بقلم نانسي فريزر
معضلات العدالة في عصر “ما بعد الاشتراكية”
( الحلقة الأولى)
سرعان ما أصبح “النضال من أجل الاعتراف” الشكلَ النموذجي للصراع السياسي في نهاية القرن العشرين. تُغذّي مطالب “الاعتراف بالاختلاف” نضالات الجماعات المُعبأة تحت راية الجنسية، أو الإثنية، أو “العرق”، أو النوع، أو التوجه الجنسي. في هذه الصراعات “ما بعد الاشتراكية”، تحل الهوية الجماعية محل المصالح الطبقية كمكان للتعبئة السياسية، ولم يعد الظلم الأساسي المُحسوس هو الاستغلال، بل الهيمنة الثقافية. علاوة على ذلك، يحل الاعتراف الثقافي محل إعادة التوزيع الاقتصادي كعلاج للظلم وهدف للنضالات السياسية. (2)
من الواضح أن هذا لا يمثل سوى جانب واحد من الواقع. تجري النضالات من أجل الاعتراف في عالم تتزايد فيه التفاوتات المادية، سواء من حيث الدخل والممتلكات، أو من حيث الحصول على العمل والتعليم والرعاية الصحية والترفيه، أو، بشكل أكثر دراماتيكية، من حيث استهلاك السعرات الحرارية أو التعرض للتلوث البيئي، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على متوسط العمر المتوقع ومعدلات الاعتلال أو الوفيات. تتزايد التفاوتات المادية في معظم البلدان، في الولايات المتحدة الأمريكية وهايتي، وفي السويد والهند، وفي روسيا والبرازيل. كما أنها تتزايد عالميًا، وبشكل رئيسي بين دول الشمال ودول الجنوب.
في سياق كهذا، كيف يُمكننا تحليل تراجع مُخيال اشتراكي مُتمحور حول “المصلحة” و”الاستغلال” و”إعادة التوزيع”؟ ما الذي ينبغي أن نفعله بالمُخيال السياسي الجديد المُتمحور حول “الهوية” و”الاختلاف” و”الهيمنة الثقافية” و”الاعتراف”؟ هل ينبع هذا التحول من “وعي زائف”، أم أنه يعكس رغبةً في تصحيح العمى الثقافي لنموذج مادي فقد مصداقيته بحق بسقوط الشيوعية على النمط السوفييتي؟ في رأيي، كلا الموقفين غير دقيق: كلاهما مُجرّد صور كاريكاتورية. فبدلاً من قبول أو رفض سياسات الهوية جملةً وتفصيلاً، يجب أن نعتبرها تحديًا فكريًا وعمليًا يدفعنا إلى تطوير نظرية نقدية للاعتراف، نظرية تعتمد فقط على مُكونات سياسات الاختلاف الثقافي التي يُمكن دمجها مع مُطلب اجتماعي بالمساواة.
عند صياغة هذا المشروع، أفترض أن العدالة اليوم تعني إعادة التوزيع والاعتراف، وأقترح دراسة كيفية ارتباطهما. يتطلب هذا أولًا بذل جهد لتصور الاعتراف الثقافي والمساواة الاجتماعية من حيث تعزيز كل منهما للآخر بدلًا من عرقلته. ثانيًا، يتضمن ذلك دراسة كيفية تشابك التفاوت الاقتصادي وانعدام الاحترام الثقافي وتشكيلهما نظامًا.
ترجمة: حسن الصعيبترجمة: حسن الصعيب
