COUUA

قول في نقد الرعاع

:
أحمد برقاوي.
ساء بعض من يحملون درجة الدكتوراه في اختصاصات متعددة،وبعض الشعراء والروائيين والكتبة ممن يؤيدون الأسدية انتمائي لثورة سوريا.
وكان نقدهم لخطابي الذي مسهم نوع من الشتائم يقوم على أني فلسطيني ولا يحق لي التدخل في بلد احتضنني بوصفي لاجئاً.
وتمضي السنون وتزول الأسدية وأكتب عن المرحلة الجديد وإذ بسيدة مع العهد الجديد تعرف نفسها بدكتورة تنتقدني بقولها:أنت فلسطيني اذهب إلى فلسطين وحقق ما تطرحه ولا علاقة لك بسوريا.وبسبب دفاعي عن وحدة سوريا جاءتني شتائم رعاعية من بعض المختلفين معي
كيف افهم هذه الظاهرة؟
لقد رجعت إلى مقال لي يعود إلى سنوات خلت فوجدته محتفظاً بدلالته ووظيفته المعرفية وسيحتفظ بهما لوقت طويل.
من شيمة الكتابة النظرية النقدية، حين تكون عن ظاهرة ما، ألّا تكون منصبّة على فرد بعينه، بل تنتقل من الجزئي إلى الكلي. والانتقال من الجزئي إلى الكلي يسمح لنا بالعودة من الكلي إلى الجزئي، لأن الكلي هنا يصبح منهجاً في التفكير. فما كان لمفهوم التطور أن يتحول إلى منهج في التفكير دون النظر إلى الكائنات الحية المتعيّنة في الواقع. وقِس على ذلك.
فنحن حين كتبنا عن المثقف الوطاط في مجلة «النقاد» لم نكن نقصد شخصاً بعينه، بل كان الحديث عن ظاهرة.
وقِس على ذلك حين كتبنا عن النقد الرعاعي، فإننا لم نتحدث عن شخص معيّن، بل عن ظاهرة.
فنحن نُجرِّد صفةً عامة يشترك بها مجموعة من الأفراد، ثم نعرضها على الورق عن طريق التعميم النظري، فيكون النص عاماً ينطبق على الأفراد، لكنه ناتج عن وجود الصفة المشتركة بين الأفراد الذين جرّدنا منهم الصفة الجوهرية.
الآن، إذا قرأ شخص ما نصّنا النقدي، ورأى ذاته في النص، وظنّ بأنه هو المقصود، وراح يشتمنا، فهذا ليس ذنب النص، بل ذنب هويته التي رآها في النص.
وهذا ما حصل مع نصّنا «المثقف الوطاط»، وما حصل مع نصّنا «الشبيح»، ومع نصّنا «الإسلاموية العنفية» و«صرخة البجع»، وما يحصل مع نصّنا «النقد الرعاعي»، وغيرها من النصوص.
فإذا بأسماء من الوطاويط والرعاعيين الأصوليين العنيفيين والشبيحة يتكدّر خاطرهم، دون أن نعرفهم أصلاً، ولم يخطروا على بالنا، وليس لهم أي مكان في ذاكرتنا ولأنهم رأوا صورهم في نصّنا، ظنّوا بأننا نقصدهم بالذات. فأظهروا بسلوكهم ما هو معروض في النص، فلم يقدّموا أنفسهم على نحوٍ متجاوز، وبهذا أكّدوا صحة فكرة النص المجرّدة العامة بواقعة عيانية. وهنا تبرز أهمية النصوص التي كتبناها على النحو النقدي العام.
فنحن حين نُعاين الظاهرة ونُجرِّد صفتها الماهوية، لا نتذكّر أفراد الظاهرة، ولا نعرف جميع الذين تنطبق عليهم الصفة الماهوية التي جرّدناها، ويسعدنا جداً حين يُعلنون عن أنفسهم، فنتعرّف إلى ما لم يكن في الحسبان.
هل هذا يعني بأن نقد فرد بعينه ليس مهماً، وليس مطلوباً، ولا يستحق نقداً خاصاً؟
بالطبع لا، ولكن نقد الأفراد يجب أن ينصبّ على فرد ذي أهمية خاصة، وحضور قوي في الحياة، وذي تأثير قوي في تشكيل الوعي، ولديه زاوية رؤية قابلة للنقد وتستحق النظر والتأمل.
والنقد هنا لا يعني أبداً القدح والذمّ والسبّ، بل ممارسة الاختلاف مع من، ومع ما، هو قمين بالاختلاف، وكشف ما وراء النص من حيث الأفكار المسكوت عنها.
ولهذا كانت لنا نصوص نقدية لنصوص العظم، والجابري، والعروي، ومرقص، ونصار، ومهدي عامل، وآخرين.
فهؤلاء ظواهر فكرية فريدة، توافقتَ معهم أم اختلفت، ويستحقون النقد والحوار.
أما الرعاع من كل الأصناف، وبخاصة ممن يجمِلون أسماءهم بحرف “الدال”فنحن نتناولهم كظاهرة لا كأفراد، وحين ينالون من الأسماء الفاعلة في المشهد الثقافي، شهوةً بالحضور، لا يحملوننا على الرد، لأنهم ليسوا أفراداً، بل ظاهرة سلبية في الحياة.
وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك وتويتر، قد وفّرت للرعاع فرصة التعبير عن مستواهم المعرفي والأخلاقي، فهذا مما يوفّر للباحث مادةً جيدة للتأمل النظري، والكشف عن شكلٍ من الوعي وأسباب ظهوره على هذا النحو. فالوعي يظهر بالكلام المكتوب والمنطوق والسلوك، ومن هنا فإن كشف الوعي عن طريق المكتوب، الذي هو الشفاهي وقد وجد طريقه إلى الكتابة عبر وسائل التواصل، أمر يوفّر لعلماء الاجتماع، ولعلماء النفس، وللفلسفة، مادة ممتازة لفهم الوعي وتفسيره، وبخاصة وعي العفوش.
بقي أن نقول إن مفهوم الرعاع ليس مفهوماً طبقياً، فالرعاعية حاضرة في جميع الطبقات والفئات بوصفها ظاهرة أخلاقية ومعرفية، لا طبقية. وكما أظهرت الثورة السورية المجيدة كل أنواع النبلاء، أظهرت في الوقت نفسه كل أنواع الرعاع. وإذا كان من الطبيعي أن يكون مؤيدو النظام من الرعاع، فإنه من الخطورة بمكان أن يكون للثورة رعاعها. والخطر الأكبر، إذ ذاك، أن يتحول الصراع إلى صراع بين نمطين من الرعاع.

Exit mobile version