COUUA

موريس مرلوبونتي: في تقريظ الفلسفة

“لا يمكن ان ننتظر من الفيلسوف ان يذهب إلى ابعد مما يراه هو أو ان يعطي من التعليم ما ليس على يقين منه. فتلهف الأنفس هاهنا ليس حجة، ولا يمكن ان نخدم الأنفس بالتقريبي والدجل. الفيلسوف، والفيلسوف وحده اذن هو الحكم. هانحن قد عدنا إلى الذات والى خلوة الذات بالحق. وكنا نقول انه لا توجد حقيقة متوحدة . فهل نحن لدى الدور؟ بلى ! ولكنه ليس دور الريبيين. صحيح انه لا يوجد حكم نهائي وأنني لا أفكر بحسب الحق فقط، ولا بحسب نفسي فقط ولا بحسب الغير فقط، لان كلا من هذه الثلاثة محتاج إلى الاثنين الآخرين ولا معنى للتفريط فيهما لأجله. فعلى هذه الجهات الثلاث لا تنفك تقوم حياة فلسفية . ان لغز الفلسفة (ولغز التعبير ) هو ان الحياة تكون أحيانا هي هي أمام الذات وأمام الغير وأمام الحق. وتلك الأحيان هي التي تبرر الفلسفة، وهي التي يعتمدها الفيلسوف دون غيرها. فلن يرتضي الفيلسوف لنفسه أبدا أي توق إلى ان يكون ضد البشر ولا البشر ضده أو ضد الحق، ولا الحق ضدهم. يريد ان يكون في الآن نفسه في كل مكان، ولو كلفه ذلك الا يكون بحق في أي مكان. معارضته ليست عدوانية : فهو يعلم ان العدوانية في الغالب مقدمة للاستسلام. ولكنه اعلم بحقوق الآخرين وحقوق الخارج من أين يسمح لهم بأي تعد، فإذا ما انخرط ضمن عمل خارجي أريد به ان يذهب إلى ابعد من النقطة التي يفقد عندها ذلك العمل المعنى الذي حبذه لديه، اطمأن إلى رفضه اطمئنانا ، لا سيما وان أسباب الرفض عنده هي عين أسباب الإقبال : من هنا ما يحيرنا فيه من اللين الحرون والإقبال المهموم والحضور الذي يدق عن أن يحس به : مثلما يقوله برغسون عن رافيسون بنبرة جعل فيها من شخصه ما نتخيل معه هاهنا ضربا من مراجعة النفس : “هو لا يمكنك من نفسه … لقد كان من أولئك الذين قلت مقاومتهم فلا يمكنك حتى أن تتباهى بأنك قد حملتهم على الرضوخ مرة واحدة”.

موريس مرلو بونتي: تقريظ الحكمة

ترجمة محمد مجوب

دار امية، تونس، 1995

Exit mobile version