بقلم علي محمد اليوسف / الموصل
تعريف اولي:
يذهب امام عبد الفتاح امام في هامش تقديمه وترجمته لكتاب الفيلسوف والتر ستيبس(التصوف والفلسفة) ص259 الذي نعتمده كمصدر وحيد في هذه المقالة, ان مصطلح وحدة الوجود pantheismيوناني مؤلف من مقطعين pan بمعنى شامل أوعام وtheism بمعنى الاله, ومن جمع المقطعين يكون عندنا معنى شمول الالوهية لكل شيء , او ان وجود الله ووجود العالم هما ضرب واحد من الوجود.
ومذهب وحدة الوجود في الكتابات المسيحية التصوفية يشير الى العلاقة بين الله وجزء خاص من العالم, الذي هو الذات الفردية للمتصوف عندما يصل حالة الاتحاد الصوفي بالله.وينسب للبروفيسور ابراهام ولف (ان وحدة الوجود في الفلسفة واللاهوت تعني النظرية التي تقول ان الله هو كل شيء, وكل شيء هو الله, فالكون ليس خلقا متميزا عن الله, فالكون هو الله , والله هو الكون).(1)
لاشك ان التصوف يرتبط ارتباطا وثيقا بالدين واللاهوت الديني في جميع اشكالاته اكثر من محاولات طرحه كاشكالية ترتبط بالفلسفة او المنطق خاصة في المسيحية, ,وهذه الإشكالية ليست لغوية صرف في التأكيد على البلاغة والمعنى كما هو مطروح متداول في الفلسفة الغربية المعاصرة(البنيوية و التفكيكية). وربما تكون دراسة التصوف فلسفيا احدى هذه الإشكالات التي ليس من السهل البت بها او التوصل الى نتائج يمكن الركون لها والتسليم بها, لذا نجد من العبث ربط إشكالية التصوف باشكاليات الفلسفة وموضوعاتها لأننا والحالة هذه لن نصل الى مايرضي الفلسفة ويرضي التصوف معا, فالغيبيات الدينية الميتافيزيقية التصوفية طاغية بشكل يصادر الجهد الفلسفي كمنطق لغوي تجريدي صارم في وصاية العقل عليه في محاولة اقتفاء اثر العلم وقيادته للفلسفة بدلا من العكس الذي كان سائدا في مباحث الفلسفة القديمة, الجديد هنا بما اطلق عليه كانط وديكارت ونيتشة منذ القرن السابع عشر نهاية الميتافيزيقا وأن ميادين مباحث الميتافيزيقا مضيعة للجهد الفلسفي, فهي ميادين بحثية لا معنى حقيقي لها, وهي المانع الأهم في عرقلة إمكانية الوصول الى مفاهيم تساعدنا على فهم التصوف فلسفيا.وعليه تكون الجهود المبذولة في ربط التصوف بالفلسفة هي من باب الاجتهادات الفردية في مسائل قد يأتي يوم يؤخذ على الفلسفة انها حاولت العناية بموضوع لايقبل الصدق او الوثوق به في نفس وقت انعدام البراهين التي تجعلنا نثق به وبذا يكون التصوف (ديني وميتافيزيقي فلسفي معا) اذا اريد له ذلك والعودة المتكررة لدراسته فلسفيا.

وحدة الوجود في الاديان:
لايؤمن الإسلام بوحدة الوجود الديني ولا التصوفي, ويقول والتر ستيبس (ان الإسلام يصر على ان بين الله والانسان هوّة ومن ثم فهو ينكر وحدة الوجود.)(2) لكن متصوفة الاسلام يلتقون مع المتصوفة المسيحية واليهودية نوعا ما, ومع الهندوسية والبوذية التي تؤمن جميعها بوحدة الوجود لاهوتيا دينيا,ويتوّسل متصوفوها العرفان الاشراقي الحلولي لتحقيق اندماج الذات التصوفية في النور الإلهي الغامر والذوبان النفسي الروحي فيه بطريقة اتحاد لا يدرك ابدا, في تجاوز فيزياء الطبيعة والوجود وقوانينهما التي تحكم علاقة الانسان معها ومع الحسي والوجداني العاطفي النفسي ناهيك عن العقل في(مجاوزة الزمان والمكان كليّا). ورغم ان الديانات الوثنية لا تعترف بوجود الله الخالق لذا فهي تربط الحلول الذاتي والتصوفي مع براهما او بوذا في بلوغ النرفانا التي هي معناها الخواء والعدم والامتلاء معا, و تحقيق اشباع الانجذاب التصوفي الروحي الحلولي تجاه المعبود وفي تدّبر آيات الخلق والوجود الللامتناهي غير المحدود في اسراره وجماله ونظامه في الطبيعة والكون.
الخواء والعدم والحقيقة تعابير مجازية غيرادراكية وجوديا متحققا في الفلسفة ولا في الاديان, فهي من وسائل ادراكنا للوجود والاشياء, ولا وسيلة للانسان في ادراكها هي بذاتها كحقيقة مسّلم بها, انها (واسطة الدلالة) والاستدلال بها وليست مدركات موضوعية يمكننا التحقق منها بذاتها لا وجودا ولا ماهية, فهي غير قابلة للتحقق وبلا معنى من أي نوع سوى معنى الاستدلال بها على غيرها في تجدد الفكر الفلسفي باستمرار لا يتوقف .
وحجّة الذين ينكرون وحدة الوجود التصوفي يذهبون ان هناك حاجزا يفصل الهوية الفعلية للارواح عن الخالق او المعبود.(3) رغم ادعاءات المتصوفة في مقدمتهم متصوفة المسلمين بوحدة الوجود دينيا التي ينكرها عليهم بعض فقهاء الدين الاسلامي وفلاسفته. الإسلام يفهم وحدة الوجود في آيات الله في خلقه الانسان, وصفات الله في الطبيعة والكون وفي مخلوقاته فقط, أما وحدة الوجود في الكيفية المغايرة بين الخالق والمخلوق فلا تمر بسهولة في الفقه الديني الاسلامي.
وان وحدة الوجود البشري مع الله في كسر قوانين الطبيعة ودعوى الاتحاد به شرك في العديد من مذاهب الدين الاسلامي.وفي هذا المعنى يقول الامام الغزالي:( الفناء في الله غاية التصوّف التام, ولقد تخيّل البعض انهم اصبحوا مع الله في وحدة, وتخيّل غيرهم انهم مع الله في هوية ,وتخيّل فريق ثالث انهم ارتبطوا به, لكن كل ذلك غلط .)(4)
في حين تبدي المسيحية الموافقة (المشروطة) على وحدة الوجود(الله والطبيعة والانسان) معتبرة وحدة الوجود لا تتقاطع مع الثوابت اللاهوتية في الديانة الميحية , لكن بعض المذاهب المسيحية تلتقي بنظرة الإسلام وتعتبر وحدة الوجود التصوفي (هرطقة ) من حيث ان الوصول الى الانا الفردية الخالصة المتجردة عن انسانويتها تماما لا تتوفر للإنسان ذي القدرات المحدودة المقّيدة بعاملي الزمان والمكان اللذين ليس من السهولة والمتاح مجاوزتهما,وكذلك عامل محدودية قدرات الانسان تجاه الذات الإلهية العصّية وماهيتها الغامضةعلى كل التصورات والادراكات العقلية المادية او الحدسية او الخيالية.التي تفتح الطريق امام المتصوف ولوج مرحلة التسامي الروحاني الى ما فوق الوجود الفيزيائي للانسان, التي يجادل المتصوف في نسبتها له وتعّلقه بها في حب وعشق الخالق والذوبان في تجليّاته وفي كليّته الذاتية.
انه لمن المهم ان فهم التصوف في المسيحية بخلاف الاديان الاخرى مستمد من معجزات المسيح في ولادته وفي صلبه وفي قيامته وفي معجزاته المنسوبة له في احياء الموتى وغير ذلك, وفي غير هذا لا يكون فهم التصوف المسيحي الا عبارة عن مفردات لا هوتية مبهمة على الفهم والتأويل ولا تخرج عن دائرة مقولات الصوفية الغامضة في التجربة وما بعدها.
وحجة المتصوفة ان الكشف الصوفي لا يدرك بالعقل وهو ايمان يقذفه الله بصدر من يختارهم في محبته, ويؤكد والتر ستيبس انه في تراث الأديان السامية عموما ,هناك هوّة تفصل بين الخالق ومخلوقاته ولا تستطيع روح الفرد ازالتها بل ينظر الى ازالتها بانها تجديف.انه لمن المؤكد ان تغييب العقل كفاعلية ادراك حدسي او نفسي, واحلال الايمان العفوي الصوفي بدلا منه, لا يجعل من تجارب الصوفية حقائق يمكن التسليم بها بسهولة ويسر.
الحلول الاشراقي في الذات الالهية
يصف منصور الحلاج وصوله مرحلة التسامي والحلول والاشراق العرفاني بالله بقوله مرددا (انا الحق) وهي لفظة ناقصة مستمدة من عبارة السيد المسيح(انا الحق والحياة والطريق) وكثيرا ما يتحدث الحلاج عن الروح الإلهي والروح البشري على انهما محبّان يتناجيان في حالة من العشق و الغبطة والسكر والنشوة الممزوجتين تماما كما في الابيات التالية:
مزجت روحك في روحي كما — تمزج الخمرة بالماء الزلال
فاذا مسّك شيء مسّني — فاذا انت انا في كل حال
انت من اهوى ومن اهوى انا — نحن روحان حللنا بدنا
كما يقول السهروردي:
لا تظنوني بأني ميت — ليس ذا الميت والله انا
ويعتقد اللاهوتيون (المؤلهة) في المسيحية الذين ينكرون امكان تحقق الحلول العرفاني, بخلاف ابيات الحلاج الشعرية التصوفية والسهروردي الذي ادعى أيضا ان الله كلمّه مثلما كلّم النبي موسى في كتابه (الغربة الغريبة), وبحسب اللاهوتيين المؤلهة المسيحيين (انه حتى في حال الاتحاد بالله فلابد ان تظل فردية المتصوف منفصلة ومتميزة عن الله).(5) وهو امر مفروغ منه لا يحتاج مناقشة اثباته لاقناع غير المتصوفة من الناس.
انه من المشكوك به اثبات وصول المتصوف مرحلة الاندماج بالذات الإلهية الكلية التي حسب الادعاءات الصوفية تتجلى في حدس مبهم غامض لا يتاح الإفصاح عنه او شرحه جماعيا من قبل أصحاب التصوف فهو فوق قدرة فهم الوجود الإنساني معرفته حسّيا او الإحاطة بجزء منه خياليا ام عقليا, وحتى في الأديان الوثنية البوذية والهندوسية, فالقدرات البشرية مهما تسامت فوق قوانين الطبيعة وادراكات الزمان والمكان فهي تبقى قدرات محدودة مكبّلة وعاجزة في الحلول في فضاء الانجذاب النوراني الرباني والذوبان الاتحادي فيه, لانها بالنتيجة لا يمكنها ان تترك وقع اثار اقدامها على الأرض.
فطبيعة الانسان لا يمكن ان تتشابه مع اية طبيعة او كيفية متصورة ذهنيا للاله الخالق في حال اقرارنا إمكانية تشيؤ(الله) على شكل او صورة من الادراك التي يستطيعه البشر فهم هذا التشيؤ الافتراضي المستحيل ازليا.
ورغم ذلك يذهب بعض الفلاسفة الى القول( ان الله بلا كيفيات ولا صفات , وانه ليس للواحد كيف ولا خواص , والله في ماهيته التي لا تولد هو ماهية جوهرية بغير شخصية الماهية التي تتجلى كوجود غير شخصي)(6).
كما انه ليس من السهولة ان نجد ذاتا الهية تخصّ بعضا من البشر بنوع من المحبّة والأيثار دون غيرهم وتقرّبهم من الاتحاد بأناها الإلهية, وامام هذا المأزق نجد ان المتصوف يدور في حلقة مفرغة قطباها أولا الدوران حول الذات في عوالم من التصورات الانجذابية الحلولية التخييلية اللاشعورية, وثانيا الدوران حول التهرب من الإفصاح عن التجربة التصوفية التي يمر بمراحلها المتصوف بواسطة الدلالة اللغوية او الرمزية والاشارية ليفهم الآخرون تجربته ويؤمنون بها.
وبهذين المعنيين تنعدم امامنا صدقية التجربة الصوفية من عدمها في زيفها وادعاءاتها لأننا لا نستطيع الحكم على شيء لا يفصح عن نفسه او دلالاته بأية وسيلة ادراك حدسية او عقلانية تثبت صدقيته او نفيها, واذا كانت التجربة التصوفية هي احاطة الانسان الصوفي المحدود القدرات لما لا يستطيع بقية البشر مجاراتهم به, فهذا يزيد الشك ولا يدعم التجربة وصدقيتها.
ونجد هذين الافصاحين يرددهما جميع المتصوفة وفي جميع الأديان وفي مختلف العصور ومختلف الثقافات والأمم. من ان تجاربهم الصوفية هي من الاسرار التي لا يجوز البوح بها للآخرين وانها تفوق الوصف ومن غير اللائق بالمتصوف الحديث عنها!! ويشير والتر ستيبس (الى ان الاوبنشاد الف وخمسمائة ق. م وهي اقدم الوثائق المعروفة عن التصوف الهندي, وهي تصف على نحو ثابت لا يتغير التجارب الصوفية بانها بلا صوت ولا شكل وغير ملموسة وتخلو تماما من المضمون الحسي). (7)
وعن مقاربة هذه الدلالة والمعنى نجد القديسة تيريزا , من منطلق استحالة الكتابة عن التجربة الصوفية اثناء حدوثها والمرور بها, وانما يتم ذلك بعد الخروج منها ومحاولة تذّكر وقائعها تصف التجربة الصوفية لنا قائلة:(اثناء الغبطة نفسها كثيرا ما يكون البدن كأنه ميّت وعاجز تماما, وتضعف الحواس وتهن غير ان قوة الابصار والسمع تبقى بصفة عامة, لكن كما لو كانت الأصوات المسموعة والاشياء المرئية تقع على مسافة بعيدة جدا, وانا لااقول ان النفس تسمع وترى عندما تكون الغبطة في قمتها, عندما تضيع الملكات بسبب الاتحاد العميق بالله, فانها عندئذ لا تسمع ولا ترى ولا تدرك, وهذه التحولات التامة لا تستغرق سوى (لحظةّ!!).(8)

التصوف بين الذاتية والموضوعية
يقسم المختصون بدراسة الصوفية الى ان جميع تجاربها يمكن اجمالها جميعهاعند مختلف الأمم ومختلف العصور والازمنة في منحيين, هما أولا التجربة المسماة الانبساطية في حب الله وعشقه, والتي يطلق عليها أيضا الغبطة واللذة. والثانية التجربة الانطوائية المتأملة ذاتيا في تداعيات الحلم التصوفي والانجذاب, وهي تجربة ربما يعتبرها البعض اكثر نضجا من التجربة الانبساطية في التصوف لكن ربما كان مجال الزيف يعتورها اكثر.
وفي الوقت الذي يذهب فيه وليم جيمس وبرود وكتاب اخرين الى ان التجربة الصوفية ذاتية وليست موضوعية , وهو رأي اكثر مقبولية من دعاة ان التجربة الصوفية موضوعية, فالادعاء بان الذات الكلية الإلهية هي حقيقة واقعية موضوعية فيها الكثير من شبهات التجسيم الإلهي الذي يرفضه الإسلام وخاصة في اراء فرقة( المعتزلة) وهو رأي يعتّد الاخذ به فلسفيا ايضا, فالمتصوف الذي يعي ذاته هو عندما يجد ان الذات الإلهية ذات مفارقة لوجود الانسان ووعي هذا الوجود لا يتم الا بالمفارقة, وبالاقرار في هذا التباين الكيفي لا يعطي المتصوف مشروعية ان يكون جزءا منفصلا او متحدا مع الكلية الإلهية التي يدركها وهو محال عقليا فيزيولوجيا لغير المتصوف ادعاؤه, وفي كلا الادعائين فان الذات هي الفاعلة وفي هذا مصداقية لمقولة ديفيد هيوم في تعريفه (الانا) بانها ليست سوى تيار الحالات الواعية, ويكون هيوم بهذا يزرع بذور الشك بالروحانيات ويستبطن نظرية الالحاد في عدم وجود الله في ثنايا عبارته, والأكثرمنها انه يستبعد نهائيا ان يكون لتداعيات وخيالات اللاشعور قدرة امتلاك وثوقية الحقائق الواقعية او الموضوعية.كما انها عاجزة عن امتلاك الادراك والتصورات التي تثبت الكلية الإلهية حقيقة واقعية او موضوعية.وهذا التفسير لا تستطيع دحضه الأديان من غير الإسلام ولا الفلسفات التي تعترف بصدقية التجارب الصوفية ولا زالت القضية موضع تجاذب ونقاش مستمر.
في تعريف الموضوعية:(ان المعيارالمطلق لمعنى الموضوعية هو انها نظام او ترتيب يخضع لقوانين الطبيعة)(9) وهو معيار مختلف تماما عن معنى الذاتية التي هي نظام شعوري تارة, ونظام لا شعوري تارة أخرى ويستطيع كسر حاجز قوانين الطبيعة كما في حالات النوم و الاحلام والتخييل او التصوف, وبهذا يصعب البت في إعطاء التخييل الحلمي وبضمنه التصوفي على ان ما يدركه ويعيه انه شيء حادث او ممكن الحدوث في الواقع او في الخيال على اعتبار ان الله عصّي على التشيؤ في اية صورة يستطيع الانسان ادراكها.
كما ان الله هو وجود بلا ماهية ولا جوهرولا صفات يخلعها الانسان وينسبها لمعبوده انه كامل في كل شيء.ولا يتمكن عقل الانسان ادراكها ,والوجود الإلهي وجود مفارق لجميع الموجودات في الطبيعة والانسان وعالم الأشياء.ان القول وجود الله في ماهيته يبقى قاصرا في اثباته معنى وثوقيا يمكن الاخذ به وتصديقه.

ان القول بان وجود الله هو المطلق لا يحده زمان ولا مكان ولا صفات ولا كيفيات, وهو الكمال الذي لا يستطيع الانسان ادراكه بأية وسيلة من ضمنها تجربة التصوف تجعل الامور اكثر تعقيدا في نفيها لما تريد اثباته ووجوده.
لا يستطيع المتصوف ادعاء ان الذات الكلية الإلهية التي يتحد او يتواصل معها انها كليّة (ذاتية) فقط او كليّة (موضوعية) فقط وانما يقول هي كلية ذاتية وموضوعية في وقت واحد, وفي كلا الافتراضين فان هذه الكلية متمايزة جوهريا بذاتها وماهيتها وخصائصها, ان تكون حاملة لأي من مواصفات البشر التي يمكن ادراكها بوسائل الادراك البشري والاتحاد بها. كما اننا في كلتا الحالتين يتعذر علينا نحن غير المتصوفة الوثوق في إمكانية الاتحاد بهذه الكلية الإلهية تصوفيّا.
فاذا اعتبرنا الكلية الإلهية ماهية ذاتية مدركة او غير مدركة, في مقابلة الوجود البشري التصوفي كذات أيضا بمواصفات كيفية اختلافية جدا عن الخالق, فمن المتعذر التصديق بالقول امكانية الاتحاد المتبادل بينهما معا , وان ما يمر به المتصوف ليس اكثر من تداعيات وتصورات يتداخل بها النفسي اللاشعوري مع الموضوعي الحسي بمعزل عن وجود آخر حتى لو كان اثيري او نوراني تتجلى به الذات الكلية للمتصوف.
كذلك ان نقول الذات الكلية الإلهية موضوعية تنفي امكانية التواصل بها لما تحمله من تجسيم لا يتعدى مدارك ووعي الصوفي في اسباغ كل تداعيات اللاشعور الذاتي على موضوعه المفترض خياليا فقط. وبهذا المعنى يمكننا اعتبار التجربة الصوفية مرحلة متأخرة من تطور الدين عبر الازمان في حتمية اقترابه من تساؤلات العلم ومنجزاته الدائمية المتلاحقة.
يجيب افلوطين وهو فيلسوف متصوف عاش في الإسكندرية في العصر الهيلينستي عن سؤاله كيف للمتصوف ان يعرف المتناهي؟ أجاب بقوله:المتصوفة لايعرفون اللامتناهي عن طريق العقل ,لان وظيفة العقل التمييز والتحديد, ولا يمكن ان يكون اللامتناهي على مرتبة واحدة في موضوعاته …انك لا يمكن لك ادراك اللامتناهي الا …..بالدخول في حالة لا تعود انت فيها موجود ولا ذاتك المتناهية…. وهذا يعني تحرر ذهنك من الوعي المتناهي, وعندما تتوقف ان تكون متناهيا فانك تصبح واحدا مع اللامتناهي …………كما ان روح المتصوف كما يرى افلوطين تختفي باتحادها اللامتناهي وتصبح معه واحدا لكنه يستدرك قائلا: ان اللامتناهي هو واحد مكتف بذاته, والمتصوف انسان قائم بمواصفات محدوديته وعجز قدراته ان يكون مكافئا في تحقيق اتحاده مع الخالق.(10). لا اعتقد تناقض افلوطين يحتاج مناقشة اثباته .
وحدة الوجود والفلسفة
في السطور السابقة اشرنا الى فشل وعجز الاجماع في دعم النظرية التي تقول ان التجربة الصوفية تشهد او هي دليل على وجود حقيقة واقعية تتجاوز الذاتية الفردية للوعي الصوفي ,(وان التجربة الصوفية ليست ذاتية وحسب, بل هي في صميم ما يزعمه المتصوفة انها تجربة مباشرة بالواحد ,وبالذات الكلية, والله).(11)
يعتبر اسبينوزا اهم فلاسفة وحدة الوجود, ويذهب في مذهب وحدة الوجود ان الله والطبيعة مفهومان مترادفان لمعنى واحد ولا يقر بوجود خالص خارج الطبيعة, والكون عنده يتألف من جوهر وصفاته وهي صفات الله ولا يوجد شيء غير ذلك وأن الطبيعة والله كينونة وجودية واحدة جواهر وماهيات.(12)
ان اسبينوزا هنا لا يقر بوجود خالق قائم بمواصفات ذاتية بمعزل عن توزّعات هذه الصفات الالوهية على الطبيعة وقوانينها التي من ضمنها الانسان في تغطية وحدة الوجود وان كل شيء في الوجود والكون هو في النهاية يدّخر ذاتيا خصائص الهية هي من صنع واغداقات الخالق على الطبيعة والانسان بكل مميزاتها البشرية وتعقيداته الوجودية التي تعزى الى الخالق في غموضها المستعصي على الوضوح في اغلب الأحيان وتعتبر بمثابة اعجازات الخالق في مخلوقاته ( الانسان وفي الطبيعة).
وتمتاز هذه الموجودات بانها جواهر وصفات غير محدودة ولا نهائية لا يمكن احاطتنا بجميعها ولا وجود لشيءخارجها منفصل عنها.بمعنى مختصر ان الله هوصفات مخلوقاته في كيفياتها اللانهائية فقط ولا وجود له (الله) على شاكلة أي نوع من الصفات المستقلة به ذاتيا الغير مدركة في بعضها في الطبيعة والانسان والنظام الكوني الذي يجعل الوجود واحدا في تداخل الإلهي كصفات أرضية وطبيعية فيه مع البشري والطبيعي والكوني بما يستلب من الانسان مركزيته الوجودية وحاجته الى رد الأمور المستعصية على تحملها الى قدرة الله المتجلية في بعض مظاهرها امامه في نفسه وفي الطبيعة وتشعره هذه الالوهية بالتقزيم الملازم لوجوده.
اذن وحدة الوجود الاسبينوزي تدحض بالصميم ان يكون الخالق ذاتا او موضوعا او هوية مستقلا يمكن ادراكه ويتأمله بعض الناس المتصوفة دون غيرهم.فالواحد الالهي هنا في هذه الحالة هو في حقيقته (كثرة) متوزعة بما لانهاية له من التجليّات والصفات, غير محدود ولا نهائي وليس واحدا كيانيا قائما لا في ذاته ولا كموضوع لذا يكون من المتعذر على الصوفي ان يتحد بالذات الإلهية كما يدعي حتى في حال اعتبارنا وحدة الوجود هنا منطلقا فلسفيا لا صوفيا.
وعن صحة ما ذكرناه نجد الفيلسوف والتر ستيبس يعبر بالكلمات التالية: ان وحدة الوجود هو الفلسفة التي تؤكد القضيتين الاثنتين التاليتين والمتلازمتين معا:
- العالم يتحد مع الله في هوية بسيطة واحدة.
- العالم متميز عن الله بمعنى انه لا يتحد معه في هوية واحدة.(13)
كما ان ايكهارت وهو من كبار الفلاسفة الصوفية قوله ( لايعوق الروح عن معرفة الله مثل إعاقة الزمان والمكان, فهما شذرات في حين ان الله واحد. ومن ثم اذا ارادت الروح ان تعرف الله فلابد ان تعرفه خارج المكان والزمان , لان الله لازماني ولا مكاني , على حين يتجلى الزمان والمكان في جميع الأشياء)(14) .
ورفض ديفيد هيوم و معظم فلاسفة الوضعية التجريبية والتحليلية الإنكليزية مثل فرانسيس بيكون وجون لوك وجورج مور وبراتراندرسل إمكانية ومقدرة وصول المتصوف مرحلة وجود الانا الخالص التجريدي والمتحرر من مقيّدات الوجود الإنساني الواقعي الطبيعي الفيزيائي المحكوم في الزمان والمكان. ويضيف هيوم دحضه وجود الانا الخالص في تعريفه الانا:( ان الانا الخالصة ماهي الا تيار الحالات الواعية)(15) بمعنى وعي الذات لوجودها المادي والتخييلي التصوري وادراكاتها للمحيط والموجودات إدراكا ذهنيا عقليا حسيا شعوريا وبهذا ينفي هيوم الوجود المادي ان يكون سابقا على الفكر والادراكات والتصورات كلية في تأكيده ان الذات ادراك واعي بذاته وهويته الوجودية. وان وجود الشيء هو ان يدرك, وهي قمة المثالية التي يشاطره بها بيركلي عندما يقول لا وجود لشيء خارج ادراكي له فكريا وذهنيا , وفي حال تجرّد الانسان من حواسه في ادراك الوجود سوف لن يكون هناك وجودا قائما بذاته كما تذهب له المادية في ان وجود الشيء يسبق ماهيته وادراكه والتفكير به.طبعا هذه المثالية عند بيركلي ليست غير واقعية وحسب بل هي مثالية ذاتية ساذجة بحق.
ان الزعم بتحقق وحدة الوجود تصوفيا امرا لايمتلك براهينه الفلسفية المنطقية فاذا اخذنا(النوع الانطوائي من التجربة الصوفية ,فهي غير حسّية مادامت جميع الاحساسات والتصورات استبعدت منها )(16) لكنها تبقى تجربة ذاتية غير موضوعية (فهي ذاتية بالمعنى الذي يكون فيه الهذيان والهلوسة والاحلام مصادر تنبعث بالضرورة ذاتيا وليس موضوعيا)(17) أي ان هذه الحالات عند المتصوف لا تخضع الى انتظام قوانين الطبيعة في فهم ماهو الموضوعي.لكن اذا ما اخذنا المتصوف كوجود متعين زمانا ومكانا من خلال تجريده عن جميع حالات الهذيان والاحلام التخييلية فيصبح وجوده موضوعيا ماديا لاعلاقة له بالفكر المدرك لوجوده في وعي ذاته,ولا بحالات الهلوسة التي امتلكت صفة الذاتية المنعزلة عنه,وهوتصنيف غير مقبول منطقيا,كون الانسان وجود مادي يتحدد بالعقل والفكرواللغة والخيال والوعي, وبزوالها او بعضها لا يبقى وجودا نطلق عليه (انسان) لكن ما يبرره افتراضا غيريقيني ثابت معرفيا هو ادعاء المتصوف ان حالاته الحلمية التخييلية تمتلك موضوعيتها من موضوعية وجوده الأرضي المتعين التي اكتسبها من مقارنه وجوده مع الوجود (الموضوعي) للذات الإلهية التي يدعي حدسها والتقرب المتزايد منها كذات وموضوع. وهو مالا يؤخذ به لأنه لا توجد لحد الان براهين لا هوتية ولا علمية تؤكد وجود الخالق بالمواصفات الذاتية الماهوية او الصفاتية التي لا نحدسها ومعنا يشترك المتصوفون بها أيضا في هذا العجز.
كما لا نعتقد أن الصوفية حسمت أمرها في ان الادراك التصوفي لله يقوم على اعتبار الله (ذاتا) بمواصفات الهية يصعب على الانسان الإحاطة بها او الاتحاد بها؟ ام ان الله موضوع تأملي بمواصفات الهية ليس من اليسير الإحاطة بها او ادراكها ايضا؟ وفي أي من العلاقتين يتحدد الادراك التصوفي للذات الالهية؟ في اعتبارها ذاتا ام موضوعا يتيسر للذات البشرية الحلول والذوبان الاشراقي في الوجود الإلهي وكيف؟ ليس هناك من أجوبة شافية قاطعة.وبضوء ما ذكرناه (نجد اجماعا من جميع متصوفة العالم الى ان التجربة الصوفية لا هي ذاتية ولا هي موضوعية, وهم لم يصلوا الى هذه النتيجة استدلالا منطقيا مقبولا, وانما يشعرون به حدسيا وهي التاويل الوحيد الطبيعي لتجاربهم)(18).
ديكارت وتغييب العقل في الايمان الدين

يزعم البعض خطأ ان ديكارت في منهجه الشكي النسقي القائم على العقل لم يستثن دور العقل في معالجة قضايا الميتافيزيقا , ودور العقل في الايمان الديني, وكما ان العقل هو هبة ربانية كما هي هبة الايمان, فان بامكانه ان يقدم دلائل عقلانية لادراك الوجود الإلهي في خوارق الطبيعة, وهذا تبرير مبالغ يغطّي لديكارت انه استثنى الايمان الديني من استدلال العقل في اثباته.
طبعا لم يكن ديكارت وحده أعلى من قيمة العقل في فهم الحقيقة الفلسفية والوجود ,فمثله كان شوبنهور وديفيد هيوم وجون ديوي وجورج مور وجون لوك وليس آخرهم براتراندرسل, فهؤلاء جميعهم وصلوا الى قناعة فلسفية وعلمية في وجوب ابعاد العقل والمنطق الفلسفي في معالجة قضايا الميتافيزيقا ومسألة الايمان الديني باستخدام الاستدلال العقلي العقيم, واعتبروا ان الايمان الديني لا يتوّسل العقل وانما يكون التسليم بالايمان هو تسليم وجداني روحي غيبي مطلق.
وهذه المسألة في منهج ديكارت العقلي في استبعاده العقل عن مجال التدين تعتبر ثغرة منهجية عقلية لدى ديكارت كما في دعوته تعميم النسق العقلي في معالجة كل قضايا الوجود المفروض ان يكون من ضمنها قضايا اللاهوت والايمان الديني ووجود الله. ولتلافي هذا النقص النسقي المنهجي في ابعاد العقل عن الخوض في مسالة الوجود الإلهي , لجأ الى نوع من التقية في تخلصه من الاحراج الكنسي الذي كان يطارد ويتربّص العلماء والفلاسفة واتهامهم بالهرطقة والتجديف, لذا قال ديكارت عبارته الشهيرة (سلم من عاش بالظل) وهي عبارة واضحة في حذره وخوفه من رد فعل الكنيسة عليه وعلى دعوته اعمال العقل في كل قضايا الوجود من ضمنها الايمان بالله, متعّظا بما أصاب غاليلو ومن بعده جوردن برونو في حرقه حيا على الخازوق. لانهما ناديا بمركزية الشمس ودوران الأرض, فكيف سيكون الحال مع ديكارت اذا ما دعا الى اعمال العقل في معرفة وجود الخالق والوصول الى الايمان الديني عقليا؟,
نعود الى اصل المشكلة انه اذا سلمنا ان معرفة الخالق غير ممكنة كونه جوهرا بصفات فوق انسانية لا نعرفها ولا ندركها خارج الفهم اللاهوتي لها افتراضا, وهي صفات لا يدركها العقل ولا يحدها الزمان ولا المكان اللذان يحكمان الوجود البشري ويبقيان هذا الوجود ضمن ادراكات العقل والحواس والعواطف والوجدانات, نكون والحالة هذه امام عجز العقل في ادراكه مالا يعقل كجوهر وكينونة بصفات الهية, ولا بد لنا من الاستعاضة في اعتماد الايمان الفطري المسّبق على جميع التساؤلات والاشكاليات التي يستثيرها العقل في فهم الوجود الإلهي غير المجدية.
امام هذه المعضلة التي وجدنا ان حدود العقل الادراكية في معرفة الخالق لا تتعدى الوصول الى ان الموجود الخالق وجود بذاته, وجوهر وصفات لا يشترط وعي المخلوق بها على انها يقينيات يمكن ادراكها لا بوسيلة العقل ولا بوسيلة الصوفية , فأن الايمان يكون لا اكثر من رغبة الانسان تقديس هذه الصفات والايمان بها ايمانا عابرا لحدود العقل, ومعبرا عنها بطقوس التدين ومفردات قواميس اللاهوت الديني لجميع الأديان التي مصدرها ضمير الانسان الايماني بما يرغبه.
والقول ان التصوف هو لغة ذات قدسية ربانية تربط الخالق بالمخلوق وعابرة لادراكات العقل القاصر في محاولة فهم معرفة الخالق بأكثر من صفاته البسيطة جدا, لا تمتلك اسنادها المنطقي ولا حتى الايماني المجرد عن العقل.
ولا يمكن للإنسان ان يتوصل الى لغة مشتركة بين الله وبعض خاصته من البشرفي جعل ماهو متعيّن وجودا كانسان في صفاته البشرية وعقليته المحدودة متاحا امامها ان تكون جزءا ضئيلا بمواصفات ونفحة الهية مكتسبة يخلعها الخالق عليهم.ويبقى التعبير عن هذه العلاقة الاتحادية المزعومة مجازات تعبيرية لفظية مستمدة من قواميس ثيولوجيا الأديان ولا علاقة للعقل في الايمان بها, بقدر اسهام المتخيّل الايماني بوجودها المغيّب ادراكا.
خاتمة
ان الخصائص العامة للصوفية في مختلف الديانات والثقافات والحضارات وفي مختلف العصور وتباين الظروف المجتمعية وغيرها, يمكن اجمالها جميعها بالتالي:
1.الوعي الموحد الذي يستبعد منه كل كثرة للمضمون الحسي او التصوري او أي مضمون تجريبي آخر حتى انه لا يبقى سوى الوحدة الفارغة او الخالية فحسب, وتلك هي الخاصية الجوهرية او النواة التي ينتج عنها معظم خواص التجارب الصوفية الأخرى. (19)
2.التجربة الصوفية ليست مكانية ولا زمانية.(20)
3.التجربة الصوفية لا تلغي الشعور بالموضوعية ولا بالواقع الحقيقي. (21)
4.التجربة الصوفية هي شعور بالغبطة والنشوة والسلام والسعادة . (22)
5.التجربة الصوفية تترك عند المتصوف شعورا ان ما ادركه هو القدسي الإلهي. (23)
6. زعم المتصوفين ان التجربة الصوفية تفوق الوصف وتستعصي على اللغة. (24)
ان القضية الصوفية التي تقول ان العالم متحد مع الله, ومختلف عنه بالهوية في آن معا , يمكن ان نطلق عليه مفارقة وحدة الوجود .(25), أي بمعنى ان مقولة وحدة الوجود غير متفق عليها صوفيا. وهي تشي بشكل واضح جلي الى ضياع التجربة الصوفية في جذب وشد متضاد بين التجربتين الصوفيتين الذاتية او الموضوعية من جهة , ومن جهة أخرى تشي هذه المفارقة في وحدة الوجود الى نوع من الجدل الديالكتيكي في وحدة وصراع الاضداد في تشكيل الظاهرة الجديدة ,وحتمية اندثارها واستحداث نفسها لاحقا في تطور دائمي لا متناهي يحكم المادة والوجود والتاريخ.
وهذا معنى التضاد الجدلي الذي مررنا به قبل اسطر قليلة (المتصوف يتحد مع الله ويختلف عنه بالهوية في وقت واحد).(26)
ويصف والتر ستيبس وهو فيلسوف متخصص في الدراسات والبحوث الصوفية الجدل الهيجلي بقسوة اعتادها جميع الفلاسفة المثاليين الغربيين في وحدة وتناقض الاضداد, بانها فكرة ليست منطقية, بل هي فكرة ضد المنطق بالقطع , وانها تعبير عن العنصر اللاعقلي في الفكر البشري.(27)
هنا يتغاضى سيبس تماما ان الجدل الهيجلي هو الذي الهم ماركس في وضع النظرية الماركسية على محك النظرية والتطبيق في تجربة الاتحاد السوفييتي الشيوعي منذ عام 1917 والى امتداد اكثر من سبعين عاما, نظرية عقلانية صالحة للتطبيق على التاريخ والانسان وفق منهج تطوري يؤمن بأهمية العلم في قيادة الحياة.
على كل حال في العودة الى مذهب اسبينوزا في وحدة الوجود , ان الله جوهر وصفات, لذا يكون امامنا فهم ان الله جوهر بذاته مكتف بهويته الالهية التي لا تدركها الحواس ولا العقل, لذا من المستحيل توزيع جوهر الذات الالهية كما تتوزع صفاته في الخلق والطبيعة والانسان التي هي أيضا اعجازات لاتستطيع الذات الإنسانية مجاراتها بالخلق والوجود.
الجوهر الإلهي ماهية و هوية مكتفيتان بذاتيتهما غير قابلتان للادراك البشري ولا متاحتان للاتحاد بهما صوفيا.اما صفاته الموزعة في الكون والطبيعة والانسان المحكومة بالزمان والمكان وقوانينهما, فهي آيات اعجازية يدركها الانسان بالتأمل وتمجيد قدرات الخالق غير المتاحة للإنسان مجاراتها في خلقها.
على العكس من مذهب اسبينوزا في وحدة الوجود ان الله جوهر وصفات لكل كينونته المميزة عن الاخر يذهب والتر ستيبس ان الصفات تشكل الجوهر الإلهي, وان اسبينوزا في كتابه الاخلاق ذهب الى هذا المذهب المناقض لما هو معروف عنه في مذهب وحدة الوجود. وبناءا على هذا الفهم غير المتحقق منه جيدا , اذا اعتبر اسبينوزا الله بلا صفات ولا جوهر ماهوي, عندها يكون الاتحاد بهذه الصفات متاحا الاتحاد بها في طبيعة بشرية منفصلة تماما عن الهوية الماهوية للخالق.
وتماشيا مع جميع الصوفية في المشرق وفي الغرب ما يعتبره والتر ستيبس ان التجربة الصوفية لا يمكننا الاحتكام لها عقليا, لذا فان مذهب وحدة الوجود عنده لا يقوم على حجة منطقية ولا حجة عقلية , وانما هي في جوهرها فكرة صوفية.(27)
انه من الجدير بالإشارة له في ختام ورقتنا ان والتر ستيبس قام بتفنيد مذهب وحدة الوجود عند اسبينوزا بمنهج عقلي لم يستخدمه في معالجة تفنيده في وحدة الوجود في البوذية والهندوسية او مع غيرهما من التجارب الصوفية عالميا.
الهوامش
- التصوف والفلسفة/والتر ستيبس/ ترجمة وتقديم امام عبد الفتاح امام/ص267
- المصدر السابق ص53
- المصدر السابق ص 76
- المصدر السابق ص 166
- المصدر السابق ص 87
- المصدر السابق ص 269
- المصدر السابق ص180
- المصدر السابق ص 197
- المصدر السابق ص 210
- المصدر السابق 217
- المصدر السابق ص 184
- المصدر السابق ص 272
- المصر السابق ص 274
- المصدر السابق ص 276
- المصدر السابق 280
- المصدر السابق ص 283
- المصدر السابق ص 285
- المصدر السابق 286
- المصدر السابق ص 269
- المصدر السابق ص 203
- نفس المصدر السابق ص210
- نفس المصدر السابق ص253
- نفس المصدر السابق ص 360
- نفس المصدر السابق ص 263
- نفس المصدر السابق ص 268
- نفس المصدر ص 369
- نفس المصدر السابق ص 37