عادل الحسني
الفلسفة معقدة ونخبوية ، ما أهميتها عند تلميذ في مقتبل الحياة، أي ترف وضياع وقت هذا الذي تريدونه أن ينضاف على عقل سيكابد تجربة البحث عن التكوين مهني..ثم الشغل ثم يبني أسرة ويعيش متدينا يعرف أساسيات الحياة من الصلاة والزكاة والصوم والفزع من الموت بعد حصوله على نقطة جيدة في مادة التربية الإسلامية.. سعيدا بعيدا عن هموم النخبة المثقفة التي تحتاج دون غيرها لهذه الفلسفة اللعينة .. لتحتج على كل شيء .. من النظام السياسي..من الدين.. من كل شيء ..حتى نفسها .. ما أحلى اليقين عند تلميذ يمسك شهادته في يده ثم يعيش بهدوء ورضا حتى يموت وهو محافظ على ابتسامة البليد الذي لا يعرف ماهية الأشياء والمواقف والظواهر .. ولا كيف يفهم قضية تهم ذاته ولا يعي سوى دور مرسوم في المنزل و المعمل والشارع أو ورشة صغيرة يقدم فيها خدماته دون محاولة فهم شيء وراء أي شيء يحدث .
تريدون نقل هذا الهوس لتلاميذ محدودي الإمكانيات الذهنية لينجوا من الاستغلال.؟ عفوا السلاسة في علاقته مع مشغله.. تريدون إفساد علاقة المشغل بالعامل منذ مرحلة الثانوية .. أي مؤامرة تشتركون فيها أيها اللعينون .. أيتها القوى المحافظة والدينية والخائفة على هويتنا واستقرارنا ..هلمي بنا نجهز على الفلسفة شيئا فشيئا.. لن نجد فرصة أثمن من عهد حكومتنا الملتحية الرشيدة ! هيا بنا نقنع بورجوازية المشاريع الكبرى ونتمسك بتقاطع المصالح مع البنك الدولي في هذه المعركة المباركة ..
وبعد نجاحنا في دس مئات من “أساتذة الفلسفة الدعاة ليفرغوها من محتواها وبعد نجاحنا في فرض منهجية تدريس تصلح للخرفان كي ترضخ للذبح يوم العيد ..يجب ان نقطع اي أمل لترسب فكرة فاسدة لعقل أي تلميذ قد يصبح بطل مجتمع غدا ..ونلغي حرصه على الإعداد لامتحان الفلسفة في امتحان الباكالوريا المصيري ..
لا تظنوا أن فساد الفلسفة في ذاتها قد يكون كفيلا بالقضاء عليها يا إخواني ..إنها أخطر مما تتصورون لو وجدت بيئتها أو عشاقا لها ولو في نظام خرب كهذا الذي يعانيه تلقين الفلسفة .. لا تدركون الخطورة ؟! يا للهول ..
هل تدرك كيف يمكن لحامل شهادة باكالوريا مهنية أن يفعل بالمجتمع إذا كان شغوفا لاكتشاف ماهية الأشياء والظواهر ؟! سيكون أحرص وأذكى ونظره ثاقي أكثر من خريجي القانون لمراقبة التشريعات التي ستمس حياته وسيكون لديه وازع إنساني لعين ليصرخ ضد السلطة.. روح الفلسفة وحدها من يجعل حرفيا وضيعا يكتب ببراعة ويحرج السلطة.. وقد يكتب في الجرائد احتجاجا ويثير المجتمع ويثير الفتنة ..الفتنة يا عالم.. هل تدركون الخطورة ..
انتبهوا لهذا الخطر الذي تصر جمعية أساتذة الفلسفة على رمينا فيه .. الفلسفة سرطان في العقل.. قد توهم عاملا بسيطا بأنه قادر أن يعي ما حوله ..إن هذا السرطان يمنعه من الانقياد لأحد .. لن يكون لأحزابنا الدينية من معنى وسيصبح الشيوخ ادوات غير ذات جدوى ..ومحط سخرية .. ياربي كم هذا مرعب يجب أن نلغي حصص الماهية والجوهر ونستبدلها بحصص رائعة عن الأصول العقدية لطاعة ولي الأمر..نعم الطاعة ..طاعة ولي الأمر ..الزوج.. الشيخ .. يا للروعة سيكون الأمر منتجا وبسرعة لان الحصة ستكون في المدرسة والمسجد والتلفاز والراديو .. لكن للأسف قد تفسد عودة الامتحان هذا الأمر .. تخيل تأملات تلميذ يسهر للإعداد للإمحتان في درس الجوهر والماهية .. هلكنا .. قد يتحول الحفظ لتأمل .. يجب أن نمنع ظروف هذا الوحي .. إنه وحي يهدد استقرار فسادنا الهادئ .. كل هذا الظلم المنشر مع ابتسامات الرضا بقضاء الظلم وقدره!
ماذا أيضا يمكن أن يستفيد تلميذ الباكالوريا التقنية من الفلسفة كي نئده في مهده.. الوعي !؟ .. يا للهول .. دروس الشخصية .. الغير .. الحق .. الشغل .. إنها حصص مهما كانت مملة أو مزيفة قد تفتح وعي التلميذ القريب من واقع الشغل والحرية والاستقلال بالذات.. تخيلوا ان يدرك تلميذ وعيه بذاته.. ان يميز بين الأنا والأنا الأعلى والهو .. أن ستطيع التمييز بين العقل والغريزة .. أن يكتشف أن دروس التربية الإسلامية تعرضت لنقد العقل منذ المعتزلة يا للفضيحة.. بل قد يفهم المغزى من علم النفس دون أن يدرسه ، الفلسفة اللعينة تقترف هذه الجريمة .. المصيبة ليست هنا ..المصيبة أنه سيعرف كيف يقدر ذاته بانصاف ويجد طريق تنفيذ أي طموح واضحة ..تخيلوا جيلا من التقنيين الطموحين .. لا أستطيع تخيل رعب الثورة القادمة!
هل انتهت أمراض الفلسفة ؟ لا ياسيدي للأسف لازال هناك ما هو أكثر فزعا، إن الفلسفة تشكل الوعي بالدور الاجتماعي لهذا المواطن الجديد ، هناك حصة سيفهم فيها معنى المواطنة، وسيسخر بعدها من الوصلات الإعلانية التي تزيف معنى أن يكون مواطنا، وهناك حصة أخرى تفضح علاقة المواطن بالأدوار الاجتماعية.. ماذا يعني هذا؟ لا تخلع قلبي من مكانه أرجوك .. نعم سيدي الأمر شبيه بيوم القيامة .. سيقدر التلميذ الذي سيوشك أن يكون راشدا متمحلا لمسؤوليته أن يميز بين دوره في المجتمع وقيمته كإنسان .. سيحس بالكِبروالمساواة مع أسياده .. ويخرج من المعمل وهو لايحس بالفرق مع رئيس العمل ولن يهاب شرطيا أو رجل سلطة والأدهى والأمر أنه لن تكون علاقته مع زوجته مبنية على أفضلية .. تخيل مجتمعا بهذه المساواة .. إن الأمر جلل.. التنويريون يريديون نهاية مستعجلة لمجتمعنا الفخور بهويته البائدة ..سيدمر تدريس الفلسفة معنى الطاعة والتماسك الواقف على الخوف من النار..
مهلا سيدي .. كل ما فات قد يهون.. وقد نستطيع التغلب عليه إلا ملكة تزرعها الفلسفة وحدها، إنها أمراض التفكير النقدي، التفكير النقدي الذي يهدم علاقة العبد بالسيد حتى إذا استعبده بالقوة ، إذا تركنا موجة التنوير هاته تدخل المدارس وتضاعف عدد ساعاتها فلن يبقى في هذه الأرض شخص يتحرك بمحكم العادة، الحكمة ستحرك عقل أي شخص، ولن يلجأ أحد لشيخ أو زاوية أو محتال، ستتهدم المثل العليا، وتكون الحكومات ملزمة بتبرير أي خطوة مهما كانت صغيرة للصالح العام،
السياسة ستعني إما أن تقنع وعي المواطن أو أنك ستكون خارج دائرة الرحمة أهناك كفر أكبر من هذا ؟!
التعليم سيعني إما أن تقدم معرفة مفيدة لتلاميذك أو ستجد أسرة التلميذ تلقي بك في الشارع، الصحة ستعني أن الوزير يجب أن يقدم في البرلمان قوانين تخفف كهل جيوب الأسر أو يجد كل مواطن لسانه أسلط من كل الملتحين في البرلمان اليوم، الأمن سيعني أن تقدس حقوق الإنسان بنفس فاعلية عملك على القبض على المجرمين أو تجد نفسك محبوسا بأمر من آلاف التدوينات التي سيكتبها عنك الجيل القادم الذي قد يدرس الفلسفة دون إزعاج.
أنهم يريدون أن يدخلوا الحداثة التي رسمها المفكرون وفعل روحها الإنسانية التقنيون سواعد الثورة الصناعية..
حسنا لم يبقى لنا سوى سلاحنا الفتاك الأخير ..اجعلوا الإسلام ضد الفلسفة ..
ثم قولوا لمن لا تنطلي عليه هذه الحيلة أن الفلسفة لن تفيد تلاميذ الباكلوريا المهنية في شيئ؟!