محمد ازويتة
مقدمة المقال:
تميز فكر فوكو في الثمانينات بانعطاف مفصلي ، محوره الانتقال من ذات تشكلت من خلال منظومة السلطة المعرفة الى ذات تشكلت من خلال العلاقة التي أقامتها مع الحقيقة ، إنه البحث في التذويت و في الأشكال التي اتخذها قول الحقيقة استنادا الى التقنيات التي تشكلت من خلالها الذات في علاقتها بذاتها و بالآخرين .
لرصد مدار هذا الانعطاف المعرفي ، و التعرف على اشتغال جينيالوجيا الذات المعاصرة ، و بشكل خاص ولادة تأويلية الذات المسيحية ، أقدم هذه المحاضرة التي ألقاها فوكو ب Dartmouth Collège ببيركلي في 17 نونبر 1980 .
17 نونبر 1980
في مؤلف مخصص للمعالجة الأخلاقية للجنون ، و الذي صدر في 1840 ، يحكي الطبيب النفسي الفرنسي لوري Leuret ، كيف كان يعالج أحد مرضاه ــ و المقصود بالمعالجة ، كما يمكن أن تتخيلوا ، الشفاء . في صباح يوم ما ، أدخل الطبيب لوري المريض السيد x إلى قاعة للاستحمام . حــــكى له بالتفصيل هذيانه .
” كما ترى ، قال الطبيب ، فإن كل ذلك ليس سوى جنون ، عدني بأنك لن تعتقد في ذلك أبدا ” .
تردد المريض ثم قبل الوعد .
” ذاك ليس كافيا ، أجاب الطبيب . لقد وعدتني قبل ذلك ، و لكنك لم تلتزم ” ، ثم فتح الطبيب صنبور الماء البارد على رأس المريض مباشرة .
” نعم ، نعم ، أنا مجنون . ” صاح المريض .
تم إيقاف الصنبور ، ثم استعاد الطبيب التحقيق .
” نعم ، أعترف بأنني مجنون ” كرر المريض ، ثم أضاف : ” أعترف بذلك لأنك أجبرتني على قوله ”
أعاد الطبيب صب الماء البارد ، كما أعاد المريض نفس الاعتراف ، ليتواصل التحقيق .
” و مع ذلك ، قال المريض ، فأنا أؤكد لك بأنني سمعت أصواتا ، كما رأيت أعداء بالقرب مني ”
ثم أعاد الطبيب صب الماء البارد على رأس المريض .
” حسنا ، قال المريض x . أقبل بذلك . أنا مجنون ، كل ذلك كان جنونا .”(1)
يمكن القول بأن دفع شخص يعاني من مرض عقلي إلى الاعتراف بأنه مجنون هو إجراء قديم . الجميع داخل الطب القديم ، قبل منتصف القرن 19 ، كانوا مقتنعين بأن هناك تعارض بين الجنون و التعرف عليه . و هكذا ، و في الأعمال التي أنجزت في القرنيين 17 و 18 نجد عددا من الأمثلة لما يمكن أن نسميه بعلاجات الحقيقة ، بحيث يمكن مداواة المجنون إذا استطعنا أن نظهر له بأن هذيانه لا علاقة له مع الواقع .
و لكن ، و كما ترون فإن التــــــــــقنية التي استعملها الطبيب ” لوري ” هي مختلفة كليا . ذلك أنه لم يحاول إقناع مريضه بأن أفكاره خاطئة أو غير معقولة . إن ما يدور في ذهن المريضx لا يهم الطبيب . أراد ” لوري ” أن يحصل على فعل محدد : إقرار صريح وواضح ” أنا مجنون ” . نتعرف هنا بسهولة على انتقال ، داخل العلاج الطب النفسي ، للإجراءات التي كانت مستعملة منذ القديم داخل المؤسسات القضائية و الدينية (2) . لقد كان التعبير بصوت عال و واضح بالحقيقة بخصوص الذات عن نفسها ــ أقصد الاعتراف ـــ منذ فترة بعيدة ، داخل العالم الغربي ، حاضرا إما كشرط لمغفرة الخطايا ، و إما كنقطة أساسية لإدانة المتهم . يمكن قراءة العلاج الغريب ” للوري ” كمرحلة لإدانة متنامية للجنون . لكنني أود بدلا عن ذلك ، أن أتخذه كنقطة انطلاق لتفكير أكثر عمومية حول ممارسة الاعتراف هذه ، و حول المسلمة ، المقبولة عموما داخل المجتمعات الغربية ، التي ترى أننا في حاجة ، من أجل ضمان الخلاص ، إلى معرفة بالضبط و قدر الإمكان ، من نحن و في نفس الوقت ، و هذا شيء جد مختلف ، إلى أن نقوله أيضا بوضوح قدر الإمكان إلى أشخاص آخرين . (3) إن الحكاية الصغيرة ” للوري ” ليست سوى مثال للعلاقات الغريبة و المركبة و الموسعة داخل مجتمعاتنا بين الفردية ، الخطاب ، الحقيقة و الإلزام .
للتدليل على الاهتمام الذي أحمله لموضوع يبدو في الظاهر جد متخصص ، اسمحوا لي بالعودة إلى الماضي . إن كل ذلك ليس ، بالنسبة لي ، سوى وسيلة ستساعدني على تناول موضوع جد عام هو جينيالوجيا الذات المعاصرة .(4)
في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية ، وحتى ما بعدها ، كانت الفلسفة المهيمنة في فرنسا ، بل و في كل أوروبا ، هي فلسفة الذات . أقصد بذلك أن الفلسفة قد حددت ، كهدف مميز لها (5) ، أن جعلت من الذات أساس بناء كل معرفة و مبدأ كل دلالة . بطبيعة الحال فإن الأهمية المعطاة لفلسفة الذات قد ارتبطت بأطروحات هوسرل ــ لم نكن نعرف في فرنسا بشكل عام غير ” تأملات ديكارتية و ” Krisis ” (6 ،7) ــ غير أن الصفة المركزية التي منحت للذات قد ارتبطت أيضا بسياق مؤسساتي . بالنسبة للجامعة الفرنسية ، و منذ أن بدأت الفلسفة مع ديكارت ، فإنها لم تتقدم إلا على الطريقة الديكارتية . غير أنه يلزم أن نأخذ بعين الاعتبار أيضا الأحوال السياسية . فقد كان يبدو ، أمام عبثية الحروب و الممارسات الوحشية و أشكال الاستبداد ، أنه يلزم على الذات الفردية أن تعطي معنى لاختياراتها الوجودية .
مع بداية الانفراج ، و تراجع ما بعد الحرب ، لم يعد الاهتمام بالذات الفلسفية مسألة بديهية و مسلم بها . مفارقتين اثنتين لم يعد بالإمكان تخطيهما : الأولى هي أن فلسفة الوعي قد فشلت في بناء فلسفة للمعرفة ، و بخاصة للمعرفة العلمية . الثانية و هي أن فلسفة للمعنى قد فشلت ، بالمقابل ، في الأخذ بعين الاعتبار ميكانيزمات تشكل الدلالة و بنية أنظمة المعنى . أعلم جيدا بأن هناك شكل آخر من الفكر قد أكد على تجاوز فلسفة الذات ــ و المقصود بذلك الماركسية . على أنه سيكون من الأفضل هنا الإشارة إلى أنه ، لا المادية ، و لا النظريات الإيديولوجية قد نجحا في بناء نظرية للموضوعية أو للدلالة . فالماركسية تقدم نفسها كخطاب إنساني يمكنه أن يعوض الذات المجردة ، الحالمة ، بالاستناد إلى الإنسان الواقعي ، الإنسان الفعلي . لقد كان واضحا في تلك الفترة بأن الماركسية قد حملت معها ضعفا أساسيا على المستويين النظري و العملي : الخطاب الإنساني يحجب الحقيقة السياسية التي كان يدعمها على الأقل ماركسيو تلك المرحلة .
مع كل الوضوح الذي يسمح به التراجع إلى الوراء ــ ما تسمونه هنا فيما أعتقد ب Monday morning quarter back ــ اسمحوا لي بالقول بأنه كانت هناك طريقتين ممكنتين تؤديان إلى ما وراء فلسفة الذات هذه :
1) نظرية للمعرفة الموضوعية .
2) تحليل لأنظمة المعنى أو السيميولوجيا ( علم الدلالة ) .
الطريقة الأولى مثلتها الوضعية المنطقية ، و الثانية مثلتها بشكل عام مجموعة من المعارف كاللسانيات و التحليل النفسي و الانثروبولوجيا … و التي تم تجميعهم عموما تحت اسم البنيوية .
لم أتبع أيا من الطريقتين . اسمحوا لي بالقول مرة أخرى ، بأنني لست بنيويا ، كما أعترف ، مع الأسف الجدير بذلك ، بأنني لست فيلسوفا تحليليا ــ no body perfect is ــ . لقد حاولت استثمار طريق آخر . لقد حاولت الخروج من فلسفة للذات بإقامة جينيالوجيا للذات ، و ذلك من خلال دراسة تشكل الذات عبر التاريخ الذي أدى بنا إلى المفهوم المعاصر للذات . طبعا فإن هذا الاختيار لم يكن طريقا سهلا ، و السبب هو أن معظم المؤرخين يفضلون تاريخا للسيرورات الاجتماعية ، و أغلب الفلاسفة يفضلون ذاتا بدون تاريخ . على أن ذلك لم يمنعني أبدا من استعمال نفس الأدوات التي يستعملها بعض المؤرخين بخصوص الأحداث الاجتماعية ، و لا بالاعتراف بديني إزاء فلاسفة ، مثل نيتشه ، الذين طرحوا سؤال تاريخية الذات . (8) إلى حد الآن فقد قدت مشروعي العام بطريقتين . لقد اهتممت بالبناءات النظرية الحديثة التي تهم الذات بصفة عامة . لقد حاولت تحليل ، داخل كتاب سابق ،(9) النظريات المتعلقة بالذات باعتبارها كائنا متكلما ، حيا ، عاملا . كما اهتممت أيضا بالمعرفة الأكثر ممارسة التي تشكلت داخل المؤسسات كالمستشفى و الملاجئ و السجون ، حيث بعض الذوات قد صارت موضوعا للمعرفة و في نفس الوقت موضوعا للهيمنة (10) . و حاليا ، أتمنى أن أدرس أشكال المعرفة هذه التي خلقتها الذات عن نفسها . و أعتقد بأن أشكال معرفة الذات هذه هي جد هامة من أجل تحليل التجربة المعاصرة للجنسانية .(12)
غير أنني منذ أن بدأت هذا النوع الأخير من المشاريع ، عملت على تغيير وجهة نظري حول عدد من النقط المهمة . اسمحوا لي بالقيام بنوع من النقد الذاتي . (13) يبدو لي أنه من الممكن التمييز ، انطلاقا من بعض الاقتراحات التي قدمها هابرماس Habermas (14) ، بين ثلاثة أنواع أساسية من التقنيات داخل المجتمعات الإنسانية : التقنيات التي تسمح بإنتاج و تحويل و التحكم في الأشياء . التقنيات التي تسمح باستعمال أنظمة المعنى ، و التقنيات التي تسمح بتوجيه سلوكات الأفراد ، و فرض بعض الإرادات عليهم و إخضاعهم لبعض الغايات أو بعض الأهداف . و هذا يعني أن هناك تقنيات للإنتاج و تقنيات للدلالة و تقنيات للهيمنة .
بطبيعة الحال ، إذا أردنا دراسة تاريخ العلوم الطبيعية ، فإنه من الأجدر ، بل و من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار تقنيات الإنتاج و التقنيات الدلالية . و لكن بما أن مشروعي متعلق بمعرفة الذات ، فأنا أعتقد بأن تقنيات الهيمنة كانت هي الأكثر أهمية ، من دون إزاحة التقنيات الأخرى . غير أنني بدراسة التجربة الجنسانية ، فإنني قد انتبهت تدريجيا إلى أن هناك داخل كل المجتمعات ، كيفما كانت ، شكل آخر من التقنيات : التقنيات التي تسمح للأفراد بأنفسهم (8) بإجراء عدد معين من العمليات على أجسادهم الخاصة ، على أرواحهم الخاصة ، على أفكارهم الخاصة و على سلوكاتهم الخاصة ، و ذلك بطريقة تمكن من تحويل ذواتهم و تغييرها ، و الوصول إلى حالة من الكمال و السعادة و الصفاء و السلطة الفوق طبيعية الخ . لنسمي هذا النوع من التقنيات ” بالتقنيات ” أو ” تكنولوجيا الذات ” . (17)
أعتقد ، أنه إذا أردنا دراسة جينيالوجيا الذات داخل الحضارة الغربية ، فإنه يلزم أن نأخذ بعين الاعتبار ليس فقط تقنيات الهيمنة ، و لكن أيضا تقنيات الذات . لنقل إنه يلزم أن نأخذ بعين الاعتبار التفاعل بين ذينيك النوعين من التقنيات ــ تقنيات الهيمنة و تقنيات الذات . يلزم أخد بعين الاعتبار النقط حيث التكنولوجيات المتعلقة بالأفراد بعضهم ببعض تستند للسيرورات التي من خلالها تتصرف الذات إزاء ذاتها ، و العكس صحيح . يلزم أخد بعين الاعتبار ، النقط حيث تقنيات الذات تندمج داخل بنيات للتقييد و الهيمنة . إن نقطة التماس ، أو الطريقة التي يوجه بها الأفراد من قبل الآخرين تتمفصل مع الطريقة التي يسير بها الأفراد ذواتهم ، هي ما يمكنــــــــــــــــني أن أسميه ب ” الحكم ” . (18) ليس المقصود بحكم الأفراد بالمعنى الواسع للكلمة طريقة في إجبارهم على القيام بما يوده الحاكم . هناك دائما توازن غير مستقر ، مع التكامل و الصراعات ، بين التقنيات التي تضمن الإلزام و الســــــيرورات التي من خلالها تتكون الذات أو تتغير في علاقة بذاتها . عندما درست الملاجئ و السجون الخ … ألححت كثيرا ، فيما أعتقد ، على تقنيات الهيمنة . إن ما يمكن أن نسميه ب ” التأديب ” هو حقيقة ، شيء مهم داخل ذاك النوع من المؤسسات ، غير أن ذلك ليس سوى مظهر من مظاهر فن حكم الأفراد داخل مجتمعنا . لا يلزمنا أن نفهم السلطة كعنف خالص أو إجبار صارم . السلطة مكونة من علاقات معقدة : تقتضي هذه العلاقات مجموعة من التقنيات العقلانية ، و فعالية تلك التقنيات تأتي من المزج البارع لتقنيات التقييد أو الإلزام و تقنيات الذات . أعتقد أنه يلزم أن نتخلى عن الخطاطة الفرويدية تقريبا ـ أنتم تعرفونها ــ خطاطة استبطان القانون من قبل الذات . لحسن الحظ من وجهة نظرية ، و ربما لسوئه من وجهة فعلية ، هو أن الأشياء هي أكثر تعقيدا من ذلك . و باختصار ، وبعد دراسة مجال الحكم ، منطلقا في البداية من تقنيات الهيمنة ، أريد في السنوات القادمة ، دراسة الحكم ــ و بخاصة داخل حقل الجنسانية ــ منطلقا من تقنيات الذات .
من بين تقنيات الذات داخل حقل تكنولوجيا الذات ، أعتقد بأن التقنيات الموجهة نحو اكتشاف و صياغة الحقيقة عن الذات هي جد هامة . و إذا كان يلزم على كل فرد ، داخل حكم الأفراد المميز لمجتمعاتنا ، ألا يخضع فقط ، و لكن أن ينتج الحقيقة بخصوص ذاته أيضا ، و أن يجعلها عمومية (19) ، فإن محاسبة الذات و الاعتراف سيكونان من بين تلك الإجراءات الأكثر أهمية . بطبيعة الحال هناك تاريخ جد طويل و جد معقد ، منذ المبدأ السقراطي الشهيرgnothi seauton ” اعرف نفسك بنفسك ” ” و حتى العلاج الغريب الذي أوصى به الطبيب ” لوري ” الذي حدثكم عنه في بداية هذه المحاضرة . هناك طريق طويل من الواحد إلى الآخر . و ما أود اليوم تقديمه أمامكم هو نظرة عامة . أريد أن أشدد فقط على تحولات تلك الممارسات ، التحولات التي حدثت مع بداية الفترة المسيحية ، مع المرحلة المسيحية ، عندما أصبحت ضرورة التعرف على الذات مبدء كنسيا ” اعترف لمرشدك الروحاني بكل واحدة من أفكارك ” . أعتقد بأن هذا التحول هو على درجة بالغة من الأهمية داخل جينيالوجية الذات المعاصرة .( 20) مع هذا التحول بدأ ما يمكن أن نسميه بتأويلية الذات .
سأحاول هذا المساء أن ألخص الطريقة التي أدرك بها الفلاسفة الوثنيون الاعتراف و محاسبة الذات ، كما سأحاول في الأسبوع المقبل أن أوضح لكم ما صارت عليه داخل المسيحية الأولى .
نعلم جيدا بأن الهدف الأساسي للمدارس الفلسفية الإغريقية لم يكن يستند إلى إعداد و تعليم لنظرية ما ، و إنما كان هدفها هو إحداث تغيير على الفرد . لقد كان هدف الفلسفة الإغريقية هو أن تمنح للفرد القدرة التي تسمح له بالعيش بطريقة مختلفة ، أفضل ، أكثر سعادة من الآخرين (21) . ماذا كان موقع محاسبة الذات و الاعتراف داخل كل ذلك ؟. من النظرة الأولى ، فإن ضرورة قول الحقيقة عن الذات ، داخل كل المدارس الفلسفية القديمة ، قد حظي باهتمام جد قليل ، و ذلك لسببين ظلا مقبولين طيلة الفترة الإغريقية الهلينيستية . الأول هو أن الهدف من التكوين الفلسفي هو تجهيز الفرد بعدد معين من المبادئ التي تسمح له بالتصرف داخل كل ظروف الحياة ، بدون فقدان التحكم في الذات أو بدون فقدان طمأنينة الروح ، طهارة الجسد و الروح معا . من خلال هذا المبدأ تتولد أهمية خطاب المعلم . فخطاب المعلم عليه أن يقول ، يقنع و يشرح . عليه أن يمنح للتلميذ قانونا عاما يصلح له طيلة حياته ، بحيث إن التعبير الشفهي يجد نفسه مع المعلم و ليس التلميذ .(22)
هناك سبب ثان ، و هو أن ضرورة الاعتراف ليست ذات أهمية كبيرة داخل توجيه الضمير في الفترة القديمة . فالرابط مع المعلم كان خاضعا للظروف ، أو كان ، في جميع الأحوال ، مؤقتا . لقد كان علاقة بين إرادتين ، و هو ما لا يستلزم خضوعا شاملا أو نهائيا . نلتمس أو نقبل مشورة معلم أو صديق من أجل تحمل اختبار معين ، قد يكون وفاة أو نفيا أو فقدانا لثروة … الخ . أو أيضا أن يخضع التلميذ لتوجيه المعلم لفترة محددة من حياته ، من أجل أن يكون قادرا ، يوما ما على التصرف بطريقة مستقلة ، و ألا يكون في حاجة إلى مشورة أو نصيحة . لقد كان هدف التوجـــــــــــيه القديم هو تحقيق استقلالية الموجه ( بفتح الجيم و تشديدها ) . يمكن أن نفهم ، داخل هذه الشروط ، بأن ضرورة استكشاف معمق و شامل للذات هو أمر غير مطلوب : ليس من الضروري قول كل شيء عن الذات ، بالكشف عن سرائرها الدقيقة ، بشكل يجعل المعلم قادرا على ممارسة سلطة شاملة . إن كشف الذات بطريقة مستمرة و شاملة تحت أنظار معلم جد قوي ليس خاصية أساسية لتقنية التوجيه تلك . (23)
غير أنه و بالرغم من هذا التوجيه العام الذي يعطي أهمية أقل لمحاسبة الذات و الاعتراف ، فإننا نجد فعلا ، قبل المسيحية ، تقنيات تمت تهيئتها من أجل الكشف و التعبير عن الحقيقة بخصوص الذات . كما يبدو بأن دورها صار أكثر فأكثر مهما . لقد ارتبطت الأهمية المتنامية لتلك التقنيات بدون شك بتطور الحياة الجماعية داخل المدارس الفلسفية مع الفيتاغوريين و الأبيقوريين ، كما ارتبطت بالقيمة التي منحت للنموذج الطبي في المدارس الأبيقورية أو الرواقية . (24) و بما أنه من غير الممكن ، في زمن قصير ، أن نعطي كل التوضيحات فإنني سأكتفي بمدخلين لذلك التحول الذي مس الحضارة الإغريقية و الهليستينية . لشرح ذلك سأتناول فقرتين للفيلسوف الروماني سينيك ، و الممكن اعتبارهما شهادتين حقيقيتين عن ممارسة محاسبة الذات و الاعتراف ، كما وجدا في القديم مع الرواقيين في المرحلة الإمبراطورية في فترة ولادة المسيحية . (25)
الفقرة الأولى موجودة في di ira لسينيك ، تقول الفقرة : ” هل هناك شيء أكثر جمالا من عادة سبر أغوار الذات طيلة النهار ؟. أي نوم سيتبع امتحان الذات ، كم سيكون هادئا ، عميقا وحرا عندما يتم تنبيه العقل ، عندما يصير مراقبا سريا لأخلاقه الخاصة ؟. أوظف هذه القدرة ، و كل يوم أنظر في الدعوى أمامي . عندما حملنا المشعل ، و بعدما رحلت زوجتي . التي كانت معتادة على طريقة تصرفاتي ، بدأت في فحص و مراقبة كل أفعالي و أقوالي ، لا أخبئ شيئا ، و لا أتجاوز شيئا ، لماذا سأخاف على أحدهم من ضلالاتي . بما أنه يمكنني القول : ” انتبه ، حتى لا تعيد مرة أخرى ” . سأسامحك هذه المرة . لقد كنت كثير المجادلة في هذا الحوار ( … ) لقد وبختك بقوة أكثر مما يلزم ـ ثم إنك لم تصلحه و تؤدبه و لكنك صدمته .(26)
هناك شيء من المفارقة في رؤية الرواقيين ، مثل سينيك Sénèque ، و أيضا سيكستيوس sextius (27) ، ابيكتيت Epictète ، مارك اوريل Marc Aurèleالخ ، يمنحون أهمية اكبر لامتحان الضمير ، هذا بينما كل الأخطاء ، حسب نظريتهم ، قد تم افتراضها متساوية (28). لم يكن من الضروري التساؤل عن كل واحدة منها . لكن لنرى هذا النص عن قرب . بداية فإن سينيك يستعمل معجما يبدو مع النظرة الأولى ، قضائيا . فهو يستعمل عبارات مثل cognoscere de moribus suis et causam meam dico . إن كل هذه العبارات هي قضائية بامتياز . يبدو إذن أن الذات إزاء ذاتها هي في نفس الوقت القاضي و المتهم . يبدو أيضا ، داخل امتحان الضمير هذا ، بأن الذات تنقسم إلى اثنين ، كما تقيم مشهدا قضائيا ، حيث تلعب ، في نفس الوقت ، الدورين معا . فسينيك يتقدم كمتهم يعترف بجريمته أمام القاضي ، و القاضي هو نفسه سينيك . و لكن إذا نظرنا عن قرب ، سنرى بأن المعجم الذي استعمله سينيك هو إداري أكثر من قضائي . إنه معجم إداري متعلق بالممتلكات و الإقليم . يقول سينيك مثلا بأنه ” speculator sui ” يمتحن ذاته بنفسه حتى و لو انقضى النهار totum diem meum scrutor ، أو أنه يأخذ بعين الاعتبار الأشياء التي قيلت أو تم القيام بها . حيث يستعمل كلمة remetior . إنه بذلك ، إزاء ذاته ، ليس قاضيا يلزمه أن يعاقب ، و إنما هو إداري ، و الذي ما أن ينجز العمل ، أو ينهي قضايا السنة الماضية ، حتى يعمد إلى ضبط الحسابات و صياغة التقرير المتعلق بها ، لينظر فيما إذا كان كل شيء قد تم بدقة و كما يلزم . بهذا المعنى فإن سينيك هو إداري دائم لنفسه أكثر منه قاضيا لماضيه الخاص . من الأمثلة عن الأخطاء التي ارتكبها سينيك ، نقف على مثال لمعاتبته لنفسه ، جراء نقده لأحد الأشخاص ، الذي جرحه و أضربه ، بدلا من العمل على إصلاحه . المثال الآخر هو حواره مع أشخاص كانوا في الحقيقة غير قادرين على فهمه . هاته الأخطاء كما يقول هو نفسه ، ليست في الحقيقة أخطاء و إنما هي زلات . و لماذا هي زلات ؟. إما لأنه لم يكن واعيا بالأهداف التي على الحكيم أن يعلمها . و إما لأنه لم يطبق بطريقة صحيحة قواعد السلوك التي عليه أن يستخلصها . الأخطاء هي زلات ، بمعنى أنها تعبر عن تنظيم سيء أو معيب ، بين الوسائل و الغايات . يتعلق الأمر هنا أيضا بدلالة مميزة ، وهي أن سينيك لا يستحضر أخطاءه من أجل معاقبة نفسه . إن هدفه فقط هو أن يتذكر القواعد التي يلزمه تطبيقها . إن الهدف من عملية التذكر هنا هي إعادة تفعيل المبادئ الفلسفية الأساسية ، و تنظيم تطبيقها . في الاعتراف المسيحي ، فإن على طالب التوبة أن يستحضر القاعدة ” الكنسية ” لكي يكتشف خطاياه الخاصة ، أما في التمرين الرواقي فإن على الحكيم أن يرسخ أفعاله من أجل إعادة تفعيل القواعد الأساسية .
يمكن أن نميز هذا الامتحان من خلال الكلمات التالية : 1) لا يتعلق الأمر أبدا بالكشف عن حقيقة مستورة داخل الذات ، و إنما باستحضار حقيقة منسية من قبل الذات . 2) أن ما نسيته الذات ، ليست هي نفسها ، و لا طبيعتها ، ولا أصلها ، و ليس نسبتها الفوق طبيعية . ما نسيته الذات هو ما كان يلزمها القيام به ، أي سلسلة من قواعد السلوك التي تعلمتها . 3) إن تذكر الزلات المرتكبة طيلة اليوم تسمح بقياس المسافة التي تفصل ما كان يلزم القيام به ، و ما تم انجازه فعلا . 4) أن الذات التي تمارس هذا الامتحان على ذاتها ، ليست ميدان ممارسة لسيرورة تقريبا غامضة و التي يلزم تفكيكها . إنها النقطة ، حيث قواعد السلوك تستجمع و تترسخ في شكل ذكريات . إنها أيضا نقطة انطلاق الأفعال المطابقة تقريبا لتلك القواعد . تشكل الذات نقطة التقاطع بين مجموعة من الذكريات التي يلزم جعلها حاضرة و الأفعال التي يلزمها أن تكون منظمة .
لمحاسبة المساء مكانته المنطقية بين مجموعة من التمارين الرواقية : القراءة الدائمة لموجز الوصايا أو المبادئ ( بالنسبة للحاضر ) ، التفكر في الآلام التي يمكن أن يصادفها الإنسان في الحياة ، ثم التفكر في شرور المستقبل ( بالنسبة للإمكان ) . العمل كل صباح على عد المهام التي يلزم إنجازها طيلة النهار ( من اجل المستقبل ) ، و أخيرا ، محاسبة الضمير في المــساء ( بالنسبة للماضي ) (29). و كما تلاحظون ، فإن الذات ، داخل كل تلك التمارين ، لم يتم اعتبارها كحقل لمعطيات ذاتية يلزم تأويــــلها . إنها تخضع نفسها لامتحان يهم فعلا ممكنا أو واقعيا .
بعد امتحان الضمير هذا ، الذي شكل نوعا من الاعتراف للذات ، أريد أن أحدثكم عن الاعتراف للآخرين : و المقصود الكشف عن الذات الذي نقوم به لآخر ، و الذي يمكن أن يكون صديقا ، مستشارا أو مرشدا . يتعلق الأمر بممارسة لم تكن متطورة داخل الحياة الفلسفية ، غير أنها تطورت داخل بعض المدارس الفلسفية ، مثلا داخل المدارس الأبيقورية ، كما كانت ممارسة طبية معروفة . كان الأدب الطبي غنيا بأمثلة الاعتراف أو بكشف الذات . فكتاب جالينوس (30) ” مقالة في انفعالات الروح و انحرافاتها ” Traitè des passions de l âme et de ses erreurs ، تعطي مثالا عن ذلك ، أو أيضا مع بلوتارك في ” De profectibus in virtute ، و الذي كتب : ” هناك الكثير من الناس المرضى الذين يقبلون الطب و آخرون يرفضونه . الإنسان الذي يخبئ خزي الروح ، رغبته ، ضيقه ، انزعاجه ، بخله و شهوته ، له حظوظ قليلة في تحقيق العلاج . في المقابل فإن حديثه عن مرضه يكشف عما يؤذيه . إن الكشف عنه و التعرف عليه ، بدل الاستمتاع بستره ، كل ذلك هو علامة على بداية علاجه ” . (31)
هناك نص آخر لسينيك يمكن أن يسعفنا هنا كمثال لما كان عليه الاعتراف في العصور القديمة المتأخرة . في مقدمة De tranquillitate animi ، حضر سيرينيس serenus ، صديق شاب لسينيك ، يطلب منه مشورة . جاء يطلب منه بالتحديد مشورة طبية تهم حالة روحه ، ” لماذا ، يقول سيرينيس ، لا أعترف لك كما للطبيب ؟. ( ….) أنا لست لا مريضا و لا في صحة جيدة (32) . يشعر سيرينيس serenus بالقلق و الضيق ، أو بالأحرى ، و كما يقول ، كما لو أنه فوق مركب لا يتقدم و لكنه يهتز بسبب التمايل ، و أنه خائف من أن يظل في عرض البحر في ظل تلك الشروط بالنظر إلى اليابسة ، و إلى الفضائل التي أصبح متعذرا الوصول إليها . للخروج من هذه الوضعية قرر سيرينيس أن يستشير سينيك ، و أن يعترف له . يقول إنه يود أن يقول له الحقيقة verum fateri . و لكن ما هي هذه الحقيقة verum التي يود الاعتراف بها ؟. هل يعترف بأخطاء و بأفكار محتجبة و رغبات مخزية و بأشياء شبيهة بذلك ؟. أبدا . يبدو نص سيرينيس كتجميع لتفاصيل نسبيا بدون أهمية ، على الأقل بالنسبة لنا ، مثال ذلك اعتراف سيرينيس لسينيك بأنه يستعمل أواني المائدة التي كان يستعملها أبوه ، و أنه يستسلم بسهولة عندما يلقي خطابات عمومية … الخ . غير أنه من الممكن ، وراء عدم الانتظام الظاهر، تعيين ثلاثة مجالات مختلفة داخل هذا الاعتراف : مجال الثروات ، مجال الحياة السياسية و مجال المجد . الحصول على الثروات ، المشاركة في مصالح المدينة ، الحصول على حظوة من الرأي العام . يتعلق الأمر بثلاثة فعاليات ممكنة بالنسبة لرجل حر ، بثلاثة أسئلة أخلاقية مألوفة كانت تثار من قبل المدارس الفلسفية لتلك المرحلة . إن إطار عرض اعتراف Serenus غير محدد بالمجرى الفعلي لوجوده ، و لا بتجاربه الحقيقية ، و لا بإطار نظرية للروح أو لعناصرها ، و لكنه محدد فقط بتصنيف لمختلف أنواع النشاط الذي يمكن أن نمارسه ، و غايات يمكن أن نلاحقها . داخل كل مجال من المجالات يكشف Serenus عن وضعيته ، محصيا ما يرضيه و ما لا يرضيه . إن عبارة ” هذا يرضيني ” ( Placet ) هي المحور الموجه لتحليله (33) . كان يرضيه أن يقدم خدمة لأصدقائه . كما كان يرضيه أن يأكل بشكل عادي ، و ألا يملك شيئا غير ما ورثه ، و لكن فرجة الترف عند الآخرين كانت ترضيه . كما كان يتلذذ في الإفراط في خطابه الشفهي متمنيا أن تــــــــتذكر الأجيال القادمة أحاديثه و أقواله . لا يستهدف Serenus ، في عرضه لما يرضيه ، الكشف عن رغباته العميقة . كما أن لذات Serenus ليست وسائل للكشف عما أسماه المسيحيون فيما بعد ب concupiscentia . بالنسبة له فالأمر يتعلق بحالته الخاصة ، بإضافة شيء إلى معرفته بالمبادئ الأخلاقية . إن هذه الإضافة إلى ما هو معروف هي قوة قادرة على تحويل المعرفة الخالــــــــــصة و الوعي البسيط إلى طريقة حقيقية للحياة . ذاك هو ما حاول سينيك القيام به عندما استعمل مجموعة من الحجج و الاستدلالات و الأمثلة المقنعة ، ليس من أجل اكتشاف حقيقة مازالت مجهولة في عمق روح سيرينيس، و لكن من أجل شرح ، إذا أمكنني القول ، إلى أي حد تكون الحقيقة إجمالا صحيحة . ليس هدف خطاب سينيك هو إضفاء على بعض المبادئ النظرية قوة إلزام مصدرها الخارج ، و إنما العمل على تحويلها إلى قوة مفحمة . على سينيك أن يمنح مكانة للحقيقة باعتبارها قوة .(34)
تترتب عن كل ذلك ، فيما أعتقد ، مجموعة من النتائج .
1) داخل هذه اللعبة بين اعتراف سيرينيس Serenus و استشارة سينيك Sénèque ، فإن الحقيقة ، كما ترون ، ليست محددة باعتبارها تطابقا مع الواقع ، و لكن كقوة ملازمة للمبادئ ، و التي يلزم تطويرها داخل الخطاب . 2) أن هذه الحقيقة ليست شيئا محتجبا وراء أو تحت الوعي ، في جزء جد عميق و أكثر ظلمة للروح . إنها شيء حاضر أمام الفرد كنقطة جذب ، نوعا من القوة الميغناطيسية التي تجذبه نحو هدف معين . 3) أن هذه الحقيقة لم يتم التوصل إليها من خلال كشف تحليلي يفترض أن يكون حقيقة داخل الفرد ، و لكن من خلال تفسير خطابي لما هو صالح لكل من يود أن يقترب من حياة الحكيم . 4) أن هذا الاعتراف غير موجه نحو تحديد فردانية Serenus (19)، من خلال الكشف عن بعض مميزاته الشخصية ، و لكن نحو تكوين ذات ، التي يمكن أن تكون ، في نفس اللحظة ، و من غير انفصال ، ذاتا للمعرفة و ذاتا للإرادة . 5) يمكننا رؤية أن هذه الممارسة للاعتراف و للاستشارة قد ظلت داخل إطار ما أسماه الإغريق مدة طويلة ب gnômê (35) . يقصد بمصطلح gnômê وحدة الإرادة و المعرفة . كما يقصد به أيضا جملة مقتضبة من خلالها تظهر الحقيقة في كل قوتها ملتصقة بروح الأفراد . يمكننا القول إذن ، رغم أنه متأخرا عن القرن الأول بعد يسوع المسيح ، بأن نوع الذات التي قدمت كنموذج و كهدف داخل الفلسفة الإغريقية آو الهليستينية أو الرومانية ، هي ذات حكمية gnômique ، حيث سلطة المعرفة و شكل الإرادة يمثلان واحدا .
داخل نموذج الذات الحكمية gnômique هذا، وجدنا عددا مـــــــن العناصر التكوينية : ضرورة قول الحقيقة بخصوص الذات عن نفسها ، دور المعلم و خطاب المعلم ، المسار الطويل الذي يؤدي أخيرا إلى كشف الذات . نجد كل تلك العناصر داخل تكنولوجيات الذات المسيحية و لكن بتنظيم جد مختلف .(36)
يلزمني القول ، كخلاصة ، لأنني سأختم ، بأننا رأينا ممارسات محاسبة الذات و الاعتراف داخل الفلسفة الهيلينيستية و الرومانية ، حيث الذات ليست شيئا يلزمنا اكتشافه آو تفسيره كنص جد غامض . لم يكن الهدف هو إظهار ما سيمثل الجزء الغامض من ذواتنا . بالعكس ، فالذات ليست شيئا يلزمنا اكتشافه و إنما بناؤه ، بناؤه بقوة الحقيقة . تكمن هذه القوة داخــــــــــل القيمة البلاغية لخطاب المعلم و قدراته . كما أن تلك القيمة البلاغية تخضع في جزء منها إلى ما يقدمه التلميذ ، و الذي عليه أن يشرح إلى أين وصل في طريقة عيشه ، استنادا إلى المبادئ الحقيقية التي يعرفها . و أعتقد بأن هذا التنظيم للذات كهدف ، تنظيم ما أسميته بالذات الحكمية gnômique كغاية و كهدف يتوجه إليه تمرين محاسبة الذات و الاعتراف ، هو جذريا مختلف عما سنصادفه داخل تكنولوجيات الذات المسيحية . ( 37) فالمشكلة داخل تكنولوجيات الذات المسيحية هي اكتشاف ما هو محتجب في الذات . الذات هي مثل نص أو كتاب علينا تفسيره ، و ليس شيئا يلزم بناؤه بإقامة نوع من التنضيد بين الإرادة و الحقيقة . إن هذا التنظيم المسيحي ، المختلف جدا عن التنظيم الوثني ، هو شيء ، فيما أعتقد ، جد محوري من أجل كتابة جينيالوجيا الذات المعاصرة . تلك هي النقطة التي أود أن أشرحها لكم الأسبوع المقبل عندما نلتقي من جديد
هوامش
1) f Leuret ” في المعالجة الأخلاقية للجنون ” باريس . j Bailliere 1840 ص 191 ـ 204 . يمنح فوكو أهمية كبيرة للممارسة العلاجية للطبيب لوري ، إذ تمت الإحالة إليه في “المرض العقلي و علم النفس ” ( باريس p u f ) 1962 ) ص 85 ـ 86 . ثم في العديد من كتبه ( الماء و الجنون ) كتابات و أقوال ج 1 العدد 16 . ص 298 ــ 299 ، و ” الجنسانية و العزلة ” كتابات و أقوال ج 2 . كما خصص تأملات كثيرة للوري و طرقه في COLLEGE DE FRANCE ( 1973 ــ 1974 ، و بخاصة في درس 19 دجنبر 1973 ( السلطة الطب نفسية . في الدرس الافتتاحي ب Louvain يشير فوكو مرة أخرى إلى الطبيب لوري ، مانحا له دورا مهما في محاضراته ، أي مدخلا لجينيالوجيا الاعتراف داخل الثقافة الغربية : ” وراء الاعتراف الذي فرضه لوري ، هناك تاريخ طويل للاعتراف ، تلك الاعتقادات القديمة داخل السلطات و مفعولات ” قول الحقيقة ” بشكل عام ، و بخاصة ” قول الحقيقة عن الذات ” بشكل خاص ( …) يلزم ربما إنجاز تكنولوجيا لقول الحقيقة ” . ( mal faire dire vrai ) . ص 1 ــ 3 .
2) من أجل تحليل لما قدمه فوكو كانتقال لمجموعة من الإجراءات المسيحية للاعتراف داخل خطاطات المنظومة العلمية و داخل الممارسة الطبية و الطب نفسية و السيكولوجية . ” تاريخ الجنسانية ” ص 84 ـ 94 . في المقابل وفي الدرس الأخير في Louvain يحلل فوكو تطور الاعتراف داخل المؤسسات القضائية من العصر الوسيط إلى الآن ، مستدعيا في نفس الوقت الممارسات الطبية و الطب نفسية . ( mal faire dire vrai ) 199 ـ 228.
3) تمثل هذه ” البداهة ” في نفس الوقت الانطلاقة ، التبرير النظري و الهدف النقدي للتحليلات التي طورها فوكو في محاضراته . أضف إلى ذلك و في ” إرادة المعرفة ” يمكن أن نجد التأكيد الذي بحسبه ” أصبح الاعتراف في الغرب إحدى التقنيات ذات القيمة البالغة لإنتاج الحقيقة ” . ( فمجتمعنا هو مجتمع اعتراف ) و ( الإنسان الغربي أصبح حيوان اعتراف ) . و من هنا كانت الحاجة ، حسب فوكو ، إلى ” كتابة تاريخ سياسي للحقيقة ” ( تاريخ الجنسانية ص 79 ـ 81 ) ، و ضمن ذلك تندرج دروس فوكو في Collège de france 1979 ـ 1980 و 1981 ـ 1982 . و أيضا درس Louvain 7 يناير 1981 . ( mal faire dire vrai ) ص 7 . 10 .89 .
4) أشار فوكو في العديد من المرات إلى مشروعه كتابة ” تاريخ جينيالوجية الذات ” . في 1976 سيبين فوكو بأنه يجب التخلي عن الذات ، بمعنى الوصول إلى تحليل يمكن أن يعيد الاعتبار لتشكل الذات داخل حركة التاريخ ، و هو ما أسميته ” بالجينيالوجيا ” . ( حوار مع فوكو ) Fontana et Pasquino et ” كتابات و أقوال ” ج 2 . ص 147 ــ 192 . و كذا في درس 22 فبراير 1978( الأمن ، الإقليم ، السكان ) . يختتم فوكو تحليله للسلطة الرعوية المسيحية مشيرا ، ضمن أفق قريب من 1980 ، بأن كتابة تاريخ الرعوية معناه أيضا رسم تاريخ للذات الغربية . و ابتداء من 1979 ـ 1980 سيكون الإطار العام لاشتغال فوكو ليس هو جينيالوجيا الذات المعاصرة ” رغم أنه حاضر ضمن كتاباته ” و لكن ( حكم الأفراد من خلال الكشف عن علاقتهم بالحقيقة داخل شكل التذويت ) ، و بذلك سيتحدد المشروع في 1981 في ” كتابة تاريخ العلاقات بين الذاتية و الحقيقة ” ، كما قال في Louvain ” التاريخ السياسي لإثباتات الحقيقة ” ، و الهدف منه هو دراسة ” كيف ترتبط الذوات من خلال أشكال الحقيقة التي تندمج فيها ” . انظر (تاريخ الجنسانية ص 3 ـ 4 ) . ( في حكم الذات و الآخرين ” ص 42 ) . في المقابل فإنه في الجزأين الثاني و الثالث من ” تاريخ الجنسانية “، يعلن عن كتابة جينيالوجيا الإنســـــــــــــــــــان الراغب منذ الإغريق و حــــــــتى القرون الأولى للمسيحية . ” تاريخ الجنسانية ” ص 18 .
5) نطق فوكو الكلمات بالفرنسية .
6) إدموند هوسرل Husserl E( تأملات ديكارتية ) الترجمة الفرنسية g Peiffer et levinas . vrin . Paris 1953.
7) يحيل فوكو إلى نص ( أزمة الإنسانية الأوروبية و الفلسفة ) محاضرات ألقاها هوسرل في فيينا 1953 ” ترجمة بول ريكور ( مجلة الميتافيزيقا والأخلاق العدد 3 1950 ص 225 ـ 250 ) . ظهر هذا النص أيضا في ” أزمة العلوم الأوروبية و الفينومونولوجيا المتعالية ” ترجمة . Granel . باريس . Gallimard 1976 ص 346 ـ 383 .
8) في المحاضرة التي ألقاها فوكو في جامعة Mc Gill ب Montréal 1971 أشار إلى أنه مدين لنيتشه الذي ” رد الاعتبار للمعرفة مزيحا أكثر ما يمكن الذات و الموضوع “، مفندا أن تكون العلاقة ذات ـ موضوع مكونة للمعرفة : ” فالوهم الأول للمعرفة هو وجود ذات و موضوع ، و اللذان هما بالعكس تشكلا تاريخيا ” . فوكو ( درس حول نيتشه ) ، في درس حول ” إرادة المعرفة ” ص 203 و 204 ) ، في درس Rio de Janeiro 1973 سيوضح فوكو أيضا بأن هدفه هو أن يبين ” بأن ذات المعرفة لها تاريخ ، كما أن علاقة الذات بالموضوع أو الحقيقة لها هي نفسها تاريخ ” . يلزم إذن تدشين نقد جذري للذات الإنسانية من خلال التاريخ ، مادامت الذات قد تشكلت داخله . ثم يؤكد فوكو بقوله : ” إن ما أقوله هنا لا معنى له إذا لم يوضع في علاقة مع نيتشه ” حيث نقف ” على نوع من الخطاب هدفه انجاز تحليل تاريخي لتشكل الذات نفسها ” . ( فوكو : الحقيقة و الأشكال القانونية ) ” كتابات و أقوال ” ص 1407 ـ 1408 . عشر سنوات فيما بعد و في حوار 1983 ، سيؤكد فوكو بأن قراءته لنيتشه قـــــــــــــــــــــد شكلت ” قطيعة “، إذ معه وجد أن هناك تاريخ للذات ، كما أن هناك تاريخ للعقل … ( فوكو : البنيوية و ما بعد البنيوية / حوار مع Raulet / ” كتابات و أقوال ” ج 2 الرقم 330 ص 1255 ) . في مقدمة المخطوط لمحاضرة ” الجنسانية و العزلة ” يشير فريديريك غرو في ” السياق العام لدروس تأويلية الذات ” ، و بعد أن أشار إلى نيتشه ، إلى أن فوكو قد انتهى إلى ما يلي ” يلزمني أن أتخلى عن إنسانية مقبولة نظريا و مشكوك فيها عمليا ، و أنه يلزمني تغيير المبدأ المتعالي للذات بالبحث في أشكال تشكل الذات ” تأويلية الذات ” ص 507 .
9) فوكو ( الكلمات و الأشياء ، أركيولوجيا العلوم الإنسانية ) ، باريس ، Gallimard 1966 .
10) فوكو ( تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي ) باريس Plon 1961 . ( مولد العيادة ، أركيولوجيا النظرة الطبية ) . باريس . p u f 1963 .
11) فوكو ” حوار مع j g Merquior et Rouanet ، في ” كتابات و أقوال ” ج 1 ص 1025 : ضمن ( الكلمات و الأشياء ) يقول : ( فهمت بأنه باستقلال عن تاريخ العلوم التقليدي ، هناك طرق أخرى ممكنة ، تقوم على إعطاء أهمية أقل لمحتوى العلم . طريقة معينة في مساءلة الأحداث التي جعلتني أرى بأنه داخل ثقافة كثقافتنا في الغرب ، فإن الممارسة العلمية لها ظهورها التاريخي ، تتضمن وجود و تطور ممارسة تاريخية ، كما عرفت عددا معينا من التحويلات المستقلة نسبيا عن المضمون . يلزم أن نترك جانبا مشكلة المضمون و التنظيم الشكلي للعلوم ، و أن نبحث في المقابل في الأسباب التي جعلت العلم يوجد أو الأسباب التي أدت إلى ظهور علم ما في لحظة ما ، و أن يتحمل ذاك العلم عددا من الوظائف داخل مجتمعنا) .
12) لقد دشن فوكو مشروع كتابة ” تاريخ الجنسانية ” بأجزائه الثلاثة قي 1976 . كان هدفه هو كتابته في ستة مؤلفات ، غير أن فوكو الذي داهمه الموت لم يصدر ” اعترافات الشهوة الجسدية ” .
13) نطق فوكو الكلمة بالفرنسية .
14) Habermas ( المعرفة و المصلحة ) الترجمة الفرنسية g Clemencon Paris Gallimard 1976.
15) انظر المخطوط الخاص بمحاضرة ” الجنسانية و العزلة ” ، و الذي قدمه Fréderic Gros . سياق دروس ” تأويلية الذات ” ص 505 .
16) في درس 17 يناير 1979 ، من دروس ” مولد السلطة الحيوية ” ، أكد فوكو في تحليلاته تحت زاوية ” النقد السياسي للمعرفة ” ، على ما يلي : لكي يحمل التحليل حمولة سياسية يلزم ألا يهتم بتكوين الحقائق أو بذاكرة الأخطاء ( …) أعتقد بأن ما يحمل أهمية سياسية في الحاضر هو تحديد ما هي أنظمة الحقيقة التي تم بناؤها في لحظة ما (…) هذه هي النقطة بالذات ، حيث التحليل التاريخي يحمل حمولة سياسية ” ( فوكو ” مولد السياسة الحيوية ” collège de France 1978 ـ 1979 ) . يعود فوكو مطولا في درس Louvain إلى ما أسماه ” بالفلسفة النقدية ” ، غير أنه يربط ذاك المفهوم دائما بتحليل لأشكال إثباتات الحقيقة بدلا من شروط و إمكانيات تغير و تحول الذات . ( mal faire dire vrai ) ص 9 . من المهم الإحالة إلى مقاله ” الذات و السلطة ” ، إذ بعد استدعائه لكانط و جوابه عن سؤال ” ما هي الأنوار ؟. ” ، سيؤكد ” بأن التحليل التاريخي للعالم الذي نعيش فيه يشكل ، أكثر فأكثر ، أحد الأهداف الكبرى للفلسفة ” ، و ” أن الهدف الأساسي اليوم ، من دون شك ، ليس هو اكتشاف ، و إنما رفض ما نحن عليه ” ، و ” أن نعمل على خلق أشكال جديدة من الذاتية برفض شكل الفردانية الذي تم فرضه علينا طيلة قرون طويلة ” ( الذات و الحقيقة ) ” كتابات و أقوال ” ، العدد 306 ص 1051 . حول النصوص المخصصة للنقد و الأنوار ، انظر infra ص 106 العدد 5 .
17) من أجل تقديم مواز لموضوعة تقنيات الذات ، انظر فوكو ” الجنسانية و العزلة ” محاضرات ص 989 ـ 990 ، و ” تقنيات الذات ” كتابات و أقوال” ج 2 ص 1604 . تحدث فوكو في المحاضرة التي دشنها في Louvain عن ثلاثة أنواع من التكنولوجيات ( تقنيات الإنتاج ، تقنيات التواصل ، تقنيات الحكم ) ، ليضيف إلى ذلك ” تقنيات الذات ” . لقد مثلت ” تقنيات الذات ” أفقا حقيقيا لتوجيه دروس 1981 ـ 1980 . في تلخيص ذلك الدرس ، سيتم تعريفها بكونها مجموعة من الإجراءات تم وصفها للأفراد من أجل تثبيت هويتهم ، المحافظة عليها أو تحويلها من أجل تحقيق عدد معين من الأهداف ، و ذلك بفضل علاقات التحكم في الذات بالذات أو معرفة الذات بالذات ” ، كما أكد فوكو بأن كتابة تاريخ تقنيات الذات سيكون ” طريقة في كتابة تاريخ الذاتية ” و ” ذلك من خلال التعرف على وضعها و على التحولات التي عرفتها ” علاقاتنا مع ذواتنا ” ، داخل ثقافتنا . ” الذاتية و الحقيقة ” كتابات و أقوال ” ج 2 العدد 304 ص 1032 ـ 1033 . و ” دروس الذاتية و الحقيقة ” الدرس 25 مارس 1981 “. انظر أيضا ” تاريخ الجنسانية ” ، ج 2 ص 16 ـ 17 ، حيث ستصير ” تقنـــــيات الذات ” مرادفا ” لفنون الوجود ” و ” جمالية الوجود ” .
18) انطلاقا من سنة 1978 ، سيلعب مفهوم ” الحكم ” دورا أساسيا في تفكير فوكو ، و ظل كذلك إلى يومنا هذا . يقصد به فوكو شكلا تاريخيا مميزا من السلطة السياسة . لقد ظهرت الحكمانية ما بين القرنين 17 و 18 باعتبارها شكلا من السلطة ” موضوعها و هدفها الأساسي هم السكان ، وشكلها المعرفي المحوري هو الاقتصاد السياسي ، و وسيلتها التقنية الأساسية هي أجهزة الأمن ( الأمن ، الإقليم ، السكان ) ص 111 ـ 112 . غير أن مفهوم الحكم أيضا قد مثل أفقا للتحليل تمت من خلاله إعادة تحديد مفهوم السلطة : ” ترتكز ممارسة السلطة على ” توجيه السلوكات ” و تدبير الاحتمالات . السلطة في العمق هي أقل من نظام المواجهة بين متنافسين ، أو مشاركة الواحد إزاء الآخر . يلزم أن نترك لهذه الكلمة الدلالة الواسعة التي كانت لها في القرن 16 (…) الحكم بهذا المعنى هو بنينة حقل الأفعال المحتملة للآخرين . و بالتالي فإن شكل العلاقة الخاص بالسلطة لن يكون البحث عنه من جهة العنف و الصراع ، و ليس من جهة التعاقد الإرادي ( و التي ليست سوى وسائل ) ، و لكن من خلال هذا الشكل المميز ـ ليس حربيا و لا قانونيا ـ الذي هو الحكم “. فوكو ( الذات و السلطة ) مقال سبقت الإشارة إليه ص 1056 . انظر أيضا ” في حكم الأحياء ” ص 13 و 14 . غير أن المفهوم قد سمح أيضا بتمفصل وجهة النظر السياسية لعلاقات السلطة بالمنظور ” الايتيكي ” لتقنيات الذات ، مما فتح طريق التحليلات حول العلاقة بين حكم الذات و حكم الآخرين . فوكو ” الذاتية و الحقيقة ” . ملخص ص 1033 / ” تقنيات الذات ” ” محاضرات ” ص 1604 / ” ايتيك الذات كممارسة للحرية ” حوار مع Besker و Formet و Muller ” كتابات و أقوال ” ص 1547 ـ 1548 “.
19) يتعلق الأمر بالموضوع الرئيسي ب collège de France 1979 ـ 1980 ( لماذا ووفق أية أشكال ، داخل مجتمع كمجتمعنا ، تم وجود علاقة عميقة بين ممارسة السلطة و ضرورة أن يجعل الأفراد من ذواتهم ، داخل إجراءات تمظهر الحقيقة ، وداخل إجراءات قولها ، فاعلين أساسيين ) . ” في حكم الأحياء ” ص 79 .
20) خلال تبادله للحوار الذي تلا درس 29 ابريل 1981 من درس Louvain . ألح فوكو على هذا التحول الذي مثل بالنسبة له ابتكارا جديدا بل و ” قطيعة ” داخل ” تاريخ الذاتية الغربية ” . و هو يشرح بأن ( ضرورة معرفة الذات بالنسبة للمسيحيين ليس مصدرها هو ” اعرف نفسك بنفسك ” ، و السبب هو أن التقنيات المسيحية لا تهدف إلى إقامة علاقة مع الحقيقة بصفة عامة ( كما كان الحال مع سقراط و أفلاطون ) ، و لكنها تهدف بالأحرى إلى إقامة علاقة بحقيقتها الخاصة ، بحقيقة ذاتها ، و ذلك بخصوص الخطيئة ). ” mal faire dire vrai ص 114 . انظر أيضا حوار فوكو مع j f et de wit في Dits et écrits 2 1477 .1478 ص .
21) يحيل فوكو هنا إلى دراسات Pierre Hadot الذي يرى أن ” الفلسفة القديمة كانت قبل كل شي ء طريقة في الحياة ، كان هدفها إجراء تغييرات لطريقة الحياة بالنسبة للأفراد الذين يمارسونها ، و ليس إقامة نظرية ” . Hadot ” exercices spirituels annuaire de l Ecole pratique des hautes études vol 84 1977 p 25 70 repris dans exercices spirituels et philosophie antique paris Albin Michel 2002 p 19 74 .
22) سيتعمق فوكو في سؤال ” تأويلية الذات ” ليشرح خصائص كلام المعلم داخل الممارسات القديمة للتوجيه ، مدمجا مفهوم la Parresia و التي ” تتطلب ، في العمق ، من جهة المعلم ، فرض الصمت على التلميذ ، كما يلزم على التلميذ أن يصمت من أجل تذويت خطاب المعلم ، الذي يلزم بدوره أن يخضع لقواعد Parresia ، إذا أراد أن يصير ما قاله بمثابة الخطاب الحقيقي الذي على التلميذ أن يجعله ذاتيا بالنسبة له .” تأويلية الذات ” . ص 348 أيضا ص 132 ـ 133 .
23) يحلل فوكو بتفصيل خصائص توجيه الضمير في القديم ، معارضا إياه بالتوجيه المسيحي ، و ذلك في درس 22 فبراير 1978 ( الأمن ، الإقليم ، السكان ص 148 ـ 168) ، وأيضا في دروس 12 و 19 مارس 1980 من ” في حكم الأحياء ” ص 224 ـ 230 و 260 ـ 265 . كما يعالجها في الدرس 3 و 10 مارس 1982 من “‘ تأويلية الذات “‘ ص 345 ـ 348 و 390 ـ 391 .
24) من أجل توضيح هذه النقط يمكن النظر في ” تأويلية الذات ص 94 ـ 96 ـ 131 ـ 133 . انظر أيضا Gros F. في ” تأويلية الذات ” ص 141 .
25) يدرس فوكو الممارسة القديمة لمحاسبة الضمير في محطات متعددة . في درس 12 مارس 1980 من ” في حكم الأحياء ” ، يقارنه بتوجيه الضمائر في المسيحية . لقد عالج فوكو محاسبة الضمير الإغريق الروماني باعتباره ” قطعة أساسية ” داخل تقنيات التوجيه القديمة ، و هو يدرسها عند الفيتاغوريين و الرواقيين ( سينيك و ابيكتيت ) ، ” في حكم الأحياء ” ص 231 ـ 241 . في المقابل و في درس 29 ابريل 1981 في Louvain ، فإن نظام التقديم سيصير معكوسا : سيضع فوكو مباشرة مشكلة ” حقيقة الذات داخل الوثنية القديمة ” ، من خلال تحليلها في صميم الممارسات الدينية الشعبية و الدينية الشرقية ، وكذا مع الفيتاغوريين ومع سينيك ، ثم بعد ذلك سيدمج موضوعة ” الاعتراف للآخر ” في mal faire dire vrai p 91 97 .في الساعة الثانية من درس 24 مارس 1982 يدرس فوكو مسألة التفكر في الآلام و في الموت التي تمارسها الذات على نفسها باعتبارها ذاتا للحقيقة . يستند فوكو هنا إلى التمارين الفيتاغورية وامتحان الصباح مع Marc Aurèle ، و أخيرا امتحان المساء مع سينيك و ايبيكتيت ( تاريخ الجنسانية ص 444 ـ 445 ، 460 ـ 465 ) . فيما بعد ، و في Vermont سيعالج فوكو محاسبة الضمير الرواقي داخل تفكيره حول ثقافة الصمت و فن الاستماع ( تقنيات الذات ، محاضرات ص 1615 ـ 1618 ) . بينما في مقال له في 1983 مستندا إلى مسألة الكتابة و علاقتها بتكوين الذات ، سيستعيد فوكو من جديد محاسبة الضمير عند Sénèque et Marc Aurèle : ” يبدو أن محاسبة الضمير قد تشكلت كحكي مكتوب عن الذات ” ( فوكو الكتابة عن الذات ) ” كتابات و أقوال ” . ج2 ص 1247 ـ 1249 .
26) Sénèque di ira ج 3 سلسلة ” حوارات ” ترجمة Bourgery Paris les Belles lettres 2003 . بالنسبة لجميع تعليقات فوكو ، انظر ” في حكم الأحياء ” ص 235 ـ 241 . ” تاريخ الجنسانية ” ص 157 . mal faire dire vrai ص 94 ـ 97 . ” تقنيات الذات ” ص 1616 ـ 1618 . و أيضا” تأويلية الذات ” F gros . ص469 .
27) يتعلق الأمر ب Quitus sextius le père و هو فيلسوف روماني من القرن الأول قبل المسيح ، حمل توجها فيتاغوريا جديدا و رواقيا ، حيث تحدث عنه سينيك في di ira ص 102 .
28) لمزيد من التوضيح ، انظر mal faire dire vrai ص 94 .
29) يدرس فوكو بالتفصيل كل تلك التمارين ضمن ” تأويلية الذات ” ، و بخاصة دروس 3 و 24 مارس 1982 .
30) جالينوس Galien ” بحث في انفعالات الروح و زلاتها ” ترجمة R . VAN . DER PARIS 1914 . يحلل فوكو طويلا كتاب Galien المذكور ، في بداية الساعة الثانية من دروس 10 مارس 1982 حول ” تأويلية الذات ” ص 378 ـ 382 . انظر أيضا فوكو ” Parresia ” . ص 170 ـ 173 .
31) بلوتارك Plutarque ” Des Progrès dans la vertu ” المؤلفات الأخلاقية . ترجمةA Philippon Paris 2003 p178 . ” إن هذا هو من بين الناس الذين هم في حاجة إلى علاجات طبية . الذين يعانون أوجاع في الأسنان أو الأصابع يذهبون بسرعة للعلاج عند الأطباء . الذين يشعرون بالحمى سيأتي الأطباء عندهم ، و يطلبون نجاتهم . و لكن الذين وصلوا إلى أزمة القلق و الاضطراب و إلى لحظة الضلال ، فإنهم لا يتركون الأطباء يأتون إليهم : يطردونهم أو يقرون أن خطورة مرضهم تمنعهم من إدراك أنهم مرضى . إنهم من بين أولئك الذين يعيشون في الخطأ ، و هم لا يعالجون : إنهم ذوو أخلاق عدوانية إزاء الأشخاص الذين يظهرون لهم أخطاءهم و زلاتهم ، يوبخونهم و يدفعونهم بقسوة . هناك من هم في وضعيات أكثر هدوءا : يتحملون هؤلاء الأشخاص و يتركونهم يأتون إليهم . غير أننا عندما نكون داخل الخطأ ، و نستسلم لأشخاص يعرفون ذلك الخطأ ، نقول لهم ما نحس به ، نكشف لهم ما نحمله من سوء في داخلنا ، فإنهم يدفعونهم إلى الاعتراف لأنهم في حاجة إلى شخص كي يتدخل كموجه و كموبخ ، على أن ذلك لن يكون سوى علامة لا يعتد بها للتطور . ”
32) Sénèque ” في طمأنينة الروح ” ضمن حوارات ترجمة r waltz ص 71 . بالنسبة لكل تعاليق فوكو على الكتاب ، انظر ” في “حكم الأحياء ” ص 235 . ” تأويلية الذات ” ص 86 ـ 126 ـ 129 . fearless speech 150 160 ,
33) Sénèque ” في طمأنينة الروح ” . حوارات ص 72 ـ 74 .
34) إن موضوعة ” الحقيقة باعتبارها قوة ” هي بالتأكيد غير موجودة مع فوكو ، مثال ( دروس حول إرادة المعرفة ص 71 ـ 74 ، 81 ـ 82 ) ” يجب الدفاع عن المجتمع ” دروس 1975 ـ 1976 Ed Bertani et Fontana Gallimard 1997 . في ص 45 ـ 46 من ” في حكم الأحياء ” سيعالج فوكو الموضوع من منظورات مختلفة ، و سيستعيده في Collège DE France في دروس 1981 ـ 1982 ، حيث قدم فوكو التصوف Ascèse « askesis » القديم ” كممارسة للحقيقة ” بمعنى كسلسلة من التمارين التي تستهدف ” تغيير كينونة الكائن ” ، و أن يشكل ذلك ” غاية أخيرة بالنسبة له ، من خلال ممارسة الحرية ” . حيث يؤكد بأنه يلزم ( على هذه الحقيقة أن تمس الذات ) ، الذات هنا كموضوع للحقيقة . يتعلق الأمر بنوع من التجهيز Paraskeue ” Equipement ” : يهدف التصوف القديم إلى تجهيز الذات لكي تجيب في اللحظة التي تصادف أحداث الحياة ، هذا الإعداد أو التجهيز هو مكون من خطابات التي هي في الحقيقة خطاطات ، مؤشرات ذات فعالية عملية ، يوظفها الفرد بشكل عفوي . كما لو أن تلك الخطابات قد صارت منتظمة مع العقل الخاص للفرد المكون ، مع حريته و مع إرادته . لا تقول له ما يلزم أن تفعله و لكنها تفعله فعلا ، بصيغة عقلانية ضرورية لما يلزم القيام به . إن الغاية من الخطابات هي ” تذويت خطاب الحقيقة ” ، ( تأويلية الذات ) ص 233 ـ 303 ـ 313 . انظر أيضا فوكو ” تقنيات الذات ” محاضرات ص 1618 . انظر أيضا ” تقنيات الذات كممارسة للحرية ” ص 1532 .
35) تحدث فوكو سابقا عن gnômê في محاضرته عن ” معرفة أوديب ” ، و التي ألقاها مرتين في 1972 في أمريكا . في ” أوديب ملكا ” لسوفوكل ، فإن gnômê هي مع techne ، الإسناد الأساسي للمعرفة و السلطة مع أوديب ، ذلك انه بفضلها سيعمل على حل لغز أبي الهول . يشرح فوكو أن gnômê يعارض شكلا من المعرفة ينبني على تعلم شيء من شخص . إنها معرفة ” لا تتعلم شيئا من أي كان ” . م فوكو ( معرفة أوديب) ، انظر أيضا فوكو ” الحقيقة و الأشكال القانونية ” محاضرة سبقت الإشارة إليها ص 1434 . سيعود فوكو إلى الكلمة بشكل مفصل في درس 23 يناير 1980 من ” في حكم الأحياء ” ، و ذلك في سياق قراءته لأوديب ملكا : تعني gnômê ( رأي ، طريقة في التفكير و في الحكم ) في تعارض مع معرفة تم الحصول عليها بعد بحث أو اكتشاف للحقيقة . بدقة أكثر فالكلمة تقنية و هي جزء من المعجم السياسي القضائي ليونان القرن الخامس ” ، و التي تعني الرأي الذي يقدمه المواطن خلال مناظرة سياسية أو بعد محاكمة قضائية ( في حكم الأحياء ) ص 55 و 66 . حول هذه المعطيات ، انظر j P Vernant et P Vidal Naquet ( الأسطورة و التراجيديا في اليونان القديمة ) Paris Maspero 1972 . يبدو أن فوكو ، في محاضراته ، قد أعطى ل gnômê تأويلا مختلفا : في نفس الوقت ” وحدة الإرادة و المعرفة ” ، و ” جملة قصيرة تظهر الحقيقة من خلالها في كل قوتها منغرسة داخل روح الناس ” ، كما يستعيد فوكو الكلمة في درس Louvain 1981 ، و يقصد به في نفس الوقت معرفة و مبدءا ، حقيقة و قاعدة ” . mal faire dire vrai ص 130 . كما ستعيده بصورة ضمنية في ” تأويلية الذات درس 17 فبراير 1982 ” حيث تحدث عن ” توصيات موجهة إلى التلميذ ، في ” الرسائل إلى لوقيليوس ” ، حيث يقترح عليه تمرينا للتأمل انطلاقا من مسار معرفي يأخذ المعرفة بصفة عامة ” ( تأويلية الذات ) ص 250 .
36) بحسب فوكو فان المسيحية قد ” ورثت ” مجموعة من التقنيات التي وجدت في الفلسفة القديمة غير أنها وظفتها داخل إطار مختلف ، مميزا بكيفيات جديدة لممارسة السلطة و بأشكال غير مسبوقة لاستخلاص و انتزاع الحقيقة . بهذا المعنى فالتذويت القديم يمتلك مفعولات للتذويت معارضة للتقنيات القديمة ، معطية الفرصة لذات ” حيث استحقاقاتها هي محددة بطريقة تحليلية ” ذاتا خاضعة داخل شبكة مستمرة من الإخضاع و الطاعة ، و تذويتا عبر انتزاع الحقيقة التي يتم فرضها ” ( الأمن ، الإقليم ، السكان ) ص 188 .
37) في الساعة الثانية من درس 24 مارس 1982 من ” تأويلية الذات ” ، أكد فوكو بأن التصوف الفلسفي ” ليس أبدا من نوع التصوف المسيحي ، و الذي وظيفته بالأساس هي أن يحدد ما هي التكفيرات الضرورية التي يلزم أن تؤدي إلى النقطة الأخيرة للتكفير عن الذات ” ، التصوف الفلسفي هو طريقة معينة في تكوين ذات المعرفة الحقيقية كذات للفعل الصحيح ” . ” ذات تقدم نفسها كتوافق مع العالم ، الذي هو عالم منظور ، معروف و ممارس كامتحان ” . ” تأويلية الذات ” ص 465 .