ترجمةفلسفة

أندريه كونت سبونفيل: منطق الإرهاب

قصة الذبح الموعود لإسحاق في سفر التكوين، هي من بين أكثر النصوص رعبا في التوراة الذي يعج بمثل هذه الأشياء. أعرف جيدا أن الإله سيعترض على الأمر في نهاية المطاف. لكن إبراهيم، كان قد شرع فعلا في تهيئة حطب المحرقة، كما ” أمسك بالسكين من أجل نحر ابنه”…والإله الذي لم تذهله الواقعة، سيهنئه قائلا : ” لأنك لم تمسك ابنك الوحيد عني، فسوف أغمرك بالرحمات”…إبراهيم كان قد وضع الإله فوق الجميع، لذلك فهو ” بطل الإيمان” في نظر سورين كيركجارد، والشاهد الأزلي على مخاطره.

أن تضع الإله فوق نفسك؟ أمر جيد. لكن، أن تضعه فوق الأخلاق؟ فوق الحياة؟ فوق الحب؟ الأمر فيه نظر. قد يعترض أحدهم بالقول إن الأخلاق، الحياة والحب، كلها أشياء لا تملك وجودا مطلقا إلا في الإله. ربما. لكن، هذا الإله، إن وجد حقا، من بإمكانه ادعاء إدراكه بشكل مطلق؟ في سبيل أي شيء، نضع أوامره، عندما تصدمنا، فوق ضوابط القلب والعقل؟ في سبيل الإله، أي في سبيل الإيمان، أي في سبيل عقيدة مشكوك في أمرها، كما هو الأمر مع كل العقائد….من يضمن لنا بأن هذا الإله هو الإله الحق؟ الوحي. من يضمن لنا بأن هذا الوحي هو الوحي الحق؟ لأنه ينبع من الإله الحق….

إنها حلقة الإيمان التي تجعله مرعبا حين يكتسي طابع الوثوقية. لو أن إبراهيم شك قليلا، ما أقدم على حمل السكين. لكنه لو شك، ما استحق لقب “بطل الإيمان”.

لا يجب علينا تحميل الأديان أكثر من طاقتها. الديانات لا تحتكر لوحدها العنف، الذوغمائية والتعصب. الأجدر بنا أن نفكر قليلا في الدروس المستقاة من تاريخها الطويل والمؤلم: بوسعنا فعل الشر أيضا في سبيل الخير، وحتى أن نسمح، عن طيب خاطر، بأسوأ السيناريوهات، في سبيل خير، من المفترض، أنه مطلق…

الأنانية، رغم أنها الأكثر انتشار، فهي لا تشكل مصدر خوف إذا ما قورنت بالتعصب. قليلون هم من يقدمون على القتل بدافع مصالح شخصية. في نهاية المطاف، ما الذي سيجنيه المرء من ارتكاب المجازر؟ لكن ارتكابها في سبيل الإله، أو الثورة، أو الأمة، يعني الشيء الكثير.

لا يحتاج الإنسان أن يكون شريرا حتى يرتكب الفظائع، الحماس وحده يكفي. لنأخذ مثال الحروب الصليبية أو الجهاد، روبيسبير أو ستالين، هتلر أو بول بوت، القاعدة أو داعش. منطق المطلق، حين ندعي معرفته، هو منطق الإرهاب. لا أحد يرتكب الشر من أجل الشر. “رايخ الألف عام”، عند هتلر، كان بهدف فعل الخير، تماما كما كانت الثورة بالنسبة لروبسبيير أو ورثته المخيفين، وكما كانت العقيدة الصحيحة بالنسبة لمحاكم التفتيش. ” أقتلوهم جميعا، فالإله أو الثورة سيميزون أبناءهم..”

أي وغد عادي، سيكون أقل إثارة للخوف. فباعتباره لا يتصرف إلا بدافع الأنانية، فيما سيفيده مضاعفة المجازر؟

نعود الآن إلى إسحاق. هذه القصة التي نعثر على مثيلها في القرآن، ترمز إلى تخلي الديانات التوحيدية عن التضحية بالبشر. لا يمكن للمرء إلا أن يسعد بهذا الأمر، مع الإشارة إلى أن ذلك لم يكن كافيا لوضع حد للحروب الدينية، ولا حتى لتثبيط عزيمة القتلة التقاة، كما تشهد على ذلك الأخبار اليومية عبر وسائل الإعلام الدولية.

هل لخلل في فهمهم لدينهم؟ ليكن. لكن، في نهاية المطاف، المسيح نفسه الذي ما فتئ يذكر بسلمية رسالته، قال “ما جئت لألقي سلاما بل سيفا”. فهل يسيء ذلك لرسالته؟ ليس لأن هناك دائما حروبا عادلة أو شرورا لابد منها، ولكن لأنه ليس بوسعنا فهم أي رسالة بمنأى عن التأويل الذي يراد لها. لكن هذا التأويل يظل بشريا، أي قابلا للخطأ، حتى عندما تكون الرسالة غير قابلة لذلك.

أن يكون الإله مطلقا، فهذا جزء لا يتجزأ من تعريفه. أما الديانات فتظل نسبية، وبالتالي قابلة للنقاش. وهذا ما يغضب المتعصب، فهو يذكره دوما بأنه ليس إلها.

المصدر: Le monde (des religions) n°75 janvier-février 2016, Le mal au non de dieu

Related posts
ترجمةفلسفة

كاريسا فيليز: ما الذي يمكن أن يعلمنا إياه سقراط حول الذكاء الإصطناعي؟

ديداكتيك تدريس الفلسفةفلسفة

عادل حدجامي: في معنى الفيلسوف

ترجمةفلسفة

جان فرانسوا دورتييه: إيمان وعقل، كيف يمكن التوفيق بينهما ؟

ترجمةفلسفة

 كريستيان جامبي: عن الإرث الإغريقي في الإسلام

Sign up for our Newsletter and
stay informed