الرئيسية / كتاب كوة / علي محمد اليوسف / المكان: المادة والفراغ

المكان: المادة والفراغ

علي محمد اليوسف

علي محمد اليوسف

ملاحظة بدئية: المقال يعالج العنونة(علاقة المكان بالفراغ) وفق منهج فلسفي ميتافيزيقي وليس وفق قوانين  فيزيائية ونظرية علمية كوزمولوجية. ولا علاقة تربط بين الفراغ المكاني والعدم الوجودي. الفراغ وجود موجود والعدم وجود غير موجود ولا مجال الربط بينهما.

تمهيد:

ما علاقة المكان بالخلاء (الفراغ) وايهما يدرك بدلالة الاخر.؟ هل يدرك المكان بدلالة الفراغ ام يدرك الفراغ بدلالة المكان؟ ام لا فرق بين الاثنين في تبادل الدلالة المشتركة بينهما. وما هو الفرق بين الفراغ المكاني الافتراضي والعدم الوجودي الافتراضي ايضا؟ وهل الفراغ المكاني يكافيء(يرادف) معنى العدم الوجودي؟ الفراغ يدرك بدلالة الاحتواء المكاني المادي والعدم يدرك بملازمة افنائه للحياة في كل كائن حي. لذا لا رابطة افتراضية ساذجة بين الفراغ المكاني والعدم الوجودي.

كما لا ندرك  الفراغ المكاني المحدود الا بدلالة المتعين المادي الذي يشغله داخليا ويحتويه.. ولا ندرك العدم الا بدلالة خاصية موت وفناء الكائنات الحيّة. عليه يكون الفرق بين الفراغ الذي يعرف بخاصيته العلائقية الارتباطية بالمكان. والعدم  يدرك بعلاقته الارتباطية الافنائية للموجودات والكائنات الحية منها وجود الانسان الذي يطاله العدم الافنائي له بالموت.

العدم لا يشتغل كونيا بل ارضيا طبيعيا يستهدف الحياة بعلاقته الافنائية  للاحياء فقط. الفراغ هو الحيزالمحدود مكانا غير المشغول بالمادة ولم تستوطنه المادة امتلاءا. والفراغ هو الحيز المدرك بدلالة محدودية استيعابه المادة واحتوائه لها فيه. هل الفراغ محدود ام لا متناه وبدلالة ماذا ندرك الفراغ مكانيا فيزيائيا؟

الفراغ المدرك عقليا هو مكان محدود تشغله المادة ويحتويها, والمكان المطلق غير المدرك المتعيّن بدلالة المادة التي تحتويه يكون لا متناه غير مدرك حتى على مستوى القصور التصوري له. الفراغ تحده المادة وجودا ولا يحده التصور المجرد غير المادي حدسيا. الفراغ شكل مادي وليس شكلا بلا محتوى الدلالة في تعيّنه.

الخلاء فراغ مكاني غير مدرك لا يطاله العدم الافنائي بسبب الفراغ كلازمة مكانية يفتقد الحياة. فالعدم هو فناء الموجودات الحيّة في مكان محدود هو الطبيعة من ضمنها إفناء الانسان بالموت. المكان المحدود هو فراغ مدرك يحتاج امتلاءا ماديا. من المحال اقتران الفراغ المكاني بالعدم الافنائي… بسبب ان الفراغ المكاني افتراض غير حي لا يطاله العدم الافنائي. كما ان العدم بمعنى الافناء البيولوجي لا يشتغل في الفضاء الكوني الذي تحكمه الانشطارات الكوكبية وعلاقاتها فيزيائيا في التمدد والانكماش والانفجار والتشظي وعلاقتها بقانون الجاذبية العام. وجميعها كواكب كوزمولوجية غير حيّة. والثقوب السوداء في ابتلاعها تلك المخلفات الفضائية الناتجة عن انتهاء دورة وجودها الكوني بحكم قانون الجاذبية العام فهي ليست عدما افنائيا. وانما هذه الابتلاعات هي تحولات نوعية في اشكال من المادة تدّخر الطاقة ولا تفنيها.

المكان ومحدودية الامتلاء المادي

يطرح المفكر صادق جلال العظم اشكالية المكان والفراغ على لساني كلا من لايبنتيز وكلارك قوله : مشكلة لا نهائية الكون بالنسبة للايبنتيز تتلخص بالسؤال التالي : هل العالم متناه ام غير متناه بما فيه الزمان والمكان؟  ويعتبر لايبنتيز وجود المكان مرتبطا بوجود المادة, ولا يمكن اثارة مشكلة لا نهائية المادة دون اثارتها ايضا بالنسبة للمكان. وان كمية المادة الموجودة في الكون هي اقل مما يمكن ان تكون عليه, اي ان الله لم يملأ المكان المطلق بالمادة, لذا نجد كلارك يدافع عن وجود الخلاء بالطبيعة ويرفض القول ان الكون امتلاء. 1

ملاحظات تعقيبية:

  • هل المكان يتعين بمحدودية الفراغ التي لا يمكن ادراكها ام بمحدودية المادة التي تشغل المكان وجودا انطولوجيا؟ العالم امتلاء مادي مكانيا – زمانيا ومن غير الامتلاء المادي لا نتمكن ادراك فراغ. العالم كفراغ الذي لا يحتوي المادة خال منها هو عالم افتراضي لا يمكن ادراكه والتاكد من وجوده. الفراغ دلالة مادية وليس دلالة وجودية مستقلة لحالها.الفراغ هو تصوريحتاج الامتلاء المادي على الدوام.
  • قول كلارك لايوجد الخلاء بالطبيعة تعبير موفق كونها ممتلئة ماديا, اما ان يرفض ان يكون الكون امتلاءا فهو تعبير يقوم على مبدأ عدم امكانية الاحاطة المحدودية بالكون الفضائي كما هو حال الاحاطة المحدودية بكينونة الطبيعة او الارض.

القانون الفيزيائي الكوزمولوجي ان الكون لا زال في حالة من التمدد نتيجة الانفجار العظيم يجعل فرضية كلارك ان المادة الموجودة في المطلق الكوني ناقصة والمطلق غير ممتليء تعليل مقبول. كون التمدد الكوني يحتاج فراغا يملأه على الدوام. لكن القول ارادة الله جعلت المادة في المطلق الكوني ناقصة يحتاج اثبات غير ميتافيزيقي. لكنما البرهان الذي يؤيد فرضية  نقصان المادة بالكون ان الكون في حالة من التمدد الدائم الذي غالبا ما يحتاج الفراغ ليستوعب تمدد المادة الاصلية فيه ولا يحتاج الكون المادة الاضافية الطارئة عليه.. لذا التمدد الكوني يحتاج الفراغ ولا يحتاج المادة.

  • ملازمة المادة للمكان ملازمة ادراكية سليمة لكن كيف يتسنى لنا معرفة ملازمة الفراغ للمكان؟ اي كيف يتسنى لنا ادراك مطلق المكان بدلالة محدودية الفراغ؟ في حين يدرك فراغ المكان بدلالة إحتوائه المادة انطولوجيا.؟
  • –          عبارة كمية المادة الموجودة في الكون هي اقل مما يتوجب ان تكون عليه في ملئها الفراغ المطلق يقودنا الى نتيجة فيزيائية تبدو غريبة فلسفيا هي ان الله جعل الانفجارالكوني العظيم بارادة مسبقة منه, ولم يحدث الانفجار العظيم نتيجة صدفة عمياء. ولو لم يخلع الله على الكون صفة التمدد المادي الذي يجد امامه على الدوام فراغا يستوعب تمدده لكان هذا الكون توقف بانتظار الارتداد الانعكاسي في التقلص الانكماشي للفضاء الراجع للوراء. وامتلاء الكون بالمادة او نقصانها فيه لا يعني توقف الامتداد في ملئه الفراغ الكوني المزعوم كي لا يعود بعد التوقف التراجع نحو الانكماش. الانكماش الارتدادي للكون هو حتمية لا بد من حصولها حسب تنبؤات علماء الفضاء حيث ان استهلاك الفضاء الكوني المستمر للطاقة سيجعل من التمدد مستحيلا.
  • في حال اقرارنا الفيزيائي العلمي ان الكون لازال في حالة من التمدد فهذا يلغي معنى محدودية المادة بالكون ومعنى ادراك الفراغ فيه ايضا. لذا ارجّح نظرية كلارك ان كمية المادة الموجودة بالكون غير كاملة تماما, وان الكون غير ممتليء ودائما يوجد فراغ يتقدمه او يسبقه يتناغم مع القول ان الكون في حالة من التمدد المستمر الدائم.. اذ لا معنى بغير هذا التعليل ان نقول الكون المطلق ممتليء بالمادة وهو في حال تمدد مستمريستلزم فراغا يسبقه.
  • طالما لا يمكننا تحديد الفراغ الكوني نكون مجبرين اعتبار الكون امتلاءا ماديا ناقصا كي يحتوي التمدد الحاصل بالكون الذي لا زال ساري المفعول ولم يتوقف ما يرتب على ان الفضاء الكوني هو ليس مطلقا ناقص الاحتواء المادي بالنسبة لنا لكنه نسبي محدود عند الله خالقه. والتمدد الكوني يكون بحاجة دائمة لفراغ يستوعبه. لذا جعل الله المادة ناقصة على الدوام في امتلاء المكان أي بالاحرى جعل فائض فراغ  ملازم يستوعب التمدد الكوني على الدوام.
  • ولا يعني هذا امكانية العقل ادراك الفراغ المكاني قبل استيعابه المادة سواء كاملة ام ناقصة. الفراغ لا يدرك بغير دلالة احتوائه المادة. هل من الممكن ان نتصور التمدد المادي الكوزمولوجي لا يجد امامه فراغا يستوطنه التمدد الجديد المستمر الحادث عليه.؟ اعتقد هنا نصل الى باب موصد نكون نحن فيه من السذاجة مطالبة الفضاء الكوني التوقف عن التمدد بحجة انه لا يجد فراغا يستوعب تمدده.
  • هذا الاستنتاج في الفقرة السابقة يجعلنا نتساءل اذا كانت كمية المادة الموجودة بالكون ناقصة, فهذا يلزم عنه ان تمدد الكون يكون بحاجة دائمية الى فراغ يسبقه يحتوي تمدده وهو تصور يمتلك مسوغاته لكنه يحتاج تحقق اثباته بدلالة موجودية فراغ دائمية بانتظار احتواء التمدد الاضافي الحاصل.. الكون لا يحتاج مادة اضافية تسد النقص فيه, بل يحتاج فقط الفراغ الذي يستوعب تمدده الدائم.

نيوتن والفراغ المكاني

يطرح المفكر صادق جلال العظم انه لكي نقيم علاقة مقارنة بين نظرية نيوتن مع رأي كانط ” فقد اعتبر نيوتن المكان وعاءا فارغا يحتوي الاشياء, ولهذا الوعاء طبيعة وخصائص مطلقة لا تتاثر بنوعية الاشياء الموجودة فيه. اي ان الوعاء يحتفظ بجميع خصائصه مهما كانت طبيعة الاشياء التي يحتويها ومهما كانت القوانين التي تضبط تفاعل هذه الاشياء. لذلك يرى نيوتن ان وجود الوعاء الفارغ سابق على وجود المحتويات, وحتى لو ابيدت المادة الموزعة في انحاء المكان ابادة تامة لما مسّه أي تغيير أو تحول ويبقى على حاله دوما.” 2

تعقيب ومداخلة :

  • لا يمكن تصور المكان بابعاد فيزيائية مادية ثابتة او متغيرة بمعزل عن خواص الاشياء المادية داخله. المكان شكل لمحتوى مادي يتأثر به. القول بامكانية تعيين المكان فارغا من محتوى مادي فيه هو افتراض تصوري وهمي لا يتحقق فيزيائيا ولا حتى ميتافيزيائيا. الفراغ يدرك بدلالة المادة المحتواة فيه ولا تدرك المادة بدلالة احتواء الفراغ لها.
  • لا يمكننا الجزم ان الفراغ المكاني يحتوي خواصا ثابتة لا تتغيرهي غير خصائص المادة داخله. كما ان محتويات الفراغ المكاني سابقة في وجودها على فراغها الوعائي.المادة هي التي تعيّن المكان بدلالة الاحتواء الفراغ لها.
  • الفراغ المكاني لا يمتلك خواصا انفرادية عن خواص محتوياته المادية. كما ان الابعاد الثلاثية للمادة كمتعين موجود هي ليست الابعاد الثلاثية للفراغ المكاني. لا يوجد ما يجعل الفراغ يمتلك ابعادا ثلاثية مادية قبل احتوائه المادة. الفراغ  المكاني الاحتوائي هنا لا يمتلك جوهرا ماهويا لا يتاثر بمحتوياته المادية الموجودة فيه.
  • لا يوجد فراغ محدود, ولا فراغ مطلق يسبق قابلية الاحتواء المادية له. الفراغ المكاني الكوزمولوجي هو تصور ميتافيزيقي ولا يعطيه صفة الادراك المادية الا المادة نفسها التي يحتويها. الفراغ هو شكل ميتافيزيقي لا يدرك الا بإحتواء مضمون مادي مدرك.

لايبنتيز والمكان المطلق لنيوتن

وجدت مقاربة بين ماذهبت له كان سبقني اليها بقرون عديدة لايبنتيز قوله ( تصور المكان الذي نحصل عليه عن طريق التجريد من علاقة الاشياء الموجودة ببعضها )3 . بمعنى ادراك المكان لا يتم بغير دلالة علاقات الاشياء المادية التي يحتويها.كما اجد انه لا يدرك المكان الا في الحالات التالية:

  • يدرك المكان بدلالة تعالقه مع الزمن الادراكي له.
  • ويدرك المكان بدلالة احتوائه المادة اوبدلالة علاقات الاشياء داخله.
  • ادراك المكاني كمتعين انطولوجي لا يشبه ادراك الفراغ المكاني ميتافيزيقيا. فعندما ندرك المكان انما نحن ندرك محتواه المادي ولا ندرك شكله المجرد كفراغ لا تحكمه متعينات من الابعاد.

يعقب المفكر العظم على عبارة لايبنتيز التي مررنا عليها قائلا:(  تشير عبارة لايبنتيز هذه الى نظريته في المكان, فلقد عارض هذا الفيلسوف نظرية المكان المطلق  التي قال بها نيوتن بشدة. وقال ان المكان هو نظام الاوضاع وينشا حين تدرك عدة ظواهر في وقت واحد, فاذا تلاشت هذه الظواهر تلاشى معها المكان. وتصور المكان نفسه ناتج عملية تجريد من علاقات الاشياء الموجودة.)4

لم اجد ارتباطا منطقيا في مقدمة عبارة لايبنتيز مع ختامها ان تصور المكان يكون ناتج تجريده من علاقات الاشياء, في حين سبق قوله في نفس العبارة اذا تلاشت ظواهر علاقات الاشياء يتلاشى معها المكان. ادراك المكان كما افهمه وثبته في حالتين سابقا هما ارتباط المكان بدلالة زمانية كما دعا له كانط, والثانية ادراك المكان بدلالة محتوياته كما اشارله لايبنتيز.

السؤال لماذا رفض لايبنتيز المكان او الفضاء المطلق في نظرية نيوتن قبل ان يدحضها انشتاين في النسبية العامة؟ ولماذا تبنى كانط الفضاء المطلق؟

اجابة هذا التساؤل نجد توضيحه لدى المفكر صادق العظم انه بالعودة الى كتاب اويلر ” تاملات في الزمان والمكان ” نجد دلالة القصور الذاتي هي السرعة الثابتة لجسم لا يقع تحت تاثير اي قوى خارجية.- المقصود قانون الجاذبية تحديدا – ولا تتحقق هذه الحالة الا اذا كان الجسم وحيدا بالكون لان وجود جسم اخر معه سيؤثر عليه وفقا لقانون الجاذبية العام. ان قانون القصور يفترض امكان وجود جسم واحد في المكان المطلق.5

ويمضي صادق العظم ان قناعة كانط بمطلق المكان لدى نيوتن جاءت تلبية لقناعته بالاسباب التي اقام عليها اويلر حجته وهي:

  • قانون القصور الذاتي يفترض امكانية وجود جسم واحد في المكان المطلق.
  • وجود هذا الجسم منفردا محال لان المكان ناتج علاقة جسم باخر.
  • حسب نيوتن وجود مثل هذا الجسم ممكن لان مطلق المكان يحتويه.
  • قانون القصور الذاتي يفترض وجود المكان المطلق.6

اجد في الفقرتين الثانية والثالثة تناقضا واضحا لم اجد تعليلا له لكن من المهم الاشارة الى تخلي كانط التسليم بمطلق المكان كما قال به نيوتن بعد تاييده له تحت ضغط حجج اويلرالخاطئة. ولم يعش كانط ليرى ماذا فعل انشتاين بالنسبيتين نسبيتي الزمان والمطلق.

كانط والحدس الادراكي للمكان

يرد على لسان المفكر صادق العظم نقلا عن كانط قوله:

  1. اننا نستطيع حدس غياب المكان.
  2. اننا نستطيع حدس المكان خاليا من الاشياء.

نستطيع تخطئة العبارة الاولى من حيث ان الحدس هو خبرة قبلية في معرفة ما هو مادي يحتويه فراغ مكاني, ومن المتعذر علينا ان نحدس غياب المكان (الفراغ) من غير دلالة مادية تشير له, من غير محتوى مادي يحتويه. والقول في ثانيا امكانية ان نحدس المكان خاليا من الاشياء تلاعب لفظي في اعادة صياغة تركيب العبارة الاولى ما يرتب علينا امكانية حدس غياب المكان مع امكانية حدسه خاليا من الاشياء. الجملتان ينطبق عليهما نفس المعيار الفلسفي, فالعقل لا يحدس الا مادة متعينة في مكان محدود استوعب المادة احتوائيا. وهذا الحدس الذي نمتلكه هو تراكم خبرة قبلية عن المادة وليس في انفكاكها عن المكان فنحن لا نستطيع فصل المادة عن المكان الا في حالتين من التمظهر الوجودي الاولى حدس المادة بدلالة زمان مجرد يلازمها, ولا ينسحب الحدس على الفراغ مجردا من محتواه المادي. وحدس المادة مجردة عن شكلها المكاني الاستيعابي يعتبر تعجيز عقلي بما لا يستطيعه.

المكان والمطلق

نظرية نيوتن حول المكان المطلق التي ايدها كانط ليرفضها لاحقا, اما لايبنتيز فهو كان عارضها بشدة ولم يتراجع عن موقفه المناوىء لها. حتى مجيء انشتاين الذي دحضها تماما في النسبية العامة.

اسئلة عديدة تتعالق بمقولة المكان هل هو مطلق بلا فراغ ولا امتلاء مادي؟ وهل نستطيع حد المكان بمطلق افتراضي؟ ثم هل المكان المقصود به الطبيعة ام المطلق هو الكوني؟ بضوء ان العالم الارضي اصبح محدودا ادراكيا ولا يطاله مطلق بذاته بل تطاله محدودية  بدلالة انه كوكب يدور حول نفسه وحول الشمس من مجموع ملايين بل المليارات من مجرات كونية كوكبية غير محدودة ادراكيا لنا.

هل المحدود المتعين يختلف عن المطلق المتماوج الحركة غير المتعين بخاصية التمدد ثلاثي الابعاد الذي يحكم علاقة المادة بالمكان؟. كوكب الارض محدود بدلاله كونه جسم دائري غير مسطح افقيا – اي غير محدب منبسط وجه وظهر فقط – فالمستقيم الذي نرسمه على شكل دائري على مجسم كرة ارضية لا يسير بخط مستقيم لامتناه بل يسير بخط منحني يقوده بالمحصلة الاخيرة الى نفس النقطة التي انطلق منها رسمنا المستقيم على سطح كروي.

السؤال الفيزيائي العلمي والفلسفي معا هل المطلق الكوني فراغ غير ممتليء بالمادة ناقص بدلالة ان الكون في حال حركة مستمرة من التمدد الدائمي الذي يحتاج فراغا مكانيا يستوعبه ويحتويه في تمدده.؟ بعض الفلاسفة يذهبون الى ان المادة الموجودة في المكان المطلق ناقصة بقدرة الهية والا نقع في لا نتصور تمدد الكون.

هل نستطيع اعتبار الامتلاء المادي الطبيعي في الارض امتلاءا تاما لا نقص يعتريه ولا فراغ يداخله؟ وعن هذا التساؤل هل يمكننا الاستنتاج فيزيائيا ان كوكب الارض في دورانه حول نفسه وحول الشمس لا يتمدد ولا يتقلص تحكمه محدودية عدم وجود فراغ يملاه بالمادة في حالة تمدده. انشتاين اثبت ان الزمن يتمدد ويتقلص وهو ما لا نلحظه في حركة الارض الثابتة لكن يمكن اثباته فيزيائيا كوزمولوجيا..

الطبيعة النسبي والكوني المطلق

اذا كان النسبي(الطبيعة) والمطلق(الكوزمولوجي) الزمانيين لا يمكن التفريق بينهما بدلالة الماهية الكلية الموحدة للزمان, فان النسبي المحدود والمطلق غير المحدود المكانيين متاح التفريق بينهما بدلالة الفراغ والامتلاء المادي. فالامتلاء المادي مكانيا في الطبيعة المحدودة والكوني المطلق اللامتناهي انما يتم بدلالة (الفراغ).

السؤال هل الطبيعة امتلاء مادي بدلالة الفراغ غير الموجود فيها, فكوكب الارض الكروي لا ينبسط في امتداد حركي لا افقي ولا في اي اتجاه من الابعاد. الارض كوكب كروي واحد شكل ومحتوى لا مجال فراغ خال خارجها  يمكنها ان تشغله. اما الامتلاء الكوني بالمادة فهو امتلاء ناقص يستوعب حركة الامتداد الانبساطية للكون.

هل الطبيعة المحدودة امتلاء مادي ناقص تحتوي فراغات لم تشغلها المادة؟ ام هي كما اوضحنا سابقا انها امتلاء مادي كامل مكتف بنفسه ولا يحتوي فراغا. طبعا الطبيعة وجود مادي ممتليء تماما ولا يحكمه قانون التمدد. بخلاف الكوني الذي هو امتلاء ناقص بسبب حركة التمدد الدائمية التي تحكمه. لماذا لا يمكن حد الكوني بالامتلاء المادي كما نفعل مع الطبيعة؟ ان التمدد الكوني المستمر لا يمكن ان يكون امتلاءا ماديا تماما. بل يجب ان يكون التمدد داخل فضاء من الفراغ الذي يلازمه ويحتويه مكانيا.

علي محمد اليوسف /الموصل

الهوامش:

  1. صادق جلال العظم/دراسات في الفلسفة الغربية المعاصرة/ ص 34
  2. نفسه ص 44
  3. نفسه هامش ص 47
  4. نفسه ص 47
  5. نفسه ص 49

****

علي محمد اليوسف: الكلمات ومحمولات المعنى، فلسفة وسرديات

28 فبراير 2019 صدر حديثا التعليقات على علي محمد اليوسف: الكلمات ومحمولات المعنى، فلسفة وسرديات مغلقة

أكمل القراءة »

علي محمد اليوسف: أفكار وشذرات فلسفية

28 فبراير 2019 صدر حديثا التعليقات على علي محمد اليوسف: أفكار وشذرات فلسفية مغلقة

أكمل القراءة »

في معنى الحقيقة الفلسفية، علي محمد اليوسف /الموصل

21 يناير 2019 علي محمد اليوسفمفاهيم التعليقات على في معنى الحقيقة الفلسفية، علي محمد اليوسف /الموصل مغلقة

في التعريف الفلسفي للحقيقة كثيرا ما نخلط بين الحقيقة المدركة وجودا واقعيا على انها تعني تطابق الفكر مع وجود الشيئ, بمعنى ان حقيقة الامر الواقع كضرورة او لا ضرورة ملزمة لها, فهي تعني وجود الاشياء المستقلة واقعيا التي يدركها العقل ويعبّر عن مطابقتها مع الفكر. وبمعنى مشابه تبسيطي ميكانيكي الحقيقة هي تطابق ما في الاذهان مع ما في الاعيان. وهذا لا يعني شمول الحقيقة الفلسفية باعتبارها مصطلحا تداوليا فلسفيا او مبحثا افتراضيا في المعرفة, تقوم معرفتها على المنطق التجريدي في الاستدلال من خلاله وبه على حقائق اخرى واقعية او حقائق افتراضية , وبالسعي نحو الحقيقة الفلسفية المفترضة وجودا تتم معرفة حقائق بعض الاشياء والظواهر في وجودها اوفي غيابها المستنبط فلسفيا في سلسلة متوالية من التزامن في السعي من منطلق المنهج الفلسفي باتجاه تحقيق الحقائق الفلسفية الاخرى وهكذا.ان كل حقيقة فلسفية هي افتراض وهدف مرحلي غير موجود ولا يمكن تحققه فلسفيا ايضا, على انه متّعين مفروغ منه ومبرهن عليه, كما في اقرارنا لحقيقة علمية او حقيقة واقعية في اي مجال من مجالات الحياة ,على وفق تعريف الحقيقة مطابقة واقع الشيء مع التعبير عنه وجودا متحققا.أكمل القراءة »

رونيه كاييس: العقدة الأخوية العتيقة

11 فبراير 2022 ترجمةعلم النفسمجلات التعليقات على رونيه كاييس: العقدة الأخوية العتيقة مغلقة

ترجمة : الحسن علاج منذ سنوات عدة ، وأنا أدافع على الأطروحة التالية : تعتبر العقدة الأخوية عقدة حقيقية ، بالمعنى الذي صاغ به التحليل النفسي البنية والوظيفة في الفضاء النفسي للذات .     يتم تعريف العقدة الأخوية اتّباعا كمجموعة منظمة من التمثلات والتوظيفات  investissements) ( اللاشعورية وهي ، تتشكل …أكمل القراءة »

الرواقية فلسفة باردة

2 أكتوبر 2021 فلاسفةمجلاتمقالات التعليقات على الرواقية فلسفة باردة مغلقة

جمال ابناس  ” العالم الذي نعيش فيه مليء بالمعاناة والمصائب والأحزان.”  قد يبدو هذا حكما بائسا وتشاؤميا عند أولئك الذين يعشقون فلسفة بون كلوس[1] (la Philosophie de Pangloss) ويهيمون في فكرة، أن الحياة رائعة وكل ما فيها جميل، ولا وجود للمصائب. وإن كانت، فإنها من صنع الإنسان، فهذا الأخير بالأصل …أكمل القراءة »

هيغل بين الوطن والوطنية

17 سبتمبر 2021 دراسات وأبحاثفلاسفةمجلات التعليقات على هيغل بين الوطن والوطنية مغلقة

عبد الفتاح الحفوف  بقلم: ذ عبد الفتاح الحفوف يبدو من السهل على القارئ المحترف والمبتدأ اختراق الفلسفة بمجرد طرح سؤال ما الفلسفة، لكن يكون الأمر مستحيلا عندما نود اختراق أحد الفلاسفة، خاصة من لهم وزن في الساحة الفلسفية. ويبدو من جهة أخرى؛ أشبه بمغامرة بدون أدوات تكون فيها قراءة أعماله …أكمل القراءة »

حين وقع هيجل في الحب

17 سبتمبر 2021 ترجمةفلاسفةكتب التعليقات على حين وقع هيجل في الحب مغلقة

ترجمة: مصطفى حداد “شق هيجل طريقه في الفكر، كباقي أغلب مفكري جيله، تحت عباءة كانط. فقد تأثر تأثرا كبيرا بتصور كانط عن الحرية الذي ربطها بالقانون الأخلاقي. ولم يبرز هيجل كما عرفناه لاحقا إلا حين انتبه إلى الحب وأدرجه في فلسفته. وإذا كنا قد اعتدنا على ربط هيجل بالالتزام بالمنطق …أكمل القراءة »

الصوفية الذات والطبيعة

4 سبتمبر 2021 دراسات وأبحاثعلي محمد اليوسفمفاهيم التعليقات على الصوفية الذات والطبيعة مغلقة

علي محمد اليوسف علي محمد اليوسف الادراك الصوفي هل يختلف الادراك الحسّي الطبيعي للاشياء عن الادراك الصوفي الروحي – النفسي لها؟ أم الادراك خاصيّة الحواس فقط ولا علاقة للنفس والروح بها؟  الاجابة على هذا التساؤل نرى وجوب التفريق بين المدخلات التالية : الطبيعة في صوفية الاديان التوحيدية تأتي في مرحلة …أكمل القراءة »

حوار مع فرانسيس وولف: دفاعا عن التحرر بالمعرفة

2 سبتمبر 2021 ترجمةمجلاتمفاهيم التعليقات على حوار مع فرانسيس وولف: دفاعا عن التحرر بالمعرفة مغلقة

أجرى الحوار : سيفن أورتوليه ترجمة: الحسن علاج لاحظ الفيلسوف وايتهيد Whitehead) ( ، أن الفلسفة الغربية ما هي إلا ” سلسلة ملاحظات على هوامش صفحات أفلاطون ” يكشف فرانسيس وولف Francis Wolff) ( عن أهمية هذا العمل الموسوعي الذي طال الميتافيزيقا ، الرياضيات ، السياسة ، الأخلاق ـ وفيه …

شاهد أيضاً

الوصاية والاستقلال من منظور طرقية طه عبد الرحمن

حسن العلوي   نبدأ مقاربتنا لهذه القضية بالوقوف عبارة “طرقية” الواردة في عنوان هذه المقالة، …