الرئيسية / أنشطة ومواعيد / كتاب كوة 3: سلافوي جيجك – عالمٌ أقلّ اغتراباً بعد كورونا

كتاب كوة 3: سلافوي جيجك – عالمٌ أقلّ اغتراباً بعد كورونا

صدر لموقع كوة الكتاب الثالث من الكتب الرقمية بعنوا سلافوي جيجك عالمٌ أقلّ اغتراباً بعد كورونا

روابط تحميل الكتاب أسفله

تقديم

سعادة الأغبياء:

ليست الصعوبة تكمن في ايجاد مدخل ممكن لفيلسوف متأرجح، يتكلم في كل شيء في مناسبة ما أو دون مناسبة، تجده جالسا في المرحاض ليأخذ صورة لشبكات التواصل الاجتماعي، وهو يتذكر خطابه وسط حشد من المحتجين ضد وول ستريت. جيجيك يحضر هنا وهناك، وقد كتب أول كتاب عن فيروس كورونا ولربما هو أسرع كتاب كما وصفه المهتمون بفلسفته أو ان صح التعبير “المتطفلون” على تفاصيل حياته و”المتعقبون” لتحركاته و”المجسون” لنبضات قلبه و”معدو” أنفاسه.

“إنّ الحيـاة شيءٌ غبيّ، وبلا معنى، ولا تملـك أيّ شيء لتعلّمه لك”، بهذا صرح لأحد محاوريه بجريدة الكارديان. يحتمل هذا الاقتباس القوي والصادم نوعا ما، كل تأويل. وقد يفهم وكأنه يؤسس لفلسفة جديدة حول التشاؤم كما فعل سورين كيركغارد، في حين أن الأمر على خلاف ذلك، جيجيك محب للحياة ومفرط في تفاؤله لمستقبل الإنسانية والذي لا يتصوره أبدا خارج الشيوعية كما يؤكد هو نفسه في نفس الحوار: ” الشّيوعيّة ستنتصر”. غير أن الشعور بالحب والذي وضعه ايضا موضع تفكير ليس كما نعتقد: “إنّه كمصيبـةٍ عظيمة، كطفيليّ بَشِـع، حالةُ طوارئ مستمـرّة، تُفسد كـلّ المتع الصّغيـرة”.

https://couua.com/wp-content/uploads/2021/02/سلافوي-جيجك-عالمٌ-أقلّ-اغتراباً-بعد-كورونا-1.pdf

كتب جيجيك حول العديد من المواضيع من قبيل: الرأسمالية، الأيديولوجية، الأصولية، العنصرية، التسامح، التعددية الثقافية، حقوق الإنسان، البيئة، العولمة، حرب العراق، الثورة، الطوباوية، الشمولية، ما بعد الحداثة، ثقافة البوب والأوبرا والسينما، الشيوعية، كورونا واللاهوت السياسي، والدين…. ويتميز بغزارة الكتابة، إذ طبع حتى الآن أكثر من 70 كتاباً، بالإضافة إلى كتاباته شبه الدورية في صحف ومجلات متعددة كالغارديان ونيوستيتسمان ومجلة ذا بافلر…

ولد جيجك في لوبلانا عاصمة سلوفينيا لعائلة من الطبقة المتوسطة عام 1949، والده كان خبيراً اقتصادياً وموظفاً مدنياً من منطقة بريكمورج في شرق سلوفينيا، وأمه كان تعمل محاسبة في مؤسسة تابعة للدولة. أمضى معظم طفولته في مدينة بورتوروز الساحلية، ثم انتقلت عائلته إلى لوبلانا حينما كان سلافوي في سن المراهقة. في عام 1967، التحق بجامعة لوبلانا، حيث درس الفلسفة وعلم الاجتماع. وحصل فيها على دكتوراه في فنون الفلسفة، ودرس التحليل النفسي في جامعة باريس الثامنة، وأعيقت مهنته في وقت مبكر بسبب البيئة السياسية في السبعينيات، وذلك بعد أن بدأ دراسته في عصر التحرر النسبي من النظام الشيوعي، وهو أحد المتأثرين بالفيلسوف السلوفيني الماركسي “بوجيدار ديبينياك” الذي قدم فكر مدرسة فرانكفورت إلى سلوفينيا.

في عام 1971 شغل وظيفة مدرس في جامعة لوبلانا كباحث مساعد. لكن في عام 1973 أزيلت القيادة الإصلاحية السلوفينية، وقام النظام بتشديد سياساته مرة أخرى، ثم أقيل بعد اتهامه صراحة أن أطروحته للماجستير ليست ماركسية. أمضى عدة سنوات بعد ذلك في الخدمة الوطنية للجيش اليوغسلافي. بعد أربع سنوات من البطالة حصل على وظيفة كاتب تسجيل في المركز الماركسي السلوفيني. وفي عام 1979م، تعاقد مع معهد علم الاجتماع التابع لجامعة ليوبليانا ليعمل كباحث بمساعدة الفيلسوف آيفن إيربنا.

في بداية الثمانينيات نشر أول كتاب له والذي كان يركز على تفسير الفلسفة الهيغلية والماركسية من منظور نظرية لاكان للتحليل النفسي، وفي نهاية عقد الثمانينات أصبح كاتب عمود في مجلة لديها مواقف معادية للنظام، وتنتقد العديد من الجوانب السياسية اليوغسلافية، خصوصا المجتمع العسكري.

https://couua.com/wp-content/uploads/2021/02/سلافوي-جيجك-عالمٌ-أقلّ-اغتراباً-بعد-كورونا-1.pdf

بين عامي 1988 و 1990، شارك في العديد من الحركات السياسية والمجتمع المدني التي تحارب من أجل تحقيق الديمقراطية في سلوفينيا، وبالأخص لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان. وفي أول انتخابات حرة سنة 1990، سارع بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية السلوفينيا عن الحزب الديمقراطي الليبرالي، ووصف نفسه في ظهور إعلامي عام 2009 أنه يساري متطرف.

جال جيجيك مختلف البلدان واستقر به الحال في قلب الامبريالية العالمية حيث شاطر أحلام “شيوعيته القادمة” مع محتجي وول ستريت ومهمشي مجتمع الاستهلاك المفرط، ومستهلكي خدمات الكنيسة المسيحية “الخدومة” التي تلعب لعبة السياسة الامريكية القذرة.

غباء الحياة لا يعني أبدا التقليل من امكانات الحلم الواسعة جدا والتي يتوجب على الانسان المعاصر الهروب إليه وكأنه “الخروج” من سفينة نوح. فالحياة لا تصنع الشخص بقدر ما إن الشخص هو من يصنع نفسه بنفسه ويقرر مصيره وفق ما بحوزته من امكانات. فالغباء هو الامكانية المتاحة لأغلبية الناس الذين لا يعيشون في أي وضع إنساني، ناهيك عن الوضع الإنساني اللائق، إنهم “خارج الوضع” أي في وضع “اللاوضع”. أقصد ب “اللاوضع”، الغباء عينه أي قدرهم الذي فرضه عليهم مجتمع الاستهلاك، ولكن للأسف لا يدركونه حتى فكيف يمكنهم أن يدركوا سعادتهم؟ إن سعادة الأغبياء، ومنهم طبعا الأغنياء فهم أكثر غباء من الفقراء يستسلمون لسلطة المال ويختصرون الحياة كلها في اللذة وتحقيق الحاجات، هذا ما عبر عنه جيجيك في قوله: “ليست مشكلتنا إن كانت رغباتنا مشبعة أم لا، إنما المشكلة هي كيف نعرف ما هي رغباتنا بالضبط”، الأغبياء من نوع الأغنياء لا يعرفون تحديدا ما هي رغباتهم فكيف يمكنهم أن يعرفوا سعادتهم؟ على الأقل اذا لم يستطيعوا ذلك فليتركوا جيجيك يحقق سعادته التي صرح بها لصحيفة الغارديان “رؤيـة النّاس الأغبيـاء سعداء”. فأسوأ مهنة شغلها جيجيك – كما يقول بروسلي الفلسفة وفق ما وصفته نيويورك تايمز – هي “التدريس” ببساطة لأنه يكره الطلاب: ” أكره الطّلاّب، إنّهم عادةً، ككُـلّ النّاس، أغبياء، ومُملّون”. لذلك فلنتساءل معه: أو لم يحن الوقت بعد للعربدة “orgies”؟

فيروس الايديولوجيا:

هذا رجل مختل عقليا يعتقد انه “حبة ذرة” ويخاف ان تأكله الدجاجة. فيأتي الى الطبيب بحثا عن المساعدة، فيخبره الطبيب انه انسان وليس “حبة ذرة”، وبالتالي فان الدجاجة لا يمكن ان تأكله. فيطمئن قلبه ويشكر الطبيب ويذهب، وبعد قليل يعود راكضا للطبيب ليخبره انه رأى دجاجة فعاد مهرولا. فيذكّره الطبيب انه انسان وليس حبة ذرة، فيرد المريض، نعم فهمت ذلك وعرفته، ولكن هل تعرف الدجاجة ذلك ايضا؟

لا يصادق على “المعرفة” المتوفرة في حيثيات موضوع معين، الا مع احساس ضمني بمصادقة خارجية عليه ايضا، أي “الآخر الكبير” وهو في هذه الطرفة الدجاجة. مفهوم “الاخر الكبير” اللاكاني يشير الى القواعد او القوانين او الاعراف او الاجماع الواسع النطاق على امر ما من قبل المجتمع، وكيفية تأثير كل ذلك في الجانب اللاواعي في سيكولوجية الانسان. ولنعتبر أن الأخر الكبير” أشبه بشخصية جورج أورويل في رواية 1984، وهو حال فيروس الايديولوجيا كما وصفه جيجيك. فالايديولوجيا موجودة ومؤثرة عكس ما تريد القوى النافذة عالميا اقتصاديا وسياسيا تصويره من ان الايديولوجيا موضوع انتهى واننا نعيش في عصر ما بعد ايديولوجي. وهو يقر بعمق تغلغل الايديولوجيا الرأسمالية الى الدرجة التي يقول فيها ان الناس اليوم يمكنهم تصور نهاية العالم والبشرية اسهل مما يمكنهم تصور نمط حياة اقتصادية-اجتماعية بديلة. يضيف جيجك لمفهوم “الآخر الكبير” مفاهيم جاك لاكان أخرى: من قبيل: الوقعي، والرمزي، والخيالي…

ما الذي يمكنني ان اضيف يتساءل جيجك في ظل شح المعلومة؟ الافتقار الى  المعلومة يعجزك عن التحليل وبالتالي عن الوصول الى النتائج ناهيك عن الوصول الى خلاصات التفكير: لقد كتب الكثير عن وباء فيروس كورونا، فماذا يمكنني أن أضيف كملاحظ غير متخصص في ظل شح وندرة المعطيات؟ ربما كان حريا بنا أن نلتفت إلى طرح السؤال التالي: أين تنتهي المعطيات وأين تبدأ الأيديولوجيا؟

الرأسمالية الثقافية

إننا عالقون في أزمة ثلاثية يقول جيجيك: أزمة طبية جراء الأوبئة نفسها، واقتصادية تلك التي ستضرب بشدة كيفما كانت نتيجة الأوبئة، ثم أزمة الصحة العقلية التي لا يجب الاستهانة بها. إن إحداثيات العالم ستتفكك ومعها حياة الملايين، وسيطال التغيير كل شيء، بدءا من الرحلات الجوية إلى الإجازات والعطل، وصولا إلى التواصل الجسدي. علينا أن نتعلم التفكير خارج إحداثيات سوق الأسهم والربح، وإيجاد طريقة أخرى بسيطة لإنتاج وتخصيص الموارد اللازمة. فالاقتناع بأن المنافسة الحرة والنمو الاقتصادي هما البلسم الاجتماعي يواري مأساة التاريخ الإنساني التي يفاقمها هذا الاعتقاد.

و بانتشار فيروس كورونا سينتشر معه أيضا فيروس أيديولوجي آخر – أكثر فائدة – وهو فيروس التفكير في مجتمع بديل، مجتمع يتجاوز حدود الدولة القومية، ويؤكد أحقيته بالوجود عبر التضامن والتعاون على مستوى دولي.

يستفيض جيجيك في تحليله للرأسمالية ويقف كثيرا عن مفهوم الرأسمالية الثقافية التي يبرز حقيقة مجمع الاستهلاك وجشع الرأسمال أينما كان، فخلق الأزمات جزء من حل الاغنياء الأغبياء للتخلص من الفقراء وكل الفئات غير المرغوب فيها أو التي تثقل الصناديق الاجتماعية من وجهة نظر التكنوقراطي البعيديون كل البعد عن واقع الحياة الاجتماعية للناس. ففعل الاستهلاك يتضمن بشكل غير مباشر “صك التكفير” عن الذنب فقط لكونك مجرد مستهلك. المقصود هنا هو أن منطق الرأسمالية الثقافية يعتمد أساسا على الفعل الاستهلاكي الأناني الذي يتضمن بشكل مسبق نقيضه (ثمن التكفير عن ذنب الاستهلاك).

العديد من الناس يجدون أنفسهم محاطين بالفقر البشع، والقبح البشع، والمجاعة البشعة، ومن الطبيعي جدا أن تتحرك مشاعرهم بقوة إزاء هذه البشاعة. فهل نعيش عصر البشاعة؟ “الإنسانيَّة بخير ولكن 99% من الناس حمقى ومُمِّلون”.

ايديولوجيا كورونا:

العديد من المفاهيم التي يوظفها جيجيك وهو يحاول وصف وضع الانسان المعاصر في زمن تغول الرأسمالية المتوحشة، تتجه نحو خوض المعركة الثقافية ضد ثقافة الاستهلاك ، وهو في الحقيقة لا يضيف الكثير لما قاله فلاسفة مدرسة فرانكفورت، لكن يظل تأمل لأزمة الكورونا جديرا بالاهتمام ليس لأنه أسرع بجمع مقالاته في كتاب وإنما لأنه يضعها ضمن فهم للعالم ولمستقبل الانسانية: فهل انتهى عصر تكم القزم الصغير الذي يدعي القدرة على تحويل الطبيعة والسيطرة عليها، وبدأ عصر الأخ الأكبر الذي بامكانه ان يشل العالم في ثوان معدودة؟ يؤمن جيجيك إيمانا قطعيا أن: كورونا هي آخر مراحل الرأسمالية. ويتساءل: “ما الذي نعنيه عندما نقول ان المرء يؤمن؟”، وقد أجاب: “هذا هو محور اعمالي كلها”.

يصعب أن نختزل كل فلسفة جيجيك في هذا المدخل الموجز جدا جدا… ولكي لا نتطفل أكثر على عصارة أعمال جيجيك نترككم مع باقة من النصوص والحوارات والمقالات التي كتب لكوة وترجمة لصالح الموقع علها تفي بالغرض، ولنا اليقين أنكم تتابعون ينشره الموقع باستمرار فلتساعدوه بالتعريف به وبتقاسم ما تحبونه مما ينشر. وعلى أمل أن ينال إعجابكم قراءة ممتعة.

هيئة كوة.

https://drive.google.com/file/d/1u2wsJ67d8y-Ln5ntN76WDYhHeQTOlZJ7/view?usp=sharing

https://drive.google.com/file/d/1u2wsJ67d8y-Ln5ntN76WDYhHeQTOlZJ7/view?usp=sharing

رابط بديل

شاهد أيضاً

الزاهيد مصطفى: الحداثة ومركزية الرؤية العلمية حول كتاب للباحث المغربي محسين المحمدي

 الزاهيد مصطفى نشر الباحث المغربي محسن المحمدي أطروحة إبستمولوجية  في كتاب يعرض حاليا بمعرض الرياض …