
سامي عبد العال
فكرةٌ حمقاءٌ هي الربط بين أقصى المفاهيم وأدناها دون مبررٍ، كمَنْ يحاول ربطَ السماء والأرض برباط واهٍ، ليدرك اخفاقه في طي المسافات وقد لا يبلغ الطرفين أصلاً. لكن يصبح الأمرُ وجيهاً إذا جاء(الادنى والأقصى) بخلفية مشتركةٍ. بالأدق عندما تُوجد دلالة تمسكُ طرفي المفاهيم، وهذا بالتقريب شأن كلمات العنوان المذكُور. فالفيروس لا يُرى وكذلك المجتمع خفي، وأيضاً الإله متعالٍ عن أيةِ رؤيةٍ. بالوقت نفسه تجسد الكلمات معنى داخل الحياة( إنْ لم تكن الحياة إجمالاً). وليس هناك أعمق من المعاني التي تسيِّر الإنسان وتثير لديه نوازع الفعل دون حدودٍ.
الفيروس هو معنى الحياة الأولية(البيولوجيا) والمجتمع معناها الإنساني الأوسع(الاجتماع) والله معناها الكلي(اللاهوت). دوائر يصعب فصل خطوطها المتداخلة (وبأشكال غير واضحة)، دون انفصام حركة الإنسان عن تأثيرها. ومن ثمً، فأيُّ تغيُر جذري لهذه الحركة سيمُر عبر الأطراف الثلاث، وقد ظهر ذلك جلياً على خلفية جائحة الكوفيد 19. حيث توقفت الحياة كونياً بملء الكلمة وفجأة تداخلت آفاق البشرية المتنوعة، ولم يكن افتعالاً إنما تلقائياً بحكم العدوى التي ظهرت في نقطة معينة من الزمان والمكان، ثم اتسعت مع الطبيعة والتاريخ. وبلغ أهمية ذلك درجة كبيرة حتى تمَّ اعتبارها نقطة فارقة. فلكم تعقبت الفلسفات مسار التغير في تاريخ الإنسانية دون إدراك ما كشفه الفيروس خلال وقت قصير.
يبدو أنَّ أقرب كسر لحاجز الحياة المعتادة يأتي من أوهن الأسباب وأعمقها، إنها وجود الإنسان وجذوره المتصلة بكل الكائنات. فالحياة إحساس عميقٌ يوحدنا بشتى الموجودات، هي إدماج integration لكياننا في كيان العالم(نحن مخلوقات منه وفيه). إذ يبلور الفيروس سيولةَ الحياة وتغيُرها، فلا شيء طبيعي(يتخلقُ ويتحللُّ) دون فيروسات متناهية الصغر. والمجتمع رابطةُ حيوية نمارسها نحن البشر كحياةٍ بديلةٍ alternative دون إلقائنا عُراةً في الطبيعة(المجتمع تكوين رمزي لوجودنا). أي تجنباً لغوائل الكائنات والكوارث اتخذ الناسُ بعضَّهم البعض ملجأ أخيراً. فالمجتمعات تتكون نتيجة الوجود معاً co-existence، وتاريخياً قد لا يعي الإنسان وجودّها كإطار حاكم، لكنها تبلغ تأثيرها بخفاء السلطة التي تفرزها.
بينما تُضفِي مقُولةُ الإله دلالة على الأشياء: الحياة والكون والموت والأخرة(التَكّوُن والتحلل والمصير). جاء بنص القرآن: ” قُل لو كان البحرُ مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أنْ تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً”. التحدث بمقام الألوهية في الحياة هو لغةُ تُشتق من الدلالة التي يوجدها معنى الله في العالم. والقول بأنَّ الطبيعة مكتوبة بحروف إلهية فكرة قديمة في الديانات كالزرادشتية واليهودية(القبالة) والمسيحية(في البدء كان الكلمةُ)، فدلالة الإله كمستوى تأويلي هي امتلاء لآفاق الإنسان. وأخذت الفكرةُ ترجمتها الإنسانية داخل العلم، حين نوَّه جاليليو أنَّ الطبيعة والأشياء مكتوبة بلغة الرياضيات، وكان هذا شرطه المبدئي لمعرفة الظواهر بلغة عامة تبعد المعرفة الإنسانية عن الأساطير. وهي كتابة تتيح للإنسان أن يجيد قراءتها، وعليه تباعاً اكتشاف طبيعة تلك الكتابة وقوانينها. وبالوقت نفسه لم يسند جاليليو اللغة إلى قُوى عليا، لكنها كانت إمكانية لدراسة وفك شفرات العالم.
التقديم السابق مهم، توطئةً لسؤالٍّ جوهري: ما الذي يُغير صورةَ العالم ويكسر نمط الحياة؟! فالعالم (بفعل وباء كورونا) قد كّسر رتم حياته وأحداثه المعتادة. وقيل إنّ حياتنا بعد الفيروس لن تعود مثلما كانت وقد حدث ذلك بالفعل. والسؤال يبدو عاماً في غمرةِ الأحداث، إلاَّ أنه ككل الأسئلة التي تأتي خلسةً وتذهب دون استئذان. ربما بسبب هواجس معينةٍ أو نتيجة الانشغال بقضايا طارئة. فالعالم كلُّه حملَّق كثيراً تجاه ظواهر الوباء وقد احتلت مساحةَ الوعي. والتغيير- الجذري العام- لا يحدُث اعتباطاً، إنَّه قانُون تاريخي من جنسِ ما يشتغل عليه(أي يرتبط بصورة العالم). فإيقاع الحياة الاجتماعية قد يتسلل، وقد يُعاد تشكيلُّه من وراء المشهدِ الإجمالي، لكنه يتم دوماً بفعل فاعل عام( ما هو؟ وكيف يتم؟، وبأية صيغةٍ يقع؟ … قد لا ندري في الأحوال العادية، لكن لنحاول التفكر فيه).
وطالما أنَّ العالم باقٍ بصورته المتنوعة، فقانون التغيير يكْمُن فيما يشكل وجودَّنا الحي. ليس يكفي حلمٌ ثوري يتبخر عند أولِّ جدارٍ للواقع، ولا تكفي قدرةٌ فردية تخُور لدى صخرة الآخر. لأنَّ كلَّ آخر بدرجاته هو الحقيقة، هو المعنى، هو الزمن القادم، إذ يجرى الأمر بكل متوالياته بدءاً من الذات وانتهاء بـ” الله”. ولذلك حلَّ التصوف المعضلة بفك التناقض بين الاثنين( داخل التجربة الصوفية- نحن روحان حلّلنا بدنا).
إنَّ (تغيير العالم) كفعل مقصودٍ يطرح طبيعة العلاقة المباشرة بالحياة، سواء أكانت شكلاً بدائياً في خلية أولية(الفيروسات) أم عبر خليةٍ مُركبة تاريخياً( المجتمع) أم بالنسبة لخلية ميتافيزيقية تأويلية(الله). وأيَّة قُوى تحاول التغيير الحقيقي لابد أنْ تقتفي أثرَ( بل تنسج كيانها على غرار) المعنى الحي للخلايا الثلاث(الفيروس-المجتمع– الإله). الخلية ليست بدلالتها العضوية الصرف، لكن بتأثيرها وعلاقات انتاجها(مثل الفيروسات). فالخلية لا يصح معناها العضوي تجاه الله، بيد أنَّ تصورات البشر كثيراً ما تدمج معانيه في حياتهم عضوياً(حين يمثل معنى الاله وجوداً كالخلية). وتبعاً لدرجة الاعتقاد تشكِّل فكرة الله جميع عناصر الوجود، مثل عنقود متشعب الخيوط هو النسغ والصُلب منها. في كل الثقافات تقريباً يحتل معنى الله جانباً مركزياً تدور حوله المعاني والأزمنة صراحة كما في المجتمعات المتدينة أو بالبدائل في مجتمعات لا تظهر ذلك خلال فضائها العام.
ولنلاحظ أنَّ خلايا( الفيروس- المجتمع – الإله) توثّق عُرى الميكروmicro والماكرو فيزيائيmacro، في جميع السرديات. المعرفة الطبية –مثلاً- سردية ترى الفيروسات كبصمات للحياة الأولى (الفيروسات توجد منذ ملايين السنوات). وهي كائنات دقيقة تمم جميع تفاعلات الحياة بأبنيتها الأشد تركيباً وتعقيداً. والفلسفة سرديات تَعتبر المجتمع خلية تشكل وعي الأفراد وتقوي السلطة التي ينتجها. فالوعي والسلطة أعقد وأكثر التواءً مما نظن، لأنَّهما يختلطان بكل شيءٍ تقريباً، حتى عبر الصور التعبيرية الأكثر شفافيةً مثل الكلام والعبارات الباسمة والنكات واعلانات الشراء ونمط الخطوط والأيقونات الرقمية.
وكذلك الدين سرديات ميتافيزيقية تسعى لتأليف تاريخ العالم وربطه بالمصير والموت واليوم الأخر. فلسفات اللاهوت المسيحي جعلت العناية الإلهية جزءاً من تكوين الحياة ومصير البشر. لاهوت التاريخ كان اعتقاداً بالأساس المقدس للأحداث الإنسانية وكيف تتشكل وإلى ماذا ستؤول. الخلاص من الخطيئة بفضل ” الصَلْب والفداء” هو الخط المتصل بها. وفي اليهودية كان السيناريو التاريخي خاضعاً لنقطة الاختيار الإلهي حين اختار الرب شعبه واستمر مع حبكة التاريخ مثل الشتات، وانتهاءً فيما سيجري – وفقاً للتصور اليهودي للعالم- حيث ستُحل العقدة الوجودية بقيام مملكة الرب ونهاية العالم.
وهذا طبعاً لا ينفي- في الاسلام- أنَّ الله له صفاته العُلّى وأفعاله المنزهة دون تشبيه ولا تجسيم. لكنها أفعال مذكورة من جنس الحياة، أي لكي يتم تغيير(الحياة) في هيئة العالم، لابد من وجود الأفعال الإلهية كقوانين حالَّة فيه. الله طوال التاريخ كان مبدأ فعل وسبباً واخلاقاً وإرادة، فالإرادة الإلهة تفسرُ حدوث الظواهر قبل أنْ تكون إيماناً خاصاً وإلاَّ لما بلغ الإيمانُ تأثيراً قيد أنمله. ناهيك عن أنَّ الوجود الإلهي باختلاف التكّلُم الديني(مذاهب علم الكلام) هو وجود حياة بالدرجة الأولى(الله هو الحي القيوم بالنسبة لأناس أحياءٍ)، أي هو الحياة داخل الحياة سواء في ذاته أم في غيره، على الأقل بحسب عقول البشر الذين يعتقدون كما يعيشون.
ولذلك كانت مشكلة الإرهاب أنه فشل في اعتبار الله “مبدأ تفسيرياً”، معتبراً إياه “مبدأَ فناءٍ” (من واقع كونِّه مبدأ خلقٍ من عدمٍ)، بينما حولَّه الغربُ تاريخياً إلى أنظمة معرفيةٍ وطاقةٍ عمل، وإلى مؤسسات عامة، وإلى أفكار ذات إرادة، وإلى آفاق للتاريخ، وإنْ كان ذلك بطريقة دنيوية. لم أقُل بطريقة إلحادية، لأنَّ الإلحاد بأي شكل كان هو أحد الوجوه الأخرى للديانات وللعقائد. الالحاد نوع من رجع الصدى لما هو ديني بصورة مقلوبة( وجه المتدين المعكوس في المرآة، هو ما يستعيذ منه ويتدين تجنباً له). فالحداثة الغربية وجدت مساحة لمعاني الإله( إعادة استنساخها) في مفاهيم المجتمع والدولة والإرادة العامة وحق تقرير المصير وحقوق الإنسان والاعتراف والتسامح والحرية والعلاقات الدولية والديمقراطية. حتى أنَّ هذه المفاهيم شكلت “بدائل مدنيَّة” لصور دور العبادة والطقوس والمعتقدات والأساطير.
بينما الإرهابي يقول: لابد أنْ تؤْمن كما أؤمن، أنْ ترى مثلما أرى (لا أريكم إلاَّ ما أرى…).. كل إرهابي مسكون بفرعون ما من الداخل، ملاصق له خطوة خطوة حتى يقتل ويستبيح الآخر. فالإيمان يبقى شكلياً كما هو، لا تتناقش حوله ولا تفكر فيه، لا تعترض.. وإلاَّ لقطعتَ رأسك!! تحوّل الإله- بالإرهاب- إلى عقاب ميتافيزيقيmetaphysical punishment بدلاً من كونه رحمةً من عسف البشر. بصدد تغيير الحياة فإن الارهابي يخطف بعضاً منها فقط، كمن يمسك بين أصابعه قبضة رمل، فلا هو يمسك كل الرمال، ولا هو يستطيع القبض عليها دون أنْ تتسرب!!
المهم هنا أنَّ ما يجعل الخلايا الثلاث( الفيروس- المجتمع – الإله) فاعلةً هو الجسد كحفرية أولى للحياة، كوثيقة عليها بصمات الإنسان ووجوده، كمدونة قديمة مازالت تحمل آثار حياتنا الموروثة وبإمكاننا القول إنها الأخيرة أيضاً. لأن الحياة متواصلة منذ بذرتها البيولوجية المبدئية حتى نهايتها الدينية مثلماً توضح الديانات الابراهيمية الثلاث. والجسد مادة الثواب والعقاب والشقاء والسعادة في الدنيا والآخرة، فالجنة والنار تفترضان إحساساً للجسد كنوع من آثار العذاب أو النعيم. وإذا كانت الحياة تتحول دون انتهاءٍ إلاَّ بالموت فيما نعرف، فالموت بمثابة شكل تالٍّ من الحياة. وبينهما( الفيروس– الإله) يمثل الجسد وسيطاً اجتماعياً، لوحةً عامة تظهر عليها العلاقات والطقوس وعلامات الاقتصاد والسياسة.
حياتنا أوسع مما نتصور على متصل بيولوجي– ميتافيزيقي، الأمر الذي ينشّط مقولات(الفيروس- المجتمع – الإله) على نطاق واسعٍ. إنَّ فيروس كورونا أبطّل نمط العيش بهذا الزخم المذهل، استناداً إلى الجسد بوصفه مادة الحياة الأولى. لقد أوقف حركته ومظاهره إجمالاً، أعاد تأويل التقاليد الداعية إلى الحضور اجتماعياً، أرجع الكائنات الإنسانية إلى ذواتها باعتبارها البيت الفعلي للإقامة. والسبب هو الاتصال الكوني بين عناصر( الميكرو والماكرو) بضمان حياتنا التي هي فينا وفي سوانا. لأنَّ الفيروس قد أثار تربة الطبيعة(الخوف من الموت- حفظ الذات– دفع الأذى والألم) وهذه غايات الدين، وجعل المجتمعات آحاداً عائدة إلى الجسد كعلاقة خاصة مع الأنا.
الأنا يعود اجتماعياً على هيئة أعضاء لحمية وأنسجة ودماء ونبضات وعيون تراقب كيان الإنسان ذاته، تراقبه دفعاً للعدوى. إذن أسقط كورونا الغشاء الموهوم لوجود الانسان مع الآخرين، أسقط امتداده خارج ذاته عائداً إلى الجسد. لقد مزق علاقاته بالمجتمع (الخلية الثانية)، لم يعد هناك أي اجتماع إنساني بمعناه المعروف. كل الظواهر العامة والمبادلات والطقوس الجمعية والصلوات والأفراح والمناسبات تقطعت. ليكون الجسد جدارَ الحماية الأول، الحصن اللحمي بما يدفع عنّا الوباء. تمزق الجسد الاجتماعي والتواصلي لصالح الجسد الفردي الذي يتكور خلف أبواب موصدة حتى على مستوى الأسرة الواحدة.
وهنا نأتي إلى أخطر ما في الوباء:
- عمومية الإصابة دون تفرقة ولا حواجز. فكرونا ظل سريع الانتشار عن طريق الاختلاط المباشر وعن طريق الهواء لمسافةٍ ليست بالقليلة. وهو يختلف عن فيروس سارس الذي لم يكن له هذه الفاعلية الوبائية. ونظراً لارتباط الفيروس والمجتمع والله فقد شكلت الأجساد طقوساً تستفيد من معاني مقولات الثلاث. وهو ما جعل الأفعال الجديدة -تجنباً للعدوى- ذات طابع أساسي.
- § تمَّ طي جسد الإنسان داخل جسد الطبيعة، فبمجرد العيش، أنت معرّض للفيروسات. ومتى قيل لك: أأنت حي؟، فهناك ستأتيك إمكانية العدوى مباشرة، وعليك أن تتحسس أنفاسك بين الفينة والأخرى.
- قدرة الفيروس المتتابعة على التهديد الفوري. هناك – مؤخراً- ظهرت موجات ثانية وربما ثالثة من كورونا. وطالما لا يوجد له دواء ناجع حتى الآن، فليس قريباً العثور على خيط الاتصال العفوي مع الآخرين ويصعب عودة الحياة إلى ديدنها كما كانت.
- § جاءت طاقة الفيروس كبيرة على التكاثر اللامعقول(نوبة السعال الواحد به أكثر من ثلاثمائة ألف 300000 فيروس). هذا فضلاً عن وجود فصائل متعددة منه بين قارات العالم المختلفة. وكل فصيلة لها شفراتها الوراثية وتكوينها الذي يتحور مع بالعدوى والانتشار.
- إحياء الذاكرة البيولوجية للإنسان، الإحساس الدائم باقتراب الجائحة ارتباطاً بوجودنا الحي. وهي ذاكرة مرتبطة بالخوف والموت والقلق، لأنها تجربة غرائز و اشباع، وهذه على علاقة بالطبيعة داخلنا، أي تخشى الانقطاع عن الحياة وتتجنب الألم.
- فشل الأنظمة الطبية في معالجته. وهذا معناه ضعف حضارتنا عن استيعاب البيولوجيا. ودوماً البيولوجيا هي عصب الحضارة، لكونها منبع القوة وتصورات الإنسان عن الحياة والآخر والصراع والموت والحرب.
- اشتغال كورونا على الحيوان داخلنا، أي ربطنا فجأة بمادة الحياة التي هي نسيج كل الكائنات الحية. هناك في مجتمعات العدوى مَنْ تخلى عن حيواناته الأليفة خوفاً من كونها ناقلة للفيروس. وهناك حيوانات قد نقلت العدوى فعلاً وهذا لا يجعلنا نتجاهل كون الفيروس مصدره حيواني بالأساس. ولأننا نشترك معها بالوجود البيولوجي، فقد تنازلنا عن حيواناتناً لصالح الحيوان المأثور الذي يشكلنا.
أما بالنسبة للخلية الثانية( المجتمع)، ففي لحظةِ نشوةٍ فلسفيةٍ نادرة، نوَّه كارل ماركس بصدد حديثه عن فويرباخ: ” أنَّ الفلاسفة السابقين لم يفعلوا شيئاً سوى تفسير العالم بطرق شتى، لكن الأهم يظل هو تغييره”. كان يقصد تغييراً بالمعنى الجذري للكلمة، من حيث إذابة الطبقات الاجتماعية، وايقاف صراعها إلى الأبد إذا حلت مرحلةُ الشيوعية( مجتمع بلا طبقات) society without classes. وهي مرحلة لا بد آتيةٌ – فيما يرى الحالم- بفعل قوانين الواقع والتاريخ. إذ ذاك لن يكون أي مجتمع مجرد طبقات تهيمن إحداها على الأخرى بلا طائل. لكن جوهرها هو الصراع الخفي كالنيرات المشتعلة تحت سطح الرماد.
كان الاقتصاد هو الحفرية العضوية والتداولية في المجتمعات التي تتحول من وضع إلى وضع آخر، حيث يلتصق الاقتصاد بالحاجات الأولية للإنسان ويحركه كماكينة عضوية organic machine تحتاج الغذاء والدواء وتلبية المطالب الضرورية. بينما توارى الروحُ- إذا نقبنا عنه- كبصيص شعلةٍ متوقدةٍ ملقاةً بين الأرقام والإحصائيات وعمليات الفقر والصراع الطبقي.
وبصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع ذلك، لكن بدا ماركس واضعاً أصبعه على جرج التاريخ النازف، لماذا تهيمن القُوى المختلفة على كيان الإنسان ارتباطاً بحياته ومطالبه الجسدية؟ كيف يكون ثمة تاريخ للجسد المقموع اجتماعياً باسم الطبقة والرمز والثقافة والأيديولوجيا؟ سبب ذلك في النهاية – فيما يبدو- هو الجسم، هذا النسيج الحي الذي يدخل في عمليات من التصفية والغربلة طوال أطوار الثقافة من بدائية حتى الثقافة الرقمية.
والسبب في ذلك وجود شيئين:
أولاً: طاقة الحياة الكامنة فيه بمضمونها البيولوجي – الروحي (الفيروس– المجتمع – الإله). ويرتبط بذلك كل متعلقات الخوف والأمل والرجاء والعيش معاً.
ثانياً: صراع الإنسان مع الآخر بالتدرج المكاني( الآخر العضوي- الآخر الاجتماعي– الآخر السلطوي) كذلك بالتدرج الزماني( القوى الميتافيزيقية – القوى الثقافية – القوى الرمزية). منذ ذلك الحين التاريخي بات السؤال( كيف يتغير العالم؟) سؤالاً فلسفياً لا يحتمل إجابة معلقة بقدر ما يفترص اعصاراً يعصف بثوابت التاريخ.
بالمعنى نفسه تسعى الديانات لتغيير العالم، جاء في القرآن أيضاً: “.. وإنَّ الأخرة لهي الحيوان”. الفكرة وُجدت بصيغة الحياة الممتلئة في الفيروس والمجتمعات والفلسفات السياسية. فالتغير الجذري سيتم من واقع الحيوان الأبدي الذي ينتظره الناس، سواء في شكل مدينة فاضلة كما نوه توماس مور باختلاف المواقف أم من خلال سعادة تكفلها الأنظمة الاجتماعية. إنه حلم الإنسان منذ أن كان آدم الأول سائراً في الجنة. فالشجرة التي كان الرب قد نهاه عن الاقتراب منها هي شجرة الخلود، وقيل المعرفة( معرفة الخير والشر) ولكن الشجرة إجمالاً هي رمزية الحياة الأبدية. أي: كيف يكون الحيوان مستمراً دون موت ولا فناء. وفي أحراش وغابات الحياة الأولى بعد هبوط آدم من الجنة، لم يكن يشغل بال انسانه إلاَّ الحفاظ على وجوده.
والفكرة لم تتم هكذا على نحو هامشي. فالغريزة بكل تفاصيلها تقول: إن الوجود لهو الحيوان، والعاطفة تهمس كذلك: إنَّ الآخرَ لهو الحيوان، والصراع ينادي: إن الأنا لهو الحيوان، والحروب تزعق: ما لم نقتل سوانا، فلن يكون لنا كل الحيوان. إنَّه فعل الامتلاء لما يسكن الإنسان من فراغ، أوهام، خيال، انتظار، احلام. هذا المتصل ليس من جنس التفكير الطارئ لكنه في صلب إحساساتنا وذاكرتنا القديمة. وهو ما ذكره القرآن بدلالة الحيوان تحديداً في المستقبل. كأن البداية( جنة آدم) ستلتقي مع الجنة بالأـخرة. لأنها نقطة التقاء آدم الذي يوجد في تكويننا البشري وكذلك حلم البقاء والرغبة في الأكل من الشجرة( الخلود). وقد سار البشر على هذا الدرب باختلاف تجارب الحياة والثقافات.
وإذا كان الله قد نهى آدم عن الاقتراب من الخلود، فيبدو أن الحياة الإنسانية سيناريو أرضي لترجمة شفرات القصة إلى مسيرة تنتهي بالحيوان الأول. ولذلك جاءت على هيئة وعد إلهي متأخر( الأخرة لهي الحيوان). بحيث يكون حيواتنا( كل البشر) تقدمة تفصيلية لهذا الوعد لكي يناله الإنسان بحسب الإسلام. وجميع فلسفات السياسة تنسج أفكارها على هذا المنوال، الليبرالية تعد الناس بالحرية التي يقتنص فيها حيوانه الخاص( أفكاره ورغباته وأهدافه وأحلامه) في دولة قائمة على العدالة والمساواة والفرص الفردية بشكل تام. ومن قبل كانت الشيوعية كما ألمحت وعد بإقامة دولة الحيوان الأعظم الذي يشمل الناس جميعاً من واقع المرحلة التاريخية لوقف الصراع وإقامة المجتمعات الشيوعية.
والاسلام السياسي يعول على ضخ الحيوان في عروق الأخيلة التي يربي عليها الحشود والاتباع، بحيث تخبو دونها آلام الواقع وصراعاته لصالح الجنة. ولذلك كان تعطش الارهابيين للدماء نتيجة إمساك الحيوان لفترات طويله عن الأكل والشرب، ثم فجأة يطلقونه أثناء الغزو والجهاد ضد الأعداء. والتغير الجذري المنشود هو جعل الحيوان سيولة الغرائز والحكم باسم الله والتعبير عن الصراع بلغة الثواب والعقاب. بعكس الرهبنة المسيحية التي أبانت منذ اللحظة الأولى عن إماتة الحيوان لأنه مصدر الشرور، وأنَّ عملية إطلاقه ستأتي من السماء، في مدينة الله على حد قول القديس أوغسطين.
المسيحية تدرك جيداً أن هذا الحيوان واحدٌ منذ آدم حتى نزول المسيح في أخر الزمان. والطقوس المسيحية تعاملت على ذات المستوى من الخفاء والفعل، فيأكل أصحابها الخبر المقدس ويشربون الشراب على أنه دم المسيح الذي سيطهر دم الحيوان الجذري. وليس أدنى إلى ذلك من الخطيئة الجارية من الإنسان مجرى الحياة في أجسادنا. كما قال الإسلام إنَّ الشيطان ليجري من أحدكم مجرى الدم من العروق. ولذلك حرص الاسلام على أنَّ تكون الأخرة تغييراً جذرياً بدرجته القصوى: أي حيوان كامل دون حيوانيةٍ بمغزاها المعروف. وهذا هو المستحيل الذي يبحث عنه الإنسان في كل العصور: كيف أكون حيواناً بلا حيوانيةٍ تسبب الفناء والآثام.
للكاتب أيضا:
وَجْهُ العالمِ خلْف كمامات
3 أبريل 2020 دراسات وأبحاث, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال الكمامة هي العنوان الطارئ للتعبير عن الوقاية، أي صد العدوى والخطر، وإشارة إلى الخوف منهما. لكنها أيضاً قد تكون عنواناً لما يحدد العلاقة بكلِّ ما هو قادم. اعلانٌ عن حالةٍ ليس مقصوداً بها أيَّ شخصٍ بذاته ولو كان مريضاً. لأنَّها تُمثل موقفاً مفرَّغَاً من …أكمل القراءة »
طَّواحِينُ الأوهام: حين تَضْرِبُ رأسَك بجدار العالم
19 ديسمبر 2018 مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال – مصر في غياب النقدِ الجذري، يتلاعب الوهمُ بالفكر كما تتلاعب الرياح بأشرعة السُفن. ويتسلل إلى فضاء العقل من باب خلفي نتيجة الإيمان الساذج بلا رويةٍ. لذلك يتطلب الوعيُ قدرةً يقظةً على التساؤل وغربلة المعتقدات. أقرب الأمثلة إلى ذلك: أوهام الأيديولوجيات الدينية ( كما لدى الإخوان والسفليين …أكمل القراءة »
اليوم العالمي للفلسفة: أين نحن؟!
18 نوفمبر 2018 تغطية, مساهمات 0

سامي عبد العال – مصر لا يجسد العنوان احتفاءَ العالم بإبداع مهم فقط، لكنه يترك تساؤلاً إزاء الموقف الضمني منه: أين نحن العرب تجاه ما يجري على صعيد التفلسف؟ هل من مواقف جديدة نخترعها لحياتنا البشرية النوعية؟ كيف نستطيع استشكال فكرنا بإيقاع فلسفي يصلح لمعايشة آخرية قصوى ومفتوحة؟ وسؤال الصلاحية …أكمل القراءة »
ميشيل فوكو: كل مقالات وترجمات موقع كوة
17 ساعة مضت دراسات وأبحاث, فلاسفة, مجلات 0

نقدم لكم في هذه الوصلة مجموع ما نشره موقع كوة لفوكو وعنه من مقالات وترجمات ودراسات وابحاث باللغة العربية من لغات مختلفة. ميشال فوكو: المراقبة و العقاب يوم واحد مضت علم الإجتماع, فلاسفة, مقالات 0 أسامة البحري بقلم : أسامة البحري – طالب في مسلك علم الإجتماع – بني ملال “السجن أقل حداثة عندما …أكمل القراءة »
سامي عبد العال سامي عبد العال في أفعال الكلام والخطاب، تبدو اللغةُ دوماً كفرشاةٍ ترسمُ لوحةَ الفكرِ وتعيد تأسيسه بعدما كان دون معالم، هي تقف عند الجذور منه لا مجرد وعاء فارغ له. المُباعدة أو المُبارحة بين اللغة والفكر أمران غير واردين بالمرة، لدرجة أنَّه إذ نعبرُ تعبيراً ما في سياقٍ معين، نستغرق بالفكر فيما … تابع قراءة
قصة الـ “ما بعد” The post
6 أيام مضت دراسات وأبحاث, عامة, مفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال ليس هناك أبرز من تَعلُّق الإنسان بالجديدِ، دفعاً لوطأة المألوف أحياناً وكنوعٍ من احراز التّميُز في أحايين سواها. لكنَ لأنَّ الجديد قد يُمثلّ المفاهيم المنقُولة إلينا( عبر النصوص الكبرى لفلاسفة الغرب)، فإنّه يضعنا تحت طائلةِ الاستفهام. حيث أمسينا نفكر داخل لغةٍ لم تُنحت مصطلحاتُّها …أكمل القراءة »
روابط 76 مقالة نشرتها كوة حول كورونا
7 أيام مضت أخرى, عامة, علم الإجتماع, علم النفس, متابعات, مفاهيم, مقالات 0

فريق كوة نقدم لكم هنا مجموع ما نشره موقعنا حول أزمة كورونا من مختلف المقاربات الفلسفية والسيوسيولوجية والنفسية والادبية والفنية… نجمعها في صفحة واحدة لتجنب عناء البحث في الموقع هل سنشهد”عالما جديدا” بعد فيروس كورونا؟ 5 دقائق مضت عامة, مساهمات, مفاهيم 0 أ.كرام ياسين أستاذ فلسفة بجامعة سطيف 2 – الجزائر- وضع العالم …أكمل القراءة »
كوجيتو الكورونا
أسبوع واحد مضت مجلات, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال فجأة تحول الأنا أفكر( على خلفية كورونا) إلى الأنا فيرُوس يُحْذَر منه. البدايةُ ليست الفكر بحد ذاته كما يؤكد ديكارت، بل الجسم بقدرته على ممارسة الحياة والتأثير في المحيطين. هو الآن كوجيتو العدوى بامتياز، أي أنَّه يطرح وجود الإنسان الحي بقدر ما يمثل عدوى …أكمل القراءة »
عُنف الخيالِ الديني
أسبوعين مضت أخرى, مساهمات, مفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال ليس العنف باسم الدين مجردَ فعل طارئ، لكنه عمل مُركَّب يحتاج خيالاً يَفوقُه تهوراً وجُموحاً. إنَّه عمليات من الشحن الأيديولوجي والتهيئة والتفنُن بتوقُّع الأثر وفوضى المَشاهِد ورسم المجال وانجاز الأفعال وانتظار النتائج وافراغ الكراهية إلى أقصى مدى. الخيال الديني imagination religiousهو الآتون الواسع الذي …أكمل القراءة »
صناعةُ الرَّعاع: جسد الثقافة العاري(3)
أسبوعين مضت مفاهيم, مقالات, نصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال بطريقةٍ جذريةٍ تماماً، كان حالُ” الرَّعَاع” نتاجاً ثقافياً خلْف سلطةِ الجماعة الغالبة في المجتمعات العربية(جماعة الدين والطائفة وأهل الحل والعقد ثم النُخب والأحزاب ورجال الدولة والمثقفون)، فهذا التكوين العام المشوَّه لم يكن لصالح المجتمع وتنوع عناصره في تاريخنا الحديث والمعاصر، من حيث كونَّه غير …أكمل القراءة »
صناعةُ الرَّعَاع: اللغةُ وجسدِ الثقافة(2)
3 أسابيع مضت دراسات وأبحاث, عامة, مفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال هناك سؤالٌ مهم: كيف نفسر شيوعَ دلالة الرَّعَاع في الخطابات السائدة؟! فقد نقرأ بدائلها بكلمات تخاطب الجماهير والحشود، كلمات تُلصِق بهم فوضى الرغبات والغرائز واللاعقل، أي تزدريهم باعتبارهم أُناساً حمقى كما في الاعلام والسياسة والثقافة الدينية والحياة العامة. الحالة الأقرب إلى
صناعةُ الرَّعَاع: اللغةُ وجسد الثقافة(1)
3 أسابيع مضت مجلات, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال ” عندما يَشْرع الرَّعاعُ في التفكير يتلفُ كلُّ شيءٍ” …. فولتير الساسةُ مثل القُرود إنْ اختلفوا أفسدوا الزرع وإنْ اتفقوا أكلوا المحصول”” الرَّعاع صناعة لمجتمعات تنهش إنسانية الإنسان وتحتسي نَخْبَ الإقصاء” ” تأسيس يبدو أنَّ حدود عالمنا هي حدودُ الكلمات التي نتعامل معها، ولا …أكمل القراءة »
ماذا لو تساءلَّت الفلسفةُ حول المرضِ؟
4 أسابيع مضت عامة, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال بقلم سامي عبد العال لو افتراضاً أنَّ فيلسوفاً يتساءل عن الأمراض(الأوبئة، العلَّل الجسمية)، فالاستفهام بصدد أوضاعنا الصحيةِ سؤالٌّ جديدٌ في دائرة الفلسفة:( كيف أنتَ صحيَّاً؟ هل تعاني من علةٍ ما؟ ولماذا أنت مريضٌ؟ هل أصابتك الأوبئةُ؟). ورغم أنَّ الاسئلة خاصة إلاَّ أنها تمس ما هو عمومي في …أكمل القراءة »
الفيرُوسات وإدارة الحياة
22 مارس 2020 أخرى, مقالات, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال يعدُّ تاريخ الفيروسات جديراً بالبحث والتقصي، ولا سيما أنَّه قد أحدَثَ تحولاً في مسارات الحياة سلباً وإيجاباً نحو الأزمنة الراهنة. ويَجْدُر أنْ يُطْرح تاريخُها الكونِي مرتبطاً بقضايا فلسفية وثقافية تخص الحقيقة وتنوع الرؤى البيولوجية للعالم والكائنات. إذ هناك علاقة ضرورية بين انتشار الفيروسات ومفاهيم …أكمل القراءة »
موت سقراط: هكذا يتكلَّم الفنُّ
4 مارس 2020 فلاسفة, مجلات, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال تعدُّ لوحة “موت سقراط” للرسام الفرنسي جاك لويس دافيد Jacques David [1] توثيقاً لهذه الحادثة بصيغة فلسفية فنيَّة متأخرة. تترك الألوان والشخوص تقول تشكيلياً ماذا جرى. ليس يجدي التذكر ولا اعادة القراءة حول تناول فيلسوف اليونان لجرعات السم، لأن الكلام الصامت، جدل العلامات، …أكمل القراءة »
كليمون روسي: نيتشه أو الفرح قبل كل شيء
24 يناير 2020 ترجمة, فلاسفة, مجلات 0

ترجمة يوسف اسحيردة مؤلف كتاب “الضحك”، هنري برجسون، والذي يكن له الفريد والساخر كليمون روسي احتراما شديدا، يُعرف الفيلسوف الأصيل بالشخص الذي يمتلك حدسا وحيدا. ما هو يا ترى هذا الحدس في حالة نيتشه؟ ترابط الفرح والمأساة في الوضع البشري، يجيب كليمون روسي دون تردد. حتى أن هذه القناعة شكلت …أكمل القراءة »
لِمَنْ تُقْرَع أجْرَاسُ الفلسفةِ؟!
9 ديسمبر 2019 أخرى, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال في يومِها العالمي مع كلِّ عامٍ، ربما يبزغُ السؤالُ التالي: هل تحتفل الفلسفة بنفسها؟! ومن ذا الذي بإمكانه حضور الاحتفال؟ وكيف سيتم الاحتفال؟!… الفلسفة بخلاف أي نشاط عقلي لا تحتفل بذاتها( أو هكذا يتم). لا تحتفل كعجُوزٍ بلهاء( أمُ العلوم قديماً ) تُطلق …أكمل القراءة »
” ببجي الخِلافة ” في عصر ما بعد الحداثة
7 نوفمبر 2019 عامة, مفاهيم, نصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال يبدو أنَّ عصر الوسائط الديجيتال هو الواقع الطاغي بلا منازعٍ. إذ تتضاعف دلالة الأحداث بصورةٍ مذهلةٍ، وتتعلق إفرازاتُّها بالذاكرة وبالعيون التي تشاهد. وسيكون القولُّ الفلسفي لما بعد الحداثة ليس تنظيراً ميتافيزيقياً بقدر ما يلتقِّط أفكاره المحتملة من عالمنا الراهن. وقد نوَّه جان بودريار …أكمل القراءة »
غير القابل للاحتمال: في عداء الشعوب!!
27 أكتوبر 2019 مجلات, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال بأيِّ معنى تصنعُ الشعوبُ اعداءها، وهل استجابتها للعداء واحدةٌ أم أنَّ هناك اختلافاً؟! هل ثمة عداء عام بالصدفة دون قصدٍ، وما خطورة أنْ تعادي قوةٌ ما ( كالدولة التركية مؤخراً ) شعباً ضارباً في التاريخ( مثل الكُّرد )؟! وداخل تلك الدائرة: هل الصُور المتبادَّلة …أكمل القراءة »
كليمون روسي : لا وجود لوصفة سحرية من أجل التصالح مع الذات”

ترجمة : يوسف اسحيردة مقدمة المترجم : كليمون روسي، فيلسوف فرنسي توفي سنة 2018 عن سن يناهز 78 عاما. عُرف بشنه لحرب ضروس ضد الأوهام التي نحب عادة أن نختبئ وراءها، ومناداته، على خطى معلمه نيتشه، بقبول الواقع كما هو دون سعي إلى تغييره. في هذا الحوار الذي أجراه في …أكمل القراءة »
المَرْحُوم: ماذا لو اصبحت الثقافة قبْراً؟!

سامي عبد العال سامي عبد العال ” عندما لا ندري ما هي الحياة، كيف يمكننا معرفة ما هو الموت”…( كونفوشيوس) ” الشجاعة تقودُ إلى النجوم… والخوف يقودُ إلى الموتِ”… ( لوكيوس سينيكا) ” المرْحُوم” كلمة تُطلق على منْ ماتَ، أي انتهى أَجلُّه وأَفِلَّتْ حياتُه. وهي ”
ظاهرةُ الأسئلةِ الزائفة

سامي عبد العال سامي عبد العال لا تسقط الأسئلةُ من السماءِ ولا تنبتُ من الأرضِ، لأنَّها نشاط إنساني يثير قضايا فكرية خطيرة. الخطورة من زاوية كشف أبنية الثقافة ولماذا تتفاعل مع حركة التاريخ. لأنَّ كل ثقافة تلقي برواسبها على ضفاف المجتمعات كالنهر الذي تكتنفه تيارات شتى. والثقافة الإنسانية دوماً …أكمل القراءة »
السُلْطة وأُنطولوجيا الجسد
1 أغسطس 2019 أخرى, بصغة المؤنث, مفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال على مستوى الوجودِ،لم يختفِ الصراعُ بين الجسد والسلطة رغم اتفاقهما في كثيرٍ من الوجُوه. كلاهما يتعلق بأفكارٍ مثل:( الوسيط، التحول، السر، العلامة، الذاكرة، الفعل، الوشم، الرمز، الصورة، الشعار، السريان، الشبح، الظل )، وكلاهما يزاحِم الآخر داخل ثقافةٍ تحدد إلى أي مدى سيمارس أدواره. …أكمل القراءة »
الدين والعلمانية: القطة … سوداء أم بيضاء؟!
14 يوليو 2019 أخرى, دراسات وأبحاث, مفاهيم, نصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال مُجدَّداً في سياق السياسة، تبدو ثنائيةُ الدين والعلمانية ثنائيةً مُراوغةً.. زلِّقةً. حتى أنك إذا امسكت أحد طرفيها، التف الطرف الآخر مُخلِّفاً وراءه ثُقباً أسود، يبتلع الدلالات الثريةَ لأي تفكيرٍ مختلفٍ. ثم يقذفك عبر فضاءات مجهولة عائداً إلى ذاته مرةً أخرى. كأننا إذْ نناقش …أكمل القراءة »
قداسةٌ دون مقدسٍ
29 يونيو 2019 أخرى, دراسات وأبحاث, مفاهيم 0

سامي عبد العال – مصر سامي عبد العال – مصر ماذا يعني الدينُ في المجال العام؟! هل يعني توظيفه على نطاق أعم أم تأسيساً لقيم أخرى؟ سؤال لن يجد اجابةً واضحةً إلاَّ بفض الاشتباك الغامض بين طرفيه. لأنَّ المعنى لا يتعين فيما هو معروف ولا يعطينا وضعاً جاهزاً لأية …أكمل القراءة »
المجدُ للأرانب: إشارات الإغراء بين الثقافة العربية والإرهاب!!
19 يونيو 2019 أخرى, عامة, نصوص 0

وسط كرنفال القتل باسم الدّين تحت رايات الجهاد، وفي حمأة الدَّمار بمقولاته الفاضحة، يصعُب أحياناً كشف الواقع دون إيهام فنيٍّ. لقد غدا الجهادُ نوعاً من الاستربتيز(التعرِّي)الدَّمويّ(1)bloodily striptease إزاء مجتمعات أرهقتها الحياة برواسبها التَّاريخيَّة. وربَّما لو تمثلنا دلالة أيقونة الأرانب لتجنبنا مصيرًا يُحْدق بنا من بعيدٍ مثلما تُساق الحيوانات الوديعة إلى المذابح.أكمل القراءة »
لِماذا الصِراعُ على الجَسدِ؟!
4 يونيو 2019 دراسات وأبحاث, مفاهيم, نصوص 0

الجسد هو ” التجلِّي الحي ” بما يشحن طاقاتَّه صوبَ ما هو مرغوب أو ممنوع. واستعماله في الممارسات العامة يوضح إلى أي مدى تصبح علاماته خطاباً له أبعاد تأويلية. بهذا الإطار يعدُّ الصيام إدارةً ميتافيزيقيةً للجسد تحقيقاً لاعتقاد في أصل الحياة. صحيح هي إدارةُ ترتبط بالمقدس، لكنها تبلغ درجة الفعل الوجودي في الأديان بدوافع وغايات متفرقة. لأنَّ منها ما هو ماضٍ وما هو مستقبل، خلال لحظةٍ لا تحتملُ التقاءهما (الآن) إلاَّ بضرورة تأويل مقولات الإله والإنسان والحقيقة (من قبل). أي لن يلتقي الماضي بالمستقبل دون كشف معاني المقولات المذكورة وتحولاتها.أكمل القراءة »
لعنةُ الإرهابِ: الفلسفة والأرواح الشريرة!!
23 مايو 2019 دراسات وأبحاث, عامة, مفاهيم, نصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال في تاريخ الرُعب– إذا أَمْكَّنَ التأرِيخ له- لا يُخلصنا ذهابُ الأرواح الشريرة من آثارها الباقية، فلديها القدرة على العودة إلى أقرب الأشياء. وربما تتلبس اللعنة ضحايا جُدداً من أبعد نقطة غير متوقعةٍ. كالأشباح التي تختفي كياناً لكنها تحل في الأجساد بأساليب ورُسُوم أخرى. وليس …أكمل القراءة »
دواعِش الفلسفة
28 أبريل 2019 ديداكتيك الفلسفة, عامة, مقالات 0

سامي عبد العال من الجذر اللغوي” دَعِشَ ” تأتيمفردات: الدَاعِشيَّة، الاسْتدْعَاش، التَّدَعُش، المُتدَعِش، المُسْتَّدعِش، الدَاعِش، الداعُوش، الدَعْدُوش، الدَعْيِدش، التَّدْعِيْش، الدَّعْشنَّة، التَّداعُش، التدعُش، أي دَعِش دعْشاً فهو داعش… وجميعها ليست حُروفاً تتناوب الترتيب، بل تقف على أرضيةٍ واسعةٍ من الثقافة التي تشكل الأفكار ورؤى الحياة. ناهيك عن الإشارةِ إلى تنظيم داعش …أكمل القراءة »
في مفهوم ” المُفكِّر العَابِر للثَّقَافات “
21 مارس 2019 جرائد, مفاهيم, نصوص 0

العبور والحدود… كلمتان متلازمتان من زاوية التضمِين الدلالي لإحديهما إزاء الأخرى. فالحد يفترض عبوراً لوضعةٍ ما متقاطعاً معها، بينما يطرح العبورُ شكلاً من أشكال الحدود. ودوماً لن يكون ثمة عبورٌ ما لم يكن ثمة حدٌ قابلٌّ للتخطي. الأمر نفسه أكثر دلالةً بصدد الثقافة، إذ تمثلُ كلمتا الحدود والعبور قدرتين على التجاوز وقطع المسافات والترحال نحو ما ليس معروفاً.أكمل القراءة »
حفريات المواطنة: استعارات الهويَّة في الخطاب السياسي (2)
9 فبراير 2019 أخرى, دراسات وأبحاث 0

الهوية، مواطنة الاستعارة سامي عبد العال رابط الجزء الأول من الدراسة في وجود التزاوج بين البعدين: المفهومي والاستعاري، اللذين يتداخلان عبر المواطنة، يبزغ ما هو” سياسي ” political باعتباره ردماً للهوة بينهما. ألم يمارس السياسيون الأفعال والمواقف بصيغة ” كان ” المستقبلية، مثلما أظهرت؟! أي أنَّ العبارات
حفريات المواطنـة: استعارات الهوية في الخطاب السياسي (1)
24 يناير 2019 أخرى, دراسات وأبحاث, مفاهيم 0

تطرح الدراسة العلاقة الإشكالية بين اللغة والسياسة عبر دلالتي المواطنة والأسطورة. وصحيح هما قضيتان تنتميان إلى حقلين مختلفين، لكنهما يُظهِران طبيعة المجتمع وآفاق السلطة وكيف يتم التعامل إزاء الإنسان كمواطن من عدمه. والطرح يعني التساؤل المختلف بما تحمله الكلمة من معنى: كيف تتشكل المواطنة عبر تاريخية اللغة وأية بلاغة تغلف حركتها ؟ فالمواطنة ليست فقط حالة سياسية تحدد حقوق المواطن في دولة ديمقراطية، ولا الأسطورة عبارة عن تيمة إنسانية كونية محورها سرد حول أحداث ودلالات لها مركزيتها في ثقافة سائدة وحسب. لكن كل ذلك يستحضر خلفية الهوية التي تحدد درجة المواطنة وحقوقها وظلالها في المجتمعات الأقل ديمقراطية وأكثرها أيضاً بحسب أوضاع النظام السياسي.أكمل القراءة »
سياساتُ الجمالِ: هل يمكن الثأرُ بالفنِّ؟
8 ديسمبر 2018 مجلات, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال ذات لوحةٍ قال سلفادور دالي: ” كلُّ ضربةٍ لفرشاة الفنان ناتجةٌ عن معايشةِ مأساةٍ يُعانيها “. كأنَّه يُذيب تجلط الآلام بالتقاط المستحيل باعثاً فينا روحاً جميلاً. ينطبق القولُّ على الفن المغموس في ظلام المآسي التي تكابدها الشعوب مع انكسار الأحلام الكبرى، كحال إحباط الشعوب العربية بعد …أكمل القراءة »
شيطَّانُ الديمقراطيةِ: هذه هي السياسة !!

سامي عبد العال – كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر يبدو أنَّ للديمقراطية وجهاً آخر كوجه الشبح، وهو” الأثر المقلُوب ” الذي يجعلها مصدراً لرعب البعض من الحرية. فالحرية ضمن المجال العام تشكل مصدراً لقلق دائم، لدرجة أنَّ تجنُبها( إنْ لم يكن للأنا فللآخر) هو القاسم المشترك بين التيارات السياسية في …أكمل القراءة »
حول استعادة ” الله ” من الجماعات الإرهابية
16 أكتوبر 2018 مساهمات, نصوص 0

سامي عبد العال ربما لم تُوجد كلمةٌ أُرْيقت بدلالتها الدماءُ مثلما أُريقت تحت كلمة الله. ففي كلِّ مرةٍ يقتل إرهابيٌ شخصاً آخرَ، لا يكون مقصودُها واحداً بين الاثنين. على الأقل يزعم الإرهابيُ كون القتيل قد تخطى رقعة الإيمان( المرتّد ) أو لم يؤمن ابتداءً( الكافر). كما أنَّ دلالة الكلمة بمُراد …أكمل القراءة »
أين تكْمُن قوةُ المجالِ العامِ ؟
3 أكتوبر 2018 مساهمات, مفاهيم 0

سامي عبد العال كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر هناك فارق حَذِر بين القوة والسلطة رغم إحلال الكلمتين أحياناً في اللفظ نفسه: power . إذ تنطوي القوة على أبعاد ماديةٍ وأخرى رمزية تمنحُ وجودَّها معنى بعيداً. وهي أيضاً القدرةُ على بث فاعليتها الخفية عبر نفوذها المقبول داخل المجتمعات مثل القوة …أكمل القراءة »
الأصُوليَّة… والوصُوليَّة: حين يُغْيَّب المجال العام

سامي عبد العال كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر في المجتمعات الأقل ديمقراطيةً وإزاء فشل” الاستعمال العمومي للعقل ” لو أوردنا كلمات كانط، ثمة أسئلةٌ مزعجةٌ: هل يُغيَّب المجال العام على غرار وصفنا الاعتيادي لأي شيء آخر؟! أليس المجالُ العام Public sphereعمليةً تاريخيةً تستوعب طاقات المجتمع وبالتالي يبقى فضاءً مفتوحاً …أكمل القراءة »
المُقدَّس والسياسة: عن أحداث 11 سبتمبر

سامي عبد العال كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر مع كل إشارة إلى الذكرى السنوية للأحداث الإرهابية( تفجيرات 11 سبتمبر2001 )، لا تذهب آثارُها طيَّ النسيان. لكنها تظل باقية كأصداء ورواسب تسهم – فكرياً وثقافياً – في تأويل الأفعال والتداعيات السياسية على نطاق عام[1]. وربما تحددُ المواقف ودرجات الفعل ورد …أكمل القراءة »
صيدُ الفراشات: دولةُ الخلافةِ والنِّساء

سامي عبد العال كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر هناك سمةٌ مشتركةٌ في خطابات الإسلاميين المتطرفين: كونَّها كلاماً ينحدر بأهدافها من أعلى إلى أسفل حيث ضجيج التفاصيل، وحيث إيراد المبررات الواهية فيما ينحدر إليه تداول الخطاب من أهدافٍ. ذلك بسرعة خاطفةٍ تُجاري سرعةَ الضوء بلا إنذار، كما أن