ترجمةفلسفة

جاك أتالي: كـورونـا والـغـيـستـابـو*؛ عشر أفكار

لا أحد غيره جريء لهذا الحد: إدغار موران، هذا الصباح، في محادثة شخصية،  والتي سمح لي بنقلها، قال فجأة: ” أترى، فيروس كورونا كالغيستابو؛ نحن لا نراها، لكننا متأكدون من أنها حولنا تتربّصُ، نتَّخِذ كل الاحتياطات لكي نتفاداها. وبعدها، في العديد من الأحيان تَنقضُّ؛عندما تمُرُّ من قُربنا نختفي…  لقد كُنت محظوظا جدا.” إنه واحد من الناجين القلائل من هذه الحقبة ( مقاوم عظيم، باحث جامعي ذو مستوى رفيع، لم يبحث عن التميّز بأي وسيلة غير العمل الدءوب، كان ولا يزال لديه حدس خارق، وقدرة  على فهم عصرنا) وحده إدغار موران قادر على القيام بـهكذا مقارنة، لأنه عاشها، جسدا ووِجدانا.     

ماذا نستخلص من هذه المقارنة؟

  1. أن الإنسان يعيش دوما مع قلق سبَبُه إمكانية السقوط في قبضة عدو يفوز دائما في النهاية: الموت؛
  2. أحيانا يكون هذا العدو مّتَوار عن الأنظار، خصوصا، عند انعدام الحروب، والأوبئة، والتهديدات الإرهابية؛ إذ في هكذا ظروف، ينجَح المجتمع في نسيان هذا العدو اللامرئي، ونُكرانه؛ يعيش (المجتمع) سعيدا، يتسلى، ينسى أمواته، لا يزورهم في مقابرهم، بل ولا يتحدث عنهم. لا يهتَمُّ إلا بالجُدُدِ، أولئك الذين سينساهم أيضا عندما يبلغهم التقادم. لا يُركِّز المجتمع إلا على” المُتدفِّق”، المُنتَج، مع نفي المخزون، حتى أنه في الأخير، سيُدفَنُ تحت أنقاض ما أنتجه عندما يتراكم بعد تحَوّلِّه إلى قمامة؛
  3.  أحيانا أخرى، يصبح مستحيلا غضُّ الطرف عن هذا التهديد؛ إمَّا لأن العدو هنا، أثناء الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، أو لأن التهديدات الإرهابية تلوح في الأفق، أو عندما تندلع الجائحة لتذكرنا بحتمية فنائنا؛
  4.  ما إن نتجاوز الخطر، حتى ننسى من جديد، ولا نستعدُّ لعودته الأكيدة. رغم حتمية رحيلنا، ورغم كل ما نقوم به لتأجيله، لا زلنا بكل بساطة ننكره وننفيه؛
  5. ولكي لا نبتعد عن الفصل الحالي: لقد كان مُتوقَّعا منذ سنوات ( تحدثت عنه إلى جانب العديد من المفكرين، في العديد من المناسبات، وخصوصا في كتاب صدر سنة 2009، حيث تخيلت سيناريو قريب لما نعيشه حاليا.)
  6. كان من الممكن أن نستعدَّ له أفضل، بإنتاج كميات كبيرة من التجهيزات الطبية، وتوفير وسائل الوقاية الفردية، وإعداد الأطر المُكَوَّنة… وبالتفكير بطريقة مغايرة في سياساتنا في النقل، وتنظيم العمل، والتمدُّن وهلم شؤون عديدة؛
  7. ستمُرُّ هذه الجائحة، وستترك أثارا غير مُؤَكَّدَة؛ في أسوء السيناريوهات، ستَفتِكُ بحياة الآلاف، وستؤدي إلى أزمة اقتصادية لم يشهد العالم لها مثيلا منذ سنة 1945؛
  8.  الأسواق التي لم تخرج بعد من نشوة السنوات السابقة، لم تضع في حسبانها أزمة بهذه الحِدَّة، أزمة ستدفع الأبناك المركزية إلى التدخل بكثافة لم يسبق أن أجبِرَت عليها، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من مدَّخرات الأفراد، الأمر الذي يحتِّم عليهم ضمان بقاء النظام المالي، في ظل صرخات التنديد والاحتجاج الصادرة عن الشعوب التي تتهم النظام الحالي بإنقاذ مصالح أولئك الذين جعلوا من مُدَّخرات الأفراد وسيلة لمراكمة الثروات؛
  9. إلاَّ إذا جعلتنا هذه الأزمة ناضجين، أي أكثر قدرة على الاستشراف، بإجبارنا على وضع نماذجنا التنموية موضع تساؤل، لنصبح مًقتصِدين أكثر، في حياة أكثر بساطة، ولنصبح أكثر حيطة وحذر.    
  10. والأهم، ” أن نتساءل ما إذا استثمرنا جيدا، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي،  الوقت القصير الذي سنقضيه على هذا الكوكب؛ لكي يعيش فيه أبناءنا في ظروف أفضل من تلك التي عشنا في ظِلها.”

  هذا ما كان يكبته المقاومون أثناء الحرب في الرسائل التي يتركونها قبل إعدامهم.

La Gestapo اختصار ل ” Geheime Staatspolizie “الشرطة السرية النازية.

Related posts
ترجمةفلسفة

 كريستيان جامبي: عن الإرث الإغريقي في الإسلام

ترجمةفلسفة

سانتياغو كاسترو غوميز: في الجدل حول الفكر الديكولونيا لي

تربية وتعليمفلسفة

المصطفى رياني: حفريات الفكر النقدي المغربي المعاصر

ترجمةفلسفة

جان فرانسوا دورتيه: الكنيسة، من الظلامية إلى رعاية العلم*

Sign up for our Newsletter and
stay informed