عز العرب لحكيم بناني
مثل كل المغاربة غمرتني مشاعر النشوة خلال تلك الليلة، ليلة الإعلان عن القرار 2797 من يوم 31 أكتوبر 2025.
قد يسأل سائل:
ألم تبالغ في هذا الشعور؟
- ألم تقع لا شعوريًّا ضحيّة الدعاية والهستيريا الجماعيّة؟
- ألم يكن من الأفضل أن تفكر أكثر في نقاط الضعف التي نعاني منها على مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
- هل تعتقد أنّنا قد بلغنا الهدف المرجو من القرار؟
حتّى ولو أنّنا دافعنا عن مشروعيّة هذه الاعتراضات، هل تمنع هذه الحجج المرء من الشعور بالنشوة بعد مرور خمسين عامًا على المسيرة الخضراء؟
تقاسمت مع كلّ المغاربة شعور أنَّنا قد تجاوزنا منعطفًا حقيقيًّا، ولو أنَّ المسار لم ينته بعد.
وهو شعورٌ طبيعيٌّ ينتابنا في اللحظات المفصلية من تاريخ الأمم.
وهو شعور انتابني على نحو ما في وقت سابق قبل عقود ليلة 9 نونبر 1989 بعد أن حدث منعطفٌ غيّر المعادلات السياسيّة الدّوليّة على نحو مفاجئ.
كان الحدث هو سقوط جدار برلين. كنت ألتقط في ذلك الصباح في مدينة فاس كلَّ قصاصات الأخبار المتعلقة بذلك؛ وكنت أتعجّبُ كيف أنَّ الناس بوجه عامٍّ لم يكونوا مبالين بهذا الحدث، لأنّه لا يعنيهم في شيء، لا في حياتهم الشخصيّة ولا في السياسة العامّة. هذا شيء طبيعيٌّ؛ أمّا أنا فقد شعرت بأنَّ منعطفًا حقيقيًّا على وشك الحدوث، لأنّني كنت قد زرت برلين الشرقية وأعرف برلين الغربيّة، وكنت أقرأ كثيرا عن التمزق الذي عرفه الشعب الألماني بين دولتين ونظامين وإيديولوجيتين. وبما أنّني كنت أقضي معظم وقتي في مكتبة دار ألمانيا في باريس، كنت أطلع عن كثب عن مآسي وجود شعب واحد ودولتين مختلفتين.
المآسي التي عاشها المواطنون الألمان وهم يحاولون الهروب من ألمانيا الشرقية إلى الغربية، بعدما دفع مئاتٌ منهم بالمئات حياتهم ثمن ذلك هي التي جعلتني أفهم مآسي العائلة الصحراوية الواحدة المحتجزة في مخيمات تندوف أو المتمزقة بين اللجوء في المهجر أو الاستقرار في أرض الوطن المغرب.
أحسست بمعنى انصهار الآفاق fusion des horizons الذي تحدّث عنه غادامير بصورة ملموسةٍ في الترابط الذي حدث في ذهني بين 31. 10. 2025 و 9. 11. 1989.
الفرق كبير مع ذلك بين المنعطفين: لم يحتج المنعطف الألماني إلى وقت طويل ولا إلى تغيير الدستور لاندماج الشرقيين في الجمهوريّة الاتّحاديّة. ولم يكن توحيد الألمانيّتين ليتحقَّقَ لولا ضعف الاتحاد السوفياتي وجهود كورباشوف وسياسة البيريتسويكا والغلاسنوست. بسرعة تمَّ الاتفاق على توحيد الألمانيّتين وزالت ألمانيا الشرقية من الوجود وتمَّ الإعلان عن عيد الوحدة يوم 3 أكتوبر من كل سنة. نجح الألمان في الإقصائيات وفازوا بالكأس مباشرة.
الوجه المشترك بين المنعطفين أنَّ أيَّ منعطف يحتاج إلى اتّفاق بين القوى العظمى وإلى الثقة الكاملة في المسلسل الدّيمقراطي وإلى وجود حسن نيّة لدى كلّ الأطراف.
في المغرب نجحنا في الإقصائيات، ولا زلنا ننتظر الظفر بربع النهائي وأن تنتصر الديمقراطية والحرية في المقابلة النهائية، “لا غالب ولا مغلوب”، كما قال جلالة الملك.
لهذه الأسباب يحق لنا أن نفرح، وأن نمنّي النفس بمستقبل زاهر، في ربوع مغربنا الحبيب وفي إطار الاتحاد المغاربي.
عزالعرب لحكيم بناني