بقلم: يوسف عدنان

– أستاذ باحث في الفلسفة المعاصرة
“وحيدا سوف أذهب يا أتباعي! أنتم أيضا اذهبوا وحيدين! أريد
ذلك. ابتعدوا عني واحذروا من زرادشت! فربما كان قد خدعكم”
فريديريك نيتشه
يقول فريديريك نيتشه:“أنا شيء وكتاباتي شيء آخر. وقبل أن أتكلم عن كتبي لا بد من كلمة هنا عن مسألة فهم أو عدم فهم كتاباتي. سأفعل ذلك بما يناسب الأمر من عدم الاكتراث. ذلك أن هذه المسألة ما تزال سابقة لأوانها كليا. وأنا بدوري سابق لأواني “هناك أناس يولدون بعد الممات” .. إذا ما طمعت اليوم في وجود آذان وأياد لحقائقي، أن لا يسمع إلى اليوم، وأن لا يكون هناك من يرغب في الأخذ عني، فذلك ما يبدو لي، لا أمرا مفهوما فحسب، بل عين التصرف السليم” (1).
كيف لنا في هذا النص القصير والكثيف بالإنثناءات الشذرية أن نُقيم مع نيتشه في رَمادِه، نُحاور بقاياه، نتقفّى آثاره، نُفكّك هذا التّشوش الذي يجعل منه يعيش داخل العالم وخارجه؟ هل استنجد نيتشه حقا بالأشباح في خواتم مشواره الفلسفي؟ هل جعل منها شاهدا على ولادة مُتجددة؟ ألم يُمزّق نيتشه نفسه كُليا وبألم شديد، حتى يَقبل بوضعية الهُجران والإقصاء والدّفن في حّقه {وهو هُجران يمتد لمناطق أخرى من وجوده}؟ وهل ميراث الغائب ما زال يَبوح بما كُتب ولم يُقرأ و يُفهم بعد؟ إنها أسرار تطفو على سطح هذا النص، الذي يحمل توثره الخاص به، دون أن تنفصل عن الجذور التي تعود بها إلى الظلال والسراب والصمت والقلق الوجودي الذي تحمّله وحَمَله نيتشه معه وذهب، دُون إنقطاعه عن المجيء والعودة. مُستفز وبكل اللغات، حتى وإن تهيأت لنا أن فناءه قد أصمته بالمرة.
يُنبّهنا فريديريك نيتشه في مُفتتح هذا النص على أنه سيترُك لنا أشباحا منه بعد موته، أيّ بقايا كتاباته الغير مفهومة مع الأسف في عصره. ويَعتَبِر أن فهمه سيتحقّق ليس في حضوره وحياته، بل في حُلول شبحه الميّت / الحيّ، حيث ستعود -من فعل العودة- كتاباته لتُسمع بقوة ويُكتب النصر لفلسفته، كما منّى النفس يوما (2)، بينما هو لا بحي ولا بميت، في منزلة وسطى بين الحضور والغياب، هذه المنزلة التي نجد لها موقعا في فكرة الطّيف أو الشبح، فكرة لا تُمثل الحضور الكُلّي ولا تعبر عن الغياب المطلق (3). وهو بالضبط مقصده من قوله: “هناك أناس يُولدون بعد الممات”. فهذا الميلاد المُرجئ الذي يتكلم عنه نيتشه، هو بالأساس تجلّي وعودة ما للأشباح، أطياف كشهود، من بينهم طيفُه هو كذلك “لن أسمح لنفسي ألا أكون بلا شاهد” (على لسانه)، أولئك اللّذين أصبحوا أكثر حياة بعد رحيلهم. بمعنى ما، من شملهم الغياب في حُضورهم ونطق بإسهم الحُضور في غيابهم. مُعادلة معكوسة فطن إليها نيتشه وهو يتحسّس أكثر وُجوده ومآل آثاره، يُحدّق للوراء والأمام معا، بالرغم من تماسف الماضي عن الحاضر، رجاء في الحلول وإرجاء في العودة.
يُعدّ مُؤلف “هذا هو الإنسان” Ecce homo”، المُقتطف منه هذا النص القصير*، يكاد يكون المُؤلف الوحيد الذي عرّج فيه على شخصيته هو، فتناولها هي وكتاباته بالتحليل، وكأنه لم يشأ أن ينتهي من التأليف دون أن يعرض على الناس رأيه في نفسه (4). لكن يبدو أن نيتشه لا يتوقف عند رأيه في نفسه أو رثاءه لها فحسب {راجع مقال: عندما يرثي نيتشه نيتشه}، بحيث انسحب بكينونته في حركة مُبهمة إلى ديدان مسكون بالأشباح، لينبأ بقدومه مرة أخرى من حُطام ما بعد الفناء، في زمن غير زمنه، مُستوعبا عند الناس أكثر من السابق، إثر نُمو عُقولهم وترقّيهم في سُلم فهم فلسفته التي تجمع في رحمها السم والترياق معا {الفارماكون}. حتىّ أن هذا المؤلف قد نشر بعد ثمانية أعوام على موته، وفي الأمر علامة على إبقاء أثر من شبح زرادشت الذي يتق تماما في أنه سوف يُدرّس في الجامعات يوما، ويكون مرجعية فلسفية وفكرية للأدباء القادمين، مع أنه لم يكتسب تلك المرتبة المُميزة بين الفلاسفة في عصره.
تستوقفنا في هذا المؤلف أيضا الدلالة الكهنوتية لعُنوانه: فعندما عُثر على المسيح من طرف مُلاحقيه اللذين يَودّون قتله، قالوا عندما وَجدُوه، “هذا هو المسيح”؛ “هذا هو المسيح”. وتوجهت له الأصابع جمعاء مُشيرة له، باعتباره “هو المسيح” دون غيره. هذا الإقتباس الإستيعاري المُوظف من قبل نيتشه يخدم صورة مجازية تنتهي إلى تحصيل نتيجة واحدة وهي: عدم قبول الناس بالحقيقة التي جاء بها. وليس في الأمر من مُصالحة بين نيتشه والإله المسيحي، حتى لا يُحيط لبس ما بذهن القارئ. فكما تم إلقاء شبه المسيح على غيره، فكان شبحه الذي صُلب وقُتل، أما هو فقد صُعد به إلى السماء، فقد ألقى نيتشه شبحه قبل موته على مسرح الفكر، ليكون شبحه الديونسيوسي هو الحيّ والمُتبقى والدائم، بينما هو الجثة الهامدة في إبعاد تام لتيولوجيا الروح من دائرة الكرور والانبعاث résurrection. ومن الحجج التي ترفع عن هذا القول غرابته، فكرته عن “عودة ديونيسيوس” من الماضي، لكي يُنقد الحاضر من مأساته، ويخرجه من ذلك الطريق المسدود الذي إنتهى إليه، ليس إلا تكرارا لفكرة عودة المسيح المُخلّص في الديانات الإبراهيمية الثلاث. فمن خلال هذا التقابس، يمكن لنا إذن الحديث عن نزعة تبشيرية نيتشوية تتمثل في إنتظار وترك خلف السلف في ترقّب وإحتمال عودة ديونيسيوس الإله القادم والمبعوث من رماد الماضي. يُراهن نيتشه بقوة تنبؤية على ما سيأتي به القادم من الزمن، زمن لم يُكتب له الحدوث بعد، عصرا ربما يُلائم أفكاره أو تُلائمه أفكاره، مُبهجا بكون الناس يرفضون إطلاقا تفكير فكر الموتla pensée de la mort (5)، هذا الفكر المُنتقم من الحياة.
“هذا هو الإنسان”، تركيبة لغوية لا تُشير فحسب إلى الإنسان الأعلى لدى فاهمة قُراء نيتشه؛ ولكن إلى الإنسان “المبحوث عنه” و “المُطارد” و“المطرود” في خافية متنه، الإنسان الذي ينبغي أن تُطمس وتُشطب الحقيقة التي يدعو إليها أناس عصره. أليس نيتشه هنا يتقمص منزلة النبي الحامل لرسالة ونبوءة ما، المُخلّص الذي لديه مقدرة على الحلول والمُنتظر دوما عودته ! أيمكن أن يكون نيتشه مُخترقا بكيفية لاواعية بأطياف الكهنوت، الذي إحتظن بيضه في بيئته مُنذ طفولته المُبكرة إلى شبابه !
إن نيتشه في هذا الإعتراف أو غيره، كما يُلحظ في سُطور مُؤلفه، يُمضي تقريبا على جُلّ أعماله وكتاباته بسمة الشبحية spectrologie؛ فأن تكون كتاباته سابقة عن أوانها كما يُصرح بذلك، أو حتى عندما يقول بكل ثقة: “لقد أتيت قبل أواني“، فهذا يعني أن فكره، يُعدّ ماضي لمستقبل لم يصر بعد في الحاضر. بمعنى آخر، أن تكون مُطارد بشبح ما – كما هو حال نيتشه مع فكره – معناه أن لك ذاكرة ما لم نعشه بعد في الحاضر.
يندسّ الشبح بين كلمات هذا النص وحُروفه ودلالاته ومسكوته، فنخرج من خلال اختراقه وتفكيكه، على صورة شفّافة عن معنى الإرجاء والعودة والتأجيل والطيّفية كما تناولها “جاك دريدا” في فلسفته. فالشبح يظل شريدا بلا مقر، طريدا بلا مستقر يقع في منطقة يصعب تحديدها، يقع في منطقة الاختلاف حيث “لا داخل ولا خارج”، يزاوج بين الحضور والغياب فهو لا بحاضر ولا بغائب، لا بحي ولا بميت (6). يتحرّك نيتشه وظلّه في هذا النص بين الموت والحياة، فصورة الحياة ستحصل في الموت، الموت الذي يمنح وعدا لكتاباته بأمد آخر للحياة، للحضور والعبور، في إخلاص تام لفكرة العود الأبدي. إنه يُفرج عن ثنائية الحضور والغياب من أرشيفات الرّعاية الميتافيزيقية، ويُنشأ من رماده صورة مُمكنة لتعايش الطرفين. “ولدت غدا” né-demain عبارة تؤجّل إذن وبصورة مجازية فعل الولادة إلى المستقبل لأنها ترفض الجمود أو المكوث في نفس النقطة حسب تعبير عبد الكبير الخطيبي (7).
إنّ وجود نيتشه داخل هذا النص وخارجه – حيث لا شيء يوجد خارج النص من منظور إستراتيجية التفكيك – هو وجود في “زمن الرّماد“، وهو زمن المستحيل، زمنا يُنظر إليه باعتباره مستقبلا لماضي انتهى وهو بالمثل زمن مضى لمستقبل منتظر. إن الرّماد ليس موجودا ولا هو غير موجود، هو لم يوجد بالأساس ولن يوجد في المستقبل القريب. ليس الرّماد حضورا ولا هو بالغياب وبالتالي لا يشير إلى جوهر قائم ولكنه لا يُحمل بالمثل على العدم، فالرّماد هو الدّليل الحسي على أن شيئا ما كان موجودا، و”بالفعل بخصوص الرّماد لدينا دائما الفرصة ليس لملاحظة الشيء الذي انتهى واختفى فحسب، ولكن يمكن ملاحظة أثر الانتهاء ذاته (8). فمفهوم الرّماد كوجود يتقاطع عنده الحضور والغياب ويتلازم فيه النفي والاثبات، إنه المفهوم الذي على ضوئه نُعيد صياغة العلاقة بين الموت والحياة لأن “الرّماد لا يعيش بالفعل إلا من خلال موته (9). يُجسد الرّماد إذن ضربا خاصا من الحضور يكون فيه للغياب مكان. وحيث العودة نحو الماضي ليست في الحقيقة سوى تقدم نحو المستقبل “هايدغر”.
ينحلُّ نيتشه عبر هذا الأثر {النص} الخاطف في مكائد اللامرئي، ولا هو إنتهى عن تزويد الفكر المعاصر برؤى تُضيء عتمة العصر الراهن، عصر ما بعد الحقيقة، عصر مليء بالتلوث الكياني والإحتماء بالوهم و بلوغ أقصى عتبات الاغتراب وزُهاق روح الحكمة. فما نُحسه عندما نرتمي في أعماله، هو أننا في قلب الحياة ذاتها. يُصبح نيتشه في لحظة حضور من خلال أطيافه وبقاياه، يتمسك بالأرض التي حارب من أجلها ولا يغادرها، لأنه لم يحدث أن خرج منها قط. علينا أن نعي أن الشبح بارتداديته إصرار على الحضور وبإعادتيه تأكيد على الوجود. إن الحدس الكوني الذي تميز به نيتشه يجعله دوما حاضرا، يُلقي نظرته على الزمن، تاركا أطيافه تتجول في رحاب فلسفات ومعارف وفنون ومجالات مُختلفة. فما من صمت أقوى بعد رحيله من كلامه، الذي تحول إلى صُراخ مكسّر بيت الحضارة الزُجاجي.
تعود أطياف نيتشه خصيصا كُلّما اعتلّ الوجود واختنق العالم بأعراض باثولوجية أخلاقية المنشأ، لتُدرج نفس “الصحة العظمى” في صُلب الأزمات التي يمضي منها سُكان هذه الأرض. فبتحويل مهام الفيلسوف إلى المعالجة والمُداواة بالمقارنة مع حجم العلل الحضارية والأسقام الوجودية – هذا البرنامج الطموح الذي دفع نيتشه ثمنه إنهياراً عصبياً وتعثُّراً وجودياً – قد وجد نيتشه ضالَّته بأن خرج من النفق حاملاً أفكارًا خلَّدته في الأجيال اللاحقة، مبشّراً بقدوم الفيلسوف-الطبيب الذي يقول: «من تألَّم تعلَّم» (gr. mathein pathos) تبعاً للشعار العريق، سليل الطب الرّوحاني *.
تُعتير الشبحية دائرة لامحددة ولامضبوطة في حياة وفكر نيتشه، وها هو يُطلعنا باختراقات الأشباح له في نفس المؤلف {هذا هو الإنسان}، قائلا: “مات أبي في سن السادسة والثلاثين؛ كان رقيقا ولطيفا وعليلا مثل كائن مهيأ ليكون عابرا لا أكثر، مجرد ذكرى لطيفة عن الحياة نفسها. في مثل تلك السن التي شرعت فيها حياته بالانحدار، شرعت حياتي أيضا بدورها في التدهور: في السنة السادسة والثلاثين هبطت حيويتي إلى مستواها الأدنى. كنت أحيا لكن دون القدرة على النظر بعد ثلاثة أمتر أمامي. في ذلك الوقت، كان ذلك سنة 1879، تخليت عن خطتي كأستاذ ببازل، وقضيت الصائفة في هيئة شبح بسانت موريس، ثم عشت الشتاء الذي لحقها. الشتاء الأقل شمسا في حياتي، شبحا في ناونبورغ. كنت في الدرك الأسفل آنذاك، وقد جاء كتاب “المسافر وظله” من نتاج تلك الفترة وكنت عندها دون شك ذا خبرة بأمر الأشباح” (10). إن هذا التّشرد العاطفي والذهني والعلائقي والجغرافي الذي عاشه وعايشه نيتشه بمذاقات مضاعفة نظرا لتجربته الحياتية الفلسفية الفريدة؛ هو من صميم الحياة اللامرئية للأشباح والتي قد رمت ظلالها عليه، فكان الغروب {الغربة والغرابة والغيبة} نمطا يكسو وجوده ويمتزج بفكره الذي وَجده لم يُخلق لعصره.
لقد كانت نظرة نيتشه لنفسه من الناحية النرجسية دوما مُخترقة بشهاب يمضي من داخله إلى خارجه، دون أن يعكس حضوره أو يضيءه. عاش ومات دون أن يشعر به أحد تقريبا ! بل إن كتاب الدرجة الثانية والثالثة كانوا معروفين ويحظون بالاعتراف وهو مغمور تماما. إن التفاوت الهائل بين عظمة مهمته وصغار معاصريه تجلى في الحقيقة التالية التي توجه بها للجمهور، قائلا:”لا أحد قد سمع بي أو رآني ! أنا أعيش على الرصيد الذي أوليه لنفسي، على إيماني بذاتي. وربما كان وجودي ذاته عبارة عن وهم؟ أنا شخص غير موجود على الإطلاق ! يكفي أن أتحدث مع أي “مثقف” ألماني يجيء إلى سويسرا حيث أقيم لكي يتأكد من أني غير موجود أبدا. لا أحد يسمع بي. لا أحد يعرف من هو فرديدريك نيتشه ! ولذلك فإن من واجبي أن أقول لكم محذرا: اسمعوا أيها الناس: فأنا كذا وكذا. ولست كذا وكذا. إياكم ث إياكم أن تغلطوا بيني وبين أي شخص آخر” (11). ومع الحرص على كلّ تنبيه؛ لم تودّع أطياف نيتشه بالبثة مسرح العالم، فبتأويل كتاباته في اتجاه غير ذلك الذي يُريد قد وُرطت بقدر ما في تطوير حركات أيديولوجية مثل النازية والفاشية والأناركية والراديكالية {…} الخ، فتعددت صور نيتشه مثل نيتشه الفاشي أو نيتشه النازي، أو نيتشه النيلستي وأشياء من الأسلوب الناري التي ساعدت على فهم فكره في الإتجاه الخطأ.
ذلك الذي يقف جانبا عليه أن يُفكر في ذلك الإختلاف بين شكلين من العلاقة مع نيتشه؛ أحدهما تشكل عبر عقد من الزمن، عندما جاء ليل الجُنون وسربل بسواده، ذلك “المكافح ضد عصره”، وثانيهما ذلك الذي جاء بعد أن انتزعه الموت منا في 1900. وقد بدا هذا التناقض جلّيا للعيان عندما استبق نيتشه الأمور وعبر عن تأثيره في معاصريه، وذلك في الأيام الأخيرة من نشاطه الفكري .. متحدثا قبل أن يقعده المرض بقليل بهذه الكلمات: “وهذا الكتاب يخص أقل القلائل، ربما لم يكن يوجد أحد منهم الآن. يجب أن يكونوا هم أولئك اللذين يفهمون زرادشتي. كيف سمحت لنفسي أن استبدل أولئك اللذين تنمو لهم الآن آذان بذاتي؟ بعد غد وحده هو الذي ينتمي إلى قلة يولدون بعد موتهم”. لقد بدا نيتشه وكأن بعد غد سيولد بموته. وعلى المرء أن يستعيد في هذه الحال كلمات زارا ليدرك هذا “البعد غد” الموعود (12).
يُذكر أنه قبل موت نيتشه، وصل إلى مُعاصريه خبران اثنان؛ كان أي منهما ربما أكثر وقعا حتى من خبر موته. الأول يتعلق بمجموعة من المحاضرات التي راح يلقيها “جورج برانديس” عام 1888 حول حدس نيتشه الفلسفي في جامعة كوبنهاغن في الدانمارك. وقد رأى نيتشه إعترافا له بصلة بما عبّر عنه ذات يوم، بأن قلة يعيشون بعد موتهم. وقد كان لذلك أثر إيجابي عليه إذ انتزعه قليلا من عزلته التي فطر عليها. أما الخبر الثاني فجاء بعد الأول، ومؤداه أن ذلك المفكر الذي كتبت عليه العزلة قد سقط كليا في الجنون العقلي. وبعد أن أخمدت فعاليته وجد معاصروه تسلية في شحذ معالم صورته. ومع الزمن ازدادت الصورة وضوحا، وكأن فكره قد نهض من فوقها كأنه شكل أحدب. لقد توهجت عوالم الفكر في روحه بذلك النور الذي انبعث من نجوم الفكر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولم يعد خافيا على أحد إلى أي مدى تتسع عظيمته وتترامى (13). من المُقلق للبعض أن شبح نيتشه دوما سيعود، كما لو أنه بقايا من الفناء وما يحي من بقايا النهاية. فمن سمات الشبح هو كونه أثر لا ينفك عن التجلي والتلاشي، هو إمكانية المستحيل. فهو اللاشيء الذي يمزج بين الاستحالة والامكان أو تمفصل بين الحضور واللاّحضور يحيي بدون أبعاد وبلا آماد، يحيا وهو في دهاليز اللحود، يحضر وهو في عتمات الغياب.
لم تودّع أطياف نيتشه بالبثة مسرح العالم، فبتأويل كتاباته في اتجاه غير ذلك الذي يُريد قد وُرطت بقدر ما في تطوير حركات أيديولوجية مثل النازية والفاشية والأناركية والراديكالية {…} الخ، فتعددت صور نيتشه مثل نيتشه الفاشي أو نيتشه النازي، أو نيتشه النيليستي وأشياء مسحوبة من أسلوبه الناري، ساعدت على فهم فكره في الإتجاه الخطأ. فما يحكيه نيتشه هو تاريخ حقبتان قادمتان، إنه يصف ما سيأتي، ما لا يمكنه أن يأتي بطريقة أخرى: عودة العدمية nihilisme (14). إن مُجرد فكرة التجاوز “الانسان شيء لا بد من تجاوزه” كما وجد جيل دولوزعند نيتشه، تجعله فيلسوفا للمستقبل. لقد انفجر نيتشه في غير عصره؛ وحدث الإنفجار هذا ليس دخيلا على لُغته البُركانية والصورة التي يجد عليها الفيلسوف الحقيقي. فهو يُشخص معدنه، مُعتبرا إياه مادة مُتفجرة مُروعة غير مأمونة على الإطلاق. “أعرف قدري، ذات يوم سيقترن اسمي بذكرى شيء هائل، رهيب، بأزمة لم يعرف لها مثيل على وجه الأرض، أعمق رجة في الوعي. فأنا لست إنسانا بل عبوة ديناميت” (15).هذا هو التعليق الوحيد الذي سمعناه حتى الآن منه. ولم تكن لديه أي نية ليُقدم لقُراءه تجربة مريحة، وبالرغم من أن معاصروه قد حموا أنفسهم بعدم القراءة له، لكن في أعقاب موته، انقلب الأمر وأصبح له ثر عظيم في فكر القرن العشرين.
لكن، ألم يكن الجنون الذي شُخّص به في نهاية مشواره صورة من صور شبح يتقاسم معه فكره، فكر القيصر؟ وهل ترك نيتشه وراءه شبح الفيلسوف الحكيم أم الرجل المجنون؟ مهما تقاسمت الآراء في هذا الشأن، مميّزة بين صفوة نيتشه الفلسفية وحُمقه الهذياني، فقد أنجز بالشكل الأسمى المهمات كلها التي ينتظرها المرء من الفلاسفة حسب شهادة أستاذه ريتشل (16). ولم يكن الجنون الذي تمكّن منه في أواخر مشواره سوى حارسا لفكره بلغة دريدا، حتى لا يصير معبدا للمُريدين ولا مُختبرا جامدا للباحثين ولا روضة من رياض الأناركيين، الشيء الذي لم يكن ليرضاه. ذلك أن كل تشبت أو تشبّه به، هو صورة من صور الموت بالنسبة له ولفكره.
هوامش:
- فريديريك نيتشه، هذا هو الإنسان، ترجمة: علي مصباح، الطبعة الأولى، كولون ألمانيا، منشورات الجمل، 2003.
- راجع: د. صفاء جعفر، محاولة جديدة لقراءة نيتشه.
- Niall lucy, a derrida dictionary, p 79.
- نيتشه، الدكتور زكرياء إبراهيم، ص 21.
- فريديريك نيتشه، العلم المرح، ترجمة وتقديم: حسان بورقيبة ومحمد الناجي – الدار البيضاء،ص 14.
- جاك دريدا .. ما الآن؟ ماذا عن غد؟ الحدث؛ التفكيك؛ الخطاب، مرجع مذكور، ص 133.
- ولدت غدا، كتاب جماعي، تحت اشراف مراد الخطيبي، سيليكي اخوين، 2014، ص 4.
- Rudy steinmetz, les styles de derrida, p 213 .
- تفكيك الميتافيزيقا وبناء الإيتيقا في الفلسفة، جاك دريدا، سامي بلقاسم غابري، دار الخليج، 2017، ص 219.
* voir : Jean Greisch, Vivre en philosophant. Expérience philosophique, exercices spirituels et thérapies de l’âme, Paris, Hermann, coll. « De Visu », 2015, p 383.
- نيتشه مكافحا ضد عصره، رودولف شتاينر، ترجمة وتقديم حسن صقر، دار الحصاد للنشر والتوزيع، 1998، ص – ص 197-198.
- فريديريك نيتشه، شيطان الفلسفة الأكبر، مجدي كامل، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 2011، ص، ص 18-19.
- نيتشه مكافحا ضد عصره، رودولف شتاينر، نفس المرجع، ص 199.
- جاك دريدا .. ما الآن؟ ماذا عن غد؟ الحدث؛ التفكيك؛ الخطاب مرجع مذكور.
- Philisophie magazine ; hors-série ; nietzsche l’antisystéme ; n° 26. p 26.
- الفلسفة نشأتها وتطورها .. تاريخ العقل البشري؛ ياسر شعبان، كنوز للنشر والتوزيع؛ 2014؛ ص 199.
- نيتشه مكافحا صد عصره، مرجع مذكور، ص 199.
للكاتب أيضا:
عقلانية اللاوعي .. ما يدين به التحليل النفسي للفلسفة المضادة
9 نوفمبر 2019 دراسات وأبحاث, علم النفس, مفاهيم 0

يوسف عذنان بقلم: يوسف عدنان * من المغالطات الفظيعة التي يقع فيها معشر الفكر الفلسفي وهُواته، هو إقامة ذلك التقابل الضدّي بين العقل واللاعقل، الموسوم في مجموعة من الكتابات أو عنوانين المحاضرات بالتسمية التالية: “العقل في مواجهة اللاعقل”. ونقول بل نلحّ أنه من الأجدى استبدال اللفظ وتلطيف الشحنة السالبة المُحايثة …أكمل القراءة »
سيغموند فرويد .. جينيالوجي الرغبة وكليم اللاشعور
14 أكتوبر 2019 دراسات وأبحاث, علم النفس, فلاسفة 0

يوسف عدنان بقلم: يوسف عدنان * ” إن مشوار الكشف عن ماهية اللاشعور قد دشّن حقيقة بفضل هموم فرويد، لكن لم ينتهي معه شغف الإحاطة بخوافي النفس البشرية”. “يوسف عدنان “ كلمة افتتاحية تتعالى الأصوات الناكرة للفضل والمستنكرة للمُكتشف كُلّما ذكر اسم التحليل النفسي بوصفه مشتلاّ للغموض وباعث للإغواء …أكمل القراءة »
عندما يُحيي النقد السينمائي الفن السابع .. نموذج “فيلم العثور على فورستر”
22 سبتمبر 2019 شاشة, علم النفس, مقالات 0

بقلم: يوسف عدنان* خاص كوة. الجزء الأول تقديم: يطفح الفيلم الأمريكي “العثور على فورستر finding-forrester” {1}، بأبعاد غائرة ولامتناهية: فكرية – أدبية – تربوية – إنسانية – سيكولوجية – فلسفية – إيديوسياسية، تعدّت بشكل موفور أولية الإطار المشهدي المٌخرَج بصريا. وحسبنا أن نتقاسم شهادة مع القارئ الكريم في مفتتح هذه …أكمل القراءة »
شخصية “نينا” في فيلم “البجعة السوداء” ..
14 أبريل 2019 شاشة, علم النفس, مجلات, مقالات 0

فلك الرغبة المزدوج ورحيل على مقصلة الفونتازمسينما التحليل النفسي بقلم: يوسف عدنان * يوسف عدنان مداخل وحيثيات تحوم أحداث فيلم “البجعة السوداء”، المصنّف كدراما نفسية غاية في التعقيد، حول شخصية “نينا Nina“، مشخّصة دورها بإتقان مُذهل، الممثلة المرموقة “ناتالي بورتمان” *، وهي راقصة باليه شابة تبلغ من العمر 28 سنة، …أكمل القراءة »
فيلم “صيادو العقول” في رحاب التحليل النفسي والفلسفة: مقاربة نقدية سينمائية
30 سبتمبر 2018 شاشة, علم النفس, مقالات 0

بقلم: يوسف عدنان * أستاذ الفلسفة – متخصص في التحليل النفسي – باحث في النقد السينمائي ؛ من المغرب * جاء فيلم “صيادو العقول” * الذي تم إنجازه سنة 2004 على يد المخرج والمنتج السينمائي القدير “ريني هارلن Renny Harlin” وتولى كتابة السيناريو له، كل من الكاتبين “واين كرامر Wayne Kramer …أكمل القراءة »
التحليل النفسي ابن الظلام .. من نُتف الفلسفة النفسانية
5 أبريل 2018 علم النفس, نصوص, نصوص 0

بقلم: يوسف عدنان * جرت العادة أن يستقبح الإنسان الظلام ويفضّل النور بدله، مُعليا من قيمته ومرتاحا في ضيائه. ويعود هذا التفضيل اللامؤكد لعدة أسباب منها: وضوح حقل الرؤيا، الشعور بالطمأنينة بدل الخوف المرفق بالهواجس، إمكانية الفعل والحركة، تمييز الموضوعات عن بعضا البعض وما دون ذلك من المحاسن التي قد …أكمل القراءة »
المقام الأنطولوجي للمرأة في السرد النشوئي البدئي

يوسف عدنان / آسفي تقديم هامشي تعدّ أسطورة البدء المقدس أو “النشأة التكونية للإنسان” من بين أهم الأحداث التي تستوجب من الحس الفلسفي وقفات تأملية، ليعيد التفكير في أبعادها من منظور استعادي «rétrospective » ، ويتساءل على نحو يدفع بإرادة المعرفة خارج ثنايا المألوف، والجاهز من الخطابات المحنّطة لعقود من …أكمل القراءة »
الفلسفة المدرسية في الوطن العربي ..

بين الوصاية العقائدية واغتراب المعنى وانتكاسة المؤسسة التعليمية بقلم: يوسف عدنان * “.. والحال أن العيش بدون تفلسف كالذي أغمض عيناه، ولم يحاول أن يفتحهما” رونيه ديكارت. تقديم هامشي لقد خصننا هذا المقال النقدي لغرض المساءلة والاجابة عن مجموعة من التأزمات والنقيضات والمتغيرات التي يشهدها الدرس الفلسفي في بلداننا …أكمل القراءة »
من تطبيقات التحليل النفسي على السينما ..
12 فبراير 2018 تغطية, شاشة, علم النفس 0

قراءة في فيلم “العطر قصة قاتل“ بقلم: يوسف عدنان * تقديم شغل فيلم “العطر .. قصة قاتل” حيّزا هاما في السرديات السينمائية الألفية، ولوقي عند صدوره بحفاوة في دوائر النقد السينمائي والساحة الفنية الغربية عموما. وهو فيلم ألماني يجمع بين الدراما والفانتازيا والجريمة والتشويق، من إخراج “توم تايكور” ومن بطولة …أكمل القراءة »
العلاقة بين الفعل الجنسي والرجولة الجنسية
أسبوع واحد مضت علم الإجتماع, مجلات, مفاهيم 0

رشيد العيادي. مقال من إنجاز الباحث رشيد العيادي. (المغرب) سنحاول التوقف هنا على النص السردي وعلاقته بالجسد كمعطى ثقافي واجتماعي ورمزي. فالنص السردي دائما ما يتوسل الاستعارات والكنايات اللغوية للتعبير عن مكنون كاتبه، فالجسد هنا ليس له منفذ يظهر منه إلا إذا توسّل ألعاب اللغة، أما الظهور في شكله الصريح …
المساواة بين الجنسين في الأعمال المنزلية داخل الفضاء الأسري خلال فترة الحجر الصحي
3 أسابيع مضت عامة, علم الإجتماع, مفاهيم 0

زكرياء التوتي زكرياء التوتي: باحث في السوسيولوجيا فاس تعتبر الأسرة نواة المجتمع و الركيزة الأساسية التي يقوم عليها البناء الاجتماعي برمته، فمن مجموعها يتشكل هذا الأخير الذي لن يشتد له ساعد و لن يقوم له قائمة إلا بمدى قوة الأسر و يضعف بقدر ضعفها و انحلالها، حيث شغلت حيزا كبيرا …أكمل القراءة »
تموضع الوعي العقلي
26 مايو 2020 دراسات وأبحاث, علي محمد اليوسف, مفاهيم 0

علي محمد اليوسف علي محمد اليوسف بداية بضوء الاقرار بحقيقة اننا نعجز عن تعريف ماهو الوعي الانساني وكيف يعمل وماهي ماهيته ومن المسؤول عن وجوده في منظومة العقل الادراكية الخ؟؟ نطرح التساؤل التالي: هل يستنفد الوعي الانساني ذاتيته الادراكية في تموضعه بعالم الاشياء كما هو الشأن مع الفكر واللغة في …أكمل القراءة »
بول ريكور..فلسفة الارادة والانسان الخّطاء
24 فبراير 2020 دراسات وأبحاث, علي محمد اليوسف, فلاسفة 0

علي محمد اليوسف تمهيد لا أضيف معلومة جديدة للذين قرأوا أو حاولوا قراءة كتاب بول ريكور(1913- 2005) المترجم للعربية بعنونة (فلسفة الارادة.. الانسان الخّطاء) وتركوه دون أكمالهم قراءة الصفحات الاولى من مقدمة الكتاب وهم غير ملامين أمام صعوبة فهم كتاب فلسفي غاية في غموضه العميق وتعقيد التعابير الفلسفية فيه التي …أكمل القراءة »
التّجريب في المسرح الفلسطيني، رؤية وأبعاد: المونودراما نموذجا
11 ديسمبر 2019 تغطية, رجاء بكرية, نصوص 0

مداخلة: رجاء بكريّة (في إطار مهرجان فلسطين الثّاني للمسرح) “.. .هذا يعني أنّ التّجريب بمفهوم اختلافهِ وتفوّقه يشتغل على مساحات لونيّة نوعيّة للنّص المُعدّ إضافة للأداء والشّكل الّذي يقدَّم فيه البطل، وأسلوب احتلاله للمنصّة أمام جمهوره العريض. كلّ هذا درسه أبطال المسرحيديّات قبل أن يفكّروا بخوض الأداء كتجربة نوعيّة”, رجاء. ب …أكمل القراءة »
الجنسانية في الأدب العربي / ثيمة جنسية أم هوية تجنيس أدبي !؟
26 سبتمبر 2019 علي محمد اليوسف, مفاهيم, نصوص 0

علي محمد اليوسف مقارنة هويتي الذكورة والانوثة في الادب العربي: أثيرت مسألة تجنيس بمعنى النوع في المنتج الابداعي والفني بين ما هو أدب ذكوري وما هو أدب أنثوي مرات عديدة ، منذ وقت ليس بالقصير تمّثل في مطارحات وسجالات مواضيع النقد العربي الادبي، وفي بعض المقالات الصحفية، والدراسات في تساؤل …أكمل القراءة »
فضاء الحمّام من منظور التحليل النفسي
20 أغسطس 2019 بصغة المؤنث, علم النفس, مفاهيم, نصوص 0

تعتبر هذه الورقة المُقتطفة من مؤلف لنا في طور الاستكمال والتحيّين، ثمرة مجهود مطوّل من التفكير النظري والتقصي الميداني في أكثر بقاع الجنسانية الإسلامو-عربية حساسية وغموضا، ويُمكن أن نصف هذه النظرة المُحيطة بمجال الحمّام من زاوية “تحليلة نفسية – أنثروبولوجية” بكونها سباقة في تطارح إشكالية الإستحمام الجماعي داخل الحمّام الشعبي، بكلّ ما تقتديه الجرأة المطلوبة للنقاش والتداول وتعرية الحجاب عن حقائق منسية لا يطالها شغف السؤال المتحرّر والآخذ بالهامش والمسكوت عنه.أكمل القراءة »
نداء للم شمل شعوب المنطقة المغاربية

أصدرت فعاليات مغاربية نداء من اجل الاسراع بلم شمل شعوب المنطقة : ————————————————— هذا النداء هو لحظة تفاعل وتعبير عن إحساس ومشاعر تنتاب الكثير من المناضلين والمواطنين، يهدف إلى التحفيز والتشجيع، والدعوة للتفكير في اقرب الآجال في مبادرة سياسية تنهض بها القوى الديمقراطية والتقدمية والفعاليات المدنية والثقافية، من اجل حوار …أكمل القراءة »
الأنطولوجيا الوجودية .. بين مارتن هايدغر و جاك لاكان يَعْبُرُ سؤال الكائن الدازيني
5 ديسمبر 2017 علم النفس, فلاسفة, مجلات 0

بقلم: يوسف عدنان * لقد اجتمع أكثر من حكم على اعتبار التحليل النفسي في حدّ ذاته فلسفة نفسانية، يتبوأ الإنسان مكانا هاما في طليعتها. ويشهد تاريخ الفلسفة بالاهتمام الواسع لدى الفلاسفة بالمعطى النفسي واستحضاره في مخطوطاتهم كبعد إنساني جواني، له من الأهمية ممّا كان في تحقيق فهم أصوب بالطبيعة البشرية …أكمل القراءة »
العقل الأنثوي في تاريخ الفلسفة .. غياب أم تغييب
23 أكتوبر 2017 بصغة المؤنث, نصوص 0

يوسف عدنان: باحث في التحليل النفسي والفلسفة – المغرب كوة: خاص افتقر تاريخ الفلسفة لأصوات نسوية استطعن أن يخترقن القلاع الفكرية المشيّدة بإحكام من قبل الوعي الذكوري المتغطرس، بل تكاد تخلو القواميس المعرّفة بالفلاسفة من أسماء فيلسوفات سجّلن حضورهن على نحو متشظّي عبر محطات تاريخ الفلسفة. وقد تهاطلت العديد من …أكمل القراءة »
العنصرية حتى في الكتابة

صقر أبو فخر في بلاد الإنكليز يطلقون عبارة “المؤلف الشبح” على الكاتب الحقيقي لأي نص يظهر باسم كاتب غيره. وفي فرنسا ثمة مصطلح “زنوج الثقافة” الذي يشير إلى قيام أحد “الكُتّاب” باستئجار كاتب ناشئ يكون على الأرجح من المهاجرين، ويسخره لكتابة المقالات لقاء أجر معلوم. لكن تلك المقالات لا تظهر …