الرئيسية / صدر حديثا / كتاب جديد لحسن العلوي

كتاب جديد لحسن العلوي

حسن العلوي

  يتأطر هذا الكتاب ضمن مشروع نقدي ننجزه في حقل المعرفة الدينية، ويتناول فكر واحد من الشخصيات البارزة في هذا الحقل؛ وهو فكر إبراهيم بن موسى، المشهور بأبي اسحق الشاطبي. يقارب الكتاب بالنقد والتحليل فكر الرجل عامة، وكتابه: “الموافقات في أصول الشريعة” بصفة خاصة؛ وهو الكتاب الذي يحتوي على نظرته وتصوره لما يسمى ب: “مقاصد الشريعة.

وهي المقولة التي ارتبطت باسمه وبكتابه؛ رغم أنها مقولة ظهرت قبله، وظهر قبله أيضا الأساس العقلي والمنطقي الذي تأسست عليه، والمتمثل في فكرة “التعليل”؛ أي تعليل أحكام الشريعة. والمفارقة أن فكرة التعليل هذه تم ابداعها من خارج المدرسة الدينية؛ الفقهية والأصولية والكلامية التي ينتمي إليها الشاطبي. وهي المدرسة المعروفة في السردية الإسلامية بمدرسة “أهل الرأي” الفقهية الأصولية، والمدرسة الاعتزالية الكلامية.

  ترسخت فكرة “تعليل” أحكام الشريعة قبل الشاطبي في حقل علم أصول الفقه، ومعناها أن احكام الشريعة بنيت على أساس مراعاة “مصالح” المتعبدين بها، ويرجع ذلك إلى تشبع علم الأصول بأدبيات علم الكلام، غير أن الشاطبي عمل في كتابه على توجيه فكرة التعليل في الاتجاه المخالف لما تقررت به في علم أصول الفقه.

انعكس ذلك التوجيه على نظرته وتصوره لنتيجة “التعليل”، والتي سماها المعتزلة ب: “مصالح العباد”؛ وهي الفكرة التي حملت اسم “المصالح المرسلة” عند علماء أصول الفقه، وبعد ذلك اسم “مقاصد الشريعة”. يقارب الكتاب تصور الشاطبي لمقولة: “مقاصد الشريعة” كما يعكسه متن خطابه، ونصوص كتابه الموافقات، التي تشغل حيزا مهما في بنية الكتاب؛ إذ هي موضوع للدراسة والتحليل، وفي نفس الآن هي الدليل على خلاصات التحليل واستنتاجاته.

واعتمد الكتاب منهج التأسيس على نصوص الشاطبي حرصا على الوفاء بشرط الموضوعية في المقاربة قدر المستطاع. وتوصل الكتاب إلى أن الشاطبي خالف علماء الأصول قبله في مقولة “المصلحة” التي عللوا بها أحكام الشريعة. وهذه المخالفة هي التي تعكس منجز الرجل في مجال علم الأصول؛ إذ أصبحت “المصلحة” عنده مقيدة، بعد أن كانت عند الأصوليين قبله مطلقة، أو بعبارتهم “مصلحة مرسلة” أو مستحسنة بالعقل.

  أصبحت “المصلحة” أو “مقاصد الشريعة” مقيدة بالعرف العربي؛ او بعبارته الأثيرة مقيدة ب: “معهود العرب” الذي يرى الرجل أن “الشريعة” مفصلة على مقاسه؛ فمقاصد “الشريعة” بناء على ذلك لم ولا تتجاوز ممكنات معهود العرب في نمط الحياة، وفي الفكر والثقافة، وفي العلم والمعرفة (…).

قد لا يعتبر تأصيل أحكام “الشريعة” في “معهود” العرب مشكلا، وقد ساق هو نفسه أمثلة لذلك منها احكام الإرث، والزواج والطلاق وطقوس الحج وغيرها، لكن الاشكال في فكر الرجل يعود إلى أنه ارتقى بالمعهود إلى درجة “الدليل” الملزم للمسلمين في جميع عصور حياتهم باسم الدين؛ فجعل أصحاب المعهود، وهم العرب الذين أصبحوا يحملون اسم “السلف”، الدليل على الشريعة، وعلى ما يجب المسلم الالتزام به، ويحرم عليه الخروج عنه او تجاوزه.

يمثل “معهود العرب” في أبعاده المشار إليها، في نظر الشاطبي، السقف الأعلى لمقاصد “الشريعة”، الذي يمنع على المسلم تجاوزه؛ وأي محاولة في هذا الاتجاه تسقط في “البدعة” والضلال. وبعدما أضفى على “الشريعة” الطابع العربي، أضفى عليها كذلك سمات العرب وخصائص ثقافتهم ومعهودهم، ويأتي في طليعتها سمة “الأمية”. فقرر أن: “هذه الشريعة المباركة أمية لأمة أمية”.

ووقف الكتاب عند مفهوم “الأمية” التي وسم بها “الشريعة”، وأمة الشريعة؛ أي المسلمون فحلل تأسيسا على نصوص الرجل ومتنه ما تعني “الأمية في سياق خطاب الرجل، وهو أن معناها هو الجهل، وليس بالمعنى الذي وردت به في العديد من آيات القرآن، حيث ترد بمعنى “من ليس له كتاب ديني”. فقد رجع الرجل في اثبات صفة “الأمية”، إلى الأصل وهو معهود العرب، فاستعرض الأنشطة “الفكرية” والثقافية للعرب قبل الإسلام، كالقيافة والعرافة والفراسة (…)، وخلص في النهاية إلى أن كل علم لم يكن معروفا عند العرب، وليس جزءا من معهودهم الثقافي فليس مطلوبا في “الشريعة” وباسمها، وأي محاولة في هذا الاتجاه هي ادعاء عليها، وحمل لها على لا تحتمل.

وساق أمثلة للعلوم التي عمل بعض المسلمين على تعاطيها، وبنوا مشروعية تلك العلوم على نصوص القرآن، وذكر منها بالاسم “العلوم الطبيعية”، حيث أدخلها ضمن قاعدة: “ما ليس تحته عمل”، والرياضيات والمنطق، ويفرد في السياقات التي يؤصل فيها لفكرة الأمية، وهي كثيرة، الفلسفة بموقف خاص، فقرر أنها ليست من جنس ما يتعبد به لله، وأنها لا تناسب العرب المجبولين على الأمية والأساليب الأمية في اللغة والتعبير، والأمية في مناهج التفكير.

ولم يقف عند صفة الأمية وحدها؛ بل فصل القول في الكثير من السمات المؤسسة عليها أو المولدة منها، فهي كلها في نظره ممنوعة في الحياة الإسلامية منها: البحث والتعمق، ومواجهة إشكالات الحياة بحثا عن حلولها، والسؤال والجدال (…) حيث يرى أن كل ذلك يتناقض مع ما وضعت له “الشريعة” في الأصل، وهو أنها وضعت: “لمقاصد التكليف بمقتضاها”، وما سبق كله ليس من مقتضاها.

رجع الشاطبي في تأسيس البعد العربي ل: “الشريعة” إلى الشافعي في كتاب: “الرسالة”، الذي يرى الشاطبي أنه اول من نبه إلى ذلك، وانتقد علماء الأصول بعده؛ إذ لم يلتفتوا إلى ما قرره الشافعي. حيث عمل هؤلاء، وأغلبهم فقهاء رأي وعلماء أصول متكلمون، على توسيع أفق الشريعة لتسع تعاليمها؛ أو لنقل لتسع مغانمها ومصالحها جميع القوميات التي كان يتشكل منها المجتمع العربي الإسلامي.

عمل الشاطبي على تجاوز منجز علماء الأصول، وفقهاء الرأي بعد الشافعي. ويبرز الكتاب الانعطاف إلى الخلف الذي قام به الرجل في مجال قراءة وفهم الشريعة، معانقا القراءة السلفية، التي هي قراءة عربية قرشية في جوهرها؛ أو بعبارة عبد الله العروي: “قراءة أسياد قريش”. وهي القراءة التي تمت شرعنتها؛ أو لنقل تم “تديينها” بالأحاديث والمرويات، التي تم تأسيسها “نصا” دينيا مضافا إلى النص التأسيسي للتجربة النبوية الإسلامية، وهو النص القرآني.

   يفصل الكتاب مسار الانعطاف بالشريعة إلى معهود العرب الأميين، وتقييد أفقها بسقوفه وحدوده، والأدوات الحديثية و”السلفية” التي وظفها الرجل في ذلك، فأصبحت غاياتها ومقاصدها لا تتعدى تلك السقوف، وهو ما يجعل السلف العرب، وهم أصحاب المعهود، هم وحدهم المؤهلون لفهم “مقاصد الشريعة”، وتقديم النموذج الذي يسقط الخروج عنه ومخالفته في “البدعة”.

يبرز الكتاب كيف خاض الشاطبي غمار المعارف الإسلامية؛ المتعددة المذاهب والتيارات والتوجهات، فانتصر لمذهب أهل الحديث وللسلفية التي تولدت من رحم المقولة الحديثية، وحاول كما أشار في المقدمة إلى سبب تمية كتابه: “الموافقات”، أن يوفق بين المذاهب والتيارات، التي تأطرت تحت عنوانين رئيسين هما: الرأي والأثر، أو العقل والنقل.

أخذته مغامرة “التوفيق” إلى حيث يريد تارة، وإلى حيث لا يريد تارات كثيرة، بسبب انحيازه لأهل الأثر والنقل والسلفية، فاضطرب كثيرا، وتاه حيث حاول الجمع بين ما يستحيل الجمع بين مكوناته. لكن الخلاصة التي سيقف عليها القارئ في سياق تلك المغامرة، هي أن الرجل ضحى بالعقل وأهله، وهو المعبر عنه في الثقافة بالرأي، فأعلن بصريح العبارة أن العقل تابع للنقل السلفي، وأنه غير قادر على إدراك ما هي مصلحة صاحبه؛ أي الانسان المسلم، الملزم والحالة هذه باتباع رسوم الأحكام والتقيد بها، سواء تحققت له في ذلك مصلحة أو لم تتحقق. فهذه الرسوم هي عين “مقاصد الشريعة”، ولو ترتبت عليها مشاق، فهي مشاق متوهمة وليست حقيقية؛ فما عليه إلا تحملها فيدخلها، في حال حصول المشقة بها، في باب الابتلاء.

يقدم الكتاب للقارئ، الأدلة من متن خطاب الرجل، التي تحثه على إعادة قراءة فكر الشاطبي، وإعادة النظر في الصورة التي يُعرض بها اسم الرجل ومقولة: “مقاصد الشريعة” اللصيقة باسمه في الساحة الثقافية والفكرية العربية والإسلامية الحديثة والمعاصرة، حيث إن التصور السائد عن الرجل، وهو أنه “مجدد” في مجال الاجتهاد الأصولي والفقهي، وعن مقولة المقاصد، مخالفة لما عمله الرجل، حيث إن حقيقة عمله هو شحن المقولة بجميع أقسامها: الضروريات والحاجيات والتحسينيات بالمضامين السلفية، فهي لا تتجاوز “معهود العرب” وآفاقه الحياتية والفكرية والمعرفية.

يبدو أن الشاطبي أكثر وعيا ببنائه لمقولة “المقاصد” من الجهات الإسلامية التي توظفها اليوم بشكل مخالف لتصوره؛ إذ الرجل بنى “المقاصد” بما يخدم توجهه السلفي الحديثي، الذي أراد حماية رسوم معهود العرب” مما تتيحه فكرة “التعليل” الأصولية والكلامية من إمكانية التجاوز.

كتاب جديد لحسن العلوي: تمهيد لنقد التراث التحديثي، 1 – لسان عمل أهل الحديث

3 فبراير 2019 أخرىعامةنصوص 0

لا يتناول هذا الكتاب الأحاديث، بل موضوعه عمل أهل الحديث الموسوم في الأدبيات الدينية ب: “بعلم الحديث”، وتحديدا التعريف به من خلال أهل الحديث أنفسهم، دون تدخل من المؤلف بالتأويل أو الشرح أو… فهو يقدم المكتبة الحديثية ملخصة، عبر تصنيف موضوعاتي، يمكنك من الإطلاع على تلك المكتبة دون جهد العودة إلى مئات الكتب والمؤلفات،والوقوف على حقيقة الأدوات التي اعتمدها المحدثون في قبول الأحاديث ورفضها بنفسك وبدون وسائطأكمل القراءة »

الشأن العام بين الدين والسياسة: قراءة في كتاب الدين وخطاب الحداثة لرشيد العلوي

8 سبتمبر 2018 رشيد العلويكتبمساهماتمفاهيم 1

بقلم عبد الرحيم رجراحي   لعل ما يلفت الانتباه في التقديم الذي أعده سعيد ناشيد للكتاب هو اعتباره أن “هذا الكتاب مدخل نظري ونضالي إلى أخلاق المدينة، أخلاق الفضاء العمومي، أخلاق الحداثة السياسية”.[1] وسنسعى في مقالنا إلى الكشف عن هذه الأخلاق التي هي من جنس الشأن العمومي، والتي من فرط …أكمل القراءة »

الفلسفة في المغرب إلى أين؟ حوار رشيد العلوي مع جريدة الاتحاد الاشتراكي

27 يونيو 2018 تربية و تعليمحواراترشيد العلوي 0

  حاوره حسن إغلان   1 – كيف ولجتم شعبة الفلسفة؟ جئت إلى الرباط من الهامش (الجنوب المغربي) لاستكمال دراستي الجامعيَّة في شعبة الفلسفة بكلية الآداب – جامعة محمد الخامس، وقد سنحت الظروف التي نشأت فيها في المرحلة الثانويَّة من اهتمامي بالفلسفة بفضل نشاطي الجمعوي المبكر وارتباطي باليسار.   2 …أكمل القراءة »

استئناف النَّظَر في الفلسفة الرُّشدية قراءة في كتاب رشيد العلوي[1]

18 يونيو 2018 رشيد العلويفلاسفةكتب 0

بقلم عبد الرحيم رجراحي   قد يتساءل سائل، ما الهدف من إنجاز قراءة في كتاب يبحث في مشكلة فلسفية؟ ويردف ثان، ما الحاجة للنظر في مشكلة فلسفية تعود لفلسفة العصور الوسطى ونحن أبناء القرن الواحد والعشرين؟ ويتعجب ثالث، هل لازال لابن رشد راهنيته وهو الذي قضى نحبه منذ قرون خلت؟! …أكمل القراءة »

وفاء لروح الرشدي: جمال الدين العلوي

30 مايو 2017 عامةفلاسفةمساهمات 0

كوة: العلوي رشيد رحل الرجل في صمت ذات يوم من سنة 1992 بفاس الي ولد فيها سنة 1945 ولم يغادرها إلا لسفر عابر أو لمحاضرة هامة. اشتغل منذ أواسط السبيعينيات في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس بعد أن نال دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة سنة 1974. اشتغل جمال الدين العلوي …أكمل القراءة »

ملف: 3 – وضع تدريس الفلسفة في المغرب: العلوي رشيد

8 مايو 2017 دراسات وأبحاثديداكتيك الفلسفةرشيد العلويمساهمات 0

قليل من أصدقائنا من باقي البلدان الذين يعرفون بدقة ما يجري في تدريس الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي بالمغرب، ورغم أن المشكلات المتصلة بطرق التدريس وبالعدد المعتمدة بيداغوجيا وديداكتيكيا تبقى إلى حد ما مشتركة على الأقل في البلدان التابعة للنظام الفرنسي، ناهيك عن المشكلات السياسية المتصلة بالأنظمة الحاكمة والأهداف العامة المقيدة …أكمل القراءة »

فرناندو سافاتار و تصوّره للعالم بعد كوفيد 19

18 أكتوبر 2020 ترجمةمتابعاتمفاهيم 0

ترجمة: منعم الفيتوري تحدّث الفيلسوف الاسباني فرناندو سافاتار عن كوفيد-١٩، وما سيكون عليه العالم بعد الوباء في إطار مشروع رقمي تم التّرويج له في مهرجان هاي. تساءل الفيلسوف بقسوةٍ عن الذين يعتقدون أنّ هذا الوضع الذي تمرّ به الإنسانيّة، الغير عادي، بأنّه حالة حرب. وأكّد بأنّ هؤلاء الذين يريدون تطبيق …أكمل القراءة »

الدين والعلمانية جدل الثابت والمتغير

15 أكتوبر 2020 مفاهيممقالاتمقالات 0

جورج طرابيشي بلا شك أن ثمرة الحوار تفترض التكافؤ في المستوى الفكري فإذا لم تتكافأ العلاقة لا تتحقق الشراكة في انتاج الثمرة. والواضح إن سعدون ليس بمستوى السيد الحيدري الأمر الذي سهل للسيد التملص من الإقرار بكثير من الحقائق. ومن هذه الحقائق تهرب السيد الحيدري من تعريف الدين وخلطه بالتدين …أكمل القراءة »

المعنى خلف الفلسفة

19 سبتمبر 2020 أخرىبصغة المؤنثعامةمفاهيم 0

سمية منيف العتيبي حين يقول جون لوك في كتابة “مقالة في الفهم الإنساني” أن الوعي هو ما يصنع الهوية الذاتية للفرد فهو يتحدث عن ما يميز فرد عن آخر ، أما حين ننظر للإنسان و الكائنات الحية الأخرى فقد يتساوى الإنسان في بعض مستويات الوعي مع الحيوان لكن يظل وصول …أكمل القراءة »

دوني سيمار: التربية والثقافة أو مسألة المعنى في عالم إستشكالي (ج 3-4)

18 أغسطس 2020 ترجمةمتابعاتمفاهيم 0

مسألة المعنى والمسألة الثقافية: مقاربة تأويلية([1]) ترجمة: نور الدين البودلالي      نور الدين البودلالي ما الذي يمكن تسهم به التأويلية، كمعطى بالغ الأهمية ذي حمولة دلالية، في التفكير التربوي المعاصر وفي مسألة المعنى والمسألة الثقافية بالمدرسة؟ سنقتصر فيما يأتي على تقديم ستة ملاحظات مختصرة و، بالضرورة، عامة. وستقودنا الملاحظتان الخامسة والسادسة

شاهد أيضاً

المتهكّم الليبرالي: عرضيّة، وتهكّم، وتضامن

تأليف: ريتشارد رورتي ترجمة: فتحي المسكيني صدر حديثا عن دار صفحة سبعة للنشر والتوزيع