عمرون علي
مدخل عام
تتصف التجربة التونسية في تدريس الفلسفة لطلاب المرحلة الثانوية وكذا الاشتغال على المقال الفلسفي بخصائص الثراء والتميز والتفرد… قياسا بالجزائر مثلا. ولا يتعلق الامر هنا بالمرجعية والامتداد التاريخي، من حيث ان الفلسفة كانت حاضرة في امتحان شهادة الباكالوريا منذ سنة 1957، تاريخ انطلاق أولى باكالوريا تونسيّة بعد الاستقلال،او تبني الفلسفة كخيار سياسي لممارسة الديمقراطية ، منذ ان اقترح الرئيس التونسي قيس سعيد في مناظرته، إدخال مادة الفلسفة في التعليم الابتدائي للارتقاء بقيم الحرية والتسامح والتواصل مع الاخر في اطار كوني ،وانما التميز جاء من جهة انزال الفلسفة الى الواقع وربطها بالراهن والمعيش و مسايرتها لروح العصر، وتكفي المقارنة هنا بين مواضيع بكالوريا الفلسفة 2020 عندنا والمواضيع التي تم طرحها في البكالوريا التونسية وتحديدا شعبة الآداب الدورة الرئيسية لهذا العام، حيث جاء الموضوع الأول مشحونا في حقله الدلالي ومهموما في عمقه بما تعيشه البشرية اليوم نتيجة المراهنة على العلم كنموذج لمواجهة وحل مشكلات الانسان فكان التساؤل على النحو التالي :هل من شأن العلم اليوم تفسير العالم ؟ولم يبتعد الموضوع الثاني عن هذا السياق حيث اقحم المترشح في مشكلة العولمة من خلال البحث في انعكاسات العولمة وتهديدها لما هو انساني وتكفي العودة الى نص الموضوع والذي جاء في شكلة قولة متبوعة بمطلب محدد : ان تهديد العولمة للكوني أشد خطورة من تهديدها للخصوصي ” حلل هذا القول وناقشه مبرزا أثر العولمة على الإنساني، اما الموضوع الثالث : فكان نصا حول الديمقراطية لجون ماري مولير جاء فيه ان العوامل المهددة للديمقراطية، هو طاعة المواطنين العمياء للسلطة السياسية ،في مقابل ذلك جاءت مواضيع بكالوريا الفلسفة عندنا بعيدة عن الواقع الذي نعيشه مكررة نمطية ومستهلكة شكلا ومضمونا، تفتقر الى النظرة الاستشرافية وتعبر عن حالة الكآبة والبؤس والتيه بل حالة احتضار الدرس الفلسفي في الجزائر.من هذا المنطلق تظهر الحاجة الى الاهتمام بالدرس الفلسفي في تونس والوقوف عند تجربة كتابة المقالة الفلسفية تنظيرا وممارسة من خلال الحديث عن الاطار النظري ( مفهوم المقال الفلسفي ،شروطه وكذا المواضيع التي يطلب من المترشح الاشتغال عليها في امتحان البكالوريا التونسية،وشروط وضوابط الكتابة الفلسفية ….) ومحاولة الاستئناس بوثيقتين الأولى للطالبة ياسمين بوصباح تلميذة البكالوريا في شعبة الأداب من معهد الطيب المهيري بصفاقس تحصلت على معدل 16.05 لتتوج بأفضل نتيجة على المستوى الوطني.والمتحصلة على علامة 18 من 20 في مادة الفلسفة ، والثانية للتلميذة اميرة النموشي المتحصلة على 20/20 في الفلسفة بكالوريا 2019.والهدف هو التدليل على ان الارتقاء في الممارسة الفلسفية لدى طلاب البكالوريا ممكن اذا ما تم الالتزام بروح الفلسفة وابعاد المدرسة عن كل حسابات سياسية ضيقة .
من النظام القديم الى بكالوريا الإصلاح
انطلق العمل بداية من جوان 2008 بنظام جديد لامتحان الباكالوريا في تونس على غرار الجزائر مع وجود فارق في التجربتين ، وصدرت مواصفات جديدة للاختبارات. حيث ان اختبار الفلسفة يعد مادة إجباريّة في شعبة الآداب بمعامل 4 وحصّة تدوم 4 ساعات، وفي شعب الاقتصاد والتصرّف والرياضيات والعلوم التجريبيّة وعلوم التقنية وعلوم الإعلاميّة بمعامل 1 وحصّة ذات 3 ساعات.في شعبة الآداب: لم تشهد ماهيّة اختبار الفلسفة تغييرا جوهريّا في المضمون، إذ حافظت على ما كان عليه الأمر قبل 2008 أمّا من حيث الشّكل فقد جاءت الماهيّة أكثر دقة ووضوحا، فحدّدت القدرات المستهدفة وشروط صياغة المقال ومواصفات النصّ الفلسفي والأسئلة المرافقة له.بالنّسبة إلى بقية الشّعب، أٌقرّت مواصفات 2008 نمطا جديدا من الاختبارات، فتمّ التخلي عن الصيغة المعتادة، وأصبح الاختبارُ ينتمي إلى فئة المواضيع المركّبة ويتضمّن قسمين:- قسم أوّل يسند إليه 10 نقاط، و”يشتمل ثلاثة تمارين جزئية تهدف إلى تقييم كفايات مخصوصة لدى المترشح لها علاقة بالكتابة الفلسفية … يتعلق ثالثها بالاشتغال على نصّ قصير مصحوب بمهام من قبيل صياغة اشكالية النص أو استخراج أطروحة الكاتب…” يجيب المترشّح عن كلّ سؤال على حدة. يسند إلى هذا القسم 10 نقاط توزّع على التمارين على النحو التالي: 2/2/6- قسم ثان يسند إليه 10 نقاط، ” يطالب فيه المترشّح بتحرير يخصّ سؤالا حول مسألة من البرنامج في استقلال عن النصّ الذي قدم في التمرين الثالث. يسند إلى هذا القسم 10 نقاط. يخيّر المترشّح بين موضوعيْن”.
في مفهوم المقالة الفلسفية
الانشاء الفلسفي مشروط بإتقان جملة من الكفايات، ومنها الاشكلة والمفهمة والحجاج وحصة المنهجية في الدرس الفلسفي في تونس فرصة للتدرب على الاقتدار الذاتي للارتقاء الى كتابة مقال فلسفي يعكس شخصية التلميذ وهو تمرين يمنح له الفرصة لممارسة التفلسف بالنسبة لشعبة الاداب اختبار الفلسفة 4 ساعات الشعب العلمية 3 ساعات بنية الاختبار للآداب موضوع يقدم في شكل سؤال وموضوع يقدم في شكل قول او إقرار مرفق بتعليمة وعلى التلميذ مراعاة هذه التعليمات او زوج مفهومي مثل السعادة والرفاه انجازاو الاشتغال على النص في صورة مقال فلسفي يشترط فيه الكفايات السابقة وحسن التخطيط على اعتبار انه انجاز فلسفي منظم .يعرف أستاذ الفلسفة ( فتحي السعيداني ) المقال الفلسفي : على أنه “بحث منظم عن جواب مؤسس ومبرهن عليه على سؤال يفهم في بعده الاشكالي” وجاء في كتاب منهجية المقال الفلسفي في البكالوريا للأستاذين محمد الغنوشي والحبيب كتيبة :” أن المقال الفلسفي ممارسة فكرية شخصية تهدف الى طرح مشكل وبلورة ضمنياته بهدف الوصول الى تصور حل محدد له “ ويتبين من خلال تفكيك ألفاظ وحدود هذين التعريفين ان المقال الفلسفي مناسبة وفرصة للتفكير وممارسة واقعية لفعل التفلسف تروم التحرر من التصورات الشائعة والاحكام المسبقة وفق منهجية معلومة وطريقة في البناء واضحة المعالم دقيقة وتمتاز بالضبط على اعتبار ان المقال الفلسفي بناء من الاستدلالات المتدرجة والمتماسكة حيث يراهن المترشح على الخروج بموقف فلسفي وفق مسار ابداعي على اعتبار انه مطالب بتقديم الجواب على السؤال المطروح .على اعتبار ان الفلسفة تفكير اشكالي يكون لزاما على المترشح فهم السؤال في طابعه الاحراجي والاشكالي و ادراك ان لكل موضوع نموذج خاص به اثناء التمشي سواء تعلق الأمر بالموضوعالذي يرد في شكل سؤال، أو الموضوع القولي ( القولة ) أو الموضوع الإقراري،أو النص الفلسفي ،أو الموضوع الزوج مفهوميالذي يطرح في شكل زوج مفهومي)الذات والعالم.الفرد والدولة،السعادة والجدارة،الهوية والكوني…( وفي كل الأنواع المطلوب من المترشح كتابة مقال فلسفي وفق مخطط مدروس من التصميم الى التحرير وبالعودة الى كتاب منهجية المقال الفلسفي في البكالوريا للأستاذين محمد الغنوشي والحبيب كتيبة نجد ان جودة المقال الفلسفي مشروطة بالالتزام بالمراحل التالية:مرحلة العمل التحضيري حيث يتم اولا الاشتغال على الحقل الدلالي للموضوع المطروح مثلا موضوع ” هل يمكن ان نكون عبيد أنفسنا “؟ صيغة السؤال (هل يمكن…….؟ ) قد تفهم بمعنى الامكانية الفعلية فيكون الاشكال عندئذ : اذا كان الانسان حرا كيف يمكن ان تستعبده شهواته ؟ كما يمكن تأويل نفس الصيغة بمعنى الامكانية الأخلاقية ( هل يمكن ؟ بمعنى هل يحق لنا ؟ ) ويصاغ الاشكال عندئذ على النحو التالي : اذا كان يحدث للإنسان ان يكون في مناسبات معينة عبدا لشهواته ،فهل يحق له ان يكون كذلك ؟ وثانيا : لابد من تحديد المجال الذي يمتد اليه الموضوع ( ابستمولوجي او أخلاقي او سياسي …..او انه يتعلق بكل هذه المجالات ) للوصول الى محطة ثالثة يشتغل فيها المترشح على كشف ضمنيات الموضوع من خلال الحفر والنبش في مسلمات الصريحة والضمنية الواعية واللاوعية وهذا يسمح بالبحث في الدواعي التي تبرر طرح هذا الموضوع وفي محطة رابعة يبحث المترشح عن الأفكار والامثلة والمستندات التي يمكن توظيفها مما يسمح له بطرح الإشكالية وفق بنية من الأسئلة المترابطة من وحي الموضوع .مرحلة التخطيط للمقاللابد في هذه المرحلة من وضع مخطط للمقال اذ لايمكن الانطلاق في تحريره بصورة عفوية وتلقائية ، ومن شروط التخطيط احترام خصوصية الموضوعفلا وجود لمخطط صالح لكل المواضيع ، ومشروط بالنسقية فلابد ان تكون اقسام المقال مترابطة وذات طابع نقدي فلا تعرض الاطروحات دون البرهنة عليها ولا ترفض دون دحضها ،وهيكلة المقال وهندسته يجب ان تتوافق مع أصناف المواضيع المطروحة في البكالوريا ذلك ان هندسة الموضوع الذي يرد في صورة قول مرفق بسؤال مثلا تختلف عن هندسة الموضوع الذي يتمظهر في صيغة سؤال او نص فلسفي ….والقولة كموضوع في البكالوريا التونسية يتحدد مفهومها على انها : إقرار يتضمن اثباتا او نفيا او اثبات ونفي في ان واحد ومناط الإقرار هو تحديد العلاقة بين مفهومينوموضوع القولة مرفوق بتعليمة حيث المطلوب فهم الإقرار وفهم التعليمة مثلا الموضوع الثاني الذي ورد في بكالوريا2011قيل :” الأنظمة الرمزية أفق للتواصل الإنساني و سبيل للهيمنة في آن حلل هذا الإقرار و ناقشه مبينا أسس المفارقة فيه و أبعادها .الانتباه الى القولة في نظر الأستاذ ( فتحي السعيداني ) يحيلنا الى ان التلازم مسلم به والمطلوب هو التفكير في أسس هذا التلازم واشكلة هذا الموضوع تكون على النحو التالي :مالذي يجعل من الأنظمة الرمزية امكانا للتواصل وسبيلا للهيمنة في ان هل يرد ذلك الى بنيتها ام الى اليات توظيفها؟وبالنسبة للقولة على اختلاف أصنافها لابد من الالتزام بمهمتين : مهمةالتحليل الوصفي والتفسيري وذلك بتحديد مجالات القولة والكشف عن مسلماتها والاخذ بعين الاعتبار التوجه الفلسفي لصاحبها و مهمة التقييم النقدي من خلال مساءلة القولة وبيان مشروعيتها المنطقية او الأخلاقية ومكاسبها الفلسفية كمساهمتها في دحض راي شائع او قناعة أيديولوجية مع ضرورة الانتباه الى المطلوب مثلا : مارأيك في القول التالي ..؟ الى أي حد يمكن القول بأن …وذات الشروط تنطبق على المواضيع المطروحة في صيغة سؤال والذي له عدة صيغ بأي معنى….؟،أي معنى…؟كيف…؟ -إلى أي حد…؟إلى أي مدى…؟…..مع ضرورة الانتباه الى صيغة السؤال مثلا هل يجب………؟ الوجوب هنا يفهم بمعنى الضرورة المادية الطبيعية والضرورة الأخلاقية ، هل يمكن للفلسفة ان تستغني عن العلم ؟ الامكانية هنا قد تكون فعلية واقعية وقد تعني المشروعية ( هل من المشروع ؟ هل يحق لنا؟) …..والانتباه يجنب التلميذ الوقوع في مايسمى الخروج عن الموضوع .الصياغة النهائية للمقالالمقال الفلسفي في صياغتها النهائية يبنى على ثلاث محطات :المقدمة : تتضمن تمهيدا يجلب انتباه القارئ من خلال الانطلاق من رأي شائع ومواجهته مما يفقده مظهره البديهي ،او الانطلاق من وجهة النظر الفلسفية المقابلةلوجهة النظر الواردة في نص الموضوع ، او الانطلاق من مفارقة لها صلة بالموضوع او من سياق تاريخي …….والتنبيه الى ضرورة طرح المشكل الذي يتضمنه نص الموضوع ثم ادراج نص الموضوع ذاته وصياغة اشكاليته وإبراز أهميته والرهان الذي يمثله . وهكذا المقدمة وظيفتها بناء إشكالية الموضوع من خلال لحظتين بارزتين : التمهيد الذي يتكفل بتهيئة وضعية إحراجيه تبرر طرح هذه الإشكالية ثم صياغتها على نحو دقيق وإبراز ابعادها التحليلية والنقدية .الجوهرويسمى عندنا بمحاولة حل المشكلة وهو محطة ثانية من الضروري ان يتقيد فيها المترشح بالمخطط المنجز والالتزام به سواء الجانب التحليلي او التقيمي ووظيفته الاشتغال على الإشكالية في بعدها التحليلي والنقدي ضمن نظام حجاجي واضح ومتماسك العناصر واضح الأفكار يحسن استثمار المفاهيم والمرجعيات ويتفطن للرهانات المتعلقة بالتفكير في هذه الإشكاليةالخاتمةتتضمن حوصلة تأليفية للنتائج الجزئية ،وكذا بناء موقف واضح من الإشكالية المطروحة على ضوء ما انجز في الجوهر.وفتح افاق لمواصلة التفكير والانفتاح على مشكل اخر .
النموذج الأول
“هذا نص دونته على صفحتي في الفايسبوك إثر اختبار الفلسفة.. هو مقال فلسفي يجيب عن سؤال موضوع الاختبار بطريقة لا تخضع للمنهج الأكاديمي.. هو تفكير حر.. موضوع الاختبار أثارني جدا وجعلني أحمل السؤال معي إلى البيت”. ياسمين بوصباح
هل أكون حقّا من أنا برفض ما أنا عليه ؟
أن أرفض ما أنا عليه ، أن أشنّ حربا معلنة على كلّ ما تشكّل فيّ بعدُ من نظم و قواعد و حتميّات تتنازعني و تقلّص من إمكانات تحقّقي ذاتا حرّة في الوجود ، ذاتا لا ترى حقيقةً تقوّمها إلاّ ما انتظم على الحريّة بإطلاق … أن أكون أنا ، أن أكون حرّا في حِلٍّ من كلّ ما يعيدني إلى الحدود التي تُدمي ذاتي و تسجن كياني و تمنع عنّي أن أرى ذاتي تتحقق وجودًا مستقلاّ لا يكترث لما يحكمه من حتميّات الجسد و النفسي و التاريخي و الثقافي و الاجتماعي و السياسي و كلّ ما من شأنه أن يربطني بهذا “الما أنا عليه” .. ما أنا عليه من حاضر محكوم بواقع الصراع الذي تخوضه غرائزي و دوافعي ضدّ ترسانة المواضعات الأخلاقية و الاجتماعية التي تأبى السّماح لحقيقة ما يعتمل في داخلي من نزوع نحو اللّٰذة أن تكشف عن ذاتها سافرة مندفعة منطلقة … ما أنا عليه من حاضر محكوم بذاك الكمّ العجيب ممّا وقع كبته عنوة و أنا أتلقى المواضعات و الما يجب أن يكون منذ نشأتي الأولى ..ما أنا عليه من إنتماء إلى واقع اقتصادي و اجتماعي و سياسي تحضر فيه ذاتي مجرّد انعكاس لما أقحَمهُ داخلها الواقع من حتميات تجدُ الذات فيها نفسها بغتة و قد وقع قذفها داخل طبقة اجتماعية ما لا تعكس دائما تطلعاتها و ما تصبو إلى أن تكونه ، أو في ظلّ نظام سياسي ما تتغوّل فيه السّيادة فتستحيل استبدادا يقصف بكل أمل في تحقيق وجود حرّ و نحرا لكل إمكانية تسمح لأناي بأن تكون ذاتًا مواطِنة ..ما أنا عليه ممّا وقع استبطانه بفعل الموروث الذي صوّر لي الهوية انتماء ثابتا جامدا و سجنا أزليا تعدّ كلّ محاولة للفرار منه ضربا من الخيانة ..ما أنا عليه من واقع إنتاج لا يرى فيّ كذات عاملة سوى أداة لتحقيق أرباح نظام غارق في طلب نجاعة لا تتحقق إلاّ على حساب إنسانية العمل بما هو المجال الذي تتحقق داخله الذات كينونة تنشئ المعنى و تنشده .. ما أنا عليه من واقع تستحيل فيه كلّ فعالية للإبداع إلى صنم و أقنوم يفرض اكراهات جسيمة على ذاتي التواقة إلى تحطيم السائد و النمطي و الوضعي .. ما أنا عليه من كلّ ما وقع حشره فيّ من تصوّرات و أحكام و مواضعات لا تترجم حقيقة ذاتي البتة ..أن أكون حقّا .. يعني أن أحطّم ما أنا عليه .. أن أقوّض كلّ ما تشكّل فيّ دون إرادة منّي .. أن أكون يعني أن أهوي على كلّ هذه الحتميات بمطرقة الهدم .. أن أكون يعني أن أهدم العالم من حولي .. أن أغادره .. أن أهرب .. إلى حيث لا عالم .. و لا حدود و لا حتميات تكبّلني ..أن أكون إذن يعني أن لا أكون وجودا في العالم !!! و لكن أي سبيل لأن أكون خارج العالم و خارج الحدود و خارج الحتميات ؟ أيّ تصوّر ذاك الذي يمكن بناؤه حول الإنسان ذاتاً تحلّق فوق العالم ؟ هلاّ أكون سوى وجودا في العالم ؟ هلاّ أكون سوى بؤرة تجتمع داخلها حتميات النفسي و التاريخي و الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و الطبقي ؟ هلاّ يكون كلّ ما تشكّل داخلي من حتميات هو حقيقتي بإطلاق ؟ ثم ألا يكون السعي إلى تقويض الحتميات التي تخترقني هو مزيد من الاعتراف بها من حيث هي حضور دائم داخلي و قبالتي ممّا يجعل كلّ رفض لها ضربا من العبث ؟ ألا يجدر مقابل ذلك فتح الذات على ضرب من القبول و الاعتراف بحقيتها ذاتا مخترقة تعجز أحيانا على الفعل أمام ما يفرضه الأمر الواقع ؟و لكن ألا يعدّ التسليم بحقيقة للذات تكون فيها مرتهنة تماما إلى الأمر الواقع تجريدا لها من كلّ فاعليّة و تقويضا بالتالي لكلّ فعاليات الإنشاء و الإبداع و الإضافة في الإنسان؟هلا ّأكون حقّا ما أنا سوى ذاتا تعي بحتميّاتها و تسعى إلى الفعل فيها بشكل يُصيّر العالم حولها محصّلة لتمثلاتها و شكل إقبالها عليه ؟ هلاّ أكون حقّا ما أنا إلاّ حين أكفّ عن اعتبار العالم واقعة موضوعية مفصولة عن الذات لا تحضر الذات داخلها إلا على جهة الرفض أو على جهة الخضوع ؟ هلاّ أكون سوى ترجمة لهذا التعالق الصميم بين الحرية و الضرورة ، بين الرفض و القبول و بين التمرّد و الخضوع ؟هلاّ أكون حقا سوى مشروعا قيد الإنجاز و مهمّة قيد التحقق و كينونة يتواشج داخلها الموجود و المنشود ؟ هلاّ يكون الإنسان في هذا العالم سوى مشروع تحرّر
؟ملاحظة: تفكير خارج الباكالوريا وخارج المنهج و خارج الأعداد و خارج المراتب و خارج كلّ ما من شأنه أن يرتكس بفعالية التفكير إلى مجرّد تحصيل لعلامة في امتحان .. سؤال امتحان اليوم هو السؤال الذي يجب أن “يقضّ مضجع” كلّ تلميذ مرّ باختبار الباكالوريا كسؤال وجودي ضارب في المعيش لا كمجرّد “موضوع” في اختبار”.
قراءة في فلسفة الِاسْتِعْمار الجَديد
يومين مضت دراسات وأبحاث, مفاهيم, مقالات 0

عمرون علي أستاذ الفلسفة المسيلة – الجزائر- ” فَفِي خاتِمَةِ المَطافِ ، سَيَكُونُ الاُّنسانُ المنحى الظُّهْر ، اَلْمُسْتَغلُ ، اَلَّذِي يُعَانِي مِنْ سُوءِ التَّغْذِيَةِ ، المُقاتِلُ مِنْ اَجَلِ الِاسْتِقْلالِ ، المُغَطَّى بِالدَّمِ ، هوَ اَلَّذِي سَيُقَرِّرُ مَا اَلَّذِي يَخْتَارُهُ . وَهُوَ ، حَتْمًا ، سَيَخْتَارُ الحُرّيَّةَ” كُوَامِي نُكُروما : فَيْلَسوفٌ
إغتيال الفلسفة والتأسيس لنظام التفاهة
4 أيام مضت ديداكتيك الفلسفة, مجلات, مقالات 0

عمرون علي عمرون علي مدخل عام يمكن ان نقول وفق استقراء تاريخي انه كلما ضاقت دائرة الفلسفة والتفلسف ارتقت التفاهة واتسعت بالضرورة دائرة التافهين سواء تعلق الأمر بمصادرة الحق في التفلسف ومحاربة كل اشكال التفكير العقلاني الحر من طرف انظمة سياسية تؤسس للجهل وثقافة التلقين والاجترار او بمحاولة لاغتيال الفلسفة ومحاصرة الفيلسوف …
حوار كوة مع المفكر التونسي فريد العليبي

خاص كوة 1 : من هو فريد العليبي وكيف اهتجس بالفلسفة؟ ـ ولدت في سفح جبل بودواو الكائن بجهة المكناسي التابعة لولاية سيدي بوزيد ، تلك الجهة التى يقول بعضهم أنها أخذت اسمها من قبيلة مكناسة البربرية وتشترك في ذلك مع مكناس المغربية وتعني ” مكناسي ” بالأمازيغية ”المحارب ” …أكمل القراءة »
تالي الخوري غريب: الرواية حكاية موازية لما يجري في العالم
12 ساعة مضت جرائد, حوارات, متابعات 0

أجرى الحوار / كه يلان محمد كه يلان محمد في كتابة الرواية أنت تعيش الفرضيات المحتملة، تلك التي لا يسمح لك عقلك بالسير فيها في حياتك الواقعية. يرافقُ عملية الكتابة قلقُ وهواجس وقد تتصاعدُ حدة التوتر مع كتابة الرواية، لأن تأسيس العمل الروائي عبارةُ عن فعل إبداعي يتكئ على مبدأ …أكمل القراءة »
قراءة في فلسفة الِاسْتِعْمار الجَديد
يومين مضت دراسات وأبحاث, مفاهيم, مقالات 0

عمرون علي أستاذ الفلسفة المسيلة – الجزائر- ” فَفِي خاتِمَةِ المَطافِ ، سَيَكُونُ الاُّنسانُ المنحى الظُّهْر ، اَلْمُسْتَغلُ ، اَلَّذِي يُعَانِي مِنْ سُوءِ التَّغْذِيَةِ ، المُقاتِلُ مِنْ اَجَلِ الِاسْتِقْلالِ ، المُغَطَّى بِالدَّمِ ، هوَ اَلَّذِي سَيُقَرِّرُ مَا اَلَّذِي يَخْتَارُهُ . وَهُوَ ، حَتْمًا ، سَيَخْتَارُ الحُرّيَّةَ” كُوَامِي نُكُروما : فَيْلَسوفٌ …أكمل القراءة »
ميشيل سير: التفلسف هو الإبداع
3 أيام مضت ترجمة, حوارات, فلاسفة 0

حاورته: هيلوويز ليريتي ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل سير (1930-2019) إنه، في منهجه، وطريقة تفكيره، سليل تقليد فلسفي عرفته اللغة الفرنسية ينحدر عن مونتيني. فديدرو على سبيل المثال: عندما يود الحديث عن الصدفة والضرورة، فهو لا يحلل مفهومات، وإنما يبرز شخصيتين، جاك القدري وسيده، إحدى هاتين …أكمل القراءة »
إغتيال الفلسفة والتأسيس لنظام التفاهة
4 أيام مضت ديداكتيك الفلسفة, مجلات, مقالات 0

عمرون علي عمرون علي مدخل عام يمكن ان نقول وفق استقراء تاريخي انه كلما ضاقت دائرة الفلسفة والتفلسف ارتقت التفاهة واتسعت بالضرورة دائرة التافهين سواء تعلق الأمر بمصادرة الحق في التفلسف ومحاربة كل اشكال التفكير العقلاني الحر من طرف انظمة سياسية تؤسس للجهل وثقافة التلقين والاجترار او بمحاولة لاغتيال الفلسفة ومحاصرة الفيلسوف …أكمل القراءة »
مرايا الوطن

فريد العليبي فرحات حشاد في الدار البيضاء. نشر في جريدة الانوار. التونسية يوم 5 ديسمبر 1952 استشهد حشاد في رادس التونسية ، بعد ذلك بيومين غصت شوارع الدار البيضاء المغربية بالمتظاهرين ، فتح المستعمرون الفرنسيون المجال أمامهم حتى يبلغون وجهتهم ، وحال وصولهم أغلقوا الدروب واعتقلوا العشرات ، فقد …