
بين ما نعيشه وما حدثنا عنه زيغمونت باومان
شريبط درويش تحفة
إن الخوف في هذا العصر يسمى الخوف السائل لأنه خوف متواصل ودائم ومنتشر، فلقد حررت العولمة الخوف من حدوده القديمة ليصبح كل شيئ موضعا للخوف: الأمراض والفيروسات، كل شيئ مخيف وكل ما نعيشه يبقى مجرد من كلمة “نحن” ليصبح ” الأنا” مسيطرا ما أدى بطبيعة الحال إلى أفول التضامن الإجتماعي بل إن صح التعبير أفول صفة الإنسانية ، كيف لا؟ والعالم يعادي الإنسانية وكل عمل إنساني، إنه ينظر له بنظرة إزدراء ويعتبرها محض مثالية ، عالم يقدس القوة ويقصي كل ضعيف ، لذلك فالخوف معولم لأقصى الحدود نظرا لعدم وضوح نقطة النهاية التي يقر بها الجميع.
إن هذا الفرد الذي يعيش في عالم محاصر بالمخاوف من كل جهة يطرح دوما تساؤلات حول مصيره ومصير مستقبله وحياته لتزداد هذه التساؤلات وترتفع الأصوات في ظل إنتشار هذا الفيروس ” فيروس كورونا أو كوفيد19″ هنا يصبح مصير الإنسان على المحك أين عجز العلم وعجزت القوى العظمى في العالم أمام هذا القاتل الخفي المجهول الهوية والملامح، هنا إستقر الخوف وأصبح وجوده ملموسا ” فلقد إستقر الخوف بالداخل وهو يتسرب إلى أنشطتنا اليومية المعتادة.”(1)، نحن ملاحقون دوما من طرف الخوف فأين المفر و أين وجهتنا؟ في الوقت الذي أصبح فيه التقدم نفسه في عصر السيولة يشير إلى المعاناة من الخوف الدائم والذي يتضاعف كل مرة خصوصا في فترة كورونا والتدبدب الذي تشهده الحالات المسجلة يوميا في العالم برمته بين الزيادة و النقصان، وهنا أطرح تساؤلات هل الحالة التي وصل إليها العالم نتيجة لما يعرف بالعولمة؟ أم أن السبب يعود إلى قضية من يتحكم في مقود العالم ليخرج الأمر عن السيطرة؟ تساؤلات كثيرة يطرحها الفرد في أزمتنا الحاضرة لكن دون أي جواب.
نجد الفيلسوف والعالم الإجتماعي زيغمونت باومان قد تكلم عن الخوف وأشكاله ويرى أن الخوف ناتج عن عدم اليقين وعلى عدم وضوح النقطة والوجهة المراد الوصول إليها، فهل هكذا سبب كفيل بظهور فيروس فتاك كفيروس كورونا؟ لتصبح الخاصية الأحدث في مجتمعنا هي ذلك الشعور العميق بفقدان الأمان، فهل للتقنية يد في ذلك؟، في رأي باومان التقنية سبب رئيسي للعنف و اللاأمن فهي تخنق العالم المعيش وتنشر الجرائم والعنف على شكل حرب يخوضها الكل ضد الكل فيقبع هذا الفرد في القلق والمعاناة بل أصبح تحت رحمة وتهديد الفيروس التي عجرت التقنية أمامه؛ بمعنى أن التقنية صنعت الفيروس أي الداء، وعجزت عن إيجاد الدواء، فما حقيقة هذا الفيروس وهل هذا الخوف الذي نعيشه مقصودا أم أن هناك أطراف خفية كانت قاصدة الوصول إلى هاته الحال؟ هل سينتهي وينتهي الخوف وتستمر حياة الإنسانية أم سينتهي وينتهي معه العالم؟ كل هاته الأسئلة وغيرها تطرح من طرف إنسان يصبح ويمسي على أخبار مخيفة جراء فيروس كورونا، وكل مرة يعلن فيها عن ضحايا وحالات هذا الفيروس يزداد الخوف ويتضاعف ويشتق لأن الأمر وصل إلى أمر حساس للغاية ألا وهو حياة الفرد ومصيره.
إن القارئ لباومان ومجموعة السيولة على وجه التحديد يحس و أن باومان يعيش ما نعيشه الآن ويكتب عنه نظرا للنصوص الباومانية التي توحي بذلك في خضم حديثه، وهو حقيقة ومن وجهة نظري قد أحاط بواقع الحداثة والعولمة ونظر إليها من نوافذ مختلفة ومزج في كتابته بين نقل ما نعيشه وإستشراف ما سنعيشه مستقبلا لذلك وأنا أتكلم عن جائحة كورونا بإعتبارها مصدرا للمخاوف المشتقة الآنية سأستحضر كل مرة نصوصا لباومان تحمل معاني ودلالات مختلفة، ومن هذا المنطلق وضعت هذا العنوان لمقالي هذا تحديدا، فعلى سبيل المثال نجد باومان قد تكلم عن القرن الحادي والعشرين ومصيره وكان ذلك في كتابه” الخوف السائل” أين قال أن ما يهدد الكوكب في هذا القرن ليس مجرد جولة جديدة من التدمير الذاتي وليس سلسلة طويلة أخرى من الكوارث ولكنه كارثة لإنهاء كل الكوارث، كارثة لا تترك أحدا؛ فهل هذه الكارثة التي كلمنا عنها باومان تتمثل في جائحة كورونا؟ أم أن العالم سيتعرض لأزمة أعظم مما يعيشه اليوم؟.
إن كل من يقرأ لباومان في فترتنا الراهنة في الوقت الذي يصرخ فيه العالم بجميع أقطابه نتيجة الوضع المتأزم من فيروس كورونا سيندهش لا محالة من كلامه خصوصا أن باومان قد غادر العالم عام 2017 بمعنى أن العالم لم يتعرض لهجوم فيروس كورونا بعد، لنعيد بذلك طرح سؤال: هل هاته الأزمة العالمية مخطط لها مسبقا؟
إننا اليوم نعيش أعلى درجات الخوف و أخطرها وهو الخوف من الموت ومن فقدان الحياة وبالتالي فأزمة إنتشار فيروس عالمي ليست بالأمر الهين أين وجد الفرد نفسه في دوامة من المخاطر يصارع من أجل البقاء والحفاظ على نفسه وأحبائه، إنه يعيش هلعا لا يمكن التحكم فيه، لكن كيف لا نخاف والإقتصاد العالمي ينهار أمام الأعين والدول العظمى تعلن حالات الطوارئ المتتالية، كيف لا نخاف و المستشفيات تشهد إنفجارا في عدد المرضى، بالمختصر نحن حقيقة في عالم الخوف الذي تكلم عنه باومان “فالعولمة حررت الخوف من حدوده المعلومة ليصبح أي شيئ موضعا للخوف من أمراض و فيروسات وغيرها.”(2)، حتى القرارات أصبحت صعبة ومصيرية في ظل خوف كوني يقف فيه الفرد عاجزا فقط عليه أن يحكم إغلاق باب منزله ومكتبه وسيارته وكل مكان يتحرك فيه وأن يكون على حذر طوال الوقت من الهاكر، وكورونا حاليا تعد الهاكر الذي يلعب بأصابعه في العالم ويخطف الأرواح دون سابق إنذار.
تعتبر مواقع التواصل الإجتماعي من الأسباب التي جعلت الخوف يتضاعف ويشتق،فعندما وجد هذا الفرد نفسه تحت ضغوطات نفسية كبيرة ومخاوف لا حدود لها لجأ هذا الأخير إلى عالم إفتراضي إعتقادا منه أنه سينسيه قليلا ما يعيشه في واقعه، لكن النتيجة كانت العكس فصدم بأخبار عن وفيات وحالات إصابة جديدة إضافة إلى صور ومقاطع فيديو لأشخاص مصابين بالفيروس، هذا إلى جانب الإشاعات و الأكاذيب التي تكون حاضرة دائما من طرف أناس مجهولون ما أثر بشكل مباشر على نفسية هذا الفرد الذي كدس كما هائلا من الضغوطات والتي من خلالها أصبح يؤمن أكثر بأن هذا الفيروس جاء ليضع حدا للبشرية وللعالم أجمع، ألا يشبه هذا الخوف خوف باومان السائل إلى حد كبير؟وذلك من خلال تفشي فيروس كورونا و تحوله من حالة بيولوجية إلى تجربة إنسانية ستكون محور حديث الكثير مستقبلا.
(1)زيغمونت باومان:الأزمنة السائلة،ترجمة:حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر،بيروت،ط1،2017،ص33
(2)زيغمونت باومان:الخوف السائل،ترجمة:حجاج أبو جبر،الشبكة العربية للأبحاث والنشر،بيروت،ط1،2017،ص107