
في فرنسا تُسَخَّرُ الفلسفه لأهدافٍ مضادّةٍ للثورة عبر جامعة القرن 20 ومواجهةِ روح 89_ لانتحدّثُ عن فِكْر 89 وكانَ يُمْكِنُ ذلك. عَثَرَ فيه أستاذٌ مغمورٌ فرصةً مُمتازةً كي يصيرَ موظفاً سامياً يَمُرُّ عبرهُ كلّ شيء، اسمهُ Victor cousin فيكتور كوزان.
هذا الرجل هو فيلسوفٌ في غايةِ التفاهة، وبالتالي منذورٌ للتّميزِ في الادارة الوطنية للفلسفة، ناهيكَ عن كَوْنِهِ كاتباً رديئا دخل تاريخ الأفكارِ بِــاسْم النخبويّة، ونالَ نُفُوذاً هاماً في الوسَطِ السيّاسيّ الفلسفيّ عن طريقِ التّدخُّل في البرامِجِ ومُحتوى الباكلوريا ومناظراتِ التّدريس وهيئَةِ التفتيش، والآلة الإداريّةِ، وابتَدَعَ فلسفةَ الاساتذةِ الــرّائِجَةِ رواجاً واسعاً مُـنذُ قَــرنينِ. علامتُها الخاصة: كراهيةُ الحياةِ اليوميةِ، احتقارُ للجسَدِ والجنسِ والانفعالاتِ والاحاسيس والإدراك، وَرَفْضُ المَلمُوسِ، واللِّواذُ بالمثالية وعبادة الرّوحانية، والفَصلُ المزَيَّفُ بين الفلسفةِ والدّين. في الواقع جعل المسيحيةَ دنيويةً لائكيّة، وكُلُّ ذلك تحتَ مثالية ألمانيةٍ مُبَطّنة. استهل كوزان التقليد الفرنسي الكبير في عشق الفلسفة الجرمانية.
فلسفةُ الاساتذةِتنتشرُ مثل آبائية ليبرالية. في تلك الفترةِ بدأت كتابَةُ تواريخٍ عن الفلسفةِ لأنّهُم يستشعِرُونَ أو يستوعِبُونَ اهميةَ التاريخ في كتابةِ التاريخ أو إعادة كتابته.
كانَت دروسُ تاريخ الفلسفة _التي تُقَدَّمُ في مظهرٍ يَدَّعي الحيادَ والموضوعيةَ_ تَسْمحُ لمُوظّفي الدّولة في هذه المادة المُدَرّسَةِ أن يتخيّروا، ويحتفِظُـوا، ويحْتَفُوا بفلاسفةٍ، أسماءٍ وأعمالٍ، ويقصُونَ في المقابِلِ ويطردون آخرين: ديكارت ضِدّ لوك، لايبنتز ضِدّ غاسّندي، كانط ضِدّ هيلفيتيوس، هيجل ضِدّ دولباخ. يُبَجِّلُون أساطيرهم، ويلقونَ باللعنات على مخالفيهم. في درس في الفلسفة الجزء الاول يقول كوزان عن لاميتري ودولباخ أنّهُما “مجنونان”. هكذا نُسَجّلُ الاصدقاء في قائمةٍ رسميةٍ، ونُدْمِجُهُم في منهجٍ دراسي، وفي الوقتِ نفْسِهِ نفرضُ الصّمت على الأعداء.
ميشيل أونفراي، غلاة الأنوار، ترجمة أبوبكر العيادي، ص320، دار صفحة 7..