ترجمة وتقديم: كمال بومنير
مايويين رودو Maiwenn Roudaut فيلسوفة فرنسية معاصرة، تشغل حاليا منصب أستاذة محاضرة في الفلسفة الألمانية المعاصرة بجامعة نانت Nantes .كان موضوع رسالتها للدكتوراه بعنوان: “حول التسامح والاعتراف”. وقد كانت هذه الرسالة بمثابة اللبنة الأولى لكل أعمالها اللاحقة المتخصصة في الفلسفة الاجتماعية والسياسية المعاصرة. هذا، وقد انصب اهتمام مايويين رودو على موضوع الاعتراف ومختلف الإشكالات التي يثيرها هذا البراديغم في الحقل السياسي والاجتماعي والأخلاقي المعاصر. من بين أعمالها التي عرفت صدى في السنوات الأخيرة: “التنوير والثورة: حول شروط تحرّر الإنسان والمواطن” بالاشتراك مع باتريك أوليفييه 2014″حول التسامح والاعتراف” 2015، “الاعتراف كمبدأ في النظرية النقدية” ترجمة وتقديم، 2015.
النص:
لقد أشار أكسل هونيث منذ تسعينيات القرن الماضي إلى طابع المفارقة التي أصبحت تتسم بها المجتمعات المعاصرة فيما يخص مفهوم التضامن. وإنه مهمٌ في هذا الشأن أن نُلاحظ أنّ هذا الموضوع أصبح مطروحا للنقاش بشكل لافت للنظر أمام الرأي العام. ولكن ومع ذلك، يبدو أنّ المجتمعات الرأسمالية الليبرالية لم تعد تمتلك الإمكانيات المعيارية اللازمة لتفعيل هذا المفهوم. وهذا ما حدا بهونيث إلى الحديث عن مكتسبات وحدود التضامن التي ظهرت في المجتمعات الليبرالية والرأسمالية منذ أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أنّ هذا التطور أثّر سلبا على مفهوم التضامن وأفرغه من محتواه. هذا، وقد أوضح هونيث أنّ هذا المفهوم أصبح يستخدم اليوم في العديد من السياقات، ولكن بشكل خاطئ في كثير من الأحيان. كما أشار في العديد من المرات إلى الخلط الذي قد يقع بين التضامن والشفقة وبين التضامن والتعاطف أو بين التضامن والتسامح. وعلينا أن نذكّر عند هذه النقطة بأنّ في هذه الحالات الثلاث، يكمن الخطأ، حسب منظور هونيث،في تصور التضامن على أنه مجرد تعاطف مع الآخرين. وفي هذا المضمار، يسهم تعريف يورغن هابرماس، من حيث هو مفهوم “يتنافى مع العدالة”، في إضعاف هذا المفهوم. وعلينا أن نذكّر عند هذه النقطة بأنّه يتعيّن على دولة الحق الاجتماعي دعم الفئات الأكثر حرمانا. غير أنّه لا يصح أن يتم هذا الدعم بطريقة تجعلنا نعتبر أنّ التضامن مجرد آلية قانونية. وتبعا لذلك، ومن وجهة نظر هونيث، يجب أن يُفهم التضامن كشعور حقيقي بالتعاطف مع الخصوصية الفردية لشخص آخر. لذلك، ومن خلال وثبة التضامن التي أشعر بها فإنني أمرّ بتجربة، ليس فقط من خلال تعاطفي مع الآخر، ولكن أيضا من خلال أخذ بعين الاعتبار قيمة مساهمته في تحقيق غايتنا المشتركة. ضمن هذا السياق أكّد هونيث أنّ مفهوم التضامن لا ينفصل عن فكرة المساهمة الفردية تجاه الجماعة وعن الغاية المشتركة. لذلك سيكون من الضروري العودة إلى مسألة الشعور بالانتماء وتحديد الغاية الاجتماعية المشتركة. ووفقا لهذه النظرة، يجب أن يكون مفهوما أن اختبار قيمة مساهمة الآخرين، فيما يخص تحقيق هذا الغاية، يشترط وضع أنفسنا في نفس مستواها من وجهة نظر اجتماعية، بالإضافة –طبعا- إلى اعتبارها ضمن إطار وظيفتها الخاصة. ووفقا لهذه النظرة، يجب اعتبار التضامن –بحسب هونيث-نتاجًا للمجتمعات البرجوازية الرأسمالية. هذا وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الأخير كان قد استعمل في كتابه الموسوم ﺑـــ “الصراع من أجل الاعتراف” مصطلح التضامن بغية وصف العلاقات المرتبطة بالشكل الثالث من الاعتراف الضروري للفرد، أي التقدير الاجتماعي. غير أنه قد تم وصف هذا المجال كنتيجة لتفكك المجتمعات التي عرفها النظام القديم إثر ظهور المجتمعات البرجوازية الرأسمالية. فمن المعلوم أنّ في المجتمعات الإقطاعية كان الشرف ضمن النظام التراتبي هو معيار التمييز الاجتماعي. لهذا السبب كان الاعتراف الذي يتمتع به الفرد محدّدا بحسب المكانة الاجتماعية التي يحتلها هذا الفرد في المجتمع. وبالمقابل، شهد ظهور المجتمعات الرأسمالية البرجوازية منذ نهاية القرن الثامن عشر انفصالًا بين المكانة الاجتماعية وما يسمى بالاعتراف القانوني. وهكذا، ونتيجة لتوسيع علاقات السوق، تعرض مبدأ الاحترام القانوني لإعادة بنينة معيارية. وعلى هذا النحو، أخذ مبدأ المساواة طابعا كونيا ومؤسساتيا أمام القانون.
Maiwenn Roudaut, « Solidarité et capitalisme chez Axel Honneth » in Capitalisme et démocratie : autour de l’œuvre d’Axel Honneth, (dir) Christophe Bouton et Guillaume Le Blanc, Bordeaux, éditions LE BORD DE L’EAU, 2015, p 132.