ترجمةعامة

مونية بناني الشرايبي: النظام الحزبي المغربي من منظور الصراعات الاجتماعية؟

كما هو الحال في رواية “أمير المؤمنين”، سيصمد نجاح رواية “الفلاح المغربي حامي العرش” أمام اختبار الزمن (ليفو، 1985).

بينما يرصد وتربوري الحياة السياسية المغربية خلال حالة الاستثناء (1965-1971)، يدرس ريمي ليفو عن كثب عملية بناء المؤسسات السياسية “الحديثة” في المغرب المستقل (1959-1965). علاوة على ذلك، تُمكّن الخلفية الشخصية والأكاديمية والمهنية لعالم السياسة الفرنسي من فهم تكوين الساحة الانتخابية المغربية بشكل أفضل من خلال منظور الصراعات الاجتماعية والتوترات بين المركز والأطراف. بفضل شبكة موريس دوفيرجيه، أصبح هذا الخريج في القانون، خريج معهد الدراسات السياسية عام 1955، والذي أكمل أطروحته العليا في علم الاجتماع الريفي تحت إشراف جان توشارد، مُدرّسًا لرسالة الملك الحسن الثاني، ومساعدًا في كلية الحقوق بالرباط، ثم مستشارًا فنيًا لمكتب وزير الداخلية، مع نشر مقالات بانتظام في المجلات العلمية تحت اسم مستعار. (22) كان بالكاد قد بلغ الثلاثين من عمره عندما طُلب منه العمل على صياغة أول دستور للمملكة (1962)، والمساهمة في تنظيم أول انتخابات، وترسيم أول حدود انتخابية. وقد وضع أندريه سيغفريد نصب عينيه عندما تخيّل الانتخابات ودقق فيها، قبل أن يُنتج “جغرافية سياسية” للمغرب. مستفيدًا من موقعه كشاهد مُتميز، تمكن من الوصول إلى مصادر مهمة، بما في ذلك 700 تقرير شرطة عن المرشحين في الانتخابات التشريعية لعام 1963. بصفته تجريبيًا مُعلنًا، أظهر انتقائية نظرية، مُعبّرًا ضمنيًا عن قراءة ماركسية جديدة (23) ونهج استراتيجي بديهي.

ووفقًا لأطروحته، بلور نظام الأحزاب الناشئ خطًا فاصلًا بين العالمين الحضري والريفي، عاكسًا الانقسامات الجغرافية والاجتماعية والثقافية (24). في سياق صراع السلطة بين النظام الملكي

والحركة الوطنية، تحالف العائلة المالكة مع وجهاء الريف – “خيار سياسي” وليس “حتمية” (ليفو، 1985، ص 43) – كان من شأنه أن يهدف إلى “تحييد البرجوازية الحضرية والبروليتاريا” (المرجع نفسه، ص 83)؛ وكان من شأنه أن يعمل “كنظام استقرار للنظام، من خلال احتواء نمو الطبقة الوسطى الحضرية وضمان بقاء لعبة سياسية تقتصر على النخب، حيث تتطور المعارضة بين الاستيعاب والسجن” (المرجع نفسه، ص 245). على المدى المتوسط، كان من شأن تبني هذه الاستراتيجية أن يؤدي ليس إلى “ثورة محافظة من الأعلى” (مور، 1983)، بل إلى “ركود” في الشؤون الاقتصادية والتعليمية وبناء دولة “حديثة”. من وجهة نظره، تُصوَّر التعددية الحزبية والآليات الانتخابية كأدوات للسيطرة على مجال سياسي مستقطب في البداية وتفتيته؛ إذ تُشجَّع الانقسامات ويُدعم ظهور أحزاب إدارية، بهدف تنظيم العالم الريفي في البداية.

تماشيًا مع التفسير الذي اقترحه ر. ليفو، يعكس المجال الحزبي في المغرب المعاصر في المقام الأول توازنًا تحقق من خلال استراتيجيات الاستقطاب، مما أدى إلى لعبة تحالفات بين الملكية والنخب ذات الجذور الاجتماعية والمحلية المتفاوتة. بعبارة أخرى، ساحة تُشكِّلها جزئيًا الصراعات الاجتماعية، تلك التي تُشكِّل أساس مجموعة الفاعلين المندمجين في “اللعبة السياسية”، التي يضع الملك قواعدها مع بقائه “سيد التقويم” (ليفو، 1985، ص 78).

وبعيدًا عن الثراء التجريبي وتعقيد ملاحظاته، تكمن قيمة هذا العمل في تحليله المتزامن لعدة عوامل: من جهة، ثقل الهياكل والتحولات التي تؤثر عليها؛ من جهة أخرى، خصائص النخب السياسية، وتصورات الفاعلين لبيئتهم على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعابرة للحدود الوطنية، والاستراتيجيات “العقلانية” أو “الاندفاعية” التي يطبقونها باللجوء إلى مسارات عمل مختلفة، بالإضافة إلى قواعد اللعبة “الضمنية” أو الصريحة التي تُشكّل أساس تفاعلاتهم. من جهة أخرى، يُشكّل كتاب “الفلاح المغربي” مصدرًا قيّمًا، ولو لمجرّد أن مؤلفه جمع بياناته حول “اللعبة السياسية” المغربية، مُساهمًا في إنتاج بعض آلياتها بصفته “مستشارًا فنيًا”. لا يزال تأثيره في التحليل والنقاش السياسي ملموسًا: إذ لا تزال فئاته لتصنيف المسؤولين المنتخبين تُشكّل أساسًا لعلم الاجتماع الانتخابي المغربي؛ وتُستخدم تحليلاته حول “استقطاب” النخب و”تحالف” النظام الملكي مع “وجهاء الريف” بانتظام لتفسير الأحداث الجارية (الترابي، 2016)؛ وغالبًا ما يُحدّث عنوان الكتاب نفسه (المصلوحي، 2009).

بعد فاصل زمني دام خمسة عشر عامًا، يُقدّم المؤرخ المعطي منجب تفسيرًا قريبًا جدًا من تفسير ريمي ليفو، مُشدّدًا على الانقسامات الاجتماعية الكامنة وراء الصراع بين الملكية والحركة الوطنية، ولكنه يُصرّح بتبنيه الماركسية بشكل أكثر صراحةً. ووفقًا لفرضيته، فإن “فشل” القوميين الحضريين “الحداثيين” ربما يعود إلى قصر وسطحية الوجود الاستعماري في المغرب، الذي يُزعم أنه ترك “سليمًا” البنى الاجتماعية والسياسية لعالم ريفي كان يُمثّل أكثر من 70% من السكان عام 1956، والذي يُزعم أنه حافظ على “خزان من الإقطاع والقبلية والتقاليد” (منجب، 1992، ص 358). على الرغم من أن المناهج النظرية التي تتخلل أعمال ج. ووتربري، و ر. ليفو، و م. منجب عرضة لانتقادات متعددة (فهم الحياة السياسية كصراع بين الملكية والنخب السياسية، والمبالغة في تحديد العوامل الهيكلية الكلية في حالة عالم السياسة الأمريكي والمؤرخ المغربي، إلخ)، إلا أن ملاحظاتهم وتحليلاتهم تظل كنزًا ثمينًا للباحثين الذين يطمحون إلى فهم العمليات التجريبية لفترة ما بعد الاستقلال على “المستوى الشعبي”. (25)

والأهم من ذلك، أنهم يدرسون مجموعة من الأساليب التي ينتهجها فاعل مركزي لتنظيم المجال الحزبي، ويتساءلون عن البناء الصراعي للمؤسسات السياسية والدولة – ما يسمى “الحديثة” – في المجتمع. يتم تهميش هذا الجانب الأخير تدريجيًا في التطورات التي تركز على “التحولات” أو على اللعب السياسي المؤسسي، والتي مع ذلك تتبنى بعضًا من حدسهم.

هوامش:

(21)انظر، على سبيل المثال، المقالات الصحفية التي كتبها ي. زيراوي، و. لريزوي، وف. تونسي (2008)، ود. بناني (2012).

(22). استخدم في فترة عمله في المغرب الأسماء المستعارة التالية: جول وجيم أوبين، هوبير بريتون، بول شامبيرجيه، أوكتاف ماريه.

(23). يشير ضمنيًا إلى ب. مور (1983)، وبشكل أكثر صراحةً إلى مفهوم أ. غرامشي عن “المثقف التقليدي” (ليفو، 1985، ص 91-92).

(24). تقترب أطروحته نسبيًا من التفسيرات التي تفهم النظام الحزبي من منظور الانقسامات الاجتماعية: المركز والأطراف، والحضر والريف، والعمال وأصحاب العقارات، والكنيسة والدولة (روكان، 1999). بعض المؤلفين مثل ب. ر. بادويل (1996) حاول تكييف هذا النهج لفهم الأحزاب السياسية في الدول العربية.

(25) النهج الذي أوصى به ر. ايفون في اشراقه على طلاب الدكتوراه

Related posts
ترجمةفلسفة

جيل دولوز: سارتر كان معلمي

الفلسفة بصيغة المؤنثترجمةفلسفة

مايكل لوي: حنّه آرنت وفالتر بنيامين.. محنة الوعي المنبوذ

ترجمةفلسفة

ادورنو: التنوير كخداع جماعي

ترجمةعامة

مونية شرايبي بناني: الأحزاب السياسية والاحتجاجات في المغرب (1934- 2020)

Sign up for our Newsletter and
stay informed