
محمد بنعبد الرحيم
مقدمة
يعد مفهوم القصدية من أهم المفاهيم التي تمت مناقشتها في الفلسفة المعاصرة، لا ضمن مجال التقليد التحليلي الأنجلوساكسوني ولا ضمن سياق التقليد القاري، ولذلك يمكن القول إن هذا المفهوم شهد مناقشات واسعة لا يمكن حصر تشعباتها وتتبع مسالكها إلا بصعوبة بالغة. لن يكونغرضنا هنا، أن نناقش مفهوم القصدية من جميع جوانبه والوقوف عند كل الأطروحات والتصورات التي وضعته موضوعاللدرس والتفكير منذ برنتانو إلى الآن، ولكن،ستظل غايتنا في هذا البحث هيإبراز التصور الذي قدمه جون سورل حول المفهوم،وتبيان طبيعة الرهانات التي كان يراهن عليها من مناقشته ودرسه لهذا المفهوم. وفي سبيل ذلك، لابد من الوقوف أولا، بشكل موجز، عند دلالة هذا المفهوم وحضوره عند كل من برنتانو وهوسرل.
يبدي مفهوم القصدية L’intentionnalitéنوعا من الالتباس لابد من الكشف عنه وتوضيحه؛فهو غالبا ما يتم ربطه بالقصد الذي يحيل إلى معنى النية، غير أنه في الحقيقةيتجاوز هذا المعنى إلى دلالات محددة.وقد أشار سورلإلى هذا الالتباس الذي يوقعنا فيه المفهوم لارتباطه بمعاني وألفاظ أخرى شائعة، فبالنسبة إليه “توحي الكلمة بأن القصدية، بمعنى التوجه directedness، لابد من أن تملك دائما علاقة ما مع يقصد intending بالمعنى الذي فيه، على سبيل المثال، أنا أقصد الذهاب إلى السينما هذه الليلة”(1)، ولذلك فهو يؤكد على ضرورة التذكير بأن “intending (يقصد) في الإنجليزية مجرد صورة واحدة من بين صور كثيرة للقصدية”(2).
لا يمكن تحديد دلالة مفهوم القصدية كما تمت صياغته في الفلسفة المعاصرة إلا بالعودة إلى أصله ومنبعه الذي استلهمه منه فرانز برنتانو، “ويتجلى هذا المنبع في الفلسفة السكولائية، وخصوصا فلسفة توما الأكويني”(3).مع السكولائيين سيتم استعمالاللفظ اللاتيني ‘intentio’ الذي سيستوحي منه برنتانو مفهوم القصدية، “ويذهب أغلب الباحثين إلى أن لهذا الأمر صلة بترجمة كتب ابن سينا إلى اللاتينية، حيث استقر رأي المترجمين في القرون الوسطى على ترجمة كلمة ‘معنى’ العربية باللفظ ‘intentio‘ اللاتيني”(4).وعلى هذا فالدلالة التي يحيل إليها مفهوم القصدية ترتبط بـ”المعنى”، وبالتالي “فهو لا يعني القصد أو النية بل يشير إلى ظاهرة عامة ترادف ‘المعنى’ أو ‘الدلالة’ عموما”(5)، وهي ظاهرة تسم كل الظواهر والحالات النفسية والذهنية. ويعبر البعض عن معنى القصدية“بالدوران (aboutness)، لأنها تدور على موضوعات أو قضايا موجودة أو مقدرة في العالم، وهذا الدوران هو ما يميز الحالات الذهنية من الحالات المادية التي لا تدور على شيء آخر”(6).
يقدم سورل تعريفا للقصدية لا يخرج عن المعاني السالفة الذكر، فبالنسبة إليه تشكل القصدية “صفة للحالات العقلية (الذهنية) والحوادث التي يتم بها التوجه إلى موضوعات العالم الخارجي وأحواله أو الإشارة إليها”⁽7⁾. يركز سورل هنا على مفهوم ‘التوجه نحو’، فكل فعل قصدي يتوجه نحو موضوع ما، أو يدور حول شيء ما، “فإذا كان هناك اعتقاد ما مثلا، فإنه لابد وأن يكون خاصا بهذا أو بذاك أو أن تكون الحالة كذا وكذا”(8)،وهكذا مع حالات أخرى للقصدية: الاعتقاد، الرغبة، الإرادة، الرأي…إلخ.
يعد فرانز برنتانو أول من وضع مفهوم القصدية في صلب النقاشات الفلسفية المعاصرة، وهو بهذا قد “فتح الطريق أمام الحركة الفينومينولوجية، وأيضًا أمام فلسفة الذهن التحليلية”(9). غير أن هذا لا يعني أن مفهوم القصدية من ابتداع برنتانو، فنحن نجد له حضورا في فلسفة العصور الوسطى، وبرنتانو نفسه يشير إلى ذلك في كتابه “علم النفس من وجهة نظر تجريبية”.لقد تأثر برنتانوفي تصوره لعلم النفس بفلسفة توما الأكويني التي تمتد في جذورها إلى فلسفة أرسطو والفلسفة الإسلامية، وهوبذبك قد“جمع بين دراسة الأنطولوجيا الأرسطية وعلم النفس الفلسفي ولم يكن يعتبر هذا التوجه شاذا”(10)، خصوصا وأن ملامح التمايز بين الفلسفة وعلم النفس لم تكون واضحة أو حتى موجودة.
يشير برنتانو إلى مفهوم القصدية في فقرة شهيرة ضمن كتابه “علم النفس من وجهة نظر تجريبية”، ويعبر عنه في صيغة الصفة “قصدي”intentionnel، لكي يميز من خلاله الظواهر النفسية والذهنية من الظواهر المادية، ومحاولة تحديد موضوع علم النفس تحديدا دقيقا يجعله متميزا عن علوم الطبيعة والفيزيولوجيا، يقول برنتانو: “تتميز الظواهر النفسية بماوصفه علماء العصر الوسيط بالوجود القصدي الباطني (inexistencia intencional)، أو الذهني لموضوع ما، وهو ما يمكن أن نسميه هنا، بتعبيرات قد لا تكون واضحة تماما،بالعلاقة مع محتوى معين أو بالاتجاه نحو موضوع معين (غير أن هذا لا يعني أن ذلك الموضوع له وجود فعلي واقعي) أو نحو موضوعية محايثة. فكل الظواهر الذهنية تتضمن داخلها موضوعا معينا، لكن لا يتعلق الأمر دائما بنفس المنوال. فمن خلالالتمثيل يكون هناك شيءمتمثل، ومن خلال الحكم يكون هناك شيء مثبت أو منفي، وفي الحب، محبوبا، وفي الكراهية، مكروها، وفي الرغبة مرغوبا، ويعد هذا الوجود القصدي الباطني سمة حصرية للظواهر الذهنية. فلاتوجد ظاهرة فزيائية تُنسب لها مثل هذه الخاصية”(11).
ما يميز الظواهر النفسية،إذن،هي القصدية الباطنية التي من خلالها تتوجه نحو الموضوعات، وهذه القصدية هي نتاج للطابع الواعي الذي يميز الظواهر النفسية والذهنية، إذ أن كل ما يجري من حالات نفسية وذهنية داخل النفس يتميز بخاصية الوعي وبالتالي فهي حالات قصدية.
يضيف برنتانو في نفس السياق مجموعة من السمات الأخرى التي تميز الظواهر النفسية والذهنية عما عداها، وهي: وحدة الظواهر النفسية؛“فعلى الرغم من كثرة الظواهر المدركة، فإنها تظهر لنا دائما كما لو كانت وحدة”(12). أنها تدرك بوعي باطني؛ “فلما كانت هذه الظواهر دون غيرها هي المعطاة للإدراك الباطني كان موضوعها واضحا وبينا وبديهيا”(13).
يمكن أن نستنتج مما سبق أن القصدية عند برنتانو ترتبط ارتباطا مباشرا وضروريا بالوعي وعالم النفس والذهن، ولا سبيل إلى الحديث عن قصدية بدون وعي أو وعي لا يكون قصديا. أما باقي الظواهر غير الواعية أو التي لا تدور حول شيء ما أو موضوع مافهي غير قصدية.
لكن، ماذا عن الظواهر النفسية التي لا تدور حول موضوع ما كالقلق مثلا؟ لأجل حل هذه المسألة لجأ برنتانو إلى التمييز بين نوعين من الموضوعات الخاصة بالظواهر النفسية: موضوع أولي وموضوع ثانوي؛ “ويعرف الموضوع الأولي بأنه أي شيء موجود في الخارج وتحيل الظاهرة إليه، كموضوع الحب والرغبة والأمل، وأما الموضوع الثانوي فهو الظاهرة النفسية ذاتها، ولما لم يكن لكل ظاهرة نفسية أو قصدية موضوع أولي، شأن المزاج والحالة النفسية عموما، كانت هذه الظواهر ذاتها موضوعا لنفسها، ولو لم تكن كذلك لانتفى وجود الحالة النفسية أو المزاج إطلاقا”(14).إن هذا التمييز مكن برنتانو من تعزيز إسناده سمة القصدية لكل الظواهر النفسية، فكل فعل أو حالة نفسية وذهنية تتجه نحو موضوع ما، قد لا يكون هذا الموضوع موجودا في الواقع لكنه موجود على مستوى الذهن، وحتى لو لم يكن الموضوع موجود في الذهن بشكل واضح فإن الظاهرة النفسية ذاتها تكون موضوعا، ولا يمكن ألا تكون كذلك ما دام أن الوعي يشكل خبرة نفسية حولها وما دامت مدركة كجزء من أحوال النفس والذهن.
يظهر، إذن، أن مفهوم القصدية لا غنى عنه لأجل وصف وتفسير العالم الذهني والنفسي للإنسان، وقد وضعه برنتانو في مركز النقاش السيكولوجي والفلسفي لما له من أهمية بالغة في بيان ملامح مجموعة من القضايا الملغزة في مجال علم النفس على الخصوص. إنه مفهوم خصب سيكون له أهمية في الفلسفاتالتي ستأتي بعد برنتانو، حيث سيشهد تطورات كثيرة وستدور حوله نقاشات وجدالات ما زالت مستمرة إلى الآن.
يمثل إدموند هوسرل أبرز الفلاسفة الذين استثمروا مفهوم القصدية وأبرزوا خصوبته الفلسفية، وهو وإن كان لا يقطع مع برنتانو، إلا أنه يتجاوزه في كثير من الأمور. لكن،لن يكون غرضنا هنا التفصيل فيما ابتدعه هوسرل حول مفهوم القصدية، لكن يكفينا فقط أن نقدم لمحة عامة حوله، لما له من أهمية فلسفية وتاريخية في إغناء النقاش الفلسفي والمنطقي حول مفهوم القصدية.
لقد جعل هوسرل من الوعي والشعور مركزالفلسفته، ولا يمكن الإحاطة بمفهوم القصدية لديه إلا في هذا السياق. فما هو الوعي حسب هوسرل؟ليس المقصود بالوعي عند هوسرل “الشعور الحسي الجزئي المتعين في الإنسان الفرد، والذي اختص علم النفس التجريبي بدراسته، وإنما المقصود هو الشعور (الوعي) الخالص في صورته الماهوية المتعالية، التي تظهر بعد عملية الرد الفينومينولوجي. فالشعور الطبيعي الأول متغير من فرد لآخر، ولا يستند إلى أساس يقين ثابت بينما الشعور المتعالي الثاني يتسم بالحيوية المستمرة، ويمثل الخلفية اليقينية لمختلف الحقائق المطلقة، التي لابد أن يرتد إليها الشعور الطبيعي ليستمد منها شرعية وجوده اليقيني”(15). وانطلاقا من هذا المنظور للوعي،يقطع هوسرل مع تصور برنتانو للقصدية، الذي ظل مرتبطا بالنزعة التجريبية والموقف الطبيعي في علم النفس، فهوسرل “يعتقد أنه (برنتانو) لم يتجاوز الموقف الطبيعي”(16).لذلك شرع في تشكيل تصور فلسفيجديد يقوم على التأسيس الماهوي لمفهوم القصدية؛فإذا كان علم النفس التجريبي ظل مرتبطا بالموقف الطبيعي شأنه شأن العلوم الطبيعية الأخرى فإن “الظاهراتية (الفينومينولوجيا) تشرع في وضع الوجود الواقعي للأشياء بين قوسين”(17)، وبالتالي فهي تضع كل الموقف الطبيعي بين قوسين، وتعمل على “وصف بنيات الوعي المتعالي بناء على حدس الماهيات. ويتحقق هذا الوصف بناء على التفكير réflexion وليس بناء على الاستبطان”(18)الذي يعتمد على الاستقراء وتقصي الوقائع النفسية التجريبية.
يعتقد شبيغلبرغ أن ما أخذه هوسرل عن برنتانو هو“فكرة القصدية باعتبارها علاقة مع موضوع”(19)،فكل وعي حسبه هو وعي بشيء ما، أي أنه يتجه دائما نحو موضوع ما أو ماهية،ومع ذلك يحذرنا بأنه“لا يجب فهم هذه العلاقة كعلاقة قائمة بين تجارب واقعية وفعلية والتي تفترض بدورها وجود علاقة واقعية وفعلية بين الأنا Le moiوالموضوع المدرك”(20).هكذا يبدأ هوسرل بأخذ مسافة من معلمه برنتانو، هذه المسافة التي يمكن تلخيصها في الانتقال من القصدية من وجهة نظر سيكولوجية تجريبية إلى وجهة نظر منطقية وفلسفية خالصة، “ويدخل تصور هوسرل ضمن التصور المنطقي لمرجع القصد، لأنه يميز في موضوع الأفعال القصدية بين المضمون والمرجع، بصرف النظر عن المعطى الفيزيائي ذاته”(21)؛إن ما يدركه الوعي وما يتجه نحوه هو ماهيات خالصة وكيانات كلية ومجردة وليست موجودات سيكولوجية تجريبية،هذا السمت المنطقي والفلسفي الذي ميز أعمال هوسرل وتصوره، وهو الذي يريد تأسيس الفلسفة على أسس دقيقة، هو الذي جعله ينتقد أستاذه نقذا لاذعا، إذ“لم يستسغ تراجع (برنتانو) عن التوظيف المنطقي لموضوع القصد من أجل توظيف أنطولوجي للذات السيكولوجية”(22).
لقد شكل مفهوم القصدية عند هوسرل أساسا فلسفيا من خلاله عمل على تجاوز الثنائية الكلاسيكية في الفلسفة، وهي ثنائية الذات والموضوع، الداخل والخارج، الظاهر والباطن، الفكر والواقع…، فهو لم يقبل الانخراط في هذا النقاش عبر الانحياز إلى طرف من الأطراف وجعله مرجعا لغيره، وإنما قام بتأسيس مجال يمكن اعتباره “بينيا” يكون أساساللتفكير في هذه الإشكالية (الفكر والواقع)، وكان هذا المجال المحايد الذي يرتفع إلى أعلى من الموقفين الطبيعي والمثالي معا، هو الشعور الكلي الخالص وليس الشعور التجريبي الفردي، وذلك في صورته القصدية المتعالية، والذي أصبح نقطة الانطلاق الجديدة التي تجمع في ثناياها كلا من الواقع والفكر في وحدة شعورية حية، دون أي انحياز لأحد الطرفين”(23).
إذن، يعبر هوسرل عن تصور فلسفي لمفهوم القصدية يجعله مرتبطا جوهريا بالوعي الخالص المتعالي الذي يقوم على حدس الماهيات. لقد كان الرهان الذي راهن عليه هوسرل في تصوره هو تأسيس الفلسفة علما دقيقا، ولم يجد أساسا يستند إليه ويبني عليه هذا العلم سوى هذا الوعي القصدي.
يناقش سورل مفهوم القصدية في سياق فلسفة الذهن وفلسفة اللغة، وبالتالي فرهانه مختلف تماما عن الرهان الذي عبر عنه برنتانو أو هوسرل (والفينومينولوجيون عموما)،وأوضح سورل أن مشروعه “مختلف عن مشروعهوسرل وهايدغر…، والرأي عنده أن هوسرل وهايدغر من الإبستمولوجيين التقليديين الذين اهتموا بالمشروع الأساسي: حاول هوسرل أن يعثر على شروط للمعرفة واليقين. وحاول هايدغر أن يعثر على شروط للمعقولية. ويستعملان معا مناهج الفينومينولوجيا. وفي نظريتي القصدية لا توجد عندي هذه الأهداف ولا تلك المناهج. وإنما أنا مشغول بمجموعة كبيرة من المشروعات، يمكن التفكير في واحد منها بشكل معقول على أنه تحليلي منطقي بالمعنى الذي يمثله راسل وتارسكي وفريغه وأوستين وعملي المبكر في أفعال الكلام”(24).لذلك، فطبيعة الأسئلة التي أراد سورل أن يجيب عنها تختلف عن الأسئلة التي أراد السابقون الإجابة عنها؛ إنه لا يريد تأسيس علم للنفس، أو البحث عن شروط اليقين والمعرفة، ولا البحث الأنطولوجي في الوجود الإنساني في العالم، إنه يركز على أسئلة مخصوصة تنتمي إلى حقل فلسفة الذهن، من قبيل: كيف نفهم الذهن؟ ما علاقة المخ، وهو عبارة عن مادة،بالوعي؟ كيف يستطيع الذهن أن يشير إلى الأشياء الخارجية بالطريقة التي يفعلها بها؟ كيف يمثل الذهن واللغة الواقع؟وكيف ترتبط قصدية الذهن بقصدية اللغة؟ إلخ.وللإجابة عن هذه الأسئلة وأخرى، يستحضر سورل مجموعة من الموضوعات التي لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر أهمها: الذهن، الوعي، القصدية، التمثيل، اللغة، أفعال الكلام…إلخ.
يتصور سورل الوعي كمكون طبيعي من مكونات العالم الفيزيائي، وهو ينطلق في تصوره هذا من آخر المنجزات العلمية التي لا يمكن تجاهلها في مجال العلوم الطبيعية والبيولوجيا على الخصوص.يؤكد سورل في غير ما موضع على هذا التصور؛ يقول: “الوعي، باختصار، ملمح بيولوجي لأمخاخ بشرية وحيوانية معينة، والسبب في عمليات بيولوجية عصبية، وهو جزء من النظام البيولوجي الطبيعي”(25).يؤكد أيضا في مؤلفه”لغز الوعي”: “إذا كانت هناك فكرة أساسية تسري خلال هذا الكتاب فهي هذه: الوعي ظاهرة طبيعية وبيولوجية. إنه جزء من حياتنا البيولوجية، شأنه في ذلك شأن الهضم، النمو، والتمثيل الضوئي”(26).لكن، هل هذ يعني أن سورل يختزل الوعي في المادة، وأنه ينفي وجود الوعي بالمعنى النفسي؟
يجيب سورل: “أرفض أي صورة من السلوكية أو الوظيفية، بما فيها الوظيفية الآلية التي تنتهي إلى إنكار الصفات العقلية (الذهنية) للظواهر العقلية (الذهنية)”(27). يظهر هذا أنه على الرغم من تبني سورل لموقف طبيعي بيولوجيحول الوعي والظواهر الذهنية، إلا أنه لا يختزلهافيما هو ماديكما هو شأنالماديين من السلوكيين والوظيفيين،وهو كذلكلايذهب مذهب الثنائية الجوهرية كما يتصورها ديكارت ومن شايعه من بعده؛ يعتقد سورل بأن النظرتين خاطئتين ولا تقدمان حلا لمشكلة الوعي؛ “فمن جهة، تجعل الثنائية وضع الوعي ووجوده أمرا ملغزا تمام الإلغاز. فلا يمكن للقائل بالثنائية أن يفسر كيف يرتبط الوعي بالعالم المادي الذي نعيش فيه وذلك عندما يضعه خارج العالم الفيزيائي، وبالتالي خارج مجال العالم الطبيعي. (…) ومن جهة أخرى، لا يقول الماديون صراحة: “الوعي لا يوجد” لكن إعادة تعريفهم للوعي، ورده إلى سلوك ومعالجة معلومات وحالات حسابية في المخ يعد استبعادا وإنكارا له”(28).إن سورل، على خلاف التصورات الثنائية والمادية والاختزالية، يؤكد على أنه لا يمكن أن نتقدم في حل مشكلة الوعي إلا إذا نظرنا إليه نظرة شاملة دون اختزال أو إلغاز، وهذه النظرة الشاملة والكلية للوعي تراعي من جهة المنظور العلمي البيولوجي للوعي (والذهن عموما) بوصفه يرتبط بالدماغ والمخ، وتراعي من جهة ثانية طبيعة الوعي النفسية التي يجب الاعتراف بوجودها وعدم إنكارها، ولذلك فهو يذهب إلى اعتبار هذين الوجهين متكاملين،ويرى الأستاذ مصطفى الحداد بأن “النقد الذي يصوبه سورل نحو النزعات الحديثة في رصد العلاقة بين الذهن والجسد مبني في أساسه على مفاهيم علم النفس العادي أو الساذج.(…) بل إن سورل يتبنى بالإضافة إلى علم النفس الساذج، مزعة فيزيائية ساذجة أيضا، ويرى أنهما متكاملان”(29).
إذن، يؤكد سورل على أن الوعي هو ملمح من ملامح المخ، كما أنه لا يمكن أن نضع موضع تعارض الجانب المادي في الذهن مع الجانب النفسي، فكلاهما يعبران عن أمر واقع لا يمكن اختزال أحدهما في الآخر، فكما أن الهضم يعبر عن الوجه الآخر من عمل المعدة، فإن الوعي يعبر عن الوجه الأساسي من عمل المخ.
إن التصور الذي يقدمه سورل حول الوعي ينطبقعنده على مفهوم القصدية؛ونعني بهذا أن الطابع البيولوجي الذي يتميز به الوعي ينطبق بالمثل على القصدية،وذلك بديهي مادامت القصدية والوعي من أخص خصائص الذهن. يقول سورل: “من وجهة نظري تعتبر الظواهر العقلية (الذهنية) ظواهر بيولوجية، وتحدث بسبب عمليات المخ وتتحقق في بنية المخ في الوقت نفسه. ويكون الوعي والقصدية وفقا لهذه الوجهة من النظر أجزاء من علم الأحياء (البيولوجيا) الإنساني مثل عمليات الهضم والدورة الدموية”(30). ويؤكد في موضع آخر: “والقصدية هي، قبل كل شيء، ظاهرة بيولوجية مشتركة بين البشر وبعض الحيوانات الأخرى. وأبسط أشكال القصدية هي الأشكال البدائية بيولوجيا، مثل الإدراك الواعي، والأفعال المتعمدة، والجوع، والعطش، ومشاعر مثل الغضب والشهوة والخوف”(31). وإذاكان هذا المنظور، حسب سورل، يطرح صعوبة في فهم كيفية إنتاج المادة لأفعال وحالات قصدية، فإنه يعتقد أن حل هذا الأمر لا يختلف بتاتا عن حل مشكلات أخرى ينظر إليها بنفس الطريقة:“يشبه الغموض المزعوم للقصدية أوجه الغموض السابقة التي كان لها حل بيولوجي، مثل مشكلة الحياة والوعي”(32).هكذا، يعتبر سورل بأنه لا يمكن حل مشكلة القصدية كما الوعي إلا بإنزالها من سماء الميتافيزيقا إلى أرض البيولوجيا والعلم والواقع.
يبقى أمامنا الآن أن نجيب عن السؤال: ما علاقة القصدية بالوعي؟ وهل جميع الحالات القصدية واعية؟وبالمثل،هل كل الحالات الواعية قصدية؟ على الرغم من أن سورل ربط حل مشكلة القصدية بحل مشكلة أخرى هي مشكلة الوعي، وعلى الرغم من أنه جعل من القصدية والوعي مفهومين يستدعي أحدهما الآخر، إلا أنه لا يرادف بين الاثنين ولا يعتبرهما شيئا واحدا، ولذلك فبالنسبة إليه “ليست كل الحالات الواعية قصدية وليست كل الحالات القصدية واعية”(33)، ففي حالة القلق مثلا فإن الإنسان يشعر بأنه قلق على مستوى تجربته الواعية، غير أنه قد لا يدرك الموضوع الذي يجعله قلقا، وبالتالي فهذه الحالة الواعية ليست قصدية؛ أي أنها لا تتوجه إلى موضوع ما. ويمكن أن نجد العكس أيضا؛ أي حالة قصدية لكنها غير واعية، فالإنسان يعتقد الكثير من الأشياء، مثلا: ترامب رئيس الولايات المتحدة، حتى في حالات النوم، وهنا يكون لدينا حالة ذهنية قصدية تدور حول موضوع لكنها غير واعية.
إن الحالة القصدية هي ما يتوجه به الذهن إلى موضوع ما، ويذكر سورل نماذج كثيرة للحالات القصدية أهمها: الاعتقاد، الرغبة، الخوف، الحب، الكراهية، الفرح، الحزن…إلخ، ويشير إلى أن هذه الحالات القصدية بعضها “يكون موجها بصفة أساسية كما في حالات الحب والكراهية والاعتقاد والرغبة”(34)، وبعضها الآخر “يكون قابلا للتوجه كما في حالتي الحزن والفرح”(35).
يعتقد سورل أن تحليل الحالات القصدية تحليلا كافيا، يستدعي التمييز بين ما يسميه مضمون الحالة القصدية وبين نوعها، فمن شأن الخلط بينهما أن يجعل فهمناللقصدية بعيد المنال، لذلك،“فبالنسبة لأية حالة قصدية، الاعتقاد، والرغبة، والأمل، والخوف، والإدراك الحسي البصري، أو قصد أداء فعل – نحتاج إلى وضع تمييز بين مضمون الحالة ونوعها”(36)؛فأنت تستطيع مثلا أن ترغب في نزول المطر، أو تعتقد في نزول المطر، أو تخاف نزول المطر…إلخ.هنا يكون مضمون الحالة القصدية واحد (نزول المطر)، لكن نوع الحالة مختلف (الرغبة، الاعتقاد، الخوف).يضع سورل هذا التمييز لكي يبني عليه ما يسميه بشروط الاستيفاء، فعدم التمييز بين الحالة والمضمون قد يجعل من هذه العبارات خاضعة كلها لشروط الصدق والكذب من منطلق أنها تمتلك نفس المضمون القضوي، وبما أن هذا الشرط غير كاف “فنحن في حاجة إلى فكرة أعم من فكرة الصدق؛ لأننا في حاجة إلى فكرة لا تشمل فقط الحالات القصدية من قبيل الاعتقادات التي يمكن أن تكون صادقة أو كاذبة، وإنما تشمل حالات مثل الرغبات والمقاصد التي يمكن إنجازها أو إبطالها، وتحقيقها أو عدم تحقيقها”(37).وعليه، يقترح سورل الحديث عن شروط الاستيفاء وليس شروط الصدق، لأن الأولى أعم من الثانية ويمكن أن تنطبق على جميع أنواع الحالات القصدية وإن كان مضمونها القضوي واحدا، إن شروط الاستيفاء تمكننا من مراعاة هذا التنوع في الحالات وبالتالي تعطينا فهما أفضل للحالات القصدية وكيفية تمثيلها لما تعبر عنه. إذن، بدل القول إن هذه الحالات تملك شروطا للصدق وجب القول إنها تمتلك شروطاللاستيفاء، “وهذا المصطلح يشمل شروط الصدق بالنسبة للاعتقاد وشروط الإنجاز بالنسبة للرغبات، وشروط التحقق بالنسبة للمقاصد”(38)، وكما هو بين هنا، فشروط الصدق تصبح حالة فقط من بين حالات أخرى تتضمنها شروط الاستيفاء،وتكون الحالة القصدية مستوفاة، حسب سورل،“إذا كان العالم يوجد بالطريقة التي تمثل الحالة القصدية وجوده بها”(39).
إن التمييز السالف الذكر (شروط الصدق وشروط الاستيفاء)، في نظر سورل، يمكننا كذلك من فهم ملمح آخر أساسي من ملامح القصدية، وهو ما يعبر عنه باتجاه المطابقة؛ فما دامت القصدية هي الطريقة التي من خلالها يربطنا الذهن بالعالم الخارجي، فإن هذا الربط لا يتم بنفس المنحى، فهناك “طرائق مختلفة ترتبط بها المضامين القصدية بالعالم؛ عن طريق أنواع مختلفة من الحالات القصدية. والأنواع المختلفة من الحالات القصدية تربط المضمون القضوي بالعالم الواقعي مع التزامات مختلفة من المطابقة إذا جاز القول”(40). يميز سورل هنا بين نوعين أساسيين من اتجاه المطابقة؛ الأول اتجاه من الذهن إلى العالم، والثاني اتجاه من العالم إلى الذهن؛ يمثل النوع الأول الاعتقادات والفروض التي تكون مستوفات وفق معيار الصدق والكذب، لأن “لها اتجاه مطابقة من العقل (الذهن) إلى العالم. وتقع المسؤولية، إذا جاز التعبير، على الاعتقاد ليضاهي العالم الذي يوجد وجودا مستقلا”(41). أما النوع الثاني مثل الرغبات والمقاصد “فلا يمتلك اتجاه مطابقة من العقل (الذهن) إلى العالم؛ لأنه إذا لم يتم استيفاء الرغبة أو القصد، فإن المسؤولية، إذا جاز التعبير، لا تقع على الرغبة أو القصد، ولكن تقع على العالم، إنه يعجز عن مضاهاة مضمون الرغبة أو القصد”(42). غير أن سورل يضيف نوعا آخر من اتجاه المطابقة يسميه باتجاه المطابقة الفارغ، ويبرز هذا الاتجاه عندما توجد بعض الحالات القصدية “تفترض مسبقا أن المطابقة قد حدثت بالفعل”(43)، وهنا تكون الحالة القصدية مستوفاة بالفعل. فعلى سبيل المثال، عندما تندم لأنك أهنت صديقا فإن الندم هنا كحالة قصدية ترتبط بمضمون قضوي مستوفى فعلا.
تقوم وظيفة القصدية الأساسية على ربط الذهن بالعالم الخارجي، وهذا الربط هو الذي يمكن التعبير عنه بعملية التمثيل الذهني للواقع والأشياء.لا يقصد سورل بالتمثيل المعنى الشائع في الفلسفة أو العلوم المعرفية والذكاء الاصطناعي؛ يقول سورل: “حين أقول مثلا إن ‘الاعتقاد’ ‘تمثيل’، لا أعني أنه عبارة عن صورة.(…) بل قصدت استخدام المصطلح بالمعنى نفسه الذي يستخدم به في أفعال الكلام؛ فيعني معنى ‘التمثيل’ الذي يقدم به اعتقاد معين شروط تحقق المعنى نفسه الذي تقدم به العبارة شروط تحققها، فيعني القول إن ‘اعتقادا معينا تمثيل’ أن هذا الاعتقاد له مضمون لغوي وحالة نفسية. ويحدد مضمونه اللغوي (القضية المصاغ بها) مجموع شروط تحققه في ظروف معينة. وتحدد حالته النفسية اتجاه مطابقة هذا المضمون اللغوي. ويتم كل ذلك بطريقة تسمح بتفسير هذه المفاهيم، أي ‘المضمون اللغوي’ و’اتجاه المطابقة’ بنظرية في علم الكلام”(44).هكذا، يكون التمثيل عند سورل مرتبطا أكثر بالمضمون الذي يعبر عنه، وبحالته (التمثيل) النفسية، وليس بصورته ودلالته المنطقية أو الأنطولوجية، وبهذا المعنى يكون التمثيل مهما كان نوعه (ذهنيا، لغويا…) صحيحاعندما يرتبط بشروط معينة للتحقق أو الاستيفاء، فهذه الأخيرة بالنسبة لسورل هي “مفتاح فهم التمثيل، فتعد كل حالة قصدية ذات اتجاه للمطابقة تمثيلا لشروط التحقق أو الإشباع (الاستيفاء)”(45).
من هنا، يتأكد أنه لا يمكن فصلالتمثيل الذهني عن التمثيل اللغوي (دون أن يعني ذلك أن القصدية الذهنية لا تكون بدون اللغة)، ومنه فإن فهم القصدية كتمثيل ذهني “لابد أن يمر أولا بالتمثيل اللغوي”(46)،وحسب سورل، فإن هناك أربع نقاط تتشابه فيها الحالات القصدية مع أفعال الكلام:
- انطباق التفرقة بين المضمون القضوي وقوة التأثير المعروفة في نظرية أفعال الكلام على الحالات القصدية. (47)
- انطباق التفرقة المألوفة بين الاتجاهات المختلفة للتطابق في نظرية أفعال الكلام على الحالات القصدية.(48)
- عند تقديم فعل كلامي ذي مضمون قضوي، نعبر عن حالة قصدية معينة بهذا المضمون القضوي. وتعد هذه الحالة القصدية شرطا لصدقية ذلك الفعل الكلامي.(49)
- انطباق مفهوم شروط الاستيفاء بشكل عام على كل من أفعال الكلام والحالات القصدية في حالة وجود اتجاه المطابقة(50).
بدأ سورل مساره الفلسفي بالاشتغال داخل حقل فلسفة اللغة، ونتج عن هذا الاشتغال مجموعة من المؤلفات ذات الاهتمام اللغوي على غرار مؤلفه “أفعال الكلام”، ثم انتقل بعد ذلك إلى الاهتمام بشكل أكبر بفلسفة الذهن، لأن الكثير من المشكلات المرتبطة باللغة، تين لهأنه لا يمكن حلها إلا بتحليل عمل الذهن، لذلك سيظهرله بأن “فلسفة اللغة فرع من فلسفة العقل (الذهن)”(51).لقد اهتم سورل، في أعماله داخل مجال فلسفة الذهن،“بالقصدية وبنيتها، وعلى وجه الخصوص قصدية الإدراك الحسي والفعل. وعلاقة قصدية العقل (الذهن) بقصدية اللغة”(52)، وإذا كنا قد ناقشنا مسألة قصدية الذهن فيما سبق من الفقرات، فإننا سنحاول أن نقدم هنا – باقتضاب – تصور سورل حول قصدية اللغة وعلاقتها بقصدية الذهن.
يؤكد سورل على أن “قدرة أفعال الكلام على تقديم الموضوعات وحالات الأشياء في العالم امتداد لقدرة العقل (الذهن/ المخ) البيولوجية في ربط الكائن العضوي بالعالم”(53).وبهذا الإقرار يحسم سورل موقفه من إشكال فرض نفسه بقوة داخل مجال فلسفة الذهن وفلسفة اللغة، وهو: هل قصديةالذهن هي الأساس وقصدية اللغة تابعة لها ومشتقة منها أم العكس؟ ويتبنى سورل هذا الموقف لأنه في نظره “ما دامت القدرة على الحديث وتقديم الموضوعات والتعبير عن الحالات، جزء من قدرة العقل (الذهن) العامة وربط الكائن العضوي بالعالم، فإن التفسير الكامل لفعل الكلام واللغة يتطلب معرفة لكيفية ربط العقل (الذهن) الكائن العضوي بالعالم أو الواقع”(54). إن قصدية اللغة بهذا المعنى قصدية مشتقة من قصدية الذهن، وهنا نفترض أن قصدية الذهن لا تحتاج بالضرورة لقصدية اللغة لكي تتحقق، في حين أن قصدية اللغة تحتاج بالضرورة إلى قصدية الذهن لكي تتحقق وتوجد. هكذا،على سبيل المثال،“تعتمد طريقة تمثيل اللغة للواقع على الطرق الأساسية بيولوجيا التي يمثل بها العقل الواقع. وبالفعل فإن التمثيل اللغوي هو توسيع فعال للتمثيلات العقلية (الذهنية) الأساسية مثل الإدراك الحسي والمقاصد والاعتقادات والرغبات”(55).
إن قدرة أفعال الكلام حسب سورل على التمثيل والتعبير لا تستمدها من ذاتها أو مما تعبر عنه في الخارج والواقع، “فعلى الرغم من أن العبارات والأصوات التي تخرج من فم الإنسان أو العلامات التي يكتبها المرء على الورقة، تعتبر موضوعات موجودة في العالم مثل أي موضوعات أخرى، فإن قدرتها على التعبير تكون مستمدة من قصدية العقل (الذهن) وليس من قدرة ذاتية لها”(56)، على عكس قصدية الذهن التي لا تستمد قدرتها هاته من أي موضوع أو عنصر آخر خراجها، بل تستمدها من ذاتها وذاتها فقط.
إذن، يحسم سورل موقفه الذي أسس له من داخل فلسفة الذهن وفلسفة اللغة (وفلسفة اللغة فرع من فلسفة الذهن)، ويؤكد على أن القصدية شأن ذهني بالأساس ومنها تشتق القصدية اللغوية التي تكون امتدادا لها ومعبرة عن مضامينها وحالاتها.
لقد تبين لنا من خلال ما تقدم أن مفهوم القصدية شكل محور العديد من النقاشات الفلسفية، لا في ميدان علم النفس ولا في ميدان الفلسفة وعلى الخصوص فلسفة الوعي وفلسفة الذهن، فمنذ برنتانو وتصوره حول قصدية الظواهر النفسية والذهنية، إلى سورل وتصورات فلسفة الذهن على العموم والتي كان استحضار برنتانو من أهم ملامحها، سيشكل مفهوم القصدية، بالإضافة إلى مفهوم الوعي، أبرز الموضوعات الذي دارت نقاشات الفلاسفة حولها، ولا غرابة في ذلك، فمفهوم القصدية ينطوي على مشكلة من أهم المشكلات التي طرحت على مر تاريخ الفلسفة، وهي كيفية تمثيل ذهننا للعالم والواقع. إن هذه المشكلة التي ينطوي عليها مفهوم القصدية تشكل الآن أم المشكلات الفلسفية التي لا يمكن حل مشكلات فلسفية أخرى إلا انطلاقا من تصور معين حولها، وهذه المسألة هي التي ستبوئ فلسفة اللغة وفلسفة لذهن مكانة مركزية ضمن مجمل فلسفات العصر الحاضر.
الإحالات المرجعية:
- سيرل، جون: العقل واللغة والمجتمع، الفلسفة في العالم الواقعي، تر: صلاح إسماعيل، المركز القومي للترجمة، العدد: 1812، القاهرة، 2011، ص: 121.
- نفس المصدر، نفس الصفحة.
- McCormick, Peter : « Sur le développement du concept de l’intentionnalité chez Brentano et Husserl », Philosophiques, volume 8, numéro 2, octobre 1981, p. 227.
- الحداد، مصطفى: فتجنشتاين ومؤولوه ملاحظات حول اللغة الخصوصية واتباع القاعدة والكيفيات، المجلة الإلكترونية مخاطبات، عدد: 9، 2014، ص: 27. (موقع المجلة: http://almukhatabatjournal.unblog.fr )
- نفس المرجع، ص: 26.
- نفس المرجع، ص: 27.
- سيرل، جون: القصدية، بحث في فلسفة العقل، ترجمة: أحمد الأنصاري، دار الكتاب العربي/ مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، بيروت، 2009، ص: 21.
- نفس المصدر، نفس الصفحة.
- Antonelli, Mauro : « Franz Brentano et l’« inexistence intentionnelle » » Philosophiques, volume 36, numéro 2, automne 2009, p.467.
- لحكيم بناني، عز العرب: الظاهراتية وفلسفة اللغة، تطور مباحث الدلالة في الفلسفة النمساوية، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2002، ط: 2، ص: 6.
- Antonelli, Mauro : « Franz Brentano et l’« inexistence intentionnelle »», op. cit., p. 468
- سليمسلامة، يوسف:الفينومينولوجياالمنطقعندأدموندهوسرل،دار التنوير، بيروت، 2007،ص: 108.
- نفس المرجع، نفس الصفحة.
- WARNOCK, M, Existentialism, Oxford University Press, London, reprinted, 1971, pp. 26F
نقلا عن: (سليمسلامة، يوسف:الفينومينولوجياالمنطقعندأدموندهوسرل، مرجع مذكور، ص: 112.).
- رافع محمد، سامح: الفينومينولوجيا عند هوسرل، دراسة نقدية في التجديد الفلسفي المعاصر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1991، ص: 186.
- لحكيم بناني، عز العرب: الظاهراتية وفلسفة اللغة، مرجع مذكور، ص: 56.
- نفس المرجع، ص: 55.
- نفس المرجع، نفس الصفحة.
- McCormick, Peter : « Sur le développement du concept de l’intentionnalité chez Brentano et Husserl », op. cit., p.231.
- Ibid., p.231.
- لحكيم بناني، عز العرب: الظاهراتية وفلسفة اللغة، مرجع مذكور، ص: 59.
- نفس المرجع، ص: 65.
- رافع محمد، سامح: الفينومينولوجيا عند هوسرل، مرجع مذكور، ص: 188.
- إسماعيل، صلاح: فلسفة العقل دراسة في فلسفة سيرل، دار قباء الحديثة، القاهرة، 2007، ص: 184.
- Searle, John R, The Rediscovery of the Mind, Cambridge : Mass. :MIT Press, 1992, p.90.
نقلا عن: (إسماعيل، صلاح: اللغة والعقل والعلم في الفلسفة المعاصرة، دار رؤية، القاهرة، 2018، ص: 111.)
- Searle, John R, The Mystery of Consciousness, first edition, New York : A New York Review of Books, p.xii.
نقلا عن: (إسماعيل، صلاح: اللغة والعقل والعلم في الفلسفة المعاصرة، مرجع مذكور، ص: 111.)
- سيرل، جون: القصدية، بحث في فلسفة العقل، مرجع مذكور، ص: 17.
- إسماعيل، صلاح: اللغة والعقل والعلم في الفلسفة المعاصرة، مرجع مذكور، ص: 113.
- الحداد، مصطفى: اللغة والفكر وفلسفة الذهن، منشورات جمعية الأعمال الاجتماعية والثقافية لكلية الآداب بتطوان، سلسلة: دراسات، ص: 106.
- سيرل، جون: القصدية، بحث في فلسفة العقل، مرجع مذكور، ص: 18.
- سيرل، جون: رؤية الاشياء كما هي، نظرية الإدراك، ترجمة: إيهاب عبد الرحيم علي، مجلة عالم المعرفة، عدد 456، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، يناير 2018، ص: 43.
- نفس المصدر، نفس الصفحة.
- Searle, John R, «Intentinality», in Samuel Guttenplan, (ed.), A Companion to the Philosophy of Mind, p.380
نقلا عن: (إسماعيل، صلاح: اللغة والعقل والعلم في الفلسفة المعاصرة، مرجع مذكور، ص: 118.)
- سيرل، جون: القصدية، بحث في فلسفة العقل، مرجع مذكور، ص: 25.
- نفس المصدر، نفس الصفحة.
- سيرل، جون: العقل واللغة والمجتمع، الفلسفة في العالم الواقعي، مصدر مذكور، ص: 135.
- نفس المصدر، نفس الصفحة.
- نفس المصدر، ص ص: 135- 136.
- نفس المصدر، ص: 39.
- نفس المصدر، ص: 136.
- نفس المصدر، نفس الصفحة.
- نفس المصدر، نفس الصفحة.
- نفس المصدر، ص: 138.
- سيرل، جون: القصدية، بحث في فلسفة العقل، مصدر مذكور، ص ص: 33- 34.
- نفس المصدر، ص: 35.
- إسماعيل، صلاح: فلسفة العقل دراسة في فلسفة سيرل، مرجع مذكور، ص: 26.
- سيرل، جون: القصدية، بحث في فلسفة العقل، مصدر مذكور، ص ص: 26.
- نفس المصدر، ص: 28.
- نفس المصدر، ص: 30.
- نفس المصدر، ص: 31.
- نفس المصدر، ص: 15.
- إسماعيل، صلاح: اللغة والعقل والعلم في الفلسفة المعاصرة، مرجع مذكور، ص:81.
- سيرل، جون: القصدية، بحث في فلسفة العقل، مصدر مذكور، ص ص: 15.
- نفس المصدر، نفس الصفحة.
- إسماعيل، صلاح: اللغة والعقل والعلم في الفلسفة المعاصرة، مرجع مذكور، ص:80.
- سيرل، جون: القصدية، بحث في فلسفة العقل، مصدر مذكور، ص ص: 16.