ترجمةفلسفة

المثقفون المغالطون


تاليف المفكر والجيوبوليتيكي الفرنسي باسكال بونيفاس
ترجمة: د. عبد الرحمن مزيان
الناشر :ابن النديم للنشر والتوزيع الجزائر
تاريخ النشر : 2015
تايخ النشر بالفرنسية : 2011 Les intellectuels faussaires by Pascal Boniface

مقدمة
الكتاب هو من أكثر الكتب إثارة للجدل في فرنسا لأنه يهاجم مباشرة نخبة من “المثقفين الإعلاميين” الذين يروّجون للخطاب المهيمن المؤيد للغرب ولإسرائيل، تحت ستار “الدفاع عن القيم”
يقدم باسكال بونيفاس في الكتاب تحليلًا نقديًا لبنية الخطاب الفكري والإعلامي الفرنسي، مركزًا على فقدان النزاهة الفكرية لدى فئة من “المثقفين النجوم” الذين يوجّهون الرأي العام وفق مصالح سياسية أو أيديولوجية. من خلال دراسة حالات محددة، يبين كيف تحوّل المثقف من ضمير نقدي إلى أداة تبرير للسلطة، خصوصًا في قضايا الإسلام والشرق الأوسط. بهذا المعنى، يُعيد بونيفاس طرح سؤال جوليان بندا حول “خيانة المثقفين”، مسلطًا الضوء على العلاقة بين المعرفة والسلطة في المجال العمومي المعاصر.

✅ الفكرة المركزية
يطرح باسكال بونيفاس في هذا الكتاب أطروحة أساسية مفادها أن شريحة من المثقفين الفرنسيين البارزين، الذين يحظون بمنابر واسعة في الإعلام، لا يؤدون دور “المفكر الحر” الباحث عن الحقيقة، بل تحولوا إلى “مثقفين مزيفين” (faussaires). هؤلاء يستخدمون الخطاب الأخلاقي والإنساني كواجهة، بينما يمارسون التلاعب بالحقائق ونشر معلومات مضللة لخدمة أجندات سياسية أو شخصية، خصوصًا في ما يتعلق بالصراع العربي–الإسرائيلي وصورة الإسلام في الغرب. النتيجة، وفق بونيفاس، هي إفساد النقاش العام، وإضعاف الديمقراطية، واحتكار المجال الإعلامي لصالح أصوات محدودة ذات مصالح أيديولوجية.

📚 المحاور الرئيسية

نقد المثقفين المزيفين

يخصص بونيفاس فصولًا لثمانية أسماء بارزة، منهم: ألكسندر أدلر، كارولين فورست، محمد سيفاوي، فريدريك إنسيل، فيليب فال، وأخيرًا بيرنار-هنري ليفي (BHL) الذي يصفه بـ”سيد المزيفين”.

يُظهر من خلال أمثلة واقتباسات كيف يغير هؤلاء مواقفهم تبعًا للمصلحة أو “اتجاه الريح”، وكيف يوظفون المصطلحات المثيرة مثل “الفاشية الإسلامية” لتبرير خطاب معادٍ للإسلام أو داعم بلا نقد لإسرائيل.

الخيانة الفكرية والإعلام

يستعيد بونيفاس مفهوم La Trahison des Clercs (خيانة المثقفين) لجوليان بندا، ليثبت أن هذه النخبة خانت رسالتها الأساسية: قول الحقيقة ومساءلة السلطة.

يرى أن الإعلام الفرنسي متواطئ، إذ يمنحهم الشرعية ويعيد تدوير خطاباتهم دون تمحيص، ويقصي أصواتًا نقدية مغايرة.

التركيز على الشرق الأوسط

يعتبر الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني بؤرة رئيسية في خطاب هؤلاء المثقفين، حيث يُتهمون بالانحياز التام لإسرائيل وتبرير ممارساتها، مع تشويه صورة العرب والمسلمين.

هذا التركيز امتداد لعمل بونيفاس السابق (هل يجوز انتقاد إسرائيل؟) (Est-il permis de critiquer Israël?) الذي أثار جدلًا واسعًا.

أثر المثقفين المزيفين على الديمقراطية

يحذر من أن سيطرة هذه الأصوات على النقاش العام تُنتج فضاءً سياسيًا وإعلاميًا مغلقًا، ما يقوّض التعددية ويضعف قدرة الجمهور على تكوين رأي مستنير.

يدعو إلى “نقاش متناقض” حقيقي يقوم على احترام الحقائق والاختلاف، بدلًا من الاستقطاب والرقابة الضمنية.

أسلوب الكتاب ونبرته

يتبنى بونيفاس أسلوبًا هجوميًا وجدليًا قريبًا من الكتيبات السياسية (pamphlétaire)، يخلط بين التحليل والسخرية، معتمداً على اقتباسات ومقارنات زمنية لإبراز تناقضات الشخصيات المستهدفة.

تضمنت الطبعة الجيبية (2011) فصلًا إضافيًا يرد فيه على الانتقادات التي وُجهت له بعد صدور الطبعة الأولى.

📚فصول الكتاب الأساسية

الجزء الأول: انعدام النزاهة الفكرية
يناقش بونيفاس كيف تحوّل “المثقف” الفرنسي من ضمير نقدي إلى مؤدٍ إعلامي يخدم أجندات محددة.

فرنسا بلد المثقفين الملوك: حيث يتمتع بعض الكتاب والصحافيين بنفوذ يفوق السياسيين، لكنهم يفتقرون إلى المساءلة.

انحياز وسائل الإعلام: الإعلام يمنح المنابر للأصوات المكرسة ويقصي المختلفين، خاصة من ينتقدون السياسات الإسرائيلية أو الأطلسية.

خداع العين الأخلاقي: كثير من المثقفين يتحدثون باسم “القيم” و“الحرية” بينما يبرّرون الحروب (العراق، ليبيا، فلسطين).

الغرب وإسرائيل والإسلام: يعالج الكاتب صورة “الإسلام الفاشي” كاختراع دعائي، ويصف كيف تُستخدم هذه الأسطورة لتبرير العنصرية والخوف من المسلمين.

الخلاصة: المثقف الفرنسي الجديد فقد استقلاله الأخلاقي، وأصبح خادمًا للنظام الإعلامي والسياسي أكثر من كونه ناقدًا له.

الجزء الثاني: المثقفون المزوّرون بالاسم
ينتقل بونيفاس إلى التطبيق العملي، محللًا شخصيات محددة يراها رموزًا لهذا “التحريف الفكري”.

ألكسندر أدلر: يصفه بأنه راوٍ بارع للقصص الدعائية، يخلط التحليل السياسي بالأسطورة الجيوسياسية.

كارولين فوريست: يتهمها بأنها تبني شهرتها على شيطنة الإسلام، وتختزل الواقع في ثنائيات “تنوير ضد ظلامية”.

محمد سيفاوي: يراه مثالًا على “الخبير المفضّل” للإعلام الفرنسي في شؤون الإرهاب، يستخدم خطابًا مزدوجًا يخدم الإسلاموفوبيا.

طيريز ديلبيش: يتهمها بتقديم خطاب “أخلاقي” يبرّر التدخلات العسكرية الغربية باسم الديمقراطية.

فريدريك إنسيل: ينتقده بوصفه من أكثر المدافعين عن إسرائيل نفوذًا في الإعلام الفرنسي.

فرنسوا هيسبورغ: يُقدَّم كصوت المؤسسة الأمنية الذي يفرض قراءة استراتيجية منحازة للعالم.

فيليب فال: من رموز التحوّل من اليسار الإنساني إلى النيوليبرالية الثقافية، استخدم السخرية كسلاح أيديولوجي ضد الإسلاميين.

برنار-هنري ليفي: يُقدَّم كـ«سيد المزوّرين»؛ رمز المثقف الذي يقدّس ذاته، يوظف الفلسفة لخدمة التدخلات العسكرية، ويمثل قمة النفاق الأخلاقي في الفكر الفرنسي المعاصر.

👤 نبذة عن المؤلف
باسكال بونيفاس (Pascal Boniface) مفكر وجيوبوليتيكي فرنسي، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IRIS وأستاذ في جامعة باريس الثامنة. ألّف أكثر من 60 كتابًا حول العلاقات الدولية والجيوبوليتيكا والرياضة والسياسة الخارجية. من أبرز أعماله: Comprendre le monde وGéopolitique du sport. حصل على عدة جوائز، بينها جائزة فوبان عام 2011. يُعرف بمواقفه النقدية الصريحة خاصة تجاه السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط.

🔍 المغزى الفكري
يدعو بونيفاس إلى استعادة دور المثقف بوصفه ناقدًا للسلطة لا تابعًا لها، وإلى التمييز بين الذكاء النقدي والذكاء التبريري الذي يختبئ خلف شعارات الإنسانية وحقوق الإنسان بينما يدافع عن سياسات القوة.
الكتاب بذلك نقد لظاهرة “الاستشراق الإعلامي” الجديد، حيث تُصنع الحقيقة في استوديوهات التلفزة لا في البحث الفلسفي أو التاريخي.

📝 الاستقبال النقدي

الإشادات:

أثنى كثيرون على جرأة بونيفاس في فضح هيمنة أصوات بعينها على الإعلام الفرنسي.

اعتُبر الكتاب كاشفًا لظاهرة “الإعلام-العرض” (info-spectacle) حيث يُفضل الإثارة على المصداقية.

حقق نجاحًا جماهيريًا ملحوظًا (50 ألف نسخة مباعة خلال أشهر قليلة).

الانتقادات:

اتُهم بونيفاس بالمبالغة وتحويل الكتاب إلى تصفية حسابات شخصية، ما يُضعف قيمته العلمية.

ركز أكثر من اللازم على قضية إسرائيل–فلسطين، مما أعطى انطباعًا بانحياز مضاد، بدل تقديم تحليل أشمل.

واجه اتهامات بالاقتباس غير المُصرح به من مقالات في Le Monde Diplomatique وموقع Acrimed.

ردت شخصيات مثل كارولين فورست بأن بونيفاس يصنف كل من يخالفه في قضايا الإسلام السياسي ضمن “المزيفين”.

🔚 الخلاصة النهائية
المثقفون المغالطون كتاب نقدي مثير للجدل يهاجم المثقفين الذين يهيمنون على الإعلام الفرنسي ويتلاعبون بالحقائق لخدمة أجندات سياسية وأيديولوجية، خصوصًا في الشرق الأوسط. يُعتبر نصًا مهمًا لفهم علاقة الإعلام بالسلطة وبالمثقفين، لكنه ليس محايدًا بدوره: أسلوبه الحاد والانتقائي يضعف من موضوعيته، رغم نجاحه في فتح نقاش واسع حول النزاهة الفكرية في الفضاء العام الفرنسي

Related posts
ديداكتيك تدريس الفلسفةفلسفة

من حقنا أن نبتهج !

تربية وتعليمفلسفة

السلطة الثقافية والسلطة السياسية

تربية وتعليمفلسفة

قراءة تحليلية في فلسفة ديكارت

ديداكتيك تدريس الفلسفةفلسفة

صراع البراديغمات: المدخل للثورات العلمية عند توماس كوهن

Sign up for our Newsletter and
stay informed