الرئيسية / تربية و تعليم / مفاهيم / الفكر: قَرْعُ طبولِ الأسئلةِ(2)

الفكر: قَرْعُ طبولِ الأسئلةِ(2)

سامي عبد العال

سامي عبد العال

     على مستوى الفلسفة، لا يأتي تكوين التساؤل الكلي في ثقافةٍ ما(كأسئلة الماهية– المعنى– الحقيقة- الإنسان) جُزافاً، فتشكيله يتعيّن كمعطى وجودي أصيلٍ للعصر الذي تعيشه. حتى أنَّ تَمَيُز التكوين يتمُ تبعاً لبناء الرؤى الفلسفية خلال هذا العصر( حيث يجمعنا كونياً بالآخرين). قد نسميه الحضارة الإنسانية إجمالاً بقدر ما نُسهِم لا بقدر ما نستقبل فقط، وربما في غير سياق نُطلق عليه ظواهر عالمية خارجَ أفقنا الفكري. والتكوين معناه: كيف نبتكر الرؤى وكيف تتخلَّق ثقافياً؟ إذ سنكتشف أعماقنا الفكرية في إطار إنساني كوني، وإلى أي أساس نستند؟ وكيف سنُعبر عنها؟

 لنلاحِظ أنَّ وجود المفكر الأصيل صاحب الرؤية ليس خبط عشواء أيضاً، هو يلتقط بكل دأبٍ ما هو مشترك بين عناصر الإنسانية، وإنَّه لكي يصبح قادراً على الإبداع، لابد أنْ يخرج من دائرته المحدودة. أي لن يعود محليّاً على غرار زَمّار الحي (وحتى زَمّار الحي لا يُطرب عادةً). وأمام هذه المرحلة، ليس الأمر سهلاً كذلك، فلا يكون مفكراً كما نعتقد إلاَّ إذا كانت أسئلتُه الجوهرية مؤثرةً على نطاق واسع، مما يقتضي فهماً لروح العصر والقضايا الحيوية وابدع المفاهيم والقدرة على طرح المختلف.

 بعبارةٍ أوضح كان للمفكرين أصحاب الأسئلة الأصيلة تأثيرٌ في الثقافات الإنسانية التي هي راهنة ومستقبلية بالوقت نفسه. على سبيل التوضيح كان ابن رشد شفرةً فلسفية لعصره ولعصور تالية، لقد ترك الرشدية اللاتينية بأصدائها البالغة في أوروبا. فلم يكن شارحاً محايداً للفلسفة اليونانية، لكنه ترك بصمات دلالية في التركيب اللغوي للنصوص الكبرى التي تعامل معها. فالترجمات والشروح هي ضيافة النصوص وتحميلها بالكرم الفلسفي والتأويلي الذي ظل معها إلى الآن. أي إعادة كتابة وخلق للنص في رحاب ثقافةٍ هي ثقافة الشرق، لدرجة أنَّ الفلسفة الغربية نهلت من الكرم الشرقي في صورة مفكريه ومازالت. وكذلك مارتن هيدجر لم يكن فيلسوفاً عارضاً، بل كان أثراً فذاً لعصر كامل من الإبداع الفلسفي ونقد الحداثة وتحويل عقارب الفكر نحو ما بعد الحداثة. ليس ثمة فلسفة ما بعد حداثية لم تمر بأسئلة هيدجر سلباً وايجاباً حول التقنية والإنسان والفن واللغة والنصوص والحقيقة والشعر والمعنى الأصيل للوجود.

  دوماً السؤال الخصب فلسفياً مسكون بهذا التطلع نحو الكوني، أي لا يفقد نبرة التعميم إلاَّ وقد فقد إمكانية تأثيره. ولاسيما أنَّ الفكر الأن لم يعد حكراً على مساحة جغرافية من العالم. إنَّ جغرافيا العالم ليست هي الأقاليم الجيوسياسية فقط، لكنها أيضاً جغرافيا العقول المشاركة في إنجاز الأفكار الكبرى والاتجاهات والنظريات النقدية والفكر الفلسفي. ونحن كقاطني كوكب الأرض إنْ لم نكن لنسبق إلى الجديد، فعلى الأقل ينبغي أنْ نتزامن فكرياً مع الآفاق نفسها.

أيضاً السؤال الفلسفي من خطورته إنَّه يحرك ما هو قديم. بمعنى أنك تستطيع بسؤال مبتكر تجاه التراث أنْ تستنطقه وتعيد إبداعه. فالزمن لا يُبلي الأسئلة أيا كانت، إنَّما قد يأكل الإجابات الواحدة تلو الأخرى. فلقد رأى الغربُ في الفلسفة اليونانية جذراً لأصوله الثقافية، اتصلت أسئلة أفكاره بالجذور القديمة للمجتمع الأوروبي. ولم يأتِ أيُّ فيلسوفٌ راهن ولا حديث دون أنْ يشتبك مع تلك الجذور البعيدة وصياغة تحولها المستقبلي. ثمة أسئلة حديثة ومعاصرة كانت تُطرح باستمرار على أفلاطون وأرسطو. وهما الفيلسوفان اليونانيان، لدرجة أننا لا نستطيع احصاء كم “عدد أفلاطون” وكم “عدد أرسطو” قد واصلوا حياتّهم الأوروبية إلى الآن!!

 أزعم أنَّ هناك عدداً من “أفلاطون الألماني” -بقدر التأويل والنقض وإعادة القراءة- داخل نصوص فشته وهيجل وشوبنهور وشلايرماخر ونيتشه وجادمر وكارل بوبر وفتجنشتين. هناك كم آخر من “أفلاطون الفرنسي” ضمن نصوص سارتر وجاك دريدا وميشل فوكو وجيل دولوز وبول ريكور وجان فرانسو ليوتار. وما جرى بصدد أفلاطون جرى بالمثل على أرسطو في أي أفق فلسفي أوروبي بإيطاليا وانجلترا ورومانيا وهولندا.

    إذن وفقاً لأهمية الأسئلة، ليست الفلسفةُ باحةً نسقيةً لمقابر الفلاسفة، ولا أضرحة فكرية(الأنساق والمذاهب والأيديولوجيات) يتبادلون زيارتها. لكنها فن صياغة الحرية الفكرية وتذويب تكلسها- لو حدث- بآليات الأسئلة الكبرى. كان نيتشه فيلسوفاً هاوياً إزاء تلك المهمة السرية، صاغ من فلسفته فناً لتحطيم الأصنام( الفكرة الإبراهيمية القديمة). فقد عرف جيداً ماذا تصنع الفلسفة (حين ترتكس وتصدأ) بأدمغة الناس، فأراد تعليمهم ماذا تعني أنْ تكون أقدام الأصنام من صلصالٍ. ولهذا وضعَ نصوصاً ثورية بلهجة معاصرةٍ، أقصدُ تحرير طاقات الأسئلة لا انهاء وظيفتها. لم يعطل نيتشه السؤال عن أداء واجبه المقدس، لكن أعتبره ضد القداسة التي قد تُخلع على أي شيء. وهناك فرق شاسع بين الواجب بذلاً ودأباً بروح كانط وبين وقوعه في شرك القداسة اللاهوتية باسم الفكر.

      التأسيسُ الفلسفي يعلِّن فرادةَ الماهية لا نَسْخَاً بين فكرٍة وأخرى، على غرار ما فعل بعض الأسلاف( مؤرخو الحكمة والفلسفة لدينا) بين فلاسفة اليونان معارفنا التراثية. وكذلك ليس التأسيس محاكاةً بأسوب الصورة والأصل بطريقة تعاملنا حالياً مع الفكر المعاصر، لكن بكون “ماهية أي تأسيس”- بين قوسين- لا تخلو من بَذْرٍ خالقٍ. هكذا يُوجد غموضٌ تصنيفي حتى فيما يُنسب إلينا فلسفياً كعربٍ ولا يتجانس مع أفقنا الروحي والثقافي. لقد أطلقنا على أفلاطون وأرسطو حكيمين بإعلان مباشر لأحد كتب الفارابي “الجمع بين رأي الحكيمين”.

       لكنهما كانا حكيمين بنبرة دينيةٍ لدى مؤرخي الحكمة والملل والنحل كابن النديم والشهرستاني وابن أبي اصُيبعة في التراث، فما سكت عنه الفارابي أنطقته الثقافة السائدة ومبررات الاعتقاد على ألسُن أخرى. لا ابالغ حينما أقول “تمَّ صناعة النبوة في شخصيتي الفيلسوفين اليونانيين”، أُعيد إنتاجها في أفكار أفلاطون وأرسطو الاسلاميين هذه المرة( أي أسلمة العلوم والمعارف منذ القدم). نُقلّت فكرة النبوة حرفياً وجرى استعمالها بمنأى عن النقد وظل تأثيرها سارياً في الفلسفة بقدر تأثيرها أدباً وحكمةً. إن قالب النبوة هو أقرب القوالب للذهنية العربية نظراً لحماستها وايمانها بالخارق الغيبي في مجالات كثيرة.

      وكما كانت النبوة سقفاً لا يعلوه سقف ولا ينبغي، فيستحيل تجاوزها معرفياً، إنما قد تُدَّعى فقط كحال مدَّعي النبوة: مسيلمة الكذاب وسُجاح ومازال البعض يراها كذلك إلى يومنا هذا. والنبوة بالنسبة إلى ذهنية العربي سلطةُ وضع الحقيقة معلقةً ميتافيزيقياً فوق كل العقول. وهي هبوط الوحي من مصدرٍ لا قبل له به، من قوة إلهية تختار من تشاء وتقرر ما تشاء وتصرّف الحياة كيفما تشاء. لكنها تحولت إلى مجالات السياسة والاجتماع، فأصبحت النبوة كافيةَ الاستعمال فيما يرى ابن خلدون(المُلك القائم على النبوة) لإخضاع الإنسان وغدت قادرةً على إلهاب عواطفه وتحريكه للمنافحة عن أصوله المحفوظة. لعلَّ كانط أصاب حين اعتبر الإسلام ديناً شجاعاً إزاء الأغيار. فإنْ كان هناك ما يميزه عن سائر الأديان من وجهة نظره، فيتميز بشجاعةٍ ليست تقنية صراعية، لكنها عمل كوني جعله ديناً عالمياً. وهنا تمتص الثقافة الأنماط الكبرى للسلطة وتعيد إفرازها وتوزيعها في جوانب ثقافية أخرى( النبوة من الدين إلى السياسة).

       المفارقةُ تبرز هنا في وجود أكثر من أفلاطون وأرسطو في الفلسفة الغربية بينما في الفكر الإسلامي ظل الشخصان كما هما، لم يتغيرا بل أُضيفت إليهما مساحيق النبوة وطبقة دلالية سميكة من نبوءات الأخلاق والحكمة. هذا هو الفارق بين الذهنيتين العربية والغربية. بل بإمكاننا العثور عند العرب على الفيلسوفين محنطين كمومياء ثقافية، فلم نبتكر أسئلةً جديدة جدة وجودنا الحضاري، لأننا ما عدنا لنتجاوز مواقفنا إلاَّ نقلاً أو حفظاً.

وهذا لا يعنى عدم اسهامنا في مسيرة الفكر الفلسفي. فالإسهام واضح ببصمات الفارابي وابن رشد – كما نوّهت- على التراث اليوناني أثناء عبوره إلى الغرب، ولكن هذه جهود فلسفية فردية لم تؤثر في بنية الثقافة الأم. وهنا اتحدث عن طريقة ولادة الأسئلة في الذهنية العربية، كانت ولادة داخل البيئة بإمكانياتها على التفكير التساؤلي واجهاضه كذلك. ولادة قيصرية من حيث أن الأسئلة تتجزأ وتنهضم خلال البنية العامة، تلك التي تتميز بالنزعة التجزيئية كما تقول الشاعرة نازك الملائكة.

     يبدو أننا لكي نُطلق عناناً لأسئلة حقيقيةٍ لابد من تجاوز هذا الهضم الثقافي. فكل اسهام فكري لا يحاول تجاوزاً للمواقف المحدودة يظل تجزيئياً، ولا يفعل أكثر من تمتين البنية المهيمنة في كافة الجوانب الحياتية. إنَّ الهضم الثقافي- الذي يشعرنا بالامتلاء والاريحية- هو الصورة المتنكرة في عباءة براقةٍ، غير أنَّها مرقعة بنفس الجوهر. بالمقابل فإن التفلْسف بكونه أسئلةً ماهويةً، يفترض انتهاكاً فكرياً لهذا الوضع( كشفه ونقضه من الجذور). فلم يعد شأنا يخص فرداً أو جماعة أو طائفةً، إنما بنية ثقافية تطال الجميع حتى المثقفين المتنورين وأصحاب الاسهام الفكري.

        السؤالُ الفلسفي يحرر العقل من سلطة العقل(التي هي تاريخه الثقيل)، لكونَّه سؤالاً (في التاريخ وله) قبل أنْ يتجاوزه إلى غيره من عصور. التحرير شرط للطرح(أي يجب اشتراط فهم التاريخ)، لأنَّه استشكال لوجوده، ومساءلة بقاياه السارية بواسطة مفاهيم نمطيةٍ. من حينه لن يهادن الاستفهامُ موضوعه، ولا يكتفي بهذا الوضع، لكنه لا يدع أساساً دون نسفه من الداخل. فهو كاستفهام ينخرط عاملاً على تحرير دلالة الكلِ، وهو بهذا سيعلِّن عن قلقه بالمثل، فنبرته الميتافيزيقية لن تكون بدون أضرار مثلما يتوقع كانط.

 فالعقل الخالص– من رأي كانط- قد يهدم مبادئه بنفسه، إذا طرح السؤال الذي يعجز عن الإجابة عليه. بل تصور الفيلسوف الألماني أنَّه قد يكون سؤالاً واحداً (من بين مجموعة الأسئلة) هو الكفيل بإتمام ذلك. فلو ثبت أنَّ مبدأ العقل الخالص لا يقدر على الإجابة عنه فعلاً، فلا مناصَ من رفض المبدأ ذاته، لكونه سيفشل كما يعتقد في إجابات أخرى حيال بقية الأسئلة بصورة وافية ومتسقةٍ مع الكلِ.

        لم ينس كانط تذكيرنا أنَّه مهما بلغت مبادئ النسق العقلي من الكمال، يظل شمول هذا النسق نفسه عرضة لخطر التآكل الاستفهامي. أي يجب ألاَّ تغيب عنه مبادئ مشتقة نتيجة أسئلة مطروحة بعد تبلور الأفكار. فحيث لا يمكن تقديم المبادئ المشتقةَ من النسق بصورة قبليةٍ بل يتم اكتشافها بالتدرج، ينفتح هذا النسق على أفاقٍ أخرى. هو لا ينفتح قسراً، إنما من طبيعة ذاته، لأنه منطوٍ على إمكانيات نقائضه. فأي نسق فكري وأيديولوجي ينطوي على تلك السمة التي تهدد كيانه قبل أنْ يتساقط بفعل الصراع مع الانساق الأخرى وبفعل عوامل النقد الخارجي.

    التغاضي عن تلك النقطة يؤدي إلى “الفقر الفلسفي”، وهو حالة من الدوار- بحجم الحياة- تؤرجح وجودنا: مثل هذا الارباك العربي الذي نشاهده في الأوضاع الاجتماعية والتنظيم السياسي والمجال الأخلاقي واهتزاز بوصلة القيم. ذلك نظراً لغياب الفلسفة عربياً وتضخم المذاهب والأيديولوجيات المتشددة، فالفلسفة سؤالٌ لشيء أعمق من كلِّ الأشياء. شيء لم يعد قادراً على احتواءنا، ومع هذا ينتج كلَّ طاقته لتمرد الوعي، ويفتحُ اهماله ثقباً بحجم ثقب الأوزون الذي يمتص كافة الطاقات، إنه مناخ الفكر الذي تساءله الفلسفة جذرياً وتصنع منه أسئلة حيوية لصالح الإنسان. إنسان ربما يخرج يوماً عن “قواقع الأنظمة” اجتماعياً وسياسياً، حيث يعلن عصيانا جذرياً للفكر السائد.

     إذا أردنا توضيحاً للموضوع تبعاً للذائقة العربية، فالسؤال المؤثر فلسفياً هو استشكال خلْقِي بلغة الله الخالق لا بكيانه. لأنَّه كسؤال من جسد الثقافة بحدِّ ذاتها حيث لا يضع هناك مرجعية لاهوتية لما يطرح. فلم يكن الله في القرآن حين عرض قضية أدم على الملائكة طارحاً للكلام بصيغة آمرةٍ وهو القادر عليها، لقد طرحه بمضمون الاستفهام. كان مضموناً استشرافياً باعثاً لدى المتلقي على التوجس والخيفة والترقب. هذا معناه أنَّ كل سؤال به هذا الارهاص الكوني، هذا البعد المستقبلي؛ أي الارهاص البدئي بالأشياء الخطرة.

     ليست خطورتها جزئيةً، لكنها خُطورة كلية من نقطة بعيدةٍ تكاد تلامس دلالة الإله وقدراته في الأفق العام. فلم تكن قصة الخلق التي تحدث عنا القرآن( خلق آدم) وضعاً معرفياً وحسب. لأنَّ الله قال لملائكته: “إني أعلم ما لا تعلمون”؛ أي أنه رفعَ عنهم عبء المعرفة المنجزة بمنطق المستقبل. وجعلهم في حلٍّ من نتائج سقوط توقعاتهم. إذن ليس السؤالُ موقفاً معرفياً فقط. ولهذا هم ردوا بصيغةٍ استفهاميةٍ تصديقاً لكلية السؤال، قالوا “أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك”، لقد فهموا الموقف كطرح لمسألةٍ تحتاج إلى بدء حياة مغايرة لمعرفتهم لا مجرد اثبات فكرةٍ مسبقةٍ.

       الاستفهام الإشكالي به هذا الطابع الخائض في المستقبل، به ذلك الحدس المتجاوز للظرفي. وكلام الله في القرآن هو طاقة الخلق ليست غير، مثلها مثل فكرة الألوهية في تاريخ الثقافة الإنسانية، إذ تعبر أحياناً عن قدرتنا على ممارسة الحياة. أي طاقة المعنى عند إنسانٍ قادر على الشعور بالله ايمانياً في تجارب مختلفة، إنَّها لغة القيمة الإجمالية لتنوع الأفعال والأشياء. وأيا كان تعيُنها خلال أشكال ومعتقدات أو غيرها، فستظل على وعدها الذي تحمله، كوعد تكويني بالأساس، وفوق هذا وذاك سيذهب الوعد خارجاً نحو التحقق. سيكون السؤال علي أثرها عملاً مهموماً بإعادة تأسيس نفسه وتدعيم طاقته بذات المعنى. ليس الله هو الشكل ولن يكون اتجاهاً، ولهذا نفته الأديانُ الابراهيمية في جوهرها، فكان بدلالةِ العرفان هو اللا حدود.

      ولو دققنا النظر، لوجدنا في حركة السؤال(أي سؤال فلسفي) معنى متفجراً، قدرةً على التأويل المبتكر والفهم المفتوح المترتبين عليه وأحياناً المصاحبين له. إنَّه يؤكد حالة الحيرة التي تكتنف فكرة الكشف والتجلي، ولذلك فبدلاً من التّعيُّن في نقطة ما، ينطلق الاستفهام بالرغبة التي تلاحق مجهولاً محتملاً. لأن السؤال يتخطى إمكانية طرحة، مهارته الذاتية أبعد من مجرد الصياغة والتفكير في حدوده، وقد يتعاونان على خلق طريقة في التفلسف.

     إنَّ أصالةَ الأسئلة ليست عتاداً في مواجهة التراث وصورته المكتملة ماضياً. هي تحمل بكارة الفكرة، وطرح الاختلاف- لو اتيح – وسط استحكام العقل، فليس هنالك أكثر من البحث عن الحياة المتغيرة. إنَّ نهراً كلياً في هديره هو الحياة إذ نحن مغمورون فيها، أحداثها واعدة بالجديد، وأفعالها غير متوقعه، مخلوقاتها مذهلة تظهر أحياناً وأخرى تختفي. إنَّها استحالة التصور المألوف لما قد يُطْرح من أساسه. تماماً مثلماً كان رد الملائكة على الله هاجساً حياتياً عاماً(أتجعلُ فيها من يُفسِد فيها…)، وهو ردٌّ كَشفَ خطورة الحياة في المخلوق(آدم)الآتي من القادم لا من الماضي، فكانوا يتكلمون بعبارات المستقبل.

        السؤالُ إذن هو: أنْ تعيش حياة الفكر بشكلٍ أكثر أصالةً، بشكل أكثر جذريةً كما هي، لا كما يُراد لها بالإنابة، فلا أحد يعيش مكانك أو يأخذ قدّرك. وتاريخنا العربي تقريباً جرى “بالإنابة عن لا بالأصالة في”. إذا كانت  الفرق الإسلامية(كالمعتزلة والأشاعرة ) قد طرحت مشكلة حرية الإرادة على نحو تفصيلي، فالتراث العربي، بخاصة السياسي والاجتماعي، أثبت العكس،  تراكمَ تراث الاستعباد تحت الحاكم المستبد والأنظمة القمعية، فأكد عملياً قيام الإنسان بدور المُكْرّه لا الفاعل.

      وطبعاً كان إثباتاً لخطأ الطرح الكلامي( أو لمكره الثقافي)، حيث جاء هذا الطرح توظيفاً سياسياً وثقافياً للإرادة الإنسانية، فحياة الناس سارت بأدوار وظيفية تحركها السياسة والتقاليد لا بدوافع ناشطةٍ ذاتياً وروحياً. وهذا كان منبتُه أنَّ المعتزلة والأشاعرة انطلقا( بحسن النية) من تبرئة الإرادة الإلهية إزاء الشرور وأفعال السوء، فكانت إرادة الحاكم هي المبرأة رغم تورطها في استعباد الإنسان. وهنا تم خلع صفات الجلالة والقداسة والصفات الالهية على الحكام رسمياً ودينياً. وأصبح الفقهاء (الذين برأوا ساحة الله من التعطيل والتجسيم والتشبيه) متورطين في تجسيم رجال السلطة وتشبيه أفعالهم عياناً بياناً، وضعوا نوعاً من الوثنية المقلوبة من حيث لا يعلمون.

       إنَّ آليات السياسة هي تفريغ آدم الكوني من أهميته، تلويثه سياسياً بالعبودية والخنوع والتدجين والمسخ. حياة المجتمعات العربية إفشال صريح لمشروع آدم، وتصفية لقضية الجعل الإلهي للإنسان جعلاً حُراً بخَلْق إلهي. وعندما يُوصف المشروع بالمهم، تأتي الأهمية من خطورة ماهيته الإنسانية التي ينبغي ألا تقبل الاستعباد. فهو كائن بصلاحية الإله(خليفة بلفظة القرآن)، لكن بقدرات بشريةٍ جاء العربُ ليتنازلوا عنها للسلاطين والملوك والطوائف الاجتماعية والتقاليد، أي تنازلوا (عن الله) فيهم بشكل حر لصالح عبوديتهم لغيره الأكثر عنفاً. وليست تُستثنى من ذلك جماعة أو طائفة، ومن ثمَّ فإن هؤلاء الدُعاة الذين يتكلمون باسم الله، قد أسسوا لاهوت السلطة وعلاقات الراعي والرعية وهيكل الكهانة ولوثة الوسيط العنيف وانحرافه.

        ومن ثمّ، فحدودُ الوعي بالسؤال ليس تلقيناً لمواقف مستهلكة ولا تلقيماً لأفكار بائدة. إنَّه انفتاح بإمكانيات الماهية المتجددة للإنسان، التي ليست نحن حصراً بقدر ما نبتكر وجودنا المتنوع ابداعياً. فالإنسان من حيث هو كذلك يستعيد وجودّه من الضياع حين ينطلق مع التفكير الحر. قد يخشى العواقب، لكن من العواصف تُخلق الأجواء الحرة، ومن الأنواء الهادرة تعبر السماء عن تشكيل العالم. المعنى الدال في هذا أنَّ كلمة السماء في العربية لا تدل على التعالي المناوئ لأي سقف، لكنها تُستعمل فعلاً بمعنى السطح القريب. بلاغة الأسطح الدنيا في السياسة والاجتماع والمعرفة هي سماء العقل العربي حتى الاختناق. فكل ما يعلو الرأس يسمى في العربية سماءً، وهذا مصدر القيود واستعصاء اختراقها. لهذا لا يستطيع المفكرُ العربي تجاوزها، بل يضعها لنفسه ويسلسل بها قدميه وعقله، ويعلن زيفاً أنّه طليق حر!! وأخطر أنواع القيود تلك التي تترسخ داخل اللاوعي نتيجة الخوف من ملاحقة التقاليد أو السلطة أو الهواجس الاجتماعية.

      باصطلاح هيدجر تعدُّ ماهية الأساس الفكري لدينا تسطيحاً للمبادئ إلى درجة التعميم الانفعالي. فلئن كانت الفلسفة تعلمنا التفكير بالمفاهيم، فنتيجة غيابها المأساوي في مجتمعاتنا العربية، يصبح التفكير مجرد انفعالات وانطباعات لا رابط بينها. ولذلك لن تكون ثمة قيمة للفكر لكونه غير مؤثر حين لا يلوي على قدرة عقلية تحقق نفسها أو تسعى إلى ذلك. ثم إنَّ الواقع يُعلن منذ بالبدء كما تقول الأم في المجتمعات العربية داعيةً لابنها(اللهم يكفيك شرَ الفكر يا بني). إذن الفكر في الوعي الشائع يساوي مرضاً عضالاً وشراً نفسياً يجب اللجوء إلى الله لإزاحته دون طريق من نحب وهو مجال علة لا مجال صحة.

والأم هنا هي الثقافة التي تردد ما تضمر وتكشف نفسها في المواقف الحرجة باسم فلان أو علان(الأب أو الأم)، فالثقافة تتنكر وتتخفى بكل الأنماط التعبيرية المعروفة والمجهولة، المهم أن توصل الرسالة. وربما أنَّ كون الفكر شراً هو أبلغ ما يُوضع تحت الاستفهام، لأن الأنظمة السياسية استغلت الدعاء بزوال الفكر عن الناس لتتلقفهم، حيث فكرت بدلاً عنهم، وحلت المشكلات عوضاً عن وجودهم، وبالنهاية أصبح لا وجود لهؤلاء الفارين من الفكر حتى فروا من الحياة ذاتها. فجاء المواطنون في دولنا العربية كـ” العصف المأكول”، لا قيمة لهم ولا أهمية، إنه سقف الأفكار المعلقة في مناخ قريب من الحس اليومي، حس هو “ضعف العمران واستفحال العصبية والتوحُش” بلغة ابن خلدون، فهي لغة شارحة وكاشفة تاريخياً للأحداث والتحولات العربية حتى هذه اللحظة من عصرنا.

من أرشيف الكاتب:

وَجْهُ العالمِ خلْف كمامات

3 أبريل 2020 دراسات وأبحاثمفاهيممقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال الكمامة هي العنوان الطارئ للتعبير عن الوقاية، أي صد العدوى والخطر، وإشارة إلى الخوف منهما. لكنها أيضاً قد تكون عنواناً لما يحدد العلاقة بكلِّ ما هو قادم. اعلانٌ عن حالةٍ ليس مقصوداً بها أيَّ شخصٍ بذاته ولو كان مريضاً. لأنَّها تُمثل موقفاً مفرَّغَاً من …أكمل القراءة »

طَّواحِينُ الأوهام: حين تَضْرِبُ رأسَك بجدار العالم

19 ديسمبر 2018 مفاهيممقالات 0

سامي عبد العال – مصر في غياب النقدِ الجذري، يتلاعب الوهمُ بالفكر كما تتلاعب الرياح بأشرعة السُفن. ويتسلل إلى فضاء العقل من باب خلفي نتيجة الإيمان الساذج بلا رويةٍ. لذلك يتطلب الوعيُ قدرةً يقظةً على التساؤل وغربلة المعتقدات. أقرب الأمثلة إلى ذلك: أوهام الأيديولوجيات الدينية ( كما لدى الإخوان والسفليين …أكمل القراءة »

 اليوم العالمي للفلسفة: أين نحن؟!

18 نوفمبر 2018 تغطيةمساهمات 0

سامي عبد العال – مصر لا يجسد العنوان احتفاءَ العالم بإبداع مهم فقط، لكنه يترك تساؤلاً إزاء الموقف الضمني منه: أين نحن العرب تجاه ما يجري على صعيد التفلسف؟ هل من مواقف جديدة نخترعها لحياتنا البشرية النوعية؟ كيف نستطيع استشكال فكرنا بإيقاع فلسفي يصلح لمعايشة آخرية قصوى ومفتوحة؟ وسؤال الصلاحية …أكمل القراءة »

ميشيل فوكو: كل مقالات وترجمات موقع كوة

‏17 ساعة مضت دراسات وأبحاثفلاسفةمجلات 0

نقدم لكم في هذه الوصلة مجموع ما نشره موقع كوة لفوكو وعنه من مقالات وترجمات ودراسات وابحاث باللغة العربية من لغات مختلفة. ميشال فوكو: المراقبة و العقاب ‏يوم واحد مضت علم الإجتماع, فلاسفة, مقالات 0 أسامة البحري بقلم : أسامة البحري – طالب في مسلك علم الإجتماع – بني ملال “السجن أقل حداثة عندما …أكمل القراءة »

قصة الـ “ما بعد” The post

‏6 أيام مضت دراسات وأبحاثعامةمفاهيم 0

سامي عبد العال  سامي عبد العال  ليس هناك أبرز من تَعلُّق الإنسان بالجديدِ، دفعاً لوطأة المألوف أحياناً وكنوعٍ من احراز التّميُز في أحايين سواها. لكنَ لأنَّ الجديد قد يُمثلّ المفاهيم المنقُولة إلينا( عبر النصوص الكبرى لفلاسفة الغرب)، فإنّه يضعنا تحت طائلةِ الاستفهام. حيث أمسينا نفكر داخل لغةٍ لم تُنحت مصطلحاتُّها …أكمل القراءة »

روابط 76 مقالة نشرتها كوة حول كورونا

‏7 أيام مضت أخرىعامةعلم الإجتماععلم النفسمتابعاتمفاهيممقالات 0

فريق كوة نقدم لكم هنا مجموع ما نشره موقعنا حول أزمة كورونا من مختلف المقاربات الفلسفية والسيوسيولوجية والنفسية والادبية والفنية… نجمعها في صفحة واحدة لتجنب عناء البحث في الموقع هل سنشهد”عالما جديدا” بعد فيروس كورونا؟ ‏5 دقائق مضت عامة, مساهمات, مفاهيم 0 أ.كرام ياسين أستاذ فلسفة بجامعة سطيف 2 – الجزائر-          وضع العالم …أكمل القراءة »

كوجيتو الكورونا

‏أسبوع واحد مضت مجلاتمفاهيممقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال فجأة تحول الأنا أفكر( على خلفية كورونا) إلى الأنا فيرُوس يُحْذَر منه. البدايةُ ليست الفكر بحد ذاته كما يؤكد ديكارت، بل الجسم بقدرته على ممارسة الحياة والتأثير في المحيطين. هو الآن كوجيتو العدوى بامتياز، أي أنَّه يطرح وجود الإنسان الحي بقدر ما يمثل عدوى …أكمل القراءة »

عُنف الخيالِ الديني

‏أسبوعين مضت أخرىمساهماتمفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال ليس العنف باسم الدين مجردَ فعل طارئ، لكنه عمل مُركَّب يحتاج خيالاً يَفوقُه تهوراً وجُموحاً. إنَّه عمليات من الشحن الأيديولوجي والتهيئة والتفنُن بتوقُّع الأثر وفوضى المَشاهِد ورسم المجال وانجاز الأفعال وانتظار النتائج وافراغ الكراهية إلى أقصى مدى. الخيال الديني imagination religiousهو الآتون الواسع الذي …أكمل القراءة »

صناعةُ الرَّعاع: جسد الثقافة العاري(3)

‏أسبوعين مضت مفاهيممقالاتنصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال بطريقةٍ جذريةٍ تماماً، كان حالُ” الرَّعَاع” نتاجاً ثقافياً خلْف سلطةِ الجماعة الغالبة في المجتمعات العربية(جماعة الدين والطائفة وأهل الحل والعقد ثم النُخب والأحزاب ورجال الدولة والمثقفون)، فهذا التكوين العام المشوَّه لم يكن لصالح المجتمع وتنوع عناصره في تاريخنا الحديث والمعاصر، من حيث كونَّه غير …أكمل القراءة »

صناعةُ الرَّعَاع: اللغةُ وجسدِ الثقافة(2)

‏3 أسابيع مضت دراسات وأبحاثعامةمفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال هناك سؤالٌ مهم: كيف نفسر شيوعَ دلالة الرَّعَاع في الخطابات السائدة؟! فقد نقرأ بدائلها بكلمات تخاطب الجماهير والحشود، كلمات تُلصِق بهم فوضى الرغبات والغرائز واللاعقل، أي تزدريهم باعتبارهم أُناساً حمقى كما في الاعلام والسياسة والثقافة الدينية والحياة العامة. الحالة الأقرب إلى

صناعةُ الرَّعَاع: اللغةُ وجسد الثقافة(1)

‏3 أسابيع مضت مجلاتمفاهيممقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال ” عندما يَشْرع الرَّعاعُ في التفكير يتلفُ كلُّ شيءٍ” …. فولتير الساسةُ مثل القُرود إنْ اختلفوا أفسدوا الزرع وإنْ اتفقوا أكلوا المحصول”” الرَّعاع صناعة لمجتمعات تنهش إنسانية الإنسان وتحتسي نَخْبَ الإقصاء” ” تأسيس يبدو أنَّ حدود عالمنا هي حدودُ الكلمات التي نتعامل معها، ولا …أكمل القراءة »

ماذا لو تساءلَّت الفلسفةُ حول المرضِ؟

‏4 أسابيع مضت عامةمفاهيممقالات 0

سامي عبد العال بقلم سامي عبد العال لو افتراضاً أنَّ فيلسوفاً يتساءل عن الأمراض(الأوبئة، العلَّل الجسمية)، فالاستفهام بصدد أوضاعنا الصحيةِ سؤالٌّ جديدٌ في دائرة الفلسفة:( كيف أنتَ صحيَّاً؟ هل تعاني من علةٍ ما؟ ولماذا أنت مريضٌ؟ هل أصابتك الأوبئةُ؟). ورغم أنَّ الاسئلة خاصة إلاَّ أنها تمس ما هو عمومي في …أكمل القراءة »

الفيرُوسات وإدارة الحياة

22 مارس 2020 أخرىمقالاتمقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال يعدُّ تاريخ الفيروسات جديراً بالبحث والتقصي، ولا سيما أنَّه قد أحدَثَ تحولاً في مسارات الحياة سلباً وإيجاباً نحو الأزمنة الراهنة. ويَجْدُر أنْ يُطْرح تاريخُها الكونِي مرتبطاً بقضايا فلسفية وثقافية تخص الحقيقة وتنوع الرؤى البيولوجية للعالم والكائنات. إذ هناك علاقة ضرورية بين انتشار الفيروسات ومفاهيم …أكمل القراءة »

موت سقراط: هكذا يتكلَّم الفنُّ

4 مارس 2020 فلاسفةمجلاتمقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال        تعدُّ لوحة “موت سقراط” للرسام الفرنسي جاك لويس دافيد Jacques David [1]  توثيقاً لهذه الحادثة بصيغة فلسفية فنيَّة متأخرة. تترك الألوان والشخوص تقول تشكيلياً ماذا جرى. ليس يجدي التذكر ولا اعادة القراءة حول تناول فيلسوف اليونان لجرعات السم، لأن الكلام الصامت، جدل العلامات، …أكمل القراءة »

كليمون روسي: نيتشه أو الفرح قبل كل شيء

24 يناير 2020 ترجمةفلاسفةمجلات 0

ترجمة يوسف اسحيردة مؤلف كتاب “الضحك”، هنري برجسون، والذي يكن له الفريد والساخر كليمون روسي احتراما شديدا، يُعرف الفيلسوف الأصيل بالشخص الذي يمتلك حدسا وحيدا. ما هو يا ترى هذا الحدس في حالة نيتشه؟ ترابط الفرح والمأساة في الوضع البشري، يجيب كليمون روسي دون تردد.  حتى أن هذه القناعة شكلت …أكمل القراءة »

لِمَنْ تُقْرَع أجْرَاسُ الفلسفةِ؟!

9 ديسمبر 2019 أخرىمفاهيممقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال         في يومِها العالمي مع كلِّ عامٍ، ربما يبزغُ السؤالُ التالي: هل تحتفل الفلسفة بنفسها؟! ومن ذا الذي بإمكانه حضور الاحتفال؟ وكيف سيتم الاحتفال؟!… الفلسفة بخلاف أي نشاط عقلي لا تحتفل بذاتها( أو هكذا يتم). لا تحتفل كعجُوزٍ بلهاء( أمُ العلوم قديماً ) تُطلق …أكمل القراءة »

” ببجي الخِلافة ” في عصر ما بعد الحداثة

7 نوفمبر 2019 عامةمفاهيمنصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال           يبدو أنَّ عصر الوسائط الديجيتال هو الواقع الطاغي بلا منازعٍ. إذ تتضاعف دلالة الأحداث بصورةٍ مذهلةٍ، وتتعلق إفرازاتُّها بالذاكرة وبالعيون التي تشاهد. وسيكون القولُّ الفلسفي لما بعد الحداثة ليس تنظيراً ميتافيزيقياً بقدر ما يلتقِّط أفكاره المحتملة من عالمنا الراهن. وقد نوَّه جان بودريار …أكمل القراءة »

غير القابل للاحتمال: في عداء الشعوب!!

27 أكتوبر 2019 مجلاتمفاهيممقالات 0

سامي عبد العال سامي عبد العال بأيِّ معنى تصنعُ الشعوبُ اعداءها، وهل استجابتها للعداء واحدةٌ أم أنَّ هناك اختلافاً؟! هل ثمة عداء عام بالصدفة دون قصدٍ، وما خطورة أنْ تعادي قوةٌ ما ( كالدولة التركية مؤخراً ) شعباً ضارباً في التاريخ( مثل الكُّرد )؟! وداخل تلك الدائرة: هل الصُور المتبادَّلة …أكمل القراءة »

كليمون روسي : لا وجود لوصفة سحرية من أجل التصالح مع الذات”

12 أكتوبر 2019 ترجمةمجلات 0

ترجمة : يوسف اسحيردة مقدمة المترجم : كليمون روسي، فيلسوف فرنسي توفي سنة 2018 عن سن يناهز 78 عاما. عُرف بشنه لحرب ضروس ضد الأوهام التي نحب عادة أن نختبئ وراءها، ومناداته، على خطى معلمه نيتشه، بقبول الواقع كما هو دون سعي إلى تغييره. في هذا الحوار الذي أجراه في …أكمل القراءة »

المَرْحُوم: ماذا لو اصبحت الثقافة قبْراً؟!

6 سبتمبر 2019 مفاهيمنصوص 0

      سامي عبد العال سامي عبد العال       ” عندما لا ندري ما هي الحياة، كيف يمكننا معرفة ما هو الموت”…( كونفوشيوس)      ” الشجاعة تقودُ إلى النجوم… والخوف يقودُ إلى الموتِ”… ( لوكيوس سينيكا)        ” المرْحُوم” كلمة تُطلق على منْ ماتَ، أي انتهى أَجلُّه وأَفِلَّتْ حياتُه. وهي ” 

ظاهرةُ الأسئلةِ الزائفة

19 أغسطس 2019 مفاهيمنصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال        لا تسقط الأسئلةُ من السماءِ ولا تنبتُ من الأرضِ، لأنَّها نشاط إنساني يثير قضايا فكرية خطيرة. الخطورة من زاوية كشف أبنية الثقافة ولماذا تتفاعل مع حركة التاريخ. لأنَّ كل ثقافة تلقي برواسبها على ضفاف المجتمعات كالنهر الذي تكتنفه تيارات شتى. والثقافة الإنسانية دوماً …أكمل القراءة »

السُلْطة وأُنطولوجيا الجسد

1 أغسطس 2019 أخرىبصغة المؤنثمفاهيم 0

سامي عبد العال سامي عبد العال        على مستوى الوجودِ،لم يختفِ الصراعُ بين الجسد والسلطة رغم اتفاقهما في كثيرٍ من الوجُوه. كلاهما يتعلق بأفكارٍ مثل:( الوسيط، التحول، السر، العلامة، الذاكرة، الفعل، الوشم، الرمز، الصورة، الشعار، السريان، الشبح، الظل )، وكلاهما يزاحِم الآخر داخل ثقافةٍ تحدد إلى أي مدى سيمارس أدواره. …أكمل القراءة »

الدين والعلمانية: القطة … سوداء أم بيضاء؟!

14 يوليو 2019 أخرىدراسات وأبحاثمفاهيمنصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال           مُجدَّداً في سياق السياسة، تبدو ثنائيةُ الدين والعلمانية ثنائيةً مُراوغةً.. زلِّقةً. حتى أنك إذا امسكت أحد طرفيها، التف الطرف الآخر مُخلِّفاً وراءه ثُقباً أسود، يبتلع الدلالات الثريةَ لأي تفكيرٍ مختلفٍ. ثم يقذفك عبر فضاءات مجهولة عائداً إلى ذاته مرةً أخرى. كأننا إذْ نناقش …أكمل القراءة »

قداسةٌ دون مقدسٍ

29 يونيو 2019 أخرىدراسات وأبحاثمفاهيم 0

سامي عبد العال – مصر سامي عبد العال – مصر       ماذا يعني الدينُ في المجال العام؟! هل يعني توظيفه على نطاق أعم أم تأسيساً لقيم أخرى؟ سؤال لن يجد اجابةً واضحةً إلاَّ بفض الاشتباك الغامض بين طرفيه. لأنَّ المعنى لا يتعين فيما هو معروف ولا يعطينا وضعاً جاهزاً لأية …أكمل القراءة »

المجدُ للأرانب: إشارات الإغراء بين الثقافة العربية والإرهاب!!

19 يونيو 2019 أخرىعامةنصوص 0

وسط كرنفال القتل باسم الدّين تحت رايات الجهاد، وفي حمأة الدَّمار بمقولاته الفاضحة، يصعُب أحياناً كشف الواقع دون إيهام فنيٍّ. لقد غدا الجهادُ نوعاً من الاستربتيز(التعرِّي)الدَّمويّ(1)bloodily striptease إزاء مجتمعات أرهقتها الحياة برواسبها التَّاريخيَّة. وربَّما لو تمثلنا دلالة أيقونة الأرانب لتجنبنا مصيرًا يُحْدق بنا من بعيدٍ مثلما تُساق الحيوانات الوديعة إلى المذابح.أكمل القراءة »

لِماذا الصِراعُ على الجَسدِ؟!

4 يونيو 2019 دراسات وأبحاثمفاهيمنصوص 0

الجسد هو ” التجلِّي الحي ” بما يشحن طاقاتَّه صوبَ ما هو مرغوب أو ممنوع. واستعماله في الممارسات العامة يوضح إلى أي مدى تصبح علاماته خطاباً له أبعاد تأويلية. بهذا الإطار يعدُّ الصيام إدارةً ميتافيزيقيةً للجسد تحقيقاً لاعتقاد في أصل الحياة. صحيح هي إدارةُ ترتبط بالمقدس، لكنها تبلغ درجة الفعل الوجودي في الأديان بدوافع وغايات متفرقة. لأنَّ منها ما هو ماضٍ وما هو مستقبل، خلال لحظةٍ لا تحتملُ التقاءهما (الآن) إلاَّ بضرورة تأويل مقولات الإله والإنسان والحقيقة (من قبل). أي لن يلتقي الماضي بالمستقبل دون كشف معاني المقولات المذكورة وتحولاتها.أكمل القراءة »

لعنةُ الإرهابِ: الفلسفة والأرواح الشريرة!!

23 مايو 2019 دراسات وأبحاثعامةمفاهيمنصوص 0

سامي عبد العال سامي عبد العال في تاريخ الرُعب– إذا أَمْكَّنَ التأرِيخ له- لا يُخلصنا ذهابُ الأرواح الشريرة من آثارها الباقية، فلديها القدرة على العودة إلى أقرب الأشياء. وربما تتلبس اللعنة ضحايا جُدداً من أبعد نقطة غير متوقعةٍ. كالأشباح التي تختفي كياناً لكنها تحل في الأجساد بأساليب ورُسُوم أخرى. وليس …أكمل القراءة »

دواعِش الفلسفة

28 أبريل 2019 ديداكتيك الفلسفةعامةمقالات 0

سامي عبد العال من الجذر اللغوي” دَعِشَ ” تأتيمفردات: الدَاعِشيَّة، الاسْتدْعَاش، التَّدَعُش، المُتدَعِش، المُسْتَّدعِش، الدَاعِش، الداعُوش، الدَعْدُوش، الدَعْيِدش، التَّدْعِيْش، الدَّعْشنَّة، التَّداعُش، التدعُش، أي دَعِش دعْشاً فهو داعش… وجميعها ليست حُروفاً تتناوب الترتيب، بل تقف على أرضيةٍ واسعةٍ من الثقافة التي تشكل الأفكار ورؤى الحياة. ناهيك عن الإشارةِ إلى تنظيم داعش …أكمل القراءة »

في مفهوم ” المُفكِّر العَابِر للثَّقَافات “

21 مارس 2019 جرائدمفاهيمنصوص 0

العبور والحدود… كلمتان متلازمتان من زاوية التضمِين الدلالي لإحديهما إزاء الأخرى. فالحد يفترض عبوراً لوضعةٍ ما متقاطعاً معها، بينما يطرح العبورُ شكلاً من أشكال الحدود. ودوماً لن يكون ثمة عبورٌ ما لم يكن ثمة حدٌ قابلٌّ للتخطي. الأمر نفسه أكثر دلالةً بصدد الثقافة، إذ تمثلُ كلمتا الحدود والعبور قدرتين على التجاوز وقطع المسافات والترحال نحو ما ليس معروفاً.أكمل القراءة »

حفريات المواطنة: استعارات الهويَّة في الخطاب السياسي (2)

9 فبراير 2019 أخرىدراسات وأبحاث 0

 الهوية، مواطنة الاستعارة سامي عبد العال رابط الجزء الأول من الدراسة         في وجود التزاوج بين البعدين: المفهومي والاستعاري، اللذين يتداخلان عبر المواطنة، يبزغ ما هو” سياسي ” political باعتباره ردماً للهوة بينهما. ألم يمارس السياسيون الأفعال والمواقف بصيغة ” كان ” المستقبلية، مثلما أظهرت؟! أي أنَّ العبارات

حفريات المواطنـة: استعارات الهوية في الخطاب السياسي (1)

24 يناير 2019 أخرىدراسات وأبحاثمفاهيم 0

تطرح الدراسة العلاقة الإشكالية بين اللغة والسياسة عبر دلالتي المواطنة والأسطورة. وصحيح هما قضيتان تنتميان إلى حقلين مختلفين، لكنهما يُظهِران طبيعة المجتمع وآفاق السلطة وكيف يتم التعامل إزاء الإنسان كمواطن من عدمه. والطرح يعني التساؤل المختلف بما تحمله الكلمة من معنى: كيف تتشكل المواطنة عبر تاريخية اللغة وأية بلاغة تغلف حركتها ؟ فالمواطنة ليست فقط حالة سياسية تحدد حقوق المواطن في دولة ديمقراطية، ولا الأسطورة عبارة عن تيمة إنسانية كونية محورها سرد حول أحداث ودلالات لها مركزيتها في ثقافة سائدة وحسب. لكن كل ذلك يستحضر خلفية الهوية التي تحدد درجة المواطنة وحقوقها وظلالها في المجتمعات الأقل ديمقراطية وأكثرها أيضاً بحسب أوضاع النظام السياسي.أكمل القراءة »

سياساتُ الجمالِ: هل يمكن الثأرُ بالفنِّ؟

8 ديسمبر 2018 مجلاتمفاهيممقالات 0

سامي عبد العال      ذات لوحةٍ قال سلفادور دالي: ” كلُّ ضربةٍ لفرشاة الفنان ناتجةٌ عن معايشةِ مأساةٍ يُعانيها “. كأنَّه يُذيب تجلط الآلام بالتقاط المستحيل باعثاً فينا روحاً جميلاً. ينطبق القولُّ على الفن المغموس في ظلام المآسي التي تكابدها الشعوب مع انكسار الأحلام الكبرى، كحال إحباط الشعوب العربية بعد …أكمل القراءة »

شيطَّانُ الديمقراطيةِ: هذه هي السياسة !!

5 نوفمبر 2018 مساهماتنصوص 0

سامي عبد العال –  كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر يبدو أنَّ للديمقراطية وجهاً آخر كوجه الشبح، وهو” الأثر المقلُوب ” الذي يجعلها مصدراً لرعب البعض من الحرية. فالحرية ضمن المجال العام تشكل مصدراً لقلق دائم، لدرجة أنَّ تجنُبها( إنْ لم يكن للأنا فللآخر) هو القاسم المشترك بين التيارات السياسية في …أكمل القراءة »

حول استعادة  ” الله ” من الجماعات الإرهابية

16 أكتوبر 2018 مساهماتنصوص 0

سامي عبد العال ربما لم تُوجد كلمةٌ أُرْيقت بدلالتها الدماءُ مثلما أُريقت تحت كلمة الله. ففي كلِّ مرةٍ يقتل إرهابيٌ شخصاً آخرَ، لا يكون مقصودُها واحداً بين الاثنين. على الأقل يزعم الإرهابيُ كون القتيل قد تخطى رقعة الإيمان( المرتّد ) أو لم يؤمن ابتداءً( الكافر). كما أنَّ دلالة الكلمة بمُراد …أكمل القراءة »

أين تكْمُن قوةُ المجالِ العامِ ؟

3 أكتوبر 2018 مساهماتمفاهيم 0

سامي عبد العال  كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر هناك فارق حَذِر بين القوة والسلطة رغم إحلال الكلمتين أحياناً في اللفظ نفسه: power . إذ تنطوي القوة على أبعاد ماديةٍ وأخرى رمزية تمنحُ وجودَّها معنى بعيداً. وهي أيضاً القدرةُ على بث فاعليتها الخفية عبر نفوذها المقبول داخل المجتمعات مثل القوة …أكمل القراءة »

الأصُوليَّة… والوصُوليَّة: حين يُغْيَّب المجال العام  

25 سبتمبر 2018 مجلاتنصوص 1

سامي عبد العال  كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر في المجتمعات الأقل ديمقراطيةً وإزاء فشل” الاستعمال العمومي للعقل ” لو أوردنا كلمات كانط، ثمة أسئلةٌ مزعجةٌ: هل يُغيَّب المجال العام على غرار وصفنا الاعتيادي لأي شيء آخر؟! أليس المجالُ العام  Public sphereعمليةً تاريخيةً تستوعب طاقات المجتمع وبالتالي يبقى فضاءً مفتوحاً …أكمل القراءة »

المُقدَّس والسياسة: عن أحداث 11 سبتمبر

16 سبتمبر 2018 مفاهيمنصوص 0

سامي عبد العال  كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر مع كل إشارة إلى الذكرى السنوية للأحداث الإرهابية( تفجيرات 11 سبتمبر2001 )، لا تذهب آثارُها طيَّ النسيان. لكنها تظل باقية كأصداء ورواسب تسهم – فكرياً وثقافياً – في تأويل الأفعال والتداعيات السياسية على نطاق عام[1]. وربما تحددُ المواقف ودرجات الفعل ورد …أكمل القراءة »

 صيدُ الفراشات: دولةُ الخلافةِ والنِّساء

30 أغسطس 2018 عامةنصوص 1

سامي عبد العال  كلية الآداب / جامعة الزقازيق- مصر هناك سمةٌ مشتركةٌ في خطابات الإسلاميين المتطرفين: كونَّها كلاماً ينحدر بأهدافها من أعلى إلى أسفل حيث ضجيج التفاصيل، وحيث إيراد المبررات الواهية فيما ينحدر إليه تداول الخطاب من أهدافٍ. ذلك بسرعة خاطفةٍ تُجاري سرعةَ الضوء بلا إنذار، كما أن تعقد الواقعٍ …تحرير

شاهد أيضاً

الوصاية والاستقلال من منظور طرقية طه عبد الرحمن

حسن العلوي   نبدأ مقاربتنا لهذه القضية بالوقوف عبارة “طرقية” الواردة في عنوان هذه المقالة، …