام من الخطورة بالنسبة إلى الإنسان أن يكون ميالا إلى عدم النشاط، فكلما أخلد إنسان إلى الكسل، شق عليه أن يعتزم العمل”([69] )، اتخذ هذا التنبيه، مدخلا لمقاربة أهمية التربية على العمل منذ الصغر، فوقف أولا على الفرق بين العمل واللعب، من حيث إن الأول ينجز لهدف مغاير، ولهذا ليس في حد ذاته متعة، بينما اللعب ممتع في ذاته ولا يوجد هدف وراء هذه المتعة، لذا من المهم أن يتعلم الأطفال العمل: “فالإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يحتاج إلى العمل”، لأن الله لم يوفر له كل ما يحتاج إليه سلفا حتى يستغني عنه يقول: “وإننا لنخطئ […] إن تخيلنا أنه لو بقي آدم وحواء في الجنة، لما كان لهما من فعل سوى الجلوس معا وإنشاد أغان رعوية وتأمل جمال الطبيعة، فلو تحقق ذلك لعذب القلق كليهما، وعذب أيضا أناسا آخرين في وضع مماثل.
يجب أن يكون الإنسان مشغولا بحيث يتشبع بالهدف الذي ينشد”، وأفضل راحة شعرها هي التي تأتي بعد العمل([70] )، وبعد التأكيد على ضرورة تنمية الميل إلى العمل لدى الطفل قال: “إنه لفي منتهى السوء أن نعود الطفل على اعتبار كل شيء لعبا”، بدعوى أنه سيكتشف فائدة العمل بعد ذلك([71] ).
يميز في سياق مقاربته الكلية للتربية، بين نوعين من قوى النفس: دنيا وعليا، فأكد أن التربية الموجهة إلى الأولى، لابد أن تتعلق بالثانية حيث: “تنمى القوى الدنيا دائما […] من أجل القوى العليا […] مثلا ينمى الهزل من أجل الفاهمة”، فلا تنمى إحداهما منفردة عن الأخرى، فليس للقوى الدنيا، في حد ذاتها، قيمة مثل: امتلاك ذاكرة قوية دون ملكة الحكم، فصاحبها: “لا يكون سوى معجم حي”([72] )، والهزل لا ينتج إلا حماقات إن لم تنضف إليه ملكة الحكم([73] )، والتاريخ والجغرافيا وسيلة ممتازة لتدريب الفاهمة على الحكم، ويقول: “ثقافة الذاكرة ضرورية جدا، إذ تجري الأمور بحيث تتبع الفاهمة أولا انطباعات الحواس، ولابد للذاكرة من حفظها”، ومثاله تعلم اللغات الذي يتم: “إما بالحفظ الصرف، وإما بالتواصل مع الناس […] إن الحفظ ضروري جدا”([74] )
ويخلص إلى أنه: “لابد من تنمية الذاكرة في سن مبكرة، مع تنمية الفاهمة في ذات الوقت” بحفظ الأسماء الواردة في القصص، وبالقراءة والكتابة، وباللغات، مع البدء بالسماع قبل القراءة، وبالرسم، وإجمالا: “ينبغي في تعليم الطفل أن نسعى إلى الربط التدريجي ما بين المعرفة والقدرات”، والرياضة أفضل سبيل إلى ذلك([75] )، أما “الفاهمة” فتنمى بالقواعد التي ينبغي أن ترسخ في الذاكرة بشكل يزاوج: “بين القاعدة والاستعمال”، وتقسم القواعد إلى أصناف، فـ: “يأتي النحو في المقام الأول في دراسة اللغات”([76] )
يقسم التربية أيضا إلى عامة وخاصة، يحدد غاية الأولى بالقول: “المقصود ليس بقدر كبير تعليم التلميذ، بل تكوين قواه العقلية”، بينما تنشد الثانية: “المهارة والإتقان”، ويقسم العامة إلى مادية تقوم على التمرين والانضباط دون التعريف بالمبادئ، فعلى التلميذ تقبلها بـ: “الامتثال فثمة آخرون يفكرون بدلا عنه”، وأخلاقية هي التي تتأسس على المبادئ، بأن يحمل المتعلم على التصرف الحسن انطلاقا من مبادئه الخاصة، لأن كل القيم الخلقية تنبني على مبادئ الخير، وتعتمد على نشاطه لهذا لابد: “أن يدرك مبدأ الفعل وكيف يستنتج هذا الأخير من مفاهيم الواجب”([77] ).
تسعى التربية الخاصة بالقوى العقلية إلى تنمية القدرة على المعرفة، وتنمية الحواس والذاكرة، وتنمية قوة الانتباه والهزل؛ أي تنمية ملكات القوة الباطنة([78] )، وبعدما بين كيف تنمى الحواس والمخيلة، وقف عند ما سماه “القوى العقلية العليا”، وهي: “الفاهمة وملكة الحكم والعقل” يقول: “وتنمى القوى العقلية تنمية أفضل كلما أنجزنا بأنفسنا ما يراد [منا] فعله، مثلا إذا طبقنا توا القاعدة النحوية التي تعلمناها”، ملفتا إلى العناية بـ”العقل العملي”، إذ العقل النظري: “عقل ما فتئ يُوجَّه إلى الآن […] وهنا ليس المقصود العقل النظري، بل التفكير فيما يحدث، منظورا إليه من حيث أسبابه ونتائجه، إن المقصود عقل عملي من حيث تدبيره واتجاهه”([79] ).
ويقول عن كيفية تنمية العقل: “ينبغي انتهاج الطريقة السقراطية في تربية العقل […] الذي كان يسمي نفسه المولد لمعارف مستمعيه”، إذ يقدم لنا: “أمثلة على الطريقة التي بتا يمكن أن يوجه التلميذ إلى استخلاص أشياء كثيرة من عقله هو […] ولكن ينبغي هنا الحذر من تلقينهم معارف عقلية، بل ينبغي العمل على أن يستخلصوها من ذواتهم”([80] ).
وخصص للتربية الدينية حيزا ضمن تصوره، الذي لم يصرح قط أنه يرقى إلى نظرية،مع أنه كذلك، فميز في تعليم الدين بين كون الدين خاصا، وكونه عاما كليا، فالأول يناسبه “المنهج الآلي في التعلم”، إذ يقوم على التثبت من المتعلم ما قد حفظه من الأجوبة التي لقنت له، أما الثاني فيناسبه “المنهج السقراطي”([81] ).
عاد كانط من جديد إلى الطفل، فأكد أنه لا يستجاب لصياح الطفل إلا عندما نعتقد أن ضررا ما قد حصل، وعندما يصيح غضبا نتركه، ولا نستجيب لكل ما يرغب فيه بالصياح أو التوسل؛ فالأول يجعله خبيثا، ويجعله الثاني مائعا يقول: “ولابد لكل جواب بالرفض أن يظل كما هو لا رجعة فيه، فنتيجته الأولى أننا لن نحتاج في كثير من الأحيان إلى الرفض”، وإذا لم يفعل ما نرضيه، فالأفضل أن لا نفعل بدورنا ما يرضيه دون العمل على كسر إرادته، لأن كسرها: “يخلف أسلوبا في التفكير يتميز بالخنوع، وعلى العكس تخلق المقاومة الطبيعية الانقياد”([82] ).
تقوم التربية الأخلاقية على المبادئ لا على الانضباط، فهي: “تنمي طريقة التفكير، فينبغي الحرص على أن يعتاد الطفل التصرف وفق مبادئ […] يتبين هو نفسه عدالتها”، وهذه التربية: “تفترض الكثير من الأنوار لدى الأولياء والمعلمين”([83] )، فإن كذب، مثلا، فلا يجب معاقبته بل: “أن نعامله باحتقار، وأن نقول له إننا في المستقبل لن نصدقه، لكن إذا عاقبنا الطفل حين يفعل الشر، وكافأناه حين يفعل الخير، عندئذ يفعل الخير ليعامل معاملة حسنة، وعندما يدخل فيما بعد معترك الحياة، حيث لا تجري الأمور البتة على هذا النحو، وحيث يمكن أن يفعل الخير دون أن يكافا والشر دون أن يعاقب، فإنه يصبح إنسانا لا يرى كيف يشق بنجاح طريقه في الحياة، ويكون هذا الطريق حسنا أو قبيحا حسبما يجد هذا أو ذاك أكثر نفعا”([84] ).
يحسم أنه لا يعتمد العقاب لتأسيس الأخلاق، إذ: “هي أمر في غاية القداسة والسمو بحيث ينبغي أن لا نبخسها بهذه الصورة، وأن لا نضعها هي والانضباط في نفس المرتبة”، تؤسس الأخلاق بـ: “تكوين طبع ما، والطبع يكمن في القدرة على التصرف وفق مبادئ؛ وهي أولا مبادئ المدرسة، ثم مبادئ الإنسانية”،، ويتكون الطبع بجعل الأطفال: “يلاحظون في كل الأشياء مخططا معينا، وقوانين معينة ينبغي أن تتبع على أدق وجهن من ذلك مثلا أن نحدد لهم وقتا للنوم، ووقتا للعمل، وأخيرا وقتا للراحة”([85] ).
يقسم العقوبات إلى مادية ومعنوية و: “ينبغي فحسب أن تكمل العقوبات المادية ما ليس كافيا في العقوبات المعنوية”، وعندما نلجأ إلى الأولى فـ: “لن يكون بالإمكان تكوين طبع سليم بفضل هذه الأخيرة”، فالعقاب المادي لا يجعل من الطفل إلا أشد عنادا([86] )، وإلى سالبة وموجبة، تستعمل الأولى: “ضرورة حيث يتعلق الأمر بالكسل أو اللاخلقية، كالكذب”، وتصلح الثانية ضد الخبث، لكن ينبغي: “تجنب الاحتفاظ بأدنى حقد على الأطفال”([87] ).
تشتمل التربية العملية على ثلاثة عناصر وهي: المهارة، والحيطة، والخلقية؛ تقتضي المهارة ألا يتظاهر المرء بامتلاك معرفة لا يستطيع انجازها فيما بعد، أما الحيطة: “فتقوم على فن تطبيق مهارتنا على الإنسان، أي معرفة استعمال البشر لغاياتنا الخاصة”([88] )، أو بعبارة أخرى القدرة على النفاذ إلى نفوس الآخرين، ويقتضي هذا أن يعرف الطفل: “كيف يصير كتوما وعصيا على الفهم”، وتتعلق الخلقية بالطبع يقول: “تحمل وازهد [في الملذات]: هذا يعد [المرء] لاعتدال منتصر”، وهو ما يقتضي “استبعاد الأهواء”، ويحتاج تعلم الاستغناء، التحلي بالشجاعة والفكر([89] ).
يؤسس الطبع الخلقي لدى الطفل بـ: تلقينه الواجبات التي عليه أن يقوم بتا من خلال أمثلة وتوجيهات، وهي الواجبات المعتادة تجاه الذات وتجاه الآخرين([90] )، تتمثل الأولى: “في امتلاك إحساس داخلي معين بالكرامة يجعل الإنسان أنبل من سائر المخلوقات جميعا”، ومن الواجب عدم التخلي عن كرامة الإنسانية هذه، ويعرض كانط للتخلي عن الكرامة الأمثلة التالية: إدمان الخمر، ارتكاب الآثام المخالفة للطبيعة، وممارسة شتى أنواع المجون: “أي سائر الأمور التي تنزل الإنسان دون الحيوان بكثير”، التذلل أمام الآخرين ومدحهم لاستقطاب عطفهم.
أما الواجبات تجاه الآخرين: “فينبغي أن يلقن الطفل في سن مبكرة جدا، التقدير والاحترام اللذين يجب أن يكنهما لحق الآخرين” مع الحرص على أن يمارس ذلك‘[91] ) يقوم الواجب نحو الذات: “على حفظ كرامة الإنسانية في شخصه الخاص، فالإنسان يؤاخذ نفسه عندما يضع الفكرة المطلقة الإنسانية نصب عينيه، و […] هي النموذج الأصلي الذي به يقارن نفسه”([92] ).
ويقدم مثال التواضع فيقول: “التواضع ليس على وجه الدقة سوى مقارن قيمتنا بالكمال الأخلاقي”، لذا لا ينبغي أن يعتبر الإنسان قيمته بحسب الآخرين، فإنه حينئذ: “يسعى إما إلى التفوق عليهم، وإما إلى الحط من قيمة الغير، وهذا الموقف الأخير هو الحسد”([93] ).
ومما يدل على أنه يؤسس “نظرية في التربية”، إضافة إلى ما سبق، سؤاله هل الإنسان خير أم شري بالطبع؟ يقول جوابا عنه: “إنه ليس هذا ولا ذاك، لأن الإنسان ليس كائنا أخلاقيا بالمرة؛ فهو لا يصير كائنا أخلاقيا إلا عندما يرتقي عقله إلى مفهومي الواجب والقانون، ومع ذلك يمكن القول إنه يحتوي في ذاته أصلا على دوافع تبعث على جميع الرذائل […] مع أن العقل يدفعه من الجهة المضادة”([94] )، فلا يكون مستقيما أخلاقيا إلا بالفضيلة.
وختم كانط تأملاته بالسؤال: “ما هو الدين؟ الدين هو القانون الذي يوجد فينا […] فهو أخلاق مطبقة على معرفة الله”، ثم يقول ربطا بالتربية الأخلاقية: “الدين الذي لا ينبني إلا على اللاهوت، لا يمكن أبدا أن ينطوي على جانب أخلاقي، فلن تجد فيه من جهة سوى الخوف، ومن جهة أخرى سوى مشاريع ونوايا توجهها فكر الثواب”، فيجب أن تكون الأخلاق أولا، ثم يتبعها اللاهوت: “وهذا نسميه دينا”.
وسبق أن علق على “دين اللاهوت” بالقول: “إن دينا يجعل الإنسان مغتما هو دين مزيف، إذ على الإنسان أن يتعبد الله بقلب جذلان لا بالإكراه”([95] )، وبين معنى كون الدين القانون الذي فينا بالقول: “إن القانون الماثل فينا يسمى الضمير، والضمير على وجه التحديد هو تطبيق أفعالنا على هذا القانون، وتظل مآخذ الضمير دون تأثير إن لم نعتبرها الممثلة للإله، الذي أقام فوقنا عرشه الرفيع، فالدين من غير الضمير الخلقي لا يعدو أن يكون مجموعة من الشعائر تتسم بالتطير”([96] ).
على سبيل المقارنة
قد يبدو أنه من الإجحاف في حق تصور كانط للتربية، أن يقارن به رأي طه عبد الرحمن، للأسباب التي يمكن استخلاصها من العرض التحليلي للتصورين، كما عرضناه بالتوثيق، لكن، وكما أشرنا في المقدمة، فإن المقارنة ضرورية بالنسبة لنا، نحن الذين نتقاسم مع طه الانتماء الثقافي، وهو الانتماء الذي يبرر له الحق في “التنظير” لنا ، ليس في مجال التربية فحسب، بل لحياتنا كلها، إذ المقارنة في هذا المقام مقارنة اختبار، خاصة أنه يدعي ينجز لنا “بدائل” تغنينا عن مشاريع الحداثة الإنسانية.
تتعدد مداخل المقارنة بين التصورين، وكلها توصل إلى المرجو، وأول ملاحظة تثير في الخطابين، تتعلق بمدى عملهما على “تأسيس نظرية” في التربية، فعلى الرغم من أن عمل كانط تتوفر فيه شروط “نظرية في التربية” حقيقية، لم يصرح ولو مرة واحدة بأنه كذلك، بل صرح عكس ذلك بأنه غير قادر، بينما نجد طه أكثر الكلام على أنه يؤسس “نظرية في التربية الإسلامية”.
فإذا سلمنا أن الشروط التي ترفع التصور إلى مستوى “النظرية”، هي اتسامه بالتسلسل والاطراد والشمول، فسنجد أن هذه السمات تتوفر في خطاب كانط حول الموضوع، إذ تسلسل كلامه عن التربية من الكليات إلى الجزئيات والتفاصيل، واطرد بشكل منطقي حيث يرتب النتائج على المقدمات، كما اتسم بالشمول حيث غطى خطابه قضية التربية في جميع عناصرها ومكوناتها، فقد حضرت التربية بوصفها حاجة ضرورية للكائن البشري وحده من بين كل الكائات الحية، واحتل فيه المتعلم المكانة التي يستحقها بوصفه المستهدف بفعل التربية، طفلا ومراهقا وإنسانا، كما غطى جميع الجهات التي تتدخل في العمل التربوي وعلى رأسها المعلمون، والمدرسة والأسرة والسلطة.
وقدم تقسيات للتربية عكست تنوعها، منها التربية الجسمية، والعملية الأخلاقية، والتربية العامة والخاصة، والتربية المادية والمعنوية، والتربية الدينية والأخلاقية، أما من حيث المادة التربوية فقد تميز خطاب كانط بالغنى، وهو ما يدل عليه الجهاز المفاهيمي الذي يتشكل منه، وتؤثث هذا الجهاز المهافيم التالية: الحرية، العقل، الإرادة، الإنسان، الإنسانية، النوع البشري، الجسم […]
الاستعدادات، الميول، النزوع-النوازع، الأهواء، الطبيعة، الخير، الشرير، القوى العقلية، النفس، يلي هذه اللائحة مفاهيم: الانضباط، القانون، العقاب، الواجب، وبعدها مفاهيم: الغذاء، الرياضة، العمل، الترويض، المهارة، الإتقان، التعويد، وأخيرا: الفكر، الأخلاق، الدين […]
بينما خطاب طه عبد الرحمن اختزالي، إذ تمحور حول “الدين” و”التديين”، وموجه للمسلم فقط بدون تفصيل عما إذا كان المسلم طفلا أو غيره، وهو ما يدل عليه معجمه ومفاهيمه التي تتمثل في: الإنسان الأبتر، الإنسان الكوثر، فقه التربية، نظرية تربوية إسلامية، الدين ، الأحكام الدينية، تعاليم الشرع، عالم المسلم، رجال الدين، العقل المسدد، عقل الشرع، العودة إلى الذات، استعادة الهوية الثقافية، تربية مأصولة، تربية منقولة، البصيرة، التزكية، التطهر، النور، رد الشبه، المخالقة، التفوق الأخلاقي، التخليق، التأييد الإلهي، إحياء القلب.
حسن العلوي
[1]-سميناه في مقالة لنا بـ”:استرتيجيات الخطاب”، حيث يتحدث في الخطاب عن شيء، ويكرس نقيضه في المضمون، انظر موقع “كوة” الإلكتروني.
1-طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، المؤسسة العربية للفكر والابداع، الطبعة الثانية، لبنان بيروت، 2016، ص، 25.
[3] -المرجع السابق، ص، 26.
[4] -نفس المرجع، ص، 26.
[5] -نفس المرجع، ص، 26.
[6] -المرجع السابق، ص، 27.
[7] -نفس المرجع، ص، 28.
[8] -نفس المرجع، ص، 29.
[9] -نفس المرجع، ص، 35.
[10] -نفس المرجع، ص، 35.
[11] -انظر مقالاتنا المنشورة في موقع “كوة” الإلكتروني.
[12] -نفس المرجع، ص، 36.
[13] -نفس المرجع، صن 36.
[14] -نفس المرجع، ص، 36.
[15] -نفس المرجع، ص، 37.
[16] -المرجع السابق، ص، 37.
[17] -طه عبد الرحمن، التأسيس الائتماني لعلم المقاصد، ص، 337.
[18] -طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق، ص، 38.
[19] -نفس المرجع، ص، 38. يذكر هذا بدعوته إلى إخضاع العلم أيضا لـ”الدين”، بل قرر ما يؤكده هنا، إذ يرى أنه بدل الاستدلال بالعلم لإثبات صحة الدين: “كان الأولى أن يستدل على حدود العلم الطبيعي بتعاليم الدين، كما يستدل على الفرع بالأصل، أو يستدل على الأدنى بالأعلى”. (42)
[20] -نفس المرجع، صن 39.
[21] -نفس المرجع، ص، 40.
[22] -المرجع السابق، ص، 42.
[23] -طه عبد الرحمن،. روح الحداثة، ص، 88.
[24]طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق، ص، 65.
[25] -المرجع السابق، ص، 43-44.
[26] -المرجع السابق، ص، 44،
[27] -المرجع السابق، ص، 48.
[28] -المرجع السابق، ص، 49.
[29] -المرجع السابق، ص، 54-55.
[30] -المرجع السابق، ص، 56.
[31] -إمانويل كانط، ثلاثة نصوص: تأملات في التربية، ما هي الأنوار، ما التوجيه في الفكر، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس، الطبعة الأولى، 2005، ص، 14.
[32] -المرجع السابق، ص، 14.
[33] -المرجع السابق، ص، 15.
[34] -المرجع السابق، ص، 15.
[35] -المرجع السابق، ص، 15.
[36] -المرجع السابق، ص،13.
[37] -المرجع السابق، ص، 14.
[38] -المرجع السابق، ص،15.
[39] -المرجع السابق، ص، 14-15
[40] -المرجع السابق، ص، 15-16.
[41] -المرجع السابق، ص، 16.
[42] -المرجع السابق، ص، 17.
[43] -نفس المرجع، ص، 17.
[44] -نفس المرجع، ص، 18.
[45] -نفس المرجع، ص، 18.
[46] -نفس المرجع، ص، 19.
[47] -المرجع السابق، ص، 19.
[48] -نفس المرجع، ص، 20.
[49] -نفس المرجع، ص، 21.
[50] -نفس المرجع، ص، 22.
[51] -نفس المرجع، ص، 22-23.
[52] -نفس المرجع، ص، 23.
[53] -نفس المرجع، ص، 28.
[54] -نفس المرجع، ص، 30.
[55] -نفس المرجع، ص، 30-31.
[56] -المرجع السابق، ص، 33.
[57] -المرجع السابق، ص، 33.
[58] -نفس المرجع، ص، 34.
[59] -نفس المرجع، ص، 35.
[60] -نفس المرجع، ص، 35.
[61] -نفس المرجع، ص، 36.
[62] -نفس المرجع، ص، 37-38.
[63] -نفس المرجع، صن 39.
[64] -نفس المرجع، ص، 40.
[65] -نفس المرجع، ص، 42.
[66] -المرجع السابق، ص، 43-44.
[67] -نفس المرجع، ص، 45.
[68] -نفس المرجع، ص، 46.
[69] -نفس المرجع، ص، 47.
[70] -نفس المرجع، ص، 47-48.
[71] -نفس المرجع، ص، 48.
[72] -نفس المرجع، ص، 48.
[73] -نفس المرجع، ص، 49.
[74] -نفس المرجع، ص، 49.
[75] -نفس المرجع، صن 50-51.
[76] -نفس المرجع، صن 52.
[77] -نفس المرجع، ص، 52-53.
[78] -نفس المرجع، ص، 53.
[79] -نفس المرجع، ص، 54.
[80] -نفس المرجع، ص، 55.
[81] -المرجع السابق، ص، 55.
[82] -نفس المرجع، ص، 58.
[83] -نفس المرجع، ص، 58.
[84] -نفس المرجع، ص، 58-59، ويؤكد أنه لايعطى الأطفال مكافآت، إذ يصبحون بهذا نفعيين، فينتج عنه الاستعداد للإرتزاق، ص، 61.
[85] -نفس المرجع، ص، 59.
[86] -نفس المرجع، ص، 61-62.
[87] -نفس المرجع، ص، 63.
[88] -نفس المرجع، ص، 65.
[89] -نفس المرجع، ص، 67.
[90] -نفس المرجع، ص، 68.
[91] -نفس المرجع، ص، 69.
[92] -نفس المرجع، ص، 70.
[93] -نفس المرجع، ص، 72.
[94] -المرجع السابق، ص، 73.
[95] -نفس المرجع، ص، 63.
[96] -نفس المرجع، ص، 76.