
سامي عبد العال
” أنّا مَسْؤولٌّ عَمَا أَقُوْله لكُّمْ…،
ولَكْنَنِي لسْتُ مَسْؤُولاً عَمّا تَسْمَعُونّهُ مِنْي…”
أحياناً قد نمسكُ الكلمات بين أناملنا ونقلبها ذات اليمين وذات الشمال، ولكن سرعان ما نكتشف – بطريقة سورة الكهف- أنَّ كلْبَنا هو الفكر الذي يبطّنها من الداخل، “.. وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوَصِيدِ..”… الوصيد هو الفناء، أي الفضاء الذي نتحرك، نتكلم فيه. هكذا الفكر هو دَيْدَن اللغة والعكس(اللغة دَيْدَن الفكر) في براحٍ فسيح أسمُه المعنى. فنقول عقب التقليب الشائك: هل نحن الذين نطقنا بهذه الحروف؟! أليست الكلمات بعد خروجها للحياة قد اصبحت غريبةً عنا؟!
حينئذ.. لو لم نكُن نحن الذين قد نطقنا بالعبارات توّاً ما كنا لنتعجب مما تحوي!! لقد اغتربت الكلمات، لم تعد مألوفةً إلينا، خرجت دون عودةٍ. ليست هكذا فقط، أنما أخذت تعاندنا وتناصبنا المراوغة والتّفلُت. السبب أنَّها قد تماهَتْ من حينها في أبنية الفكر وسياقاته، دارت دورات ثقافية بعمق التاريخ الذي تختمر به اللغة. لم يعد لنا عليها أدنى سيطرة، رغم كون المفارقة كاشفةً من حيث: أننا ننسبها إلى قائل محددٍ، بينما هي تكتسب دلالات ومعاني أخرى. كلما ظلت العباراتُ سائرةً في فضاء اللغة، ستحمل دلالياً ما تنُوء به. فضاءُ اللغة- كالمجال المغناطيسي- تتحرك فيها الكلمات بقُوى “الجذب والطرد”، الكلمة تجذب معناها كقطعة المعدن حين تعلْق بعوالق أخرى، تلتصق بمعانٍ مختلفة أو تتنافر معها.
كأنّنا نحاول فهم العبارة الدالة( أنا مسؤول عما أقوله لكم… ولكنني لست مسؤولاً عما تسمعونه مني..). فالمقطع الخاص بمسؤولية المتحدث أنَّه ينطق كلمات هو يقولها لتوّه، يدرك ما يقول وقد يؤكد على الحروف وتوجيه الفكرة توجيها مقصوداً على افتراض ذلك بالطبع. لكن المشكلة ليست هنا بالتحديد، إنَّها تظهر حين تخرج الكلمات دون رجعةٍ، إذ تدخل اللغة كوسيط أكبر مما يحتمل حدث الكلام، عندئذ هي التي تهيمن على وضعية السماع وكيف يصل المعنى وبأية رواسب سيكون وما هي أبعاده وكيفية التأثير. اللغة هي التي تقننها وتحملها بخبرات ودلالات أخرى. فعل التكلم أو الكتابة ربما يتمُّ تلقائياً، لكن التلقي لن يجري سوى بأفعال اللغة الأكثر تدخلاً والتواءً. فالأخيرة قوة وسلطة مفتوحة لا يتم أي معنى بخلاف شهادتها الموثقّة فقط بحسب آلياتها وطرائق عملها ليس غير.
إنَّ كلمة الحقيقة مثلاً ليست كلمةً مفردةً كما نظن، لكنها مستويات وأخيلة وتراكم وهواجس وأبعاد وغموض حول ما يُسمى “حقيقةً” باختلاف درجاتها. حتى إذا كانت الحقيقة كذلك واقعاً أو فعلاً، فبالنسبة إلى أية أشياء تمثل الحقيقة وجودها؟ هل هي حقيقة بالنسبة لنا أم لسوانا أم لدلالة موضوعية؟ وبالتالي: ما الذي ليس بحقيقة في المقابل، وهل ذلك تجاه ذاتها أم تجاه شيءٍ آخر؟! الحقيقة هي اسم لوصف الأشياء والأفعال أكثر من أي معنى قد يلتصق بها. فلو أشرنا إلى شخصٍ بعينه على أنَّه هو المعروف والمشهور، فهو صورة من الحقيقة بحسب ما نراها وبقدر ما يتمثل لدينا خلال لحظةٍ بعينها. وكذا بصدد الأمور الأخرى، فالأحداث التاريخية تكتسب لفظة الحقيقة حينما تأخذ موضعها في الصورة الذهنية للمجتمعات. وهي الصورة المرتبطة بسياق تاريخي مرتهن بأبعاد دالةٍ على مستوى الوعي. والوعي ينغرس بعيداً حيث تشكيل السلطة التي تمارس دورها لتحديد أهمية الأزمنة والرموز.
من ثمَّ كانت اللغة هي جُماع ذلك كلِّه، وأنَّ استعمالاً مبدعاً للغةِ – كحال الإبداعات الأدبية والفلسفية والروحية- هو المحرك لكل البناء الضخم، إنَّه يعيده للظهور من جديدٍ. لم يكن الشاعر قديماً وحديثاً إلاَّ خالقاً للوجود بمعناه الرمزي. الشعر يخلق إمكانية الوجود عبر إيقاع الزمن التي يبدعه، الكشف والإظهار هما المعاني الواردة في عالمه الثري. يرى مارتن هيدجر أنَّ الشعراء يسمون الأشياء كما لو لم تسمَ من قبل، يعطونها مساحة انطولوجية للتجلي داخل اللغة، حيث لا فرق هنالك بين الإمكانية والفعل.
لو خبت الأفكار زمنياً كما رَقَدَ أهل الكهف، ستسهر اللغة عليها وستقلبها شمالاً ويساراً بحثاً عن استفاقتها. ولقد تقلبها حتى لا تتخثر كفريسة للجمود والسكون في عصور الظلام المختلفة. المهم أنْ تجد كلماتُنا فضاءً واسعاً للحركة والتعبير عن معانيها. ومتى ضاقت الفكرةُ لدرجة التعصب والانغلاق، فلن تتمكن اللغة إلاَّ من كشفها وتعريتها للهواء الحُر. تلك المهمة يمارسها حتى الإنسان العادي في جوف الثقافة المترامية عندما يصوغ عباراته بشكل مختلفٍ في النكات والتأمل والمراجعة وطرح الأسئلة. حالة كهذه هي وليدة الوعي اليقظ إزاء تحولات الواقع واحداثه، لأن وعينا لا ينعدمُ إلى درجة الموت- أيضاً على طريقة أهل الكهف- بل يستفيق مع القدرة الذاتية على التحرر.
هذا معناه أنَّ اللغة بها مستويات من التعبير، وأنَّها لا تتوقف عن الحركة شريطة إيجاد المِعْول الذي يثير كوامنها، سواء أكان شعراً أم فلسفة أم تصوفاً أم أدباً، كل إبداع في هذه المجالات وسواها يؤكد قدرات اللغة على التعبير غير المألوف، هي تصنع تهيئة وانتظاراً لما يُستجد من أفكار. ولأنَّ اللغة تبقى متوحدةً بالفكر دون انفصالٍّ، فالتعبيرات تبشر بالجديد، وتوعز باستمرار إلى مواكبته، إنْ لم يكن من داخل التجربة النوعية له، فعلى الأقل ينبغي قراءتها بشكل خصبٍ.
المُعضلة الرئيسة إذن تكمن في اللغة المؤرَّخة، تلك التي تمثل أبنيةً للتفكير بواسطة صور الاعتقاد كما أشرت. وهنا تتعدد المصادر التي تضخ اللغة (بلاغة، منطق، نصوص، عبارات، خطابات)، وجميعها تتورط بشكل أو آخر في مُناخ التقاليد الراسخة، لأنَّ اللغة بهذا الحال ستنقلبُ إلى نظامٍ شكليٍّ يستوعب الأنظمةَ الأخرى. وعلى أسئلة الفلسفة تبعاً لعلاقة الفكر واللغة أنْ تخترق هذا النظام الشكلي، ليمسي منزوعاً من قيوده ومعيناته الجزئية. وتعيد نقده بصورة ثوريةٍ، هذا النقد الداخلي الذي يكشفُ الأبنيةَ والأسس.
ولا سيما أنَّه ضمن التقاليد العقلية يحدثُ تبادل بين الشكليين النفسي واللغوي، بل هما في الواقع شكلٌّ واحدٌ بوجوهٍ كثيرةٍ. وعليه ستُبرِز الفلسفة التحديدات الكلية للفكر الذي تراه متراكماً حدَّ الإرباك. فالفكر تكوين مركب يجمل داخله إمكانيات زمنيةً قابلة للقراءة، وعلى الفلسفة بما تملكه من أدوات أنْ تقرب الصور العامة لما هو قادم، وترسم خيالاً مختلفاً بدلالات لغوية جديدة. تتحدد على أثرها أساليب التواصل وأطر المفاهيم الكبرى حول اللغة ذاتها، الوجود، الانسان والمجتمع. ولذلك كانت الفلسفاتُ الكُّبرى خرائط لفهم الوضع ومساءلته في كل عصرٍ من العصور. هكذا كانت فلسفتا كانط ونيتشه خريطتين لكل مشكلات العصر كما كانت فلسفة الشرق وتوجهاته الروحية والفلسفية عند ابن عربي وابن عطاء الله السكندري وابن سينا والرازي.
شريطةَ أنْ يتم صياغة الوضع الجديد الذي تمَّ الافصاح عنه في حدود ما يقاربه من اهدافه، وبهذا، يساعده التفلسفُ على بلورة مفاهيمه داخل الصيغ الخاصة به. ولئن تمَّ التعبيرُ عن الأفكار المقترحة، فستُحدَّد وفقاً لمنطق التفلسف. والمعاني التي تعبر عنها حينذاك فاعلة بآليات مختلفةٍ، مناقضة لما هو جارٍ. حيث يحقق الفكر المغاير للسائد وجوده فلسفياً ولغوياً. كلُّ فلسفة تحتاج إلى صيغ ابداعية على ذات النطاق من الوعي.
الفلسفة بهذا الاتجاه هي فن التدقِيْق في المألوف وغربلته. وما لم تفْعل، فلن تكون أكثر من بُوق دعاية لما هو سائد، وإذ ذاك تتبنى الأنشطة الانسانية الأخرى بعضاً من معالمها. ولكن باتجاه الفلسفة المختلف تصبح اللغة تجربة فكرية تتجاوز الحقائق المتداولة، بل ربما ستكون تجربة ضرورية لوجود الإنسان خلال التواصل وحل شفرات الحياة(ثقافة/ معرفة/ مفاهيم). وهي بمضمون عام التجربة الفكرية المميزة للمجتمع، إذ يتحرر للتفكير النقدي خلالها، لينمو ويكتسب دلالات جد متفاعلة مع غيره.
تماشياً مع هذا التقاطع، نرصد كيف كانت الفلسفة تفكيراً لغوياً في قضايا العصر والحياة، حيث تعاملت مع مشكلات واقعية بالفعل. وغدت اللغة(التي هي موضوع التفلسف) واقعاً، والواقع لغةً في خطاب فلسفي له أدواته النوعية. بلغ هذا التقاطع درجة الوضوح منذ البدايات الأولى للتفلسف. فالسفسطائيون(بخلاف صورتهم السلبية والمروّج لها خطأً)اهتموا كثيراً بالبلاغة والصياغات الجدلية حتى تمكنوا من اصطناع استراتيجيات فلسفية تتكئ على اللغة وتناور بها. وفي وقتٍ مبكر جداً، استعملوا الاستراتيجيات لمناقشة قضايا تتخفى وراء سلطة الفكر الأفلاطوني الذي كان فكراً رسمياً للدولة، كان هو أيديولوجيا العنف في المجال العام بامتياز.
ولا ننسى أنْ صورة السوفسطائية قد رسمها أفلاطون من خلال محاوراته مما ألحق بهم تلك الأوصاف(البلبلة وإثارة الشكوك والتكلُّم المراوغ والسفسطة). برأي كارل بوبر، كانت فلسفة افلاطون السياسية نوعاً من “الهندسة الاجتماعية” social geometry التي خططت لممارسة الاستبداد وتكريس الطبقية ليس في الثقافة اليونانية وحسب، بل امتدت الجذور إلى كامل الفكر الغربي.
ورغم اعتبار المؤرخين أنَّ نقض الواقع بواسطة اللغة عبثٌ، إلاَّ أنَّ السوفسطائية أبرز الاتجاهات التي كشفت أبعاد استخدام اللغة وتأثيرها. وصلت الفلسفة لديها إلى تكوين سياسات للخطاب وإعادة استعماله بطريقة ناقدة، حيث طرحت جوانب التلاعب بالألفاظ والحوارات حول القضايا المنطقية(براتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية(الجزء الأول) ترجمة زكي نجيب محمود، لجنة الأليف والترجمة والنشر، القاهرة1957، ص48.). ففي الوقت الذي تُتاح فيه صياغة الخطاب بأسلوب مُحْكم، يمكن الوصول سوفسطائياً إلى حيلٍّ خطابية تُخلخل المعتقدات والافكار اليقينية لدى عامة الناس.
ليس اليقين هنا من أسس الفكر بقدر ما هو وليد سلطة المجتمع اليوناني، حيث كانت فلسفتا أفلاطون وأرسطو خادمتين للهيمنة على الواقع ورسم سياسات القمع والديكتاتورية. ولذلك لم يمس التفلسف السوفسطائي النُخب ولا أصحاب الرأي، لكنه كان موجهاً إلى الجمهور، إلى حيث مراقد الأفكار المتحكمة في العقول وتسييسها.
اختصاراً، فقد انتج تقاطع الفلسفة واللغة عدةَ أشياءٍ:
- لقد تغيرَ وجه الفلسفة حتى غدت خطاباً عقلانياً بلاغياً له طابع الكشف والتساؤل.
- ظهرت وظيفة تثويرية للفلسفة، فأول خطوة هي خلخلة الطرائق الفلسفية القديمة وما يصاحبها من تقاليد ومعارفٍ وأساليب.
- 3- لعبت البلاغة دوراً خطيراً في مجالات الحياة العامة. ولئن كانت البلاغة آتيةً من إبلاغ الكلام( أي مناسبة المقال لمقتضى الحال)، فالحقيقة تظل قرينة لها وحبيسة أساليبها، وأحد جوانبها كونها بلاغة فكر لا لفظ وحسب.
- 4- لا توجد حقيقةٌ واحدةٌ، بل هناك حقائق بقدر تعدد الخطابات والنصوص. إذن هي حقائق نسبية، فضلاً عن كونها تمتلئ بالتناقضات.
- 5- جرت عملية التفلسف بوصفها ظاهرة لغوية – أدائية، ويمكن اعتباره خطاباً موجهاً( التفكيك- التأويل- التحليل- التشذير) وبالتالي اجرائياً أيضاً.
- 6- إذا كانت الفلسفةُ خطاباً لغوياً، فهي قابلة للتوظيف السياسي(جمهورية أفلاطون نموذجاً). وعليه تعبر دوماً عن مصالح وأهداف وغايات صانع الخطاب.
- 7- يفتح التقاطع السوفسطائي(اللغة والفلسفة)مجالاً أمام فكرة القراءة التي ترسخت في الفلسفة المعاصرة.
- 8- التفلسف عملية تواصلية، تُطرح في اشكال لغوية كالحوار، المناقشة، الجدال والمناظرة والنقد والحجاج. فهو وليد التخصيب الحر والمتبادل أثناء طرح الأسئلة والأجوبة.
لعل ما تركه السوفسطائيون نقدياً إزاء الفلسفة: أنَّ الفيلسوف قد يظل حبيساً داخل المصطلحات والعبارات العامة. وعلى أساس جعل الحقيقة نسبيةً من إنسان لآخر، فلا يخرج المتأمل من أخيلته الكلية ولن يستطيع رؤية الأشياء بوضوح، لأنَّه يتحدث لغة ميتافيزيقية محيطة بأطراف الوجود. كما أكمل هذا الفكرة فلاسفة التحليل اللغوي الذين ناقشوها باستفاضة. وكان الأمر ذا دلالة في المجال السياسي مع قمع المجتمعات.
( Karl Popper, The Open society and Its Enemies, volume 1, Rout
ledge& Kegan Paul, London, 1966, PP 33-36.(.
لقد غدت المفاهيم والقضايا المتعلقة بالميتافيزيقا مفاهيم لفظية، تتطلب تنظيراً فلسفياً من داخل مدلولها النسقي. وتلك المفاهيم تتخفى فيها السلطة بشكل ماكرٍ، فكل ميتافيزيقا لا تخلو من صدى بعيد لسلطة ما، وإنْ لم يكن صدى مباشراً، فهو يسدد أهدافها بشكل ملتوٍ. وقطعاً سيثير الموقفُ استفهامات تاليةً: هل لا يصح التفلسف إلاَّ داخل العبارات الكلية؟ ماذا لو كانت متناقضة فيما بينها، بل بين المصطلح الواحد وسياقه المفاهيمي؟
الآن سأطرح التفكير باعتباره قراءةً لنصوصٍ وخطابات طالما أننا نتحدث عن حضور اللغة. يتساوى في ذلك المصطلح والمفهوم لأنَّهما نصان وينتميان إلى تاريخ وتراث ما. فالسياسي أو الاعلامي أو الأديب أو المفكر إذْ يجيد قراءة الأحداث والرؤى بإمكانه طرح شيء مغايرٍ. إذن كيف نفكر(أي نقرأ)على نحو مختلفٍ؟! السؤال ينقض الخطابات المتطرفة والنصوص الأيديولوجية والسياسية التقليدية.
أولاً: يأتي التفكير بدلالة الفعلِ “فكّرَ”،” تأمل”،” تساءل”. في تلك الحالة يُضاف هكذا: فَكّرْ(أيا أنت) مغامراً حُراً. دوماً القراءة عبارة عن تلقٍ دون تماثل مع آخرين بالضرورة، ذلك مهما يكُّن النص المقروء. والكاتب الذي يطرح تلك الإمكانية بين نصه وبين القارئ، فليتبوّأ مقعده من النسيان. المفاجأة أنَّ الكاتب لو أراد ذلك لن يستطيع، لأنَّ القراءة بطبيعتها عمل مُراوغ وقاتل للمؤلف كما يقول فلاسفة ما بعد الحداثة. كما أنَّ اللغة لا تسمح بامتلاكها من الناص(الكاتب) ولا من القارئ. فهل سيقرأ المتلقي نصاً دون إنتاج لمعنى مغاير؟ الاجابة طبعاً بالنفي القاطع.
ثانياً: يأتي التفكيرُ بمعنى: “فِكْرٌ مختلفٌ”. لأنَّ منطلقاتَّه مغايرةٌ رؤيةً وتحليلاً بحيث يكشف ما هو متماثل. والموقع الذي يعبر عنه النص لن يكون سهلَ المنال. ليس ذلك تتبعاً للغريب، ولا تفلتاً من المألوف فقط، إنما تقليباً للمسألةِ عبر تجليات اللغة كذلك. فحينما نحاول تفكيراً إزاء القضايا لم يكن تراث اللغة والخطابات المتداولة بعيداً إلاَّ أنْ يتوسط بشكل ما. الوعي بهذا يجعل الفكرَ أكثر انفتاحاً لغيريةٍ ما.
ثالثاً: التفكير هو طرح صور الآخر المتنوعة. فاللغة ليست حيادية ولا واحدية ولن تكون. وطالما توجد لغة بشرية نخط بها أفكارنا، فهي خطاب الآخر المتعدد على الدوام. الآخر يتسرب إلينا – ليلاً ونهاراً- كما تتسرب المياه من صنبور غير محكم الإغلاق. إنَّه ينبوعٌ سحيقٌ من قاع التاريخ الثقافي والتداول الحواري للآراء.
رابعاً: ليكُّن التّوجُه الفكري خصيباً، قادراً على ابداع الأفكار. القراءة بمثابة فضاء ينمو فيه المعني ويورَّق ويشتد على عوده كالأشجار. والكاتبُ حين يتصور أنَّه يعطي المتلقي محتوى فهذا خطأ ما بعده خطأ إلاَّ اعتقاده بامتلاك المعنى. فالمحتوى يتبخر مستقراً في احشاء الكلمات وشذرات التعبير والجمل المنقوصة والمقولات.
خامساً: سيذهب المعنى الضيق لو وُجِدَ إلى اللا عنوان أياً كان، حتى وإنْ كان مقصوداً لمتلقٍ بعينه. ففضاء المعنى يتسع إلى ما لا نهاية. وفي الوقت ذاته لا تكف اللغة عن التداخل مع غيرها في شبكات وحفريات ثقافية تتردد على هيئة أصداءٍ وأطيافٍ.
سادساً: التفكير دعوةٌ لكرنفال حواري بكافة الأقنعة البراقة والمموهة والمتنوعة. إنَّه احتفال لا يكف عن التقلُّب والإبهار. كلُّ تفكيرٍ هو ثقةٌ ممنوحة مجاناً لدعوةٍ تصل لدرجة الالتزام بلا مقابل. وفوق ذلك هو العمل الأكثر صرامة وجديةً مما يتبادر للأذهان.
سابعاً: التفكير يختلف عن القضايا المسكوت عنها. فقد تكون قضايا الفكر معروفة، لكن يجب بلورتها بشكل غير معروفٍ، أو بالأحرى إعادة موقعتها من جديدٍ في السياق الذي توجد فيه. وهي ما تُسمى بالقضايا الاشكالية التي تتشعب وترتبط بمسائل أخرى، أبرز الأمثلة قضايا الدين، السياسة، الديمقراطية، التاريخ، الفلسفة.. وغيرها.
رابط الجزء الأول:
للكاتب أيضا:
وَجْهُ العالمِ خلْف كمامات
3 أبريل 2020 دراسات وأبحاث, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال الكمامة هي العنوان الطارئ للتعبير عن الوقاية، أي صد العدوى والخطر، وإشارة إلى الخوف منهما. لكنها أيضاً قد تكون عنواناً لما يحدد العلاقة بكلِّ ما هو قادم. اعلانٌ عن حالةٍ ليس مقصوداً بها أيَّ شخصٍ بذاته ولو كان مريضاً. لأنَّها تُمثل موقفاً مفرَّغَاً من …أكمل القراءة »
طَّواحِينُ الأوهام: حين تَضْرِبُ رأسَك بجدار العالم
19 ديسمبر 2018 مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال – مصر في غياب النقدِ الجذري، يتلاعب الوهمُ بالفكر كما تتلاعب الرياح بأشرعة السُفن. ويتسلل إلى فضاء العقل من باب خلفي نتيجة الإيمان الساذج بلا رويةٍ. لذلك يتطلب الوعيُ قدرةً يقظةً على التساؤل وغربلة المعتقدات. أقرب الأمثلة إلى ذلك: أوهام الأيديولوجيات الدينية ( كما لدى الإخوان والسفليين …أكمل القراءة »
اليوم العالمي للفلسفة: أين نحن؟!
18 نوفمبر 2018 تغطية, مساهمات 0

سامي عبد العال – مصر لا يجسد العنوان احتفاءَ العالم بإبداع مهم فقط، لكنه يترك تساؤلاً إزاء الموقف الضمني منه: أين نحن العرب تجاه ما يجري على صعيد التفلسف؟ هل من مواقف جديدة نخترعها لحياتنا البشرية النوعية؟ كيف نستطيع استشكال فكرنا بإيقاع فلسفي يصلح لمعايشة آخرية قصوى ومفتوحة؟ وسؤال الصلاحية …أكمل القراءة »
ميشيل فوكو: كل مقالات وترجمات موقع كوة
17 ساعة مضت دراسات وأبحاث, فلاسفة, مجلات 0

نقدم لكم في هذه الوصلة مجموع ما نشره موقع كوة لفوكو وعنه من مقالات وترجمات ودراسات وابحاث باللغة العربية من لغات مختلفة. ميشال فوكو: المراقبة و العقاب يوم واحد مضت علم الإجتماع, فلاسفة, مقالات 0 أسامة البحري بقلم : أسامة البحري – طالب في مسلك علم الإجتماع – بني ملال “السجن أقل حداثة عندما …أكمل القراءة »
قصة الـ “ما بعد” The post
6 أيام مضت دراسات وأبحاث, عامة, مفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال ليس هناك أبرز من تَعلُّق الإنسان بالجديدِ، دفعاً لوطأة المألوف أحياناً وكنوعٍ من احراز التّميُز في أحايين سواها. لكنَ لأنَّ الجديد قد يُمثلّ المفاهيم المنقُولة إلينا( عبر النصوص الكبرى لفلاسفة الغرب)، فإنّه يضعنا تحت طائلةِ الاستفهام. حيث أمسينا نفكر داخل لغةٍ لم تُنحت مصطلحاتُّها …أكمل القراءة »
روابط 76 مقالة نشرتها كوة حول كورونا
7 أيام مضت أخرى, عامة, علم الإجتماع, علم النفس, متابعات, مفاهيم, مقالات 0

فريق كوة نقدم لكم هنا مجموع ما نشره موقعنا حول أزمة كورونا من مختلف المقاربات الفلسفية والسيوسيولوجية والنفسية والادبية والفنية… نجمعها في صفحة واحدة لتجنب عناء البحث في الموقع هل سنشهد”عالما جديدا” بعد فيروس كورونا؟ 5 دقائق مضت عامة, مساهمات, مفاهيم 0 أ.كرام ياسين أستاذ فلسفة بجامعة سطيف 2 – الجزائر- وضع العالم …أكمل القراءة »
كوجيتو الكورونا
أسبوع واحد مضت مجلات, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال فجأة تحول الأنا أفكر( على خلفية كورونا) إلى الأنا فيرُوس يُحْذَر منه. البدايةُ ليست الفكر بحد ذاته كما يؤكد ديكارت، بل الجسم بقدرته على ممارسة الحياة والتأثير في المحيطين. هو الآن كوجيتو العدوى بامتياز، أي أنَّه يطرح وجود الإنسان الحي بقدر ما يمثل عدوى …أكمل القراءة »
عُنف الخيالِ الديني
أسبوعين مضت أخرى, مساهمات, مفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال ليس العنف باسم الدين مجردَ فعل طارئ، لكنه عمل مُركَّب يحتاج خيالاً يَفوقُه تهوراً وجُموحاً. إنَّه عمليات من الشحن الأيديولوجي والتهيئة والتفنُن بتوقُّع الأثر وفوضى المَشاهِد ورسم المجال وانجاز الأفعال وانتظار النتائج وافراغ الكراهية إلى أقصى مدى. الخيال الديني imagination religiousهو الآتون الواسع الذي …أكمل القراءة »
صناعةُ الرَّعاع: جسد الثقافة العاري(3)
أسبوعين مضت مفاهيم, مقالات, نصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال بطريقةٍ جذريةٍ تماماً، كان حالُ” الرَّعَاع” نتاجاً ثقافياً خلْف سلطةِ الجماعة الغالبة في المجتمعات العربية(جماعة الدين والطائفة وأهل الحل والعقد ثم النُخب والأحزاب ورجال الدولة والمثقفون)، فهذا التكوين العام المشوَّه لم يكن لصالح المجتمع وتنوع عناصره في تاريخنا الحديث والمعاصر، من حيث كونَّه غير …أكمل القراءة »
صناعةُ الرَّعَاع: اللغةُ وجسدِ الثقافة(2)
3 أسابيع مضت دراسات وأبحاث, عامة, مفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال هناك سؤالٌ مهم: كيف نفسر شيوعَ دلالة الرَّعَاع في الخطابات السائدة؟! فقد نقرأ بدائلها بكلمات تخاطب الجماهير والحشود، كلمات تُلصِق بهم فوضى الرغبات والغرائز واللاعقل، أي تزدريهم باعتبارهم أُناساً حمقى كما في الاعلام والسياسة والثقافة الدينية والحياة العامة. الحالة الأقرب إلى
صناعةُ الرَّعَاع: اللغةُ وجسد الثقافة(1)
3 أسابيع مضت مجلات, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال ” عندما يَشْرع الرَّعاعُ في التفكير يتلفُ كلُّ شيءٍ” …. فولتير الساسةُ مثل القُرود إنْ اختلفوا أفسدوا الزرع وإنْ اتفقوا أكلوا المحصول”” الرَّعاع صناعة لمجتمعات تنهش إنسانية الإنسان وتحتسي نَخْبَ الإقصاء” ” تأسيس يبدو أنَّ حدود عالمنا هي حدودُ الكلمات التي نتعامل معها، ولا …أكمل القراءة »
ماذا لو تساءلَّت الفلسفةُ حول المرضِ؟
4 أسابيع مضت عامة, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال بقلم سامي عبد العال لو افتراضاً أنَّ فيلسوفاً يتساءل عن الأمراض(الأوبئة، العلَّل الجسمية)، فالاستفهام بصدد أوضاعنا الصحيةِ سؤالٌّ جديدٌ في دائرة الفلسفة:( كيف أنتَ صحيَّاً؟ هل تعاني من علةٍ ما؟ ولماذا أنت مريضٌ؟ هل أصابتك الأوبئةُ؟). ورغم أنَّ الاسئلة خاصة إلاَّ أنها تمس ما هو عمومي في …أكمل القراءة »
الفيرُوسات وإدارة الحياة
22 مارس 2020 أخرى, مقالات, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال يعدُّ تاريخ الفيروسات جديراً بالبحث والتقصي، ولا سيما أنَّه قد أحدَثَ تحولاً في مسارات الحياة سلباً وإيجاباً نحو الأزمنة الراهنة. ويَجْدُر أنْ يُطْرح تاريخُها الكونِي مرتبطاً بقضايا فلسفية وثقافية تخص الحقيقة وتنوع الرؤى البيولوجية للعالم والكائنات. إذ هناك علاقة ضرورية بين انتشار الفيروسات ومفاهيم …أكمل القراءة »
موت سقراط: هكذا يتكلَّم الفنُّ
4 مارس 2020 فلاسفة, مجلات, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال تعدُّ لوحة “موت سقراط” للرسام الفرنسي جاك لويس دافيد Jacques David [1] توثيقاً لهذه الحادثة بصيغة فلسفية فنيَّة متأخرة. تترك الألوان والشخوص تقول تشكيلياً ماذا جرى. ليس يجدي التذكر ولا اعادة القراءة حول تناول فيلسوف اليونان لجرعات السم، لأن الكلام الصامت، جدل العلامات، …أكمل القراءة »
كليمون روسي: نيتشه أو الفرح قبل كل شيء
24 يناير 2020 ترجمة, فلاسفة, مجلات 0

ترجمة يوسف اسحيردة مؤلف كتاب “الضحك”، هنري برجسون، والذي يكن له الفريد والساخر كليمون روسي احتراما شديدا، يُعرف الفيلسوف الأصيل بالشخص الذي يمتلك حدسا وحيدا. ما هو يا ترى هذا الحدس في حالة نيتشه؟ ترابط الفرح والمأساة في الوضع البشري، يجيب كليمون روسي دون تردد. حتى أن هذه القناعة شكلت …أكمل القراءة »
لِمَنْ تُقْرَع أجْرَاسُ الفلسفةِ؟!
9 ديسمبر 2019 أخرى, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال في يومِها العالمي مع كلِّ عامٍ، ربما يبزغُ السؤالُ التالي: هل تحتفل الفلسفة بنفسها؟! ومن ذا الذي بإمكانه حضور الاحتفال؟ وكيف سيتم الاحتفال؟!… الفلسفة بخلاف أي نشاط عقلي لا تحتفل بذاتها( أو هكذا يتم). لا تحتفل كعجُوزٍ بلهاء( أمُ العلوم قديماً ) تُطلق …أكمل القراءة »
” ببجي الخِلافة ” في عصر ما بعد الحداثة
7 نوفمبر 2019 عامة, مفاهيم, نصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال يبدو أنَّ عصر الوسائط الديجيتال هو الواقع الطاغي بلا منازعٍ. إذ تتضاعف دلالة الأحداث بصورةٍ مذهلةٍ، وتتعلق إفرازاتُّها بالذاكرة وبالعيون التي تشاهد. وسيكون القولُّ الفلسفي لما بعد الحداثة ليس تنظيراً ميتافيزيقياً بقدر ما يلتقِّط أفكاره المحتملة من عالمنا الراهن. وقد نوَّه جان بودريار …أكمل القراءة »
غير القابل للاحتمال: في عداء الشعوب!!
27 أكتوبر 2019 مجلات, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال بأيِّ معنى تصنعُ الشعوبُ اعداءها، وهل استجابتها للعداء واحدةٌ أم أنَّ هناك اختلافاً؟! هل ثمة عداء عام بالصدفة دون قصدٍ، وما خطورة أنْ تعادي قوةٌ ما ( كالدولة التركية مؤخراً ) شعباً ضارباً في التاريخ( مثل الكُّرد )؟! وداخل تلك الدائرة: هل الصُور المتبادَّلة …أكمل القراءة »
كليمون روسي : لا وجود لوصفة سحرية من أجل التصالح مع الذات”

ترجمة : يوسف اسحيردة مقدمة المترجم : كليمون روسي، فيلسوف فرنسي توفي سنة 2018 عن سن يناهز 78 عاما. عُرف بشنه لحرب ضروس ضد الأوهام التي نحب عادة أن نختبئ وراءها، ومناداته، على خطى معلمه نيتشه، بقبول الواقع كما هو دون سعي إلى تغييره. في هذا الحوار الذي أجراه في …أكمل القراءة »
المَرْحُوم: ماذا لو اصبحت الثقافة قبْراً؟!

سامي عبد العال سامي عبد العال ” عندما لا ندري ما هي الحياة، كيف يمكننا معرفة ما هو الموت”…( كونفوشيوس) ” الشجاعة تقودُ إلى النجوم… والخوف يقودُ إلى الموتِ”… ( لوكيوس سينيكا) ” المرْحُوم” كلمة تُطلق على منْ ماتَ، أي انتهى أَجلُّه وأَفِلَّتْ حياتُه. وهي ”
ظاهرةُ الأسئلةِ الزائفة

سامي عبد العال سامي عبد العال لا تسقط الأسئلةُ من السماءِ ولا تنبتُ من الأرضِ، لأنَّها نشاط إنساني يثير قضايا فكرية خطيرة. الخطورة من زاوية كشف أبنية الثقافة ولماذا تتفاعل مع حركة التاريخ. لأنَّ كل ثقافة تلقي برواسبها على ضفاف المجتمعات كالنهر الذي تكتنفه تيارات شتى. والثقافة الإنسانية دوماً …أكمل القراءة »
السُلْطة وأُنطولوجيا الجسد
1 أغسطس 2019 أخرى, بصغة المؤنث, مفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال على مستوى الوجودِ،لم يختفِ الصراعُ بين الجسد والسلطة رغم اتفاقهما في كثيرٍ من الوجُوه. كلاهما يتعلق بأفكارٍ مثل:( الوسيط، التحول، السر، العلامة، الذاكرة، الفعل، الوشم، الرمز، الصورة، الشعار، السريان، الشبح، الظل )، وكلاهما يزاحِم الآخر داخل ثقافةٍ تحدد إلى أي مدى سيمارس أدواره. …أكمل القراءة »
الدين والعلمانية: القطة … سوداء أم بيضاء؟!
14 يوليو 2019 أخرى, دراسات وأبحاث, مفاهيم, نصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال مُجدَّداً في سياق السياسة، تبدو ثنائيةُ الدين والعلمانية ثنائيةً مُراوغةً.. زلِّقةً. حتى أنك إذا امسكت أحد طرفيها، التف الطرف الآخر مُخلِّفاً وراءه ثُقباً أسود، يبتلع الدلالات الثريةَ لأي تفكيرٍ مختلفٍ. ثم يقذفك عبر فضاءات مجهولة عائداً إلى ذاته مرةً أخرى. كأننا إذْ نناقش …أكمل القراءة »
قداسةٌ دون مقدسٍ
29 يونيو 2019 أخرى, دراسات وأبحاث, مفاهيم 0

سامي عبد العال – مصر سامي عبد العال – مصر ماذا يعني الدينُ في المجال العام؟! هل يعني توظيفه على نطاق أعم أم تأسيساً لقيم أخرى؟ سؤال لن يجد اجابةً واضحةً إلاَّ بفض الاشتباك الغامض بين طرفيه. لأنَّ المعنى لا يتعين فيما هو معروف ولا يعطينا وضعاً جاهزاً لأية …أكمل القراءة »
المجدُ للأرانب: إشارات الإغراء بين الثقافة العربية والإرهاب!!
19 يونيو 2019 أخرى, عامة, نصوص 0

وسط كرنفال القتل باسم الدّين تحت رايات الجهاد، وفي حمأة الدَّمار بمقولاته الفاضحة، يصعُب أحياناً كشف الواقع دون إيهام فنيٍّ. لقد غدا الجهادُ نوعاً من الاستربتيز(التعرِّي)الدَّمويّ(1)bloodily striptease إزاء مجتمعات أرهقتها الحياة برواسبها التَّاريخيَّة. وربَّما لو تمثلنا دلالة أيقونة الأرانب لتجنبنا مصيرًا يُحْدق بنا من بعيدٍ مثلما تُساق الحيوانات الوديعة إلى المذابح.أكمل القراءة »
لِماذا الصِراعُ على الجَسدِ؟!
4 يونيو 2019 دراسات وأبحاث, مفاهيم, نصوص 0

الجسد هو ” التجلِّي الحي ” بما يشحن طاقاتَّه صوبَ ما هو مرغوب أو ممنوع. واستعماله في الممارسات العامة يوضح إلى أي مدى تصبح علاماته خطاباً له أبعاد تأويلية. بهذا الإطار يعدُّ الصيام إدارةً ميتافيزيقيةً للجسد تحقيقاً لاعتقاد في أصل الحياة. صحيح هي إدارةُ ترتبط بالمقدس، لكنها تبلغ درجة الفعل الوجودي في الأديان بدوافع وغايات متفرقة. لأنَّ منها ما هو ماضٍ وما هو مستقبل، خلال لحظةٍ لا تحتملُ التقاءهما (الآن) إلاَّ بضرورة تأويل مقولات الإله والإنسان والحقيقة (من قبل). أي لن يلتقي الماضي بالمستقبل دون كشف معاني المقولات المذكورة وتحولاتها.أكمل القراءة »
لعنةُ الإرهابِ: الفلسفة والأرواح الشريرة!!
23 مايو 2019 دراسات وأبحاث, عامة, مفاهيم, نصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال في تاريخ الرُعب– إذا أَمْكَّنَ التأرِيخ له- لا يُخلصنا ذهابُ الأرواح الشريرة من آثارها الباقية، فلديها القدرة على العودة إلى أقرب الأشياء. وربما تتلبس اللعنة ضحايا جُدداً من أبعد نقطة غير متوقعةٍ. كالأشباح التي تختفي كياناً لكنها تحل في الأجساد بأساليب ورُسُوم أخرى. وليس …أكمل القراءة »
دواعِش الفلسفة
28 أبريل 2019 ديداكتيك الفلسفة, عامة, مقالات 0

سامي عبد العال من الجذر اللغوي” دَعِشَ ” تأتيمفردات: الدَاعِشيَّة، الاسْتدْعَاش، التَّدَعُش، المُتدَعِش، المُسْتَّدعِش، الدَاعِش، الداعُوش، الدَعْدُوش، الدَعْيِدش، التَّدْعِيْش، الدَّعْشنَّة، التَّداعُش، التدعُش، أي دَعِش دعْشاً فهو داعش… وجميعها ليست حُروفاً تتناوب الترتيب، بل تقف على أرضيةٍ واسعةٍ من الثقافة التي تشكل الأفكار ورؤى الحياة. ناهيك عن الإشارةِ إلى تنظيم داعش …أكمل القراءة »
في مفهوم ” المُفكِّر العَابِر للثَّقَافات “
21 مارس 2019 جرائد, مفاهيم, نصوص 0

العبور والحدود… كلمتان متلازمتان من زاوية التضمِين الدلالي لإحديهما إزاء الأخرى. فالحد يفترض عبوراً لوضعةٍ ما متقاطعاً معها، بينما يطرح العبورُ شكلاً من أشكال الحدود. ودوماً لن يكون ثمة عبورٌ ما لم يكن ثمة حدٌ قابلٌّ للتخطي. الأمر نفسه أكثر دلالةً بصدد الثقافة، إذ تمثلُ كلمتا الحدود والعبور قدرتين على التجاوز وقطع المسافات والترحال نحو ما ليس معروفاً.أكمل القراءة »
حفريات المواطنة: استعارات الهويَّة في الخطاب السياسي (2)
9 فبراير 2019 أخرى, دراسات وأبحاث 0

الهوية، مواطنة الاستعارة سامي عبد العال رابط الجزء الأول من الدراسة في وجود التزاوج بين البعدين: المفهومي والاستعاري، اللذين يتداخلان عبر المواطنة، يبزغ ما هو” سياسي ” political باعتباره ردماً للهوة بينهما. ألم يمارس السياسيون الأفعال والمواقف بصيغة ” كان ” المستقبلية، مثلما أظهرت؟! أي أنَّ العبارات
حفريات المواطنـة: استعارات الهوية في الخطاب السياسي (1)
24 يناير 2019 أخرى, دراسات وأبحاث, مفاهيم 0

تطرح الدراسة العلاقة الإشكالية بين اللغة والسياسة عبر دلالتي المواطنة والأسطورة. وصحيح هما قضيتان تنتميان إلى حقلين مختلفين، لكنهما يُظهِران طبيعة المجتمع وآفاق السلطة وكيف يتم التعامل إزاء الإنسان كمواطن من عدمه. والطرح يعني التساؤل المختلف بما تحمله الكلمة من معنى: كيف تتشكل المواطنة عبر تاريخية اللغة وأية بلاغة تغلف حركتها ؟ فالمواطنة ليست فقط حالة سياسية تحدد حقوق المواطن في دولة ديمقراطية، ولا الأسطورة عبارة عن تيمة إنسانية كونية محورها سرد حول أحداث ودلالات لها مركزيتها في ثقافة سائدة وحسب. لكن كل ذلك يستحضر خلفية الهوية التي تحدد درجة المواطنة وحقوقها وظلالها في المجتمعات الأقل ديمقراطية وأكثرها أيضاً بحسب أوضاع النظام السياسي.أكمل القراءة »
سياساتُ الجمالِ: هل يمكن الثأرُ بالفنِّ؟
8 ديسمبر 2018 مجلات, مفاهيم, مقالات 0

سامي عبد العال ذات لوحةٍ قال سلفادور دالي: ” كلُّ ضربةٍ لفرشاة الفنان ناتجةٌ عن معايشةِ مأساةٍ يُعانيها “. كأنَّه يُذيب تجلط الآلام بالتقاط المستحيل باعثاً فينا روحاً جميلاً. ينطبق القولُّ على الفن المغموس في ظلام المآسي التي تكابدها الشعوب مع انكسار الأحلام الكبرى، كحال إحباط الشعوب العربية بعد …أكمل القراءة »
شيطَّانُ الديمقراطيةِ: هذه هي السياسة !!

سامي عبد العال – كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر يبدو أنَّ للديمقراطية وجهاً آخر كوجه الشبح، وهو” الأثر المقلُوب ” الذي يجعلها مصدراً لرعب البعض من الحرية. فالحرية ضمن المجال العام تشكل مصدراً لقلق دائم، لدرجة أنَّ تجنُبها( إنْ لم يكن للأنا فللآخر) هو القاسم المشترك بين التيارات السياسية في …أكمل القراءة »
حول استعادة ” الله ” من الجماعات الإرهابية
16 أكتوبر 2018 مساهمات, نصوص 0

سامي عبد العال ربما لم تُوجد كلمةٌ أُرْيقت بدلالتها الدماءُ مثلما أُريقت تحت كلمة الله. ففي كلِّ مرةٍ يقتل إرهابيٌ شخصاً آخرَ، لا يكون مقصودُها واحداً بين الاثنين. على الأقل يزعم الإرهابيُ كون القتيل قد تخطى رقعة الإيمان( المرتّد ) أو لم يؤمن ابتداءً( الكافر). كما أنَّ دلالة الكلمة بمُراد …أكمل القراءة »
أين تكْمُن قوةُ المجالِ العامِ ؟
3 أكتوبر 2018 مساهمات, مفاهيم 0

سامي عبد العال كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر هناك فارق حَذِر بين القوة والسلطة رغم إحلال الكلمتين أحياناً في اللفظ نفسه: power . إذ تنطوي القوة على أبعاد ماديةٍ وأخرى رمزية تمنحُ وجودَّها معنى بعيداً. وهي أيضاً القدرةُ على بث فاعليتها الخفية عبر نفوذها المقبول داخل المجتمعات مثل القوة …أكمل القراءة »
الأصُوليَّة… والوصُوليَّة: حين يُغْيَّب المجال العام

سامي عبد العال كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر في المجتمعات الأقل ديمقراطيةً وإزاء فشل” الاستعمال العمومي للعقل ” لو أوردنا كلمات كانط، ثمة أسئلةٌ مزعجةٌ: هل يُغيَّب المجال العام على غرار وصفنا الاعتيادي لأي شيء آخر؟! أليس المجالُ العام Public sphereعمليةً تاريخيةً تستوعب طاقات المجتمع وبالتالي يبقى فضاءً مفتوحاً …أكمل القراءة »
المُقدَّس والسياسة: عن أحداث 11 سبتمبر

سامي عبد العال كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر مع كل إشارة إلى الذكرى السنوية للأحداث الإرهابية( تفجيرات 11 سبتمبر2001 )، لا تذهب آثارُها طيَّ النسيان. لكنها تظل باقية كأصداء ورواسب تسهم – فكرياً وثقافياً – في تأويل الأفعال والتداعيات السياسية على نطاق عام[1]. وربما تحددُ المواقف ودرجات الفعل ورد …أكمل القراءة »
صيدُ الفراشات: دولةُ الخلافةِ والنِّساء

سامي عبد العال كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر هناك سمةٌ مشتركةٌ في خطابات الإسلاميين المتطرفين: كونَّها كلاماً ينحدر بأهدافها من أعلى إلى أسفل حيث ضجيج التفاصيل، وحيث إيراد المبررات الواهية فيما ينحدر إليه تداول الخطاب من أهدافٍ. ذلك بسرعة خاطفةٍ تُجاري سرعةَ الضوء بلا إنذار، كما أن تعقد الواقعٍ تحرير