عمرون علي أستاذ الفلسفة المسيلة – الجزائر-
” فَفِي خاتِمَةِ المَطافِ ، سَيَكُونُ الاُّنسانُ المنحى الظُّهْر ، اَلْمُسْتَغلُ ، اَلَّذِي يُعَانِي مِنْ سُوءِ التَّغْذِيَةِ ، المُقاتِلُ مِنْ اَجَلِ الِاسْتِقْلالِ ، المُغَطَّى بِالدَّمِ ، هوَ اَلَّذِي سَيُقَرِّرُ مَا اَلَّذِي يَخْتَارُهُ . وَهُوَ ، حَتْمًا ، سَيَخْتَارُ الحُرّيَّةَ”
كُوَامِي
نُكُروما : فَيْلَسوفٌ وَرَجُلٌ سياسيٌّ
وَقائِدٌ وَطَنيٌّ ثَوْريٌّ غاني
1909 – 1972
مدخل عام
الاستعمار من الظواهر المؤثرة في تاريخ الشعوب، ويمكن القول ان تاريخ الاستعمار يلخص تاريخ الإنسانية جانبها المأساوي، سواء كنا نتحدث عن الكولونيالية او الإمبريالية او الاستعمار الجديد او المعاصر ،هذا الاخير الذي اصبح يتميز بالتخفي و بالقدرة على اعادة انتاج نفسه بصورة تجعله غير قابل للملاحظة لذلك سنحاول في مقالنا هذا النبش والحفر في الظاهرة الاستعمارية و هي ظاهرة يتقاطع فيها ماهو تاريخي مع ماهو ثقافي واجتماعي انطلاقا من تساؤلات نراها ضرورية لممارسة فعل التفلسف :فماهي الدلالات التي يحملها مفهوم الاستعمار عبر محطاته التاريخية المختلفة؟ و اذا كان هناك اختلاف بين الاستعمار الحديث والمعاصر كيف نفهم هذا الاختلاف وماهي ملامح هذا التحول؟ وهل يمكن القول اننا مازلنا اليوم نعيش تحت وضع استعماري؟ وكيف السبيل الى التحرر منه؟
من التصور الكلاسيكي للإستعمار إلى المفهوم المعاصر
يجب ان نصرح ومنذ البداية ان الاشتغال على المفاهيم يعد بحد ذاته مشكلة ففي كل الحالات هناك دائما عوائق تقف في وجه تحديد مفهوم محدد ودقيق للظواهر الانسانية ليس فقط لتشابك هذه الظواهر وانما ايضا لصعوبة تحقيق الموضوعية لاسيما ان هناك دائما احكام عاطفية تتأرجح بين الاستهجان والاستحسان وهذا ما ينطبق على ظاهرة الاستعمار واول هذه العقبات صعوبة التعريف والتصنيف و التفسير ومن ثمة يكون الرهان على فهم هذه الظاهرة والتنبوء بها صعب وسنلاحظ منذ البداية ان التحديد المعجمي لايساعدنا على فهم هذه الظاهرة سواء في اللغة العربية او اللغات الاجنبية لانه يحمل تناقضا مفضوحا وينطوي على مغالطات ولو عدنا الى ابن فارس- مثلا- في معجم مقاييس اللغة نجد ان مفهوم الاستعمار يحمل من الدلالات التي تجعله ينمتي الى دائرة الافعال المستحسنة :” ..عَمَرَ الناس الأرض عِمَارةً، وهم يعمُرونها، وهي عامِرةٌ معمُورةٌ، وقولهم عامرة محمول على عمرَت الأرض، والمعمورة من عَمرت، والاسم والمصدر: العُمران، واستعمر الله الناس في الأرض ليعمروها” هنا نلاحظ الخصائص الايجابية من حيث ان الاستعمار فاعلية انسانية تستهدف تحقيق منافع وفق غايات اخلاقية لكن الدلالة المعجمية تتناقض مع الوقائع التاريخية بل ولواقعنا المعاصر فالاستعمار في اكثر معانيه كان يستهدف دائما- ولايزال- الاستفادة من الاخرين رغما عنهم سواء من الناحية المادية او حتى المعرفية وهذا ما اشار اليه رامون غروسفوغل في حوار له متحدثا عن الاستعمار الاوربي الحديث او مايسمى الكولونيالية – التي تعود إلى المصطلح اللاتيني colonus وتعني المزارع وهنا نلاحظ نفس المغالطة حيث ان الأصل في مفهوم الكولونيالية ارتبط بفعل انتقال مواطنين من دولة الأمة المحتلة إلى الأرض الواقع عليها الاحتلال، واستعمل المصطلح غالبا لوصف أماكن مثل أمريكا الشمالية ونيوزيلندا وأستراليا والبرازيل والجزائر، حيث انتقلت أعداد كبيرة من المواطنين الأوروبيين، وأنشأوا مستعمرات منفصلة عن أماكن معيشة السكان الأصليين وممارسة الهيمنة العسكرية والثقافية- :”لقد سرقوا المعارف والعلوم من باقي الشعوب ثم أعادوا تدويرها و نسبوها لأنفسهم على أساس أن العلم كان شيئا خاصا بهم و بطبيعتهم كأوربيين ، مع أن أوربا و حتى القرن الخامس عشر كانت قرية مظلمة مهمّشة من قبل باقي العالم ، فعلم و تطور القارة جاء بفضل حضارات أخرى ، جاء من حضارة الهنود في أمريكا و من الحضارة الصينية و الاسلامية و الهندية و الافريقية ، و كل هاته المناطق كانت تعرف تطورا اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا و علميا ضخما ، فيما كانت أوربا مهمشة و فقيرة مقارنة مع الاخر” والحقيقة انه عبر مراحل تاريخية مختلفة حافظ الاستعمار على نزعته التسلطية اتجاه الاخر وتجلى كنوع من الهيمنة سواء هيمنة افراد او جماعات على اقليم او سلوك اشخاص وجماعات اخرى. او تغيير وضع ثقافي بالإكراه في مجتمع ما .كما اكد على ذلك- هورفاث جيه رونالد- في مقال له عن الاستعمار الجديد حيث اشار الى ان الهيمنة التي يمارسها المستعمر تمت بطريقتين :اولا بين الجماعات وثانيا داخل الجماعة ذاتها ففي بريطانيا سابقا والى الان نلاحظ هيمنة الانجليز على الويلزيين والاسكوتلانديين والايرلنديين وداخل المجتمع البريطاني نجد تراتبية من حيث السلطة والمال والمكانة وفي نظره ان العلاقة بين الْمُسْتَعْمِرُ وَالْمُسْتَعْمَرِ تاخذ ثلاثة اشكال اما علاقة ابادة مثلا الاحتلال الاوربي لجزر الكاريبي او ماحدث في امريكا واستراليا او تداخل اجتماعي كما وقع في امريكا اللاتينية او التوازن النسبي كما حصل في مصر مثلا. وفي كل شكل من الاشكال الثلاثة عمل الاستعمار على تغيير فلسفته ومن ثمة ادواته مرتكزا على تفوقه العسكري وقدرته على القمع وعلى تفوقه المعرفي مستفيدا من بحوث فلسفة التنوير والاستشراق من هنا اشار إدوارد سعيد الى أن الخطاب الاستشراقي ليس خطابًا علميًّا بل نتاج للقوى الإمبريالية الغربية فالاستعمار بحسب ادوارد سعيد كان بحاجة الى اقامة حاجز كبير بين الشرق الذي وصف بالتقليدي والرجعي البدائي الخال من العقل والغرب الحداثي العقلاني التنويري كي يتمكن من الهيمنة والنفوذ على البلدان التي يستعمرها .وفي نفس السياق تحدث احمد رهدار عن الاستعمار الجديد من حيث انه نوع يكون فيه القادة من نفس البلد المستعمر حيث يلاحظ ان القادة المحليين يتمتعون بحماية خاصة واضحة ومباشرة هذه الحماية يتمتع به ايضا بعض من النخبة المثقفة حيث يعمل المستعمر على تحقيق اهدافهم في الحصول على مناصب سياسية وعزل منافسيهم مقابل الدفاع عن مصلحة المستعمر وفي مرحلة لاحقة يكون المستعمرون واتباعهم المحليين متخفيين وغير ظاهرين للعيان .في كل المحطات التاريخية اقترن مفهوم الاستعمار بالهيمنة والتعالي والسيطرة على الاخر والتعامل معه وفق ثنائية السيد والعبد وثنائية الشرق المستبد والغرب الحداثي الديمقراطي او ثنائية الجنوب المتخلف والشمال المتقدم بل ان الاستعمار الغربي لايزال يواصل حربه القذرة باسلحة اخرى ولكنها اكثر فتكا.
آليات الاستعمار المعاصر
01-قوة الاستعمار المعاصر تتجلي في تحكمه في الحقول البرمجية من خلال سلطة العلم او مايسمى التحكم في الثقافة ومثال ذلك ISI وهو مُصطلح مُختصر لجملة ISTITUTE FOR SCIENTIFIC INFO، بمعنى (معهد المعلومات العلمية)، والذي يقع مقره بولاية بنسلفانيا الأمريكية، ويُعَدُّ تصنيف ISI أشهر التصنيفات للمجلات الدولية المحكمة، ووضع إطار ذلك التصنيف العالم “يوجين جارفيلد”، أحد مؤسسي المعهد في بداية ستينيات القرن الماضي.وفي فترة التسعينيات قامت مؤسسة “ثومسون رويترز” بالاستحواذ على المعهد، وأصبحت هي المتعهدة بذلك التصنيف، وفي ظل ظهور شبكة الإنترنت ظهرت مواقع متنوعة خاصة بتصنيف ISI، وتُعرف باسم INERNATIONAL SCIENTIFIC INDEXING””، وتتضمَّن قواعد بيانات ISI عددًا كبيرًا من المجلات التي تتضمَّن مادتها ملخصات بحوث وتقارير وأوراق علمية، وتُقاس قيمة هذه المجلات وفقًا لمعامل التأثير IMPPACT FACTOR.مما ادى الى مايسمى وهم الانتشار العلمي عن طريق زيادة المقالات في فهرسة ISI وبالتالي تحولت الجامعات وهذا مانلاحظه في الجزائر مثلا الى مراكز للفهرسة ونشر المعلومات وبدل الاهتمام بالمضمون اصبح الاهتمام بالشكل حيث افرغ البحث العلمي من محتواه القيمي وقدرته على التاثير في الواقع وقد سجل احد الباحثين ان ربط مسالة الارتقاء في المراتب الجامعية بامتلاك مقالة في ISIليس بالامر الجيد وربما يتعارض والروح العلمية هذه الالزمات عادة ماتتخذ بناء على خلفيات سياسية حيث ان اجبار الجامعي على كتابة مقالة في المجلة الفلانية لتاكيد مصداقية صلاحيته العلمية هو امر بالغ في عدم الاحترام لكلا العلم والعلماء فالعلم حيثما كان فهو علم والعلم هو الذي يعطي الصلاحية للمجلات وليس العكس.
ومن هذا المنطلق اصبح الاستعمار المعاصر يمارس سلطته عبر التحكم الثقافي وهذا ما تنبه اليه برهان غليون الذي كتب قائلا :” ليست العولمة هي المنشئة لسيطرة ثقافة على ثقافة اخرى ولكنها منشئة لنمط جديد من السيطرة الثقافية ” وهذا صحيح خاصة انه لايمكن ان نتصور تاريخا بلا ثقافة والشعب الذي فقد ثقافته فقد تاريخه كما كان يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي لاسيما اذا فقدت الثقافة المبادئ التي يجب ات تقوم عليها كالمبدأ الاخلاقي الذي يحدد الدوافع والغايات والبعد الجمالي الذي يشكل الصياغة والمنطق العملي الذي يحول الفكرة الى انتاج يستفاد منه اجتماعيا والعلم الذي يزودنا بالوسائل لتحقيق هذه الغايات .

والواقع ان محاولة فرض نمط ثقافي واحد ممثلا في الثقافة الغربية قوبل بالرفض حتى داخل الجامعات الاوربية فقد عبرت منظمات طلابية في بريطانيا عن نبذها لتاريخ البلاد الاستعماري لكن الغريب في الامر ان جامعة مثل جامعة”أوكسفورد” رفضت دعوات اتحاد طلبتها بإزالة تمثال سيسيل رودس (1853-1902) من كلية أوريل، أحد أبرز الشخصيات الاستعمارية البريطانية في جنوب أفريقيا، مؤسس De Beers الشركة التي تملك أكبر مناجم الألماس، والتي كانت حتى وقت قريب مسيطرة على 90% من سوق الألماس في العالم. وبدلاً من أن يرتبط اسمه بالضحايا الذين قضوا في مناجمه أو جرائم الاستعمار، يرتبط اسمه بمنحة دراسية رفيعة تقدّمها أكسفورد التي درس فيها.
02- الاستعمار اللغوي :
هشام بن صالح القاضي في مقال له حول الاستعمار اللغوي ذكر انه ففي مقابلة على الجزيرة عام 2010 مع المذيع ريز خان قال فيليبسون صاحب كتاب الهيمنة اللغوية : “هناك نظام لاختيار اللغات في كل دولة، وليس بالضرورة أن تشمل الخيارات الإنجليزية أو أن تكون الإنجليزية الخيار الأول في كل مكان! في تنزانيا مثلا تتصدر الإنجليزية المشهد ويتلوها السواحيلية ثم عدد من اللغات المحلية، وانطلاقاً من هذا الوضع فإن عددا ًمن اللغات في نيجيريا وتنزانيا ستنقرض مع مرور الوقت، وتلك مأساة، لأن معرفة أن الثقافات مندمجة في اللغات سيعني أن عددا ًمن الثقافات ستخرج وتنتهي من التعدد الثقافي في ذلك البلد، وربما من العالم… والسبب الرئيس في هذا هو الفشل في التخطيط اللغوي خاصة على مستوى التعليم”.حيث خلص البروفيسور البريطاني روبرت فيليبسون في كتابه “الإمبريالية اللغوية” إلى أن تعليم الإنجليزية هو في الحقيقة فعل استعماري بأدوات لغوية. ويضيف البروفيسور البريطاني: أن الرئيس السنغافوري لي كوان يو قد ندم كثيراً على اهتمامه المبالغ بفرض الإنجليزية مقابل التقليل من شأن المحليات وأهمها اللغة الصينية ذات الثقل الكبير اقتصادياً.
اللغة ليست مجرد رموز للاتصال والتواصل او اداة للتخاطب والتعبير عن المشاعر والافكار اللغه في جوهرها اكثر من ذلك انها تشكل روح الامة والاطار الذي تشكلت فيه ثقافة تلك الامة ولذلك قيل انت تتكلم لغتي انت تنتمي الى مجموعتي ان اللغة تشكل جهاز الادراك عند الفرد وتحدد زاوية النظر الى العالم الداخلي والخارجي وحياة او موت الامة مرهون بحياة او موت لغتها من هنا اشتغل الاستعمار الكلاسيكي و المعاصر على هذه المسالة ووظفها لصالحه من خلال فرض لغته.
وتذكر احصاءات انه بإنجلتراو بسبب السياسات الاستعمارية اللغوية ذهبت لغة الايرلنديين والاسكتلنديين أدراج الرياح ولم يبقى منها إلا النزر اليسير (أقل من 2%) يتحدثها وأقل من ذلك من يكتب أو يقرأ بها. لقد استعادت إيرلندا استقلالها، لكنها لم تستطع استعادة لغتها!
كما ان الدول التي لها تاريخ استعماري تدرك خطورة الهيمنة الثقافية كفرنسا مثلا التي تعمل على فرض لغتها في العديد من المستعمرات السابقة لكن في نفس الوقت تضع القوانين التي تحمي لغتها مثل قانون رقم 94-665 في 4 أغسطس 1994 المتعلق باستخدام اللغة الفرنسية ويعرف باسم قانون توبون (بالفرنسية: Loi Toubon)، نسبة إلى وزير الثقافة جاك توبون، هو قانون سنّته الجمهورية الفرنسية في 4 أغسطس 1994، يهدف إلى حماية اللغة الفرنسية وتراثها، ويتركز على ثلاثة أهداف رئيسية هي: إثراء اللغة؛ والالتزام باستخدام اللغة الفرنسية ؛ والدفاع عن الفرنسية كاللغة الرسمية للجمهورية كما تهدف لضمان أسبقية استعمال المصطلحات الفرنسية التقليدية عوض مصطلحات الأنجليسسم، لضمان سيادة الفرنسية في فرنسا. واستجابة لتزايد استخدام اللغة الإنجليزية في فرنسا، ولا سيما في الإعلانات التجارية، حيث يلزم قانون توبون جميع الإعلانات والملصقات الترويجية أن تكون مكتوبة باللغة الفرنسية.والمجالات التي يسرى عليها الحظر هي:
– كافة الوثائق والمستندات والإعلانات المسموعة والمرئية .
– كافة مكاتبات الشركات العاملة على الأرض الفرنسية ، وبوجه خاص المحلات التجارية ، والأفلام الدعائية التي تبث عبر الإذاعة والتلفزيون . وعقوبة المخالفة تتضمن السجن أو غرامة مالية.
ونقلا عن موقع الجزيرة فقد اثار مقطع فيديو لحفيدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وهي تغني وتنشد باللغة الصينية ضجة كبيرة كما تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية مقطعاً آخر لابنة الملياردير الأميركي جيم روجرز وهي تردد بطلاقة أغنية صينية.وكان المستثمر الأميركي قد أشار في تصريحات صحفية إلى أنه عادة ما يشدد في محاضراته على ضرورة تعليم الأطفال الصينية باعتبارها لغة القرن الجديد. وقال إن القرن التاسع عشر كان قرن بريطانيا، والقرن العشرين قرن أميركا، وتوقع أن يكون القرن الواحد والعشرين قرن الصين.
03-التحكم في الخارطة السياسية لدول العالم الثالث
عموما والدول العربية على وجه الخصوص والعمل على لجم الثورات العربية التي عجزت عن تحقيق اهدافها وقد استنتج حكيم بن حمودة في مقالٍ له نُشر في شباط/فيفري 2011:” انّ اليقظة العربيّة الثانية- وكان يقصد الربيع العربي – لن تُترجم بعمليّة دمقرطة، بل بتغيير في قمم (رؤوس) الطبقة الحاكمة، وفي بعض الحالات، بتغيير الأنظمة. عمومًا، مع ذلك، هم لن يتغيّروا. المصالح الداخليّة والخارجيّة التي تحميهم قويّة جدًّا. وفق هذا التفسير، فإنّه من المرجّح أنّ قدر «الربيع العربيّ» هو أن يصبح، بسرعة، خريفً قاسيًا ، دون المرور بصيف أو خريف. الإصلاحات التي ستجرى لن تكون إلّا شكليّة، سيتمّ إرساء ديموقراطيّات معادية لليبراليّة شبيهة بسابقاتها. ويرى بعض المعلّقين الأكثر تشاؤمًا، أنّها يمكن أن تكون الجديدة أسوأ .
04- العمل على نشر نظام التفاهة
وتغليب الكم على الكيف وتغييب النظرة النقدية وقد اشرنا الى ذلك في مقال سابق عن اغتيال الفلسفة والتأسيس لنظام التفاهة نضيف هنا فقط قول مالك بن نبي وهو يتحدث عن القابلية للاستعمار :” هذا الوجه المتخلف الكئيب مازال حيا …نصادفه في المظهر الكاذب الذي يتخذه ابن صاحب المليارات نصف المتعلم الذي انطبع في الظاهر بجميع اشكال الحياة الحديثة فاكسبه مليار ابيه وشهادة البكالوريا مظهر الانسان العصري بينما تحمل اخلاقه وميوله وافكاره صورة انسان مابعد الموحدين” كما يمكن العودة الى احدى نصوص ابن خلدون وهو يحلل ظاهرة تقليد المغلوب للغالب في كتابه المقدمة يقول :” والسبب في ذلك ان النفس ابدا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت اليه ،اما لنظرة بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه ،أو لما تغالط به من انقيادها ليس لغلب طبيعي ،انما هو لكمال الغالب ،فاذا غالطت واتصل لها حصل اعتقادا ،فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به ،وذلك هو الاقتداء…..ولذلك ترى المغلوب يتشبه ابدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه ..بل وفي سائر احواله ،وانظر ذلك في الابناء مع ابائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائما وماذلك الا لاعتقادهم ان الكمال فيهم .وانظر الى كل قطر من الاقطار كيف يغلب عليه زي الحامية وجند السلطان في الاكثر ،لانهم هم الغالبون لهم ،حتى اذا كانت امة تجاور اخرى ولها الغلب عليها فيسري اليهم من هذا التشبه والاقتداء حظ كبير ،كما هو في الاندلس لهذا العهد من امم السلاجقة ،فانك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم واحوالهم ،حتى في رسم التماثيل في الجدران والمصانع والبيوت ،حتى لقد يستشعر من ذلك الناظر بعين الحكمة انه من علامات الاستيلاء .والامر لله.
واخيرا يمكن القول اننا لازلنا نعيش حالة من الاستعمار والاستدمار وانه لاسبيل للتحرر الا من خلال تحرير الانسان من ذاته واعادة تعريفه بنفسه ونشر قيم التسامح اتجاه الاخر والتواصل معه والاعلاء من شان التفكير النقدي والاحتكام الى منطق العقل لا العاطفة وهذه مهمة المثقف الثوري فاما فلسفة جديدة للحياة او الكارثة.” فَفِي خاتِمَةِ المَطافِ ، سَيَكُونُ الاُّنسانُ المَنحْيُّ الظُّهْر ، اَلْمُسْتَغلُ ، اَلَّذِي يُعَانِي مِنْ سُوءِ التَّغْذِيَةِ ، المُقاتِلُ مِنْ اَجَلِ الِاسْتِقْلالِ ، المُغَطَّى بِالدَّمِ ، هوَ اَلَّذِي سَيُقَرِّرُ مَا اَلَّذِي يَخْتَارُهُ . وَهُوَ ، حَتْمًا ، سَيَخْتَارُ الحُرّيَّةَ”
إغتيال الفلسفة والتأسيس لنظام التفاهة
يومين مضت ديداكتيك الفلسفة, مجلات, مقالات 0

عمرون علي عمرون علي مدخل عام يمكن ان نقول وفق استقراء تاريخي انه كلما ضاقت دائرة الفلسفة والتفلسف ارتقت التفاهة واتسعت بالضرورة دائرة التافهين سواء تعلق الأمر بمصادرة الحق في التفلسف ومحاربة كل اشكال التفكير العقلاني الحر من طرف انظمة سياسية تؤسس للجهل وثقافة التلقين والاجترار او بمحاولة لاغتيال الفلسفة ومحاصرة الفيلسوف …أكمل القراءة »
مرايا الوطن

فريد العليبي فرحات حشاد في الدار البيضاء. نشر في جريدة الانوار. التونسية يوم 5 ديسمبر 1952 استشهد حشاد في رادس التونسية ، بعد ذلك بيومين غصت شوارع الدار البيضاء المغربية بالمتظاهرين ، فتح المستعمرون الفرنسيون المجال أمامهم حتى يبلغون وجهتهم ، وحال وصولهم أغلقوا الدروب واعتقلوا العشرات ، فقد …
حوار كوة مع المفكر التونسي فريد العليبي

خاص كوة 1 : من هو فريد العليبي وكيف اهتجس بالفلسفة؟ ـ ولدت في سفح جبل بودواو الكائن بجهة المكناسي التابعة لولاية سيدي بوزيد ، تلك الجهة التى يقول بعضهم أنها أخذت اسمها من قبيلة مكناسة البربرية وتشترك في ذلك مع مكناس المغربية وتعني ” مكناسي ” بالأمازيغية ”المحارب ” …أكمل القراءة »
ميشيل سير: التفلسف هو الإبداع
يوم واحد مضت ترجمة, حوارات, فلاسفة 0

حاورته: هيلوويز ليريتي ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل سير (1930-2019) إنه، في منهجه، وطريقة تفكيره، سليل تقليد فلسفي عرفته اللغة الفرنسية ينحدر عن مونتيني. فديدرو على سبيل المثال: عندما يود الحديث عن الصدفة والضرورة، فهو لا يحلل مفهومات، وإنما يبرز شخصيتين، جاك القدري وسيده، إحدى هاتين …