الفلسفة بصيغة المؤنثغير مصنف

تفكير في “المسألة النسوية”(1) مع ابن رشد

لطيفة مصدق = المغرب

سيرا على ماانتهجته في المقال السابق بجزئيه(2) من استحضار لنصوص ابن رشد،واستجلاء موقفه عبر محاورتها ومساءلتها،سأنطلق في هذا المقال من استدعاء نص(مطول نسبيا)والتفكير معه فيما يتعلق بعمل النساء.

النص

“وإنما زالت كفاية النساء في هذه المدن(=مدن الأندلس) لأنهن اتخذن للنسل دون غيره والقيام بأزواجهن،وكذا للإنجاب والرضاعة والتربية،فكان ذلك مبطلا لأفعالهن[الأخرى].ولما لم تكن النساء في هذه المدن مهيآت على نحو من الفضائل الإنسانية،كان الغالب عليهن فيها ان يشبهن الأعشاب.ولكونهن حملا ثقيلا على الرجال صرن سببا من أسباب فقر هذه المدن.وبالرغم من أنهن فيها ضعف عدد الرجال، فإنهن لا يقمن بجلائل الأعمال الضرورية،وإنما ينتدبن في الغالب لأقل الأعمال،كما في صناعة الغزل والنسج،عندما تدعو الحاجة إلى الأموال بسبب الإنفاق،وهذا كله بين بنفسه “(3)

ثمة علاقة ضرورية بين كفاية وقدرة النساء التي تستند إلى الطبيعة-الطبع،والنوع الإنساني وبين الفعل على أرض الواقع،والقيام بالأعمال الجليلة التي من شأنها الارتقاء بالمجتمع والمدينة.لكن اختزال دور المرأة(4) في الإنجاب وأعمال البيت أدى إلى إبطال كفاءتها،وشل قدراتها،في التفكير،والتسيير وتدبير شؤون المدينة…وتحديدا قدرتها على الانتاج المادي والاقتصادي.فقد اعتبر ابن رشد أن تعطيل قدرات النساء في هذا المجال جعلهن عبءا ثقيلا على كاهل الرجال،وسببا من أسباب فقر مدن الأندلس ( في تلك الحقبة).وعلى الرغم من أن نسبة النساء هي اضعاف نسبة الرجال في تلك الأقاليم، إلا أنهن لم يهيأن إلا للأعمال البسيطة ( اعمال البيت والغزل والنسج…)

نحن هنا، أمام موقف طليعي ورؤية ثورية غير مسبوقة حتى عند مفكري عصر النهضة(رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وغيرهم) ممن ربطوا بين تقدم المجتمع وتعليم وتثقيف المرأة،لكنهم لم ينفذوا إلى أن عمل المرأة واضطلاعها بجلائل الأعمال تجسيد لفاعليتها، وتجل من تجليات القدرة على الخلق والفعل،بل اكتفوا بإباحته وإجازته.

واذا،ما الذي يمكن أن تتيحه لنا هذه الرؤية في التعاطي مع “قضية

المرأة”في عصرنا هذا،وفي مجتمعنا؟

هل يمكن أن نجد في هذه الرؤية أصلا نستند إليه في مقاربة اشكالات ذات طبيعة تشريعية وقانونية فيما يتصل بالأسرة؟

هل يتيح لنا المتن الرشدي فيما يتعلق ب”الشأن النسوي” إعادة النظر في النصوص التشريعية والقانونية التي تتعاطى مع عمل المرأة كترف ونافلة (فكل مسؤولية الإنفاق على الأسرة ملقاة على عاتق الرجل)؟

إلى أي حد تسعفنا الرؤية الرشدية في الربط الضروري بين الاستقلال المادي و الاقتصادي للمرأة وباقي أشكال التحرر والنمو الأخرى؟

1-الرجوع لابن رشد هو محاولة لتاصيل المسألة،دون ان يفهم منه الخلط بين ارتباط ميلاد ا”النسوية” بالمجتمع الصناعي.

2-هذا المقال هو تتمة لمقال من جزئين تفضلت مجلة “كوة” بنشرهما،الاول في 16ماي2020،والثاني في 22ماي من نفس السنة،تحت عنوان “تفكير في”المسألة النسوية “مع ابن رشد من خلال كتاب الضروري في السياسة،مختصر كتاب السياسة لافلاطون لأبي الوليد بن رشد.نقله عن العبرية الدكتور أحمد شحلان،ونشره مركز دراسات الوحدة العربية،ضمن سلسلة التراث الفلسفي العربي،مؤلفات ابن رشد، تحت إشراف المرحوم محمد عابد الجابري.

3-ص 125،الضروري في السياسة

4-لم يرد في الكتاب وفي حديث ابن رشد كلمة”المرأة”بل وردت ملنة”النساء”وهذه أشكالية أخرى ( غير منفصلة طبعا عما نحن بصدده)

Related posts
ترجمةغير مصنف

ريجيس دوبري و مارك هالتر:هل الحوار ممكن في الشرق الأوسط؟

تربية وتعليمغير مصنففلسفة

الكتابة والإبداع .... كانط والخبز العربي

الفلسفة بصيغة المؤنثفلسفة

سيمولوجيا الحياة: عتمة ينيرها القدر

تربية وتعليمديداكتيك تدريس الفلسفةغير مصنف

النص الفلسفي بين التوظيف والتخويف

Sign up for our Newsletter and
stay informed