أو محاولة الإستنبات القسري للمفاهيم المغشوشة في التربة المغربية القاحلة
محمد تيسوكَمين، سيناريست وناقد سينمائي

محمد تيسُكمين
ترتبط عبارة تعزيز التمثيلية السياسية للنساء، باحتفالات أشبه بطقوس ديانة هرطوقية لحظة تأسيسها وقبل تحولها إلى ديانة سائدة. سأحاول في هذا المقال تفكيك عناصر هذا الارتباط كمدخل لصياغة فرضية حول علاقة الشعار بالواقع في “ورش” تعزيز التمثيلية السياسية للنساء بالمغرب.
1 ديانة هرطوقية
بالنظر للزخم الانفعالي المرافق لهذا الظهور، سواء من جهة الأنصار المتحمسين، وسرعة اصطفافهم وتركيبتهم المتنوعة، العابرة للحدود الاجتماعية والطبقية والدهنية؛ فتجد أكاديميون بجانب أميات قرويات، جيء بهن من طرف إقطاعي كبير، يصطفون أمام فندق لالتقاط صور نهاية التكوين، ونساء متقدمات في السن يندمجن مع شباب في مقتبل العمر من أجل صياغة الوصفة السحرية للنجاح السياسي. أو من جهة الرافضين لهذه البدعة، سواء لاعتبارات تقليدية ترتبط بالعقلية الذكورية لقسم مهم من المجتمع المغربي المعادي عموما للمرأة وحقوقها الأساسية، أو لاعتبارات عقلانية وحقوقية وأخلاقية ترتبط بالرفض المبدئي لمنطق الاحسان المعبر عنه بالتمييز الإيجابي الحاط في عمقه بكرامة المرأة والتعامل معها ككائن من ذوي الحاجات الخاصة.
توازى انتشار هذه “البدعة” مع إطلاق دينامية كبيرة من الأنشطة المدنية بأسماء وشعارات مختلفة: دعم المشاركة السياسية للنساء، المرافعة من أجل التمكين، دعم القدرات، مقاربة النوع، الجندر… وكلها أنشطة فوقية لا تستهدف نساء حقيقيات رغم حضورهن الصوري خلال التكوينات (نحتوا لها مفهوما جديدا بغرض التميز: التكاوين )، وتدوين أسمائهن وأرقام هويتهن بلوائح الحضور، والنتيجة : تحول هذه الأنشطة من فعل مدني تحسيسي وتثقيفي إلى أنشطة اقتصادية مدرة لدخل جيشٍ من المكونين والمؤطرين، وحتى مموني الحفلات، إضافة إلى عدد مهم من مسؤولي جمعيات ومنظمات غير حكومية.
2 طقوس تعبدية
يقصد بها تلك الهالة الشكلانية المرافقة للظاهرة كأي ظاهرة فارغة المحتوى؛ يتم تعويض الفراغ الداخلي للمعنى بالتركيز على الشكليات والطقوس، ويقتضي هذا الامر بذل مجهود أكبر على هذا المستوى ومحاولة شحنه بالمعنى. وهنا لا نجد أنفسنا إلا أمام أصنام وأيقونات مقدسة لا تصح العملية برمتها إلا بها: بادجات زاهية الألوان، أفيشات عالية الإخراج، بواربوانت ومسلاط، أقلام، أوراق تعلق على الجدران، مسيري ورشات أنيقين ومتقنين لحيل التنمية الذاتية أكثر من ادراكهم للموضوع. وفي الختام طبعا صور جماعية أمام فضاء الاستقبال، وبين هذا وذاك، بل قبله وبعده سر الأسرار الذي ينفعل به الوجود برمته، حسب أبي العباس السبتي: “الوجود ينفعل بالجود”! الطعام، الطعام، الطعام!!
3 استنبات قسري
لا يُماري أحد في ضرورة النهوض بأوضاع المرأة المغربية، ولا في أهمية وضع استراتيجيات محددة قصد تحقيق هذا النهوض ومن بينها طبعا تعزيز التمثيلية السياسية للنساء، ومن الجميل كذلك اعتماد مقاربة الانصاف الحقوقية كوسيلة لذلك. ولكن من المفيد أيضا تقييم هذه الإجراءات والوقوف على مدى نجاعتها بعد كل هذه السنوات من الاشتغال.
لم يتم الحديث عن تعزيز التمثيلية السياسية للمرأة كفعل قسري خارج دينامية تطورها العام والعادي، إلا بداية من سنة 2002 ، بينما ظلت المرأة قبل هذا التاريخ مكتفية بقدراتها الذاتية منذ دستور 1962 الذي متعها بالحق في التصويت والترشيح للانتخابات وكذلك الامر بالنسبة لمختلف القوانين الانتخابية.
بداية من هذه السنة دخلت مفاهيم تمكين وتعزيز ودعم التمثيلية السياسية للنساء حيز التنفيذ بتخصيص كوطا من 30 مقعدا برلمانيا للنساء، تم تعززت بترسانة قانونية مع دستور 2011 لتنتقل هذه الكوطا تدريجيا إلى 60 ثم 90 مقعد سنة 2021 بالإضافة طبعا إلى كوطا محلية في المجالس الترابية: الجهات، الأقاليم والعمالات، والجماعات.
يبدو من الناحية الشكلية أن المرأة قد حققت تقدما كبيرا على مستوى الانتساب إلى مختلف المجالس التمثيلية حيث تم الانتقال مثلا من نائبتين برلمانيتين سنة 1993 إلى 96 نائبة سنة 2021. لكن تبقى هذه الأرقام مضللة ليس فقط على المستوى الكيفي الذي تجسده وضعيات بؤس سياسي واجتماعي أريد له أن يسمى نسائيا والذي وقف المتتبع على الكثير من مظاهره خلال الانتخابات الأخيرة.
فهذه الأرقام مضللة أيضا على المستوى الكمي (من 2 الى 96)، فالتقدم الكمي حصل فقط بشكل فوقي. بل على العكس من ذلك أو بسببه حصل تراجع ملحوظ على مستوى التمثيلية الحقيقية وغير المغشوشة للنساء. فلنتأمل هذه الأرقام بعد إعادتها إلى قيمها الحقيقية، بتخليصها من الدهون الزائدة الناجمة عن الكوطا:
السنة | عدد البرلمانيات | المجموع (منتخب بالاقتراع المباشر) | النسبة |
1993 | 2 | 222 | 0,90 |
2002 | 5 | 295 | 1,69 |
2011 | 7 | 305 | 2,29 |
2016 | 10 | 305 | 3,27 |
2021 | 6 | 305 | 1 ,96 |
إن التراجع المسجل على مستوى التمثيلية السياسية الفعلية للنساء، والمقصود بها تلك المحصلة عن طريق التباري على المقاعد بشكل مباشر، يعبر بشكل واضح على فشل عملية التمكين القسري بواسطة كوطا اللائحة الوطنية، من تحقيق أهدافها وتضرب في العمق فلسفة الانصاف والتمييز الإيجابي، التي ينبغي ان تكون مجرد تصحيح ظرفي لوضع مختل، أو بالأحرى تعطيل مؤقت لمبدأ المساواة لصالح مبدأ الانصاف المؤدي إلى تعديل الوضع المختل من أجل العودة مجددا إلى المبدأ الأصل الذي هو المساواة.
ويبدو من خلال هذه النتائج أن وضع اللامساواة البدئي لازال قائما وأننا نسير، ليس فقط إلى تأبيده، بل إلى خلق وضعيات اختلال جديدة تهم اغتراب المرأة وتحويل مكاسب الكوطا إلى ريع سياسي يستفيد منه “تجار الإماء الجدد”.
وحتى لا يتفاقم هذا الوضع أكثر، أرى من الضروري التوقف لتقويم هذه الحصيلة، بشكل أكثر دقة انطلاقا من معطيات وأرقام حول مسار ومصير “المُميزات إيجابيا” خلال هذه الفترة وقدرتهن الذاتية على المشاركة السياسية، فعالية وحضورهن في المجالس، عدد المنسحبات قبل إتمام ولاية الانتداب، علاقة القرابة مع الفاعلين التقليديين ومراكز القوى الانتخابية، المستوى الدراسي، عدد ممن استطاع منهن الترشح مجددا والفوز دون كوطا….
وإذا تم تأكيد هذه الفرضية من خلال هذه الدراسات الإحصائية فإنه ينبغي تعديل هذه الآليات والاعلان عن الاستراتيجيات الملائمة.