ترجمة عبد السلام يوسفي
مقدمة المترجم
في هذا الحوار القصير الذي أجراه الصحافي إيمانويل فرانسوا مع الخبير التربوي فيليب ميريو ، يعود هذا الأخير إلى مفهوم “الاستمرارية البيداغوجية” (Continuité pédagogique ) الذي اعتمدته وزارة التربية الوطنية الفرنسية، كتدبير وإجراء، لمكافحة وباء كورونا المستجد، والتخفيف من وقعه القوي والمكلف على المنظومة التربوية. وبعين الخبير الحصيف، يعرف فيليب ميريو بهذا المفهوم، ويقدم حصيلته، ويكشف تفاعلات المجتمع المدرسي معه: التلاميذ، الأساتذة، الآباء، المؤسسات التعليمية، وعن مظاهر قصوره، ومآلات المدرسة ما بعد زمن كورونا. أكيد أن قيمة هذا الحوار تزداد بفعل اعتماد وزارة التربية الوطنية في المغرب هذا المفهوم لتدبير أزمة كورونا، وسارت في ذلك بتوارد خواطر معيب أو “وقع الحافر على الحافر”. لكن القصد واحد والطرق شتى. قراءة مفيدة.
نص الحوار
ماذا تعني” الاستمرارية البيداغوجية”، التي طالبت وزارة التربية الوطنية الأساتذة القيام بها؟
في رأيي، تعني “الاستمرارية البيداغوجية” أن يظل الاتصال بين التلاميذ والمؤسسات التعليمية قائما. وهذا أمر ليس بالشيء السهل، لأن هناك تلاميذ لم يحدث معهم هذا الاتصال البتة سابقا. أما العنصر الثاني فيتمثل في إبقاء التلاميذ في حالة تحفيز ذهني، وتمكينهم من إنجاز أنشطة ذكية، تكون في ارتباط مع البرنامج الدراسي ما أمكن، وتسمح لهم بمراجعة وتعميق فهم ما أنجز معهم سلفا.
لا يجب التخلي عن الأبناء، لكن لا يجب الوقوف على رؤوسهم كل الوقت كذلك، لأن هذا لا يعزز استقلاليتهم
هل ترى أشياء أخرى؟
من المهم أن نضع التلاميذ في اتصال مع بعضهم البعض. يمكن أن نطلب منهم أن يستغلوا هذا الحجر الصحي لمناقشة تمرين في الرياضيات، لم يبلغ مدارك طرف، ويمكن للطرف الآخر أن يشرحه له، مثلا. يمكن للتلاميذ القيام باختبارات بالتبادل، يتعلم فيه كل تلميذ أن يكون أكثر صرامة وتطلبا. وفي المحصلة، ليس الحجر الصحي مضيعة للوقت.
ماذا تكشف هذه الفترة؟
إن التعليم عن بعد يكشف ويفاقم مظاهر اللامساواة. بعض التلاميذ لا يستطيعون الحصول على خدمة الإنترنيت، وهناك عائلات لا تتوفر إلا على شاشة واحدة. في أماكن أخرى، لا تسمح ظروف السكن لبعض الأطفال بالاختلاء كي يدرسوا بهدوء ويفكروا.
في هذه الفترة نعيد اكتشاف أهمية العمل الجماعي. إذ لم يحرم الأطفال من المدرسة فقط، بل حرموا من كل الأنشطة الجماعية كذلك. وهذا، ونحن نعرف أن ذلك يشكل نقصا كبيرا للعديد منهم. لكننا، والحال هذه، لا ندري كيف يمكن التغلب على هذا النقص.
إن التربية لا يمكن أن تكون تجميعا لجذاذات فردية، فالأطفال في حاجة إلى عمل جماعي يتخلق من التفاعلات بين الأقران و سهر المعلمين عليهم.
كيف يعمل المدرسون؟
يعتقد الكثير من المدرسين أن “الاستمرارية البيداغوجية” لا تعني إعطاء دروس من المنزل، ويدركون أيضا أن إنجاز فقرات البرنامج لا يمكن أن يستمر كما لو أن شيئا لم يحدث. من الصعب جدا تنشيط هذا الإجراء عن بعد، وكثيرون منهم على اقتناع أنه يجب العودة في إنجاز البرنامج إلى اللحظة التي توقف فيها. لقد عاينت تعبئة جماعية حقيقية من طرف المدرسين، وأجدها تعبئة مثالية، إذ تم إرساء عمل فريق عن بعد. في البداية، اشتغل عدد من المدرسين أكثر من اللازم، وشحنوا المركب بإفراط. لكن الأمور الآن في طور استعادة التوازن.
ما هي نصائحكم إلى الآباء الذين يجب أن يدبروا استقلالية أبنائهم الآن؟
لا يجب التخلي عن الأبناء، لكن لا يجب الوقوف على رؤوسهم كل الوقت كذلك، لأن هذا لا يعزز استقلاليتهم. نصيحتي لهم: إذا كان في استطاعة الآباء، فليأخذوا من عشر إلى خمس عشرة دقيقة على مرتين في اليوم لاستعراض حصيلة مكتسبات أبنائهم. إنها مناسبة لدفعهم إلى التفكير في اختياراتهم. يجب تنبيه الأطفال إلى واقع ألا يختاروا الأسهل، بل الأصعب، لأنه الاختيار الذي يتيح لنا إحراز التقدم. وهنا يمكن للآباء أن يضطلعوا بدور تربوي مهم، لكن الأمر ليس سهلا.
ألن نحتفظ بأشياء إيجابية عن هذه الفترة؟
سنحتفظ بتعبئة وتقاسم الموارد بين الأساتذة. وربما سنحتفظ أيضا بالتحسن الذي طرأ في الروابط بين المدرسة والأسر، وبالخصوص الأسر الأكثر جفاء للمدرسة. وربما تمكنا من إعادة اكتشاف فضائل العديد من الأنشطة غير المدرسية، كالطبخ، ومناقشة وثائقي رأيناه على شاشة التلفاز، وهي أنشطة يتوقع أن تستمر إلى ما بعد هذه الفترة.