تربية وتعليمديداكتيك تدريس الفلسفةفلسفة

كيف تبحث فلسفة الذهن في المشترك الإنساني في ضوء التنوع الثقافي والنسبية

عزالعرب لحكيم بناني 

هذا هو عنوان مشاركتي عن بعد صبيحة هذا اليوم 11 أبريل 2025، في الندوة العلمية الدولية التي تنظمها كلية الآداب والعلوم الإنسانية صفاقس ومختبر بحث اللغة والمعالجة الآليةـ بتعاون مع قسم العربية ومدرسة الدكتوراه إنسانيات وفنون وآداب، جامعة صفاقس، أيام (10 و11 و12 أبريل 2025)، تحت عنوان: اللغة واللسانيات العرفانية والتنوع الثقافي.

هذا ملخص المداخلة الذي تم توزيعه على المشاركين في الندوة، في انتظار نشر المقالة الكاملة في كتاب الندوة. الشكر الجزيل للأستاذ محسن الزارعي وللأستاذة سلوى النجار على الدعوة الكريمة. 

مقدمة:

سنعالج النقاط التالية المتعلقة بمساهمة الفلسفة في تخصص العلوم المعرفية. إذا كانت فلسفة الذهن من المباحث الفلسفية الكبرى في الفلسفة التحليلية، فإنّها تشكل مساهمة الفلسفة في تخصص العلوم المعرفية. لا تدّعي الفلسفة أنها تقوم بدراسة الدماغ ولا الوظائف العقلية، بل تدرس المفاهيم الذهنية، كما تجلت في القيم والعواطف والوظائف الذهنية التي تربط بين الذهن وعلم النفس الاجتماعي. والهدف هو فصل السببية الذهنية عن السببية الطبيعية من خلال أعمال دافدسون ودووركين وإبراز الصورة الذهنية التي اتخذتها القيم الأخلاقية. 

يرفض دافدسون الثنائيّة الديكارتيّة، ويقرُّ بوجود تطابق مادّي بين النّفس والبدن، وعليه فإنَّ الظواهر الذهنيّة لا تتكوَّنُ من طبيعةٍ مختلفةٍ عن طبيعة الظواهر المادّية. من هذه الزاوية يظلُّ المبدأ الثّاني مقبولا، “أينما ظهرت سببيّةٌ ظهرت قوانين السّببيّة. و تخضع الأحداث التي تدخل علاقة العلة بالمعلول عليها لقوانين السببيّة الصارمة. 

Donald Davidson : Handlung und Ereignis. Übersetzt von Joachim Schulte. Suhrkamp, 1985, p. 293.

 وهذا هو الدّاعي الذي حمل دافدسون على الانضمام إلى زمرة مذهب التوحيد monisme  بين النفس والبدن اللذين ينتميان إلى الطبيعة المادّية نفسها، دون أن يقبل مذهب الظواهر الذهنية العارضة الذي يزعم وجود قوانين صارمة تجمع بين ظواهر الذّهن ومعطيات الجسد.

فلسفة الذهن لدى دافدسون.   

هكذا، سعى دافدسون إلى أن يُقدِّمَ الدليلَ على صحةِ مذهب التوحيد غير الخاضع لقوانين monisme anomal حينما أثبت أن أيَّ حدثٍ ذهنيٍّ قد يكون علةَ حدثٍ ذهنيٍّ أو معلولاً له، بمعنى أنَّ الحدثَ الذهنيَّ قد يَكونُ سببَ وقوعِ الحدثِ المادّي، كما قد يَنتُجُ الحدثُ الذِّهنيُّ كذلكَ عن العلةِ الوافدةِ من الحدثِ المادّي. 

عندما يتسبَّبُ حدثٌ ما في حدوثِ حدثٍ آخر، فإنّنا سنقولُ إنَّ الأحداثَ تعبيرٌ عن قانونٍ صارمٍ،  إذا ما أفلحنا في وصفِ العلةِ والمعلولِ وصفاً جيّداً. ولكننا نعلم بوجود علاقاتٍ سببيةٍ جزئيّةٍ بين أحداثٍ جزئيةٍ دون أن نصلَ إلى وصفٍ جيّدٍ لها ودون أن نتوصَّلَ إلى القانون الصّارمِ الذي يحكُمُها. تتطلبُ المعرفةُ بهذا الخصوصِ منّا أن نعثُرَ على المبرراتِ أو الدواعي أو الحجج أو الأسباب الشخصيّة les raisons pourquoi…  وهذه الأسباب الشخصية يمكنُ تعميمُها في صورةِ قواعد عامّةٍ تعميماً “من نوعٍ يخالفُ مدلولَ القانون العلمي الفيزيائي الدقيق” heteronome، بمعنى أننا نملك حججاً نعتبرُ بموجبها أنَّنا سنتوقع حدوثَ أحداثٍ ذهنيةٍ مترابطةٍ مع الحدثِ الذهني أو نتوقعُ أنَّ حدثاً مادّياً سيَعقُبُ حدثاً ذهنيّاً ما. نعتبرُ مثلا أنَّ الإحساس بالألمِ إحساسٌ ذهنيٌّ، وعندما نُحسُّ بالألمِ نُبعِدُ اليدَ عن مصدرِ الألمِ، سواءً بالنسبة للشخصِ الواحدِ أو لكلِّ الأشخاصِ الذين يتعرّضون لنفسِ الحدثِ الذِّهني. ولكننا حتى لو علمنا أنَّ العالم محكومٌ بالقوانين الفيزيائيةِ الصارمةِ ولو علمنا أنًّ أيَّ حدثٍ ذهنيٍّ متطابقٌ مع الحدثِ الفيزيائي، لا نستطيع حسب رأي دافدسون أن نتنبّأَ بأيِّ حدثٍ فيزيائيٍّ أو أن نُفسِّرَهُ. 

يوجد جانبان في الأحداث الذهنية – في علاقتها بالأحداثِ المادّيةِ – من جهةٍ أولى نجد الارتباطَ السببيَّ للذهن بالعالم الفيزيائي causalité mentale ونجد استقلالها عن القوانين الفيزيائيّةِ الصّارمةِ أي إمكانَ التعميم الذي اعتبر دافدسون أنه “من نوعٍ يخالفُ القاعدةَ أو القانون العلمي الدقيق” heteronome . 

يعتبرُ دافدسون أنَّ الجمع بين الجانبين يُوجِدُ حلا للمفارقةِ التي تبرز في التَّعارُضِ بين المبادئ الثّلاثة. فالذهن يتسبَّبُ في الأحداثِ المادّيةِ الجاريةِ في العالمِ الخارجي من خلال القصد والأهدافِ التي يضعُها.  تعزلُ هذه الطريقة في العرضِ كذلكَ الأحداثَ الذهنيّةَ عن القوانين الفيزيائيّةِ الصّارمةِ التي نستطيع بموجبها أن نُفَسِّرَ الأحداثَ الفيزيائيّةَ وأن نتنبَّأَ بها.

 السببية الطبيعية والمسؤولية.

رجع دافدسون إلى الأحوال الذّهنيّة للفرد وإلى مواقفه وعباراته اللغويةِ، حتى يثبت تماسُكَه ويتوصّل إلى صياغة نظريةٍ لعقلانية والسعي إلى تحقيق أهداف من خلال السببية الذّهنيّة.

يمكننا أن ننطلق من النتائج التي توصلنا إليها من خلال نموذج دافدسون في فلسفة الذهن، والتي تتّصل بالسّببيّة الذهنيّة، لاستثمارها في البحث عن المشترك الإنساني. ولذلك يساهم الاعتراض على استنتاج الحتمية العرفانيّة أو المعرفية من الحتميّة الفيزيائيّة في الانتقال إلى البحث في المسؤوليّة الأخلاقية. ويشترك رونالد دووركين Ronald Dworkin مع دافدسون في إبراز أهمّيّة السّببيّة الذهنيّة. يستعمل مبدأ التحكم السببي  بدل السّببيّة الذّهنيّة: بناءً على الفهم السببي للتحكم، «لا يمكننا التحدث عن التحكم إلا إذا ما رجعت السلسلة السببية التي تفسر الطريقة التي نتصرَّفُ بها إلى الدافع الموجود في إرادتنا، بدل أن ترجع إلى الأحوال أو إلى الأحداث المتقدّمة في الماضي قبل وجود الإرادة، وهي الأحوال والأحداث التي تنبني على قوانين الطبيعة لتفسير الفعل الإرادي المقصود.” 

Dworkin, Ronald : Gerechtigkeit für Igel. Suhrkamp, 2014, 388.

هكذا أصبح التحكُّمُ في معنى السببيّة جوهريًّا في معرفة حدود المسؤولية. وإذا ما قبلنا الحتمية المعرفية بناءً على الحتميّة الطبيعيّة، توضع آنذاك قيودٌ على المسؤولية الأخلاقية. وهكذا، استنتج دووركين النَّتائج السلبيّة التّاليّة من مذهب التحكُّم السّببي المتقيّد بالحتميّة المعرفيّة: 

– ينظر التحكم السببي “إلى مسألة المسؤولية من وجهة نظر خارجية عن فهم الفاعل اليومي لموقفه الخاص ب” (389).

– هذا ما يضع حياتنا الذهنيّة في إطار العالم الطبيعي”. 

Dworkin, Ronald : Gerechtigkeit für Igel. Suhrkamp, 2014, 389.

– ينبغي لنا أن نسعى إلى تفسير عمليات اتخاذ القرار لدينا بنفس الطريقة التي نشرح بها عمل أعضائنا الحيويّة الباطنية.” 

– وبالتالي فإن الحكم الأخلاقي بشأن المسؤولية مرتبط بالحكم العلمي بشأن المسؤولية. 

وقد سعى دووركين إلى تجاوز الحتميّة المعرفيّة باستعمال مبدأ التّحكُّم في القدرات Das Prinzip der Fähigkeitenkontrolle، وقد اقترح فهمًا مضادًّا للمقصود بالتَّحكُّم. 

“بناءً على هذا الفهم المضادّ، يمتلك الفاعلُ بالتَّحكُّم عندما يصبح على وعي بأنه يواجه خيارًا ثم يتخذ قرارًا؛ أي إذا لم يتخذ أي شخص آخر هذا القرار من خلاله أو نيابة عنه، وكانت لديه القدرة على تكوين آراء حقيقية حول العالم وعلى التوفيق بين قراره وشخصيته المعيارية – أي بين رغباته وطموحاته ومعتقداته المستقرة.”

غير أنَّ الباحثين الذين يدافعون عن الحتميّة، وعن تحكُّم الدّماغ في الذّهن يعتبرون أنَّ من ينطلق في العمليات الذهنيّة من مفهوم الإرادة ملزمٌ بأن يفحص العوامل البيولوجيّة المتحكّمة في الإرادة ذاتها. وإذا كان الانتظام طبيعيًّا بين العلل والمعلولات وكانت “الحتمية تصف الوضع وصفًا صحيحًا، إذن لا أحد يتحكَّمُ في تصرُّفاته، مما يعني أنه لم يعد بإمكان أرسطو أن يصرَّ على مسؤولية الأفراد على هذا الأساس. وهذا ما ينتج بالطبع عن الحتمية إذا قبلنا مبدأ السببية.” 

Dworkin, Ronald: Gerechtigkeit für Igel. Suhrkamp, 2014, 774, Fußnote 10. 

يتخلى دووركين عن نظريّة الإرادة، بعدما ظلت قطب الرّحى في فحص إسناد الحرية أو التنصُّل منها. بينما كان علم الكلام يناقش مفهوم الإرادة في إطار قضايا الجبر والاختيار بين الإرادة الإنسانية وتبعيّتها للإرادة الإلهيّة، أصبحت العلوم المعرفيّة تناقش مفهوم الإرادة في إطار تبعيّة الأحداث الذّهنيّة للأحداث العصبيّة. في كلا الحالتين، تضرّرَ مفهوم المسؤولية الأخلاقيّة بعد اختزال الأفعال في الإرادة. في مقابل مفهوم الإرادة، ظهر مفهوم القدرات capability من أجل تجنُّب الإحراجات الأخلاقيّة. 

وقد حظيت نظرية القدرات بانتشار واسع في أعمال مارتا نوسيوم وأمارتيا سن الذي استثمر فكرة التمكين في نظرية العدالة.  وهي تتعلق بما يستطيع شخص ما فعله أو عدم فعله. 

 Sen Amartya: Die Idee der Gerechtigkeit: Beck, 2010,. 333

وتلعب المدرسة دورًا أساسيًّا في تعزيز الحرية (383)  ولو أنَّ الفاعلين الحقوقيين يعتقدون أنّهم لا يسعون إلى هذر الوقت في المناقشات النظرية، قبل أن يواجهوا البؤس العالمي. (383) غير أنّه من الصعب أن نواجه قضايا المسؤوليّة دون تبديد الغموض الذي يكتنف استعمال الحتميّة في علوم الدّماغ والجبر في علم الكلام. تبتدئ المسؤولية بقدرة المرء على “تشكيل حياته بشكل مستقل وفقا لمشاريعه الخاصة وفي إطار نفس الفرص والحريات المتساوية للجميع.” 

Stefan Gosepath: Gleiche Gerechtigkeit. Grundlagen eines liberalen Egalitarismus: Suhrkamp, 2004, p. 63.

يرى لستيفان جوسيباث، أن هدف الواجب الفردي هو تحسين الظروف (..) وقد يصبح تجاوزًا أخلاقيًا لطاقة الاحتمال لدى كل فرد ويجب أن يكون قادرًا على تشكيل حياته بشكل مستقل وفقًا لـ “مشاريعه الأساسية” في إطار تكافؤ الفرص والحريات للجميع، وبما أنَّ الحياة المستقلة للفاعل تمثل قيمة أخلاقية مهمة فإنَّ لدينا مصلحة مشروعة في فضاءات الحرية (الضرورية) المقابلة. ويجب أن تكون المسؤولية الأخلاقية الشخصية عن القضاء على المظالم غير العادلة أقل بالقدر نفسه.

فالتمكين سمة جوهرية في حياة الإنسان.

Sen Amartya: Die Idee der Gerechtigkeit: Beck, 2010, S. 320.

يستثمر دووركين مفهوم القدرة من أجل ضبط المسؤوليّة، دون إنكار مكتسبات علوم المعرفيّة.

– يضع مبدأ القدرة يضع “المسؤولية في إطار حياتنا اليومية كما نعيشها من منظور شخصي؛

Dworkin, Ronald : Gerechtigkeit für Igel. Suhrkamp, 2014, 389.

– “تنبني المسؤولية على افتراض الاستقلال الأخلاقي”؛

– لا تعتمد أيَّ “تفسير سببي خارجي”.

الحتمية الطبيعية وفلسفة القدرات. 

يقرُّ دووركين بأنَّ الجدال يظلُّ مفتوحًا بين مذهب الحتميّة المعرفيّة والقدرات المعرفيّة ويظلُّ كل مبدأ صحيحًا في ذاته ولا تؤدي صحة أحد المذهبين إلى إبطال المذهب الآخر. لذلك تحتاج نظريّة القدرات إلى تصوّرٍ تأويليّ أكثر شموليّةً لإبراز مظاهر قوّتها. وقد دافع كثير من الفلاسفة عن نظرية القدرات، من بينهم أرسطو وهيوم وهوبز وتوماس سكانلون. يوجد من يدافع عن نظرية الجبر بالقول ليس بالإمكان أفضل ممّا كان، وليس بإمكان الأفراد أن يفعلوا غير ما فعلوه. وحتّى ولو تأكَّد لدينا أنَّ مبدأ السّببيّة صحيح، لاسيّما وأنَّ مسار العلم ينحو بصورة لا هوادة فيها نحو إثبات صحة المذهب الواحدي وتطابق الذهن والدّماغ على المستوى الموضوعي. ومع ذلك، لا يخطر على بال بشر أن يُحمّلَ الغير “مسؤوليّةً ذهنيّةً متفكّرةً  reflective responsibility إذا ما  توصّلنا إلى تفسير كامل لما يريده الأشخاص ويفعلونه.”  

من هذه الزاوية يمكننا من خلال الفرضية التي وضعها دووركين بخصوص القيمة التي تحظى بها الحياة أن ننتقل إلى البعد الثقافي. ذلك أنَّ الثقافة جزءٌ من المعيش الإنساني وتعكس القيم التي يسعى المرء إلى تحقيقها. ولذلك “فإن فكرة المسؤولية الأخلاقية ترتكز على افتراض أساسي: وهو أن الحياة البشرية يمكن أن تكون ذات قيمة بسبب الطريقة التي تُعاش بها. فهي ليست مجرد مثال آخر للمادة المادية المتجانسة التي تحيط بها”. 

Dworkin, Ronald : Gerechtigkeit für Igel. Suhrkamp, 2014, 391.

   وقد تفطنت البشريّة من خلال الأديان إلى القيمة المتميّزة التي تحظى بها الحياة. وتتجلى تلك القيمة في الإرادة الحرّة التي تسمح بتحويل الإنسان إلى مشروع مُشرَعٍ على الحياة. 

يعتبر دووركين أنَّ المنظور السببي الطبيعي منظور يعاني من اليتم، إذا ما ظلَّ يؤمن بوحدة العلم على النحو الذي فكّرت فيه الوضعيّة العلميّة. وعليه، فإنَّ الخروج م=ن اليتم المعرفي يتجنب اختزال السببية في السببية الطبيعية، بل يفسّر السببيّة الذّهنيّة على نحو يخلع معه معنى على معتقداتنا الأخلاقيّة والفلسفيّة. (390)

فإذا ما نظرنا إلى العلاقة بين العلوم المعرفية والبعد الثقافي من زاوية السببية الطبيعية، لن نجد جسرًا ينتقل بين الصفَّتين. ولن نتمكن من وضع هذا الجسر المشكل، في نظر دووركين، إلا من زاوية تأويلية، بناء على المعتقدات وليس على براهين قاطعة. (390)

من الإرادة إلى انفتاح الذات على العالم.

عندما نتحدّث عن الإرادة كموجود موضوعي، نعيد صياغة إشكال الفعل الإنساني في ضوء نظريّة طبيعيّة للعقل، كما كان الحال في النيوطيقا القديمة noétique؛ والحال أنَّ مفاهيم العقل والنّفس والأخلاق عرفت منعطفًا ذهنيًّا جديدًا بعد اكتشاف حيّزٍ داخلي مستقلّ وبعد اكتشاف العواطف المستقرة emotions بالمقارنة مع الانفعالات غير الثّابتة على حال. 

Nussbaum, C. Martha : Political Emotions. Why Love Matters for Justice. The Belknap Press of Harvard University Press . Cambridge, Massachusetts London, England 2013.

 من جهة أولى، “اكتسبت الأخلاقُ صوتًا في منطقة شعورية جديدة بداخلنا Inneren . 

Charles Taylor: Multikulturalismus und die Politik der Anerkennung Amy Gutman, Steven C. Rockefeller, Michael Walzer, Susan Wolf. Mit einem Beitrag von J. Habermas. 2. Edition. Frankfurt am Main:  Fischer Verlag, 1993. 17

وقد اكتسب هذا الحيّزُ الجديد مكانة خاصّةً، بما أنّه قد سمح بظهور صَّوت باطني يخبرنا بما هو صواب وبما ينبغي علينا فعله. وقد ظهر هذا الحيّزُ الباطنيُّ ليعلن كذلك عن “تصور جديد للهويّة الذّاتيّة الذي تغيّرَ خلال نهاية القرن الثّامن عشر  وتعزَّزَ، ويتعلق الأمرُ هنا بتفريد الهوية وبهوية تُقال علي وحدي والتي أكتشفها بداخلي.

Taylor, Charles: Multikulturalismus und die Politik der Anerkennung. Amy Gutman, Steven C. Rockefeller, Michael Walzer, Susan Wolf. Mit einem Beitrag von J. Habermas. 2. Edition. Frankfurt am Main:  Fischer Verlag, 1993, 16-17. 

  ويعني ذلك تحويل المفاهيم الأخلاقيّة إلى مفاهيم سيكولوجية وذهنيّة. “فالطموح والسعي إلى السلطة والحسد، كلُّ هذا يعود الفضل في مصدره إلى ترابط الأفكار. وليس الأمر مختلفا (…) حتّى عندما يتعلق الأمر بأحاسيس الضَّمير. تنشأ هذه الأحاسيس في الطفل بفضل قوانين التَّرابط وببساطة نتيجة الوعي بعواقب الأفعال.” 

Sanclair, A. G.: Der Utilitarismus. Inauguraldissertation zur Erlangung der Doktorwürde Ruprecht- Karls- Universität Heidelberg. Karl Winter’s Universitätsbuchhandlung, 1907, 25.

فضلا عن ذلك، “لا أكتفي بالقول إنه ينبغي لي أن أشكل حياتي وفقًا لمتطلبات التطابق مع الواقع الخارجي فحسب، بل لا أستطيع أن أجد نموذجًا خارج ذاتي يملي علي كيف أعيش حياتي. لا يمكنني العثور على هذا النموذج إلا في داخلي.” 

Taylor, Charles: Multikulturalismus und die Politik der Anerkennung. Amy Gutman, Steven C. Rockefeller, Michael Walzer, Susan Wolf. Mit einem Beitrag von J. Habermas. 2. Edition. Frankfurt am Main:  Fischer Verlag, 1993.

فضلا عن الضمير الذي لا نتخيَّل وجوده إلا في صورته الذهنيّة، لا تتخلى المسؤولية عن التأويل الذاتي الذي لا يمكن أن يكون إلا ذهنيًّا في صلتها بباقي المفاهيم الذهنيّة. تقترن المفاهيم الذهنيّة فيما بينها على نحوٍ تأويليٍّ، فيذكر دووركين بخصوص المسؤوليّة الذّاتية الذهنيّة “ما هي الشُّروط التي تسمح لنا بالفخر أو بالذنب في ردود أفعالنا أو بتلقي الحمد والذَّمِّ من طرف الآخرين.     

من جهة ثانية، اكتسبت العواطف وظائف جديدة وربطت الحياة الذهنيّة بالحياة الاجتماعيّة؛ واقترنت فلسفة الذّهن في جزءٍ كبير منها بدراسة مختلف أجناس العواطف. إذ أصبح العواطف الاجتماعيّة ملتقى الحياة الذهنيّة بالحياة الاجتماعيّة، كما تظهر على سبيل المثال في الانتقام والفخر والشكر والشرف؛ وأصبحت العواطف السياسيّة متجسّدةً في الثقة والخوف والغضب والسخط والعفو؛ وساهمت العواطف الذاتيّة، كالحبّ والكراهيّة والصداقة والشفقة والتعاطف في نسج العلاقات الاجتماعيّة بين الأفراد.

خاتمة.

هكذا، سعى دووركين إلى تعويض مفهوم الإرادة الذي عمّرَ طويلا في تاريخ الفلسفة بمفهوم القرار، معتبرًا أنّنا لا نستطيع أن نفهم معنى هذا الحدث الذّهني إلا من منظور المستقبل والأحداث الناجمة عن اتّخاذ القرار؛ بينما تظلُّ الإرادة مقترنةً بالماضي وبالأحداث البيولوجية التي سبقتها إلى الوجود. ويعتقد أنَّ إقامة فلسفة الذهن على الإرادة تؤدّي إلى دعم منظور السببيّة البيولوجيّة على المدى البعيد، على حساب السّببيّة الذّهنيّة. ويعتقد أنَّ أقصى ما يتطلع إليه فلاسفة الذهن الذين يؤمنون بالمذهب الواحدي دون أن يتبنّوا نظرة حتميّة تتنبَّأ بالأفعال الذهنيّة، هو أن يتبنّوا موقف كانط الذي فصل بين الحرية والحتمية الطبيعية. بصرف النّظر عن سلامة موقفه بشأن التفسير العلمي للأحداث الذهنيّة، فإنَّ فكرة الانطلاق من المشروع الشخصي الذي ينشئه الشخص يربط بين فلسفة الذهن وعلم النفس الاجتماعي، ويحوّل العواطف إلى آليات ذهنيّة للربط بين الأخلاق وعلم النفس. وما دامت العواطف الاجتماعيّة تشكل صلة وصل بين الفرد والجماعة، فإنَّ الانفتاح على الثقافة يستثمر الأحوال الذهنيّة القدرات الذهنيّة التي تحوّل فلسفة الذهن إلى فلسفة القدرات، كما هو الحال مع أمارتيا سن ومارتا نوسبوم. يتعلق الأمر بتنمية القدرات التي تسعى إلى التقليل من حدّة التضارب بين مراعاة القيم الإنسانية الكبرى والدفاع عن القيم الخلافيّة بشأن الهوية الفردية والجماعيّة. وتظلُّ الصدمة الثقافيّة بين العوالم المختلفة من بين عوامل ترسيخ الازدواجيّة بين الكونية والخصوصية.    

عزالعرب لحكيم بناني 

شعبة الفلسفة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس

مختبر القانون والفلسفة والمجتمع، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعيّة.

Related posts
الفلسفة للأطفالفلسفة

المساهمة في كتاب جماعي حول الفلسفة للأطفال

تربية وتعليمغير مصنف

العمل الإجتماعي المدرسي  بالمغرب

فلسفةمحاضرات

محمد المصباحي: في الحاجة إلى تنوير إسلامي

تربية وتعليمفلسفة

مساءلة العيش المشترك في زمن الجائحة

Sign up for our Newsletter and
stay informed