بقلم : طوشيو طاكيموطو
يجسد الروائي خيبة الأمل الناعمة والذي فهم جيدا بلده في غضون الثمانينات من القرن الماضي ، على امتداد مابعدالحداثة الغربية .
ترجمة : الحسن علاج
توجد أعمال هاروكي موراكامي (Haruki Murakami) مترجمة في كل مكان ، من أوروبا إلى كوريا ، من البرازيل إلى روسيا . فكيف يمكن تفسير هذا الافتتان الكوكبي ؟
قام الروائي بنشر عمله في زمن كان يطلق عليه الأمريكيون النظرية الفرنسية ،واعتبرته اليابان مثل« مابعد حداثة » ، تنشر تأثيرها .فكيف وصل هذا الفكر إلى اليابان ؟ في مطلع الثمانينات ، قامت مجلة جونداي شيرو ( « أفكار اليوم ») ،أسست سنة 1973 ، بتقديم بارت ، لاكان ، دولوز ، إلخ. عمل جامعيون مشهورون على معارضة مابعد الحداثة بالأشكال المختلفة للماركسية . مجلات ومثقفون عملوا على تعميم المفهوم الجديد . بشرت النيواكا (Nyûaka) ( النزعة الأكاديمية الجديدة ) بقدوم زمن خيبة الأمل وأن الذات العقلانية الديكارتية قد انتهت ـ وهو ما اعتبره شين إيشيرو كوريموطو ( ولد عام 1941) ، عالم اقتصاد وأنثروبولوجي ، منتوجا غربيا معاصرا صرفا . ازدهرت النيواكا في الاقتصاد المبالغ في حمايته للفقاعة اليابانية ، والتي بتسويغها مجتمع الاستهلاك ، اختزلت المعرفة إلى موضوع غير قابل للصيانة من بين موضوعات أخرى .انعكس هذا الوضع في روايتين من روايات موراكامي ، نهاية الأزمنة ( 1985) وجنوب الحدود ، غرب الشمس ( 1992) . وكان بإمكانهما أن يتضحا على ضوء كتاب جان ـ فرانسوا ليوتار ، الوضع مابعد الحداثي ، الذي ترجم إلى اللغة اليابانية سنة 1986 .
يوطوبيا مضادة
وبالفعل ، ففي رواية نهاية الأزمنة ، وهي معارضة ساخرة لرواية المغامرات واليوطوبيا ، يقوم موراكامي بمناوبة محكيين بصيغة المتكلم ، تدور أحداثهما في عقل واحد ، تبعا لنموذج معلوماتي . ففي المحكي الأول ، تم الإمساك بالبطل ضمن نضال صناعي بطوكيو ،يعتبر منذورا للتلاشي . وفي الثاني ؛ يسكن قرينه الفاقد للذاكرة مع « ظلـ» ـه الخاص ، وسط مدينة حلمية ، تسكنها قوارن (Licornes) وأناس بدون قلق كبير على ما يبدو . سيكون من السهل معارضة عالم نهاية الأزمنة من جهة ، ومن جهة أخرى [ معارضة عالم الأسطورة] ، بالطبيعة التي تمت استعادتها ، للحب الطاهر ، في حين أن المحكي الأول يعتبر هو الآخر غنيا بالإثارات مثل رواية الجاسوسية ، ويمتلك الثاني إطارا رعويا . ومع ذلك ، فإن الـ« ظل » يرغب في العودة إلى عالم الماقبل ، مهما كان متناقضا وجدانيا : وبالتأكيد فإن سكان مدينته المتخيلة ، محميون وناجحون ، ومراقبون أيضا ومقيمون في أسوار المدينة ، في أقصى حدود اللامبالاة : فإذا ما كانوا يجهلون قلق الحياة ، فلكونهم يلقون بمعاناتهم على القوارن ، ضحاياهم . ففي هذه اليوطوبيا المضادة يكون الهروب مستحيلا . والحال أن موراكامي يجري هنا حوارا مع أزادا أكيرا( ولد عام 1957) الذي يحث في كتابه « خطاب الهروب » قراءه إلى تبني موقف مترحل بخصوص مختلف المعارف .يرفض موراكامي الهروب ، لكنه يقبل بنوع من الترحال . فيما يهرب الـ« ظل » من اليوطوبيا المضادة بهدف العودة إلى عالم الماقبل ، يقر قرين البطل العزم على الـ« بقاء » (نهاية الأزمنة ، ص 531) كي يمارس الحياة التي ابتكرها مع مقيمين آخرين . « لاأستطيع الذهاب إلى أي مكان ولا العودة إلى الوراء » (ص533) . ويعتبر هذا المأزق استعارة جلية لشرط إنساني يقصي بشكل جذري كل موضع خيالي ؛ أضف إلى ذلك ، فهو يقدم فردا ماقبل حداثيا ، بالمعنى الذي ، لايتوفر فيه هذا الأخير على هوية قطعية ، يسخر من العوالم الممكنة والمنسجمة . فهو يشكل موضوعا صناعيا تارة ، وتارة أخرى موضوعا غنائيا ، إنه يتطور بدون انقطاع بين مرجعي المدينة والطبيعة : سمة يابانية بشكل نموذجي ، مدروسة بعناية في تحليلات عالم الجغرافيا أوغسطين بيرك (Agustin Berque) . ينزع هذا الذهاب والإياب الدائم إلى «ترحل » الفرد ، ثم إن هذا اللعب مع أي موضع آخر للطبيعة يميزه عن الموضوع المابعد حداثي الأمريكي الذي تم تقديمه ، بشكل خاص ، بواسطة برايت إيستون إليس (Bret Easton Ellis) ، المتورط نهائيا في العائق الحضري . وبهذا المعنى ، فإن أبطال موراكامي تلتقي بأبطال شويشي يوشيدا والتي تحمل في رواية استعراض أو بستان الحياة ، هويات متعددة بغية التساكن والعيش في المدينة . وفي هذا الصدد ، فإن المسافة التهكمية للموضوع المابعد حداثي مع ذاته تتطابق تماما مع الـ« أنا العائمة » اليابانية . فمع رواية جنوب الحدود ، غرب الشمس ، تمكن موراكامي من عبور مرحلة جديدة . ففي هذه الرواية ، عشيقان يتواجدان ، بعد ربع قرن ، في طوكيو 1987 ، في ذروة الفقاعة الاقتصادية . يمتلك البطل ، هاجيمي ، رب لأسرة ، ناديا فخما بأياما . وبالرغم من كونه نرجسيا وحميميا ، مثل غالبية أبطال موراكامي ، فإن « قلقا غر يبا » ( مثلما أشار إلى ذلك آن بايار ساكاي ( Anne Bayard Sakai) يصدر عن خطابه بصيغة المتكلم ، كما هو الشأن في أصوات لاتتوقف .
قحط داخلي
يدور الحدث بالمركز التجاري لشيبويا ، والذي تحول في الثمانينات ، إلى مركز ثقافي . يلمح موراكامي ، هنا ، إلى مجلة بروتوس ، والتي كانتإلى ذلك الحين تساير العصر، كما أنها شكلت دليلا حقيقيا لاستهلاك الموضوعات الثقافية . يعيد نادي هاجيمي ، و حيث يفر زبناؤه من الحياة اليومية كي يحلموابمكان آخر ، تفسير دور بروتوس في الأسطورة المعاصرة .تخفي تلك التسلية فراغا ـ لسنا بعيدين عن باسكال ـ ، ينتج عن ذلك شكل مكاني ثان : يقطن هاجيمي بالقرب من مقبرة أياما ، التي تربطه بشكل تفخيمي برعب الخواء . فوراء الأضواء ، يوجد العدم . يعمل انصراف عشيقته شيماموطو على كشف المستور . وفجأة فقد النادي سحره : « لم يكن ذلك سوى ديكور مسرح ، شيد ضمن الهدف غير المعلن عنه لنهب أموال السكارى » ( جنوب الحدود ، غرب الشمس ، ص 207) . انكشف رب العمل مثل مخرج فاشل ، مبدل إلى لص . بتحطيمه الهوية الاجتماعية للشخصية ، يكشف موراكامي الوجه الحقيقي للرابح الرأسمالي الحديث ، الذي يحث الناس على ا للهات باستمرار وراء الشهوات اللعبية والثانوية . على أنه لما فكر هاجيمي في حبه لشيماموطو ، عثر على إيزومي ، التي تخلى عنها سابقا . وعبر زجاج سيارته ، أبصر الوجه الكئيب لتلك المراة ، « تجلس كانت على المقعد الخلفي لسيارة أجرة » ( ص212) . شاهد نفسه في لعبة مرآة ؛أرسلت إيزومي إلى هاجيمي بذلك الضجر الذي فتك بها . ومن جديد ، تدثر الوجه المألوف للحب الأول بغرابة مضجرة . « كانت عيناها ملتفتتان نحوي ؛ وكانتا خاليتين من التعبير ، ماقدمتا لي أي رسالة . فإن حاولت أن ترسل لي أي شيء مهما كان ، فإن ذلك ليس إلا فراغا لاعمق له » (ص213) . يعتبر المنظر الداخلي مجدبا . إن ذلك الخراب يختص بيابان مابعد حداثي رغما عنه ، حيث يسود الإحساس بأنه ، بعد انفجار الفقاعة الاقتصادية ، لم يبق أي شيء سوى الزبد … إجمالا ، فإن موراكامي سيلجأ إلى النزعة المابعد حداثية اليابانية ، التي ينتمي إليها ، كهدف لسخريته . ففي رواياته ، لم تعد المغامرة ممكنة قط ،وينتمي الهروب الوهمي إلى إقامة في سجن ما ، يختزل الحب إلى نكتة … ولم تعد السعادة نهائيا موضع اهتمام وعناية .
ـــــــــــــــــــ
عن مجلة : (Le magazine Littéraire) العدد: 517 مارس 2012
**************
باولين بوتيت: الفلاسفة المتعاركون
أسبوع واحد مضت ترجمة, فلاسفة, مجلات 0

ترجمة : الحسن علاج إذا كانت الفلسفة هي البحث عن الحكمة ، فإن طريق الوصول إلى ذلك لا يخلو من مشقة . ضد أنفسهم ، خصومهم أو منافسيهم ، لم يتوقف ال” حكماء ” عن المقاومة ، مع احتمال أن يصبحوا متعاركين حقيقيين . روسو ، خصومات متحول معتزل …
حوار مع أنطوان كومبانيون
3 أسابيع مضت أخرى, ترجمة, حوارات 0

أجرى الحوار : سيفن أورتولييه وأوكتاف لارمانياك ماثيرون ترجمة : الحسن علاج إن صيغة ” إن الأنا بغيضة “ مثبطة للهمة ونهائية التي جعلت من برنانوس Bernanos) ( يقول بأن ” الصعوبة ليست أن تحب قريبك مثل نفسك ، بل أن تحب نفسك بما فيه الكفاية “ . لكن ما …
ماريلان مايسو: فيلسوف بالرغم من أنفه
أسبوع واحد مضت ترجمة, متابعات, مجلات 0

لا إله ولا عقل لقد حاول كامو ، بعيدا عن أي نسق ، تفسير تناقضات عالم ممزَّق . ترجمة : الحسن علاج ” لا يتعلق الأمر بمن أكون ، بل ، تبعا للمذهب أو الخطة ، ما ينبغي علي أن أكون . ” ذلك هو جواب كامو عام 1952 لجورج …
حوار مع بيتر هاندكه
أسبوع واحد مضت حوارات, كتب, متابعات 0

أجرى الحوار : كلير شازال ترجمة : الحسن علاج الكتاب . يعتبر الانتقال والحركة ، مثلما أكد ذلك فليب لانسون Philippe Lançon) ( في تقديمه لعمل بيتر هاندكه ، شيمتين مركزيتين في كتابة نوبل للأدب ، إنهما يشكلان ” بداية “ . إنها المسيرة مرة أخرى ، ذلك الهروب الذي
أنياس سبيكول: من الغريب إلى الإنسان الأول – أشكال الأسلوب
أسبوع واحد مضت ترجمة, متابعات, مفاهيم 0

ترجمة: الحسن علاج لا يمكن اختزال كتابة كامو إلى الحد الأدنى من الصفحات الأولى لرواية الغريب . فهو ، في أعماله الأدبية ، لا يتوقف عن التجديد عاملا على التنويع بين الإيقاعات والنبرات . الجمل القصيرة ، ذات تركيب في حده الأدنى ، التي تفتح [رواية ] الغريب بطريقة لافتة
مكسيم روفير: سينيكا، المُنتحر الرائع
أسبوع واحد مضت ترجمة, فلاسفة, مجلات 0

ترجمة : الحسن علاج ارتبط بالإمبراطور نيرون ، الذي عمل أستاذا له ، ثم صديقا ، سيعمل الفيلسوف طيلة حياته ، على تطبيق المبادئ الأكثر صرامة للرواقية . صارفا النظر عن الحياة طواعية . يعتبر انتحار سينيكا ، عام 65 ميلادية ، واحدة من أكثر اللحظات مأساوية في تاريخ الفلسفة …
جورج باتاي: نيتشه والفاشستيون
3 أسابيع مضت ترجمة, فلاسفة, مقالات 0

ترجمة: الحسن علاج هل كان نيتشه مذهبيا نازيا؟ في يناير 1937 ، نشر جورج باتاي Georges Bataille) ( ” نيتشه والفاشستيون ” في مجلة لاسيفال L’Acéphale) ( . فقد كان شاهدا ، في آن واحد ، على تحريف عمل نيتشه بواسطة أخته إليزابيث ، يشجعها على ذلك النظام النازي واليمين …أكمل القراءة »
لورانس هانزن ـ لوف: نهاية الميتافيزيقا، كونت، نيتشه، ماركس
4 أكتوبر 2020 ترجمة, مجلات, مفاهيم 0

ترجمة: الحسن علاج كل بطريقته الخاصة ، أوغست كونت ، فريدريك نيتشه وكارل ماركس عملوا على إطلاق برنامج تقويض ثقيل للميتافيزيقا . بالإمكان قول ذلك بلا مواربة ، لم يكن القرن التاسع عشر رحيما بالميتافيزيقا . لقد كانت لدى العديد من الفلاسفة الرغبة الجامحة في التشديد على بطلانها وسمّيتها . …
جيل دولوز: كيف الخروج من العدمية
أسبوع واحد مضت ترجمة, مفاهيم, مقالات, نصوص 0

ترجمة : الحسن علاج في وقت كان فيه الفكر الماركسي مهيمنا بفرنسا ، نشر جيل دولوز Gilles Deleuze) ( [كتاب] نيتشه والفلسفة (1962) ، بعد ذلك أصدر كتاب نيتشه ، حياته ، عمله (1965) . كان ينوي إبراز وجود فلسفة جدلية ، نقد الدولانية étatisme) ( والشيوعية المساواتية ، إطراء …أكمل القراءة »
موريس بلانشو: العزلة الجوهريـــــــة
4 أسابيع مضت ترجمة, كتب, نصوص 0

ترجمة : الحسن علاج يبدو أننا نتعلم شيئا ما حول الفن ، حينما نسعى إلى اختبار ما الذي تشير إليه عبارة عزلة . وقد أسيء كثيرا إلى هذه العبارة . ومع ذلك ، ما معنى أن ” يكون المرء وحيدا ” ؟ متى يكون المرء وحيدا ؟ إن طرح هذا …أكمل القراءة »
ميشيل أونفراي: نيتشه، حياة فلسفية.. كونوا بقـــراً!
6 يوليو 2020 ترجمة, فلاسفة, مجلات 0

بقلم: ميشيل أونفراي ترجمة: الحسن علاج لقد تفلسف نيتشه (Nietzsche) بالمطرقة في مستودع الخزف الصيني للفلسفة الغربية. وبالرغم من مجال الانهيارات، فإنه يوجد دائماً متشيعون لتلك الفلسفة المهيمنة، التي تكون الأولوية فيها للفكرة، التصور، التجريد أكثر مما تعطى لشبقية العالم. تفكر الفلسفة المؤسساتية في العالم أقل من تفكيرها في أفكار
برنار إيدلمان: يمتدح نيتشه ديونيزوس، إله المعاناة واللذة
أسبوعين مضت ترجمة, جرائد, فلاسفة 0

ترجمة : الحسن علاج كتب فيلسوف القانون ، برنار إيدلمان (Bernard Edelman) واحدا من من الكتب النادرة جدا مبرزا تماسك الفكر النيتشوي ـ قارة مفقودة ( 1999 ، puf ) ـ في حين كانت الفاشية تعتبره مفكرا مفكّكا ، متناقضا ، متصرفا بواسطة جوامع الكلم . يبرز هنا ،