
بقلم رمضان بن رمضان
1 –مشروعية السلطة في العصور الوسطى
إن السؤال الذي يفرض نفسه هو من أين يستمد ممارسو السلطة سلطتهم و من أين تأتي مشروعيتهم في ذلك؟ في الأنظمة التيوقراطية ظل الوحي يمد أصحاب السلط بأنواعها بالمشروعية العليا التي يطيعها الناس جميعهم دون أن يتساءلوا في أحيان كثيرة عن أسباب هذا الرضا و القبولإن لم نقل الإستسلام.حدث ذلك مع الأنبياء و الرسل و كل أولئك الذين صاحبوهم و توارثوا معارفهم و ما جاؤوا به من تعاليم ، إلا أن الأمر مع الملوك و الأمراء و الأباطرة ممن لا علاقة لهم بالوحي كانت مشروعيتهم التي تستند على الدم – العرق النبيل أو على الغلبة ثم على توارث الحكم-، تعاني من نقص بنيوي في تركيبتها لذلك كانت تخلع عليهم مشروعية الوحي – الدين لسد ذلك النقص . كان تقديم الطاعة و الولاء من قبل الرعية عفويا و فوريا و لا يخضع لأي جدالو نقاشفي الغالب، فصاحب السلطة يمثل خليفة الله أو خليفة نبيه في الأرض و له دين الطاعة على الرعية و لكن بآسم ماذا و بآسم من يقبل إنسان ما أن يقدم الطاعة لإنسان آخر سواء كان أميرا أو ملكا أو إمبراطورا أو رئيسا ؟ يجيب مارسال غوشيه Marcel Gauchet عن ذاك التساؤل بقوله : ” إن أصل هذه العلاقة أي علاقة الطاعة هو ” مديونية المعنى ” la dette du sens فما الذي يعنيه ذلك ، إنه يعني أنني أقبل بإطاعة ذلك الشخص الذي يشبع رغبتي في التوصل إلى معنى مليء و بالتالي فأنا أطيعه طبقا لضرورة داخلية ذاتية و ليس لإكراه خارجي و عندئذ تتحول السلطة إلى سيادة عليا و مشروعية كاملة لا تحتاج إلى اللجوء إلى القوة من أجل أن يطيعها الناس. ” (1)هذا المفهوم يحتاج إلى تدقيق لا سيما حين يتم تعميمه على جميع فترات التاريخ التي شهدت أنظمة حكم متعددة و مختلفة.إن مفهوم دين الطاعة الذي ساد طوال قرون، شهد تحولا جذريا في مضمونه. لقد عاشت أوروبا كلها على سبيل المثال في ظل المشروعية الكهنوتية القديمة التي ترى في الملك أو الإمبراطور شخصا إلهيا مقدسا يختلف عن سائر البشر،تلك كانت نظرة الجماهير و عامة الناس له ، و ذلك بسبب إستناد شرعيته على الوحي الإلهي. لقد تعرضت هذه المشروعية للتآكل منذ أن شهدت أوروبا حروب الأديان و المذاهب الفظيعة و كذلك عندما قامت حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر (1443- 1587)و التي عملت على تحجيم النفوذ الواسع الذي كان يتمتع به البابا و كبار رجال الدين الذي بلغ بهم الأمر إلى حد المتاجرة بالدين من أجل كسب المال و صكوك الغفران خير شاهد على ذلك. في المجال العربي – الإسلامي لم يكن الأمر مختلفا كثيرا عما حدث في أوروبا إبان العصور الوسطى، أو منذ أن أصبحت للمسيحية اليد الطولى في إسباغ الشرعية على الملوك والأمراء و الأباطرة. ففي الإسلام و منذ عهد النبي ثم الخلفاء الراشدين من بعده ،كانت السلطة تستمد شرعيتها من السيادة العليا لنصوص القرآن و الأحاديث النبوية و سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم مبدأ الشورى– أهل الحل و العقد -في بعض الفترات التاريخية، لكن و منذ أن تحولت الخلافة إلى ملك عضوض مع الدولة الأموية أصبحت السلطة تستمد شرعيتها من القوة و الغلبة و القهر و سياسة فرض الأمر الواقع ، ثم تأتي بعد ذلك السيادة العليا لتضفي الشرعية على تلك السلطة الجديدة ، فيصبح لديها تصور للحكم أو إيديولوجيا هي نتاج لتضامن بين أولئك العلماء/الفقهاء الذين يوظفون علمهم في تأويل النصوص المؤسسة لإرضاء السلطة القائمة و بين الدولة التي تضع إمكانياتها على ذمتهم لينجزوا تلك المهمة، فيتسرب شيء من القداسة يسبغ على تلك السلط. هذا الأمر حدث مع الأمويين و العباسيين، فجميع النظريات التي بلورها الفقهاء في مجال السياسة، كانت من أجل الإستجابة لحاجيات الدولة و تلبية لطلباتها ، نحن إزاء سلطة تشرع نفسها بنفسهاs’autolégitimeelle تخلع المشروعية على ذاتها بواسطة التقديس و بواسطة النصوص الأساسية للإيمان حيث تحتكر تأويلها و تطويعها لصالحها عبر علمائها أو ما يعرفون بفقهاء السلطة .
كانت تلك الممارسات محكومة بالمعادلة التالية : سلطة سياسية تقوم على القهر و الغلبة، ثم تسبغ عليها شرعية تبرر أحقيتها بالحكم و آستمرارها.(2) مع أننا لا نعدم حدوث إنتفاضات و ثورات قادها أناس ينازعون السلط القائمة مشروعيتها و يرفضون مديونية الطاعة بعضهم قد نجح حين كان دعاتها لهم صلة قرابة بالماسكين بالسلطة و الكثير منهم تم قمعهم و إخماد أصواتهمو هناك من حالفهم النجاح فأسسوا دويلات و ممالك في أطراف الإمبراطوريات بعيدا عن حواضر السلطة المركزية ،حدث هذا في المجالين المسيحي و الإسلامي.
2 – في إنبثاق شرعية جديدة للحكم وإضمحلال الرؤية القديمة للعالم :
كان المذهب البروتستنتي- كلمة بروتستنت تعني في اللغات الأوروبية الإحتجاج و المعارضة و هي من فعل protester– صرخة في وجه الإنحرافات التي أصابت الكنيسة الكاثوليكية و التي تجاوزت الحدود في الفساد الأخلاقي و الخروج على الإنجيل و مبادىء الدين المسيحي (3) لقد فجرت أفكار البروتستانت و التي رفضها الكاثوليك حروبا دينية في أوروبا و التي كان من نتائجها تثبيت مسارالإصلاح الديني ، فقد شهدت فرنسا حروب أديان ما بين 1562 و 1598 و التي توجت بإعلان نانت edit de Nantes فقد كان الصراع بين المذهبين صورة للإضطهاد التي تتعرض له الأفكار الجديدة من قبل مؤسسة كنسية راسخة في القدم ، لقد مكن مرسوم نانت من إعطاء حقوق أساسية للبروتستانت في المناطق المحظورة عليهم و قد عد هذا المرسوم بداية التأسيس للتسامح الديني رغم هشاشته ،لأنه لم يمنع من عودة الحروب الدينية، فقد تجدد الصراع بين النحلتين في حرب الثلاثين عاما من سنة 1618 إلى سنة 1648 و التي إشتركت فيها تباعا معظم القوى الأوروبية الموجودة في تلك الفترة بآستثناء إنكلترا و روسيا و كان من نتائجها السماح للأمراء البروتستانت بمواصلة ممارساتهم الدينية، تراجع النظام الإقطاعي و تراجع كبير لنفوذ الكنيسة الكاثوليكية، ثم الدمار و فقدان أعداد كبيرة من السكان في الولايات الألمانية لا سيما بعد إرتفاع أعداد النساء بشكل كبير مقارنة بعدد الرجال مما جعلهم يسمحون بتعدد الزوجات و أباحوا لرجال الكنيسة بالزواج .(4) ثم جاء عصر التنوير ،فآنتشرت أفكاره كرد فعل على تلك المجازر التي سببتها الحروب الدينية و على التعصب الديني الذي ساد في أوروبا طوال القرون الوسطى، إلا أن عصر التنوير ليس مجرد رد فعل، إنه تأسيس لرؤية جديدة للإنسان و للكون تقطع مع الماضي. فكانط Kant عند إجابته على سؤال : ما هو التنوير؟ قال : ” هو خروج الإنسان من حالة القصور التي يبقى هو المسؤول عن وجوده فيها ، و القصور هو حالة العجز عن إستخدام الفكر خارج قيادة الآخرين و الإنسان مسؤول عن قصوره لأن العلة في ذلك ليست في غياب الفكر و إنما في إنعدام القدرة على إتخاذ القرار و فقدان الشجاعة على إستخدام فكرك بنفسك ،ذلك هو شعار عصر التنوير .” (5) لكن ميشال فوكو Michel Foucault و أثناء شرحه لنص كانط حول عصر التنوير فصل القول في النتائج المترتبة عن مفهوم كانط للتنويرو آهتم أساسا بالجانب السياسي من تلك الإستنتاجات فقرن بين مفهوم عصر التنوير و مفهوم الثورة و آعتبر كليهما متلازمين بل إن الثورة في نظره هي الوليد الشرعي و الحتمي لعصر الأنوار ،يقول معلقا على الدستور الذي إختاره الشعب بمحض إرادته بعد الثورة الفرنسية : ” إن الثورة هي بالفعل و في الوقت نفسه التتويج و التواصل لعصر الأنوار و في هذا الإطار يصبح عصر التنوير و الثورة من الأحداث التي لا يمكن نسيانها. ” (6) على إثر الثورة الفرنسية عام 1789 ، تأسست مشروعية حديثة و علمانية قائمة على مبادىء الثورة : إلغاء الملكية، تأسيس الجمهورية، إلغاء نظام الإقطاع، إلغاء العبودية، قيام منظومة لحقوق الإنسان،… فتولد تبعا لذلك مديونية جديدة للمعنى متصلة بحق التصويت le suffrage universel فالرئيس المنتخب بهذه الطريقة يفرض طاعته – مديونية الطاعة –حتى على القسم المضاد من المواطنين الذين صوتوا ضده لصالح المرشح الآخر المهزوم. في الأنظمة السياسية القديمة ينعدم الحديث عن المعنى في بعده السياسي سواء كان هذا المعنى معارا أو قرضا مؤجل الدفع. فالحاكم يمارس سلطة مطلقة دون حسيب أو رقيب، و مهما كانت مشروعية السلطة في تلك الأنظمة، فما يجمعها هو أن الرعية لا حق لها في إختيار الحاكم و هنا يسقط أحد أركان مفهوم مديونية المعنى كما حدده مارسال غوشيه و هو الإطاعة طبقا لضرورة داخلية ذاتية و ليس لإكراه خارجي، فأين الذات في كل ذلك و أين الضرورة الداخلية إذا كان الأمر قائما على الغلبة و القهر و أين هو البحث عن المعنى المليء إذا كانت حرية الإختيار مصادرة. ففي ظل أنظمة من هذا النوع تصبح مديونية المعنى كما جاء بها عصر الأنوارأمرا غير مفكر فيه، فالإنسان يخضع لسلطة دون أن يدور بخلده التساؤل عن مشروعيتها. قد تتعاضد الغلبة و القهر من ناحية و التوظيف السياسي للدين من جهة أخرى ليشكلا مشروعية السلطة مما يمكنها من الإنفراد بالحكم و تعزيز نفوذها و التخلص من أعدائها ممن ينازعونها تلك المشروعية. فمديونية الطاعة في المجتمعات القديمة مديونية مغتصبة تم سلبها من أصحابها دون إستشارتهم و يتجلى ذلك في إكراه الرعية على تقديم فروض الطاعة و الولاء و الجباية، بل أكثر من ذلك فإن الرعية مطالبة بالدفاع عن تلك الأنظمة و بذل الأرواح في سبيل بقائها و آستمرارها. إن مفهوم مديونية المعنى حديث العهد هو دين في معناه السياسي يمكن إسترجاعه عند كل إستحقاق إنتخابي و إعادة تقديمه من جديد لمن يكون أكثر جدارة بالحكم. فمديونية المعنى تفضي إلى مديونية الطاعة و كلتاهما ملتصقتان بالعملية الإنتخابية و بالإختيار الحر و المباشر لهرم السلطة و للنواب الجديرين بثقة ناخبيهم، ضمن آلية ديمقراطية قائمة على الشفافية و على إحترام إرادة المواطنين، إنها التجسيد الفعلي و الحقيقي للإختيار الحر le libre arbitre و الذي هو نقيض الإختيار المستعبد le serf arbitre الذي يخضع لمعطى خارجي يفرض فرضا على الإنسان .إن القطيعة التي أحدثها عصر التنوير مع القرون الوسطى في مستوى الرؤية للإنسان و لمنزلته في الوجود و لاسيما إستتباعات تلك الرؤية في المجال السياسي الغربي و في بلورة مفهوم الدولة عندهم .فعندما تم قطع رأس الملك لويس السادس عشر كان ذلك إيذانا بوضع حد لسيادة عليا إستمرت قرونا كان من أبرز تجلياتها خلع المشروعية على الملك الفرنسي في كاتدرائية مدينة رانس و تأسيس لسيادة عليا جديدة و نظام سياسي آخر مختلفبمشروعية جديدة. لقد أصبح منذ ذلك الحين البحث عن المشروعية مسؤولية الإنسان المقطوع عن التعالي أي عن الوحي .(7)
3 –في الإخراج الممسرح للسلطة أو في تقاطع الديني و الدنيوي :
نحن إزاء مشروعية للسلطة تأسست على أنقاض مشروعية قديمة لها علاقة بالقرون الوسطى و بكل أشكال الإنتظام التي عرفتها البشرية و لكن التساؤل الذي يطرح نفسه، هل كانت القطيعة بين الرؤيتين طلاقا بائنا أم ظلت هناك وشائج خفية تربط بين الديني و الدنيوي في المجال السياسي و لا سيما في ما يتعلق بكيفية تشكل السلطة و بطريقة إخراجها و بكيفية تمثل الناس لها و آستبطانهم لمختلف مراحل إستوائها :أجهزة و مؤسسات، بعبارة أخرى هل تخلصت المشروعية الجديدة للسلطة الحديثة نهائيا و إلى الأبد من كل أثر للمقدس أم أنها حاولت توظيفه لتضفي على نفسها مسحة من الهيبة و الإجلال و القداسة و إن صاغت كل ذلك بلغة معلمنة بغرض التمويه عن منشئها الأصلي؟ فبفضل توظيف الأنتروبولوجيا السياسية لمفهوم المتخيل l’ imaginaire في تشريح الظاهرة السياسيةو الكشف عن آليات إشتغال العمل السياسي، أمكن إكتشاف علائق وثيقة بين عامل التقديس من جهة و العامل السياسي من جهة أخرى. فالمتخيل يلعب دورا كبيرا في تشغيل آلية السلطة، و هو يسمح للسياسي الكبير (البطل القومي ، القائد العام، الرئيس الملهم ، ملك ملوك إفريقيا ، ..) بأن يقود الواقع و يتحكم بالجماهير و الرعية بواسطة المخيال الجمعيالمليء بصور الزعيم الفذ و المجاهد الأكبر، و حامي حمى الوطن و الدين ، وأن يتلاعببتمثلاتها المستبطنة. لقد أكد جورج بلاندييه Georges Balandier على أن للسلطة علاقة بالمقدس و بالجانب الديني في كل المجتمعات البشرية و منذ ظهور الأشكال الأولى للسياسة بما في ذلك المجتمعات الغربية الحديثة، يقول : ” ينبغي أن تبقى الكنيسة مفصولة عن الدولة و لكن سوف يبقى هناك شيء من التقديس في السياسة ،هذا شيء محتوم و إلا فإن السياسة لا تستمر و لا تشتغل. ” (7) إذا كان الغرض من إستدعاء المقدس هو إستمرار السياسة و تواصل إشتغالها أي تأبيد الفعل السياسي ، فما هي الوسائل المعتمدة لتحقيق ذلك الغرض؟ لم يجد السياسيون أفضل من المسرح بآعتباره أقدر الفنون على توليد الإنطباعات و خلق المشاعر في نفسية المشاهدين عبر تقنية الديكور و قدرة الممثلين على أداء أدوارهم. لقد عمدت السلط منذ فجر التاريخ إلى إستثارة تلك الأحاسيس و ترويج الأوهام لإقناع الناس بشرعية كل ولادة جديدة للسلطة و كذلك لتثبيت مشروعيتها و ذلك من خلال حفلات التنصيب الكبرى التي كانت تقام للملوك و الأمراء و الرؤساء و التي كانت لا تخلو من مسرحة و إبهار، إنه الحكم الممسرح une theatrocratieلتوليد الهيبة و خلق الإنطباعات القوية. على الحاكم أن يتصرف على هيئة الممثل السياسي من أجل أن يستولي على السلطة و يحافظ عليها و ينبغي أن تكون الصورة المشكلة عنه و الآثار التي تولدها مستجيبة لرغبة الرعية و الجمهورفي الواقع إن الحاكم لا يمكنه أن يحكم إذا كانت السلطة عارية، كما هي ، ينبغي أن تكون مقنعة، أي أن تبدو على غير ما هي عليه و أن توهم بأشياء كثيرة ليست حقيقية. فالسلطة في تجلياتها ممسرحة : آنظر لحظة إستلامها ، آنظر إلى العاهل أو الملك أو الرئيس كيف تخلع عليه السيادة من أجل تكريس مشروعيته في ممارسة الحكم و من أجل أن تقدم له فروض الطاعة و الولاء تتسم المراسم التي ترافق عملية التنصيب بالفخامة و الأبهة ثم تتبع الآثار النفسية التي تحدثها في نفوس المشاهدين/ المواطنين، فحتى مع مجيء الجمهورية في فرنسا، راح النظام الجمهوري يشهد طقوسا للتقديس، ففي حفلة تنصيب الرئيس الجديد للجمهورية و حين يشرع في إلقاء خطابه بعد تسلمه السلطة من سلفه تبدأ المدفعية في إطلاق قذائفها لإحداث الهيبة و لمواكبة الخطاب التدشيني ، ثم بعد ذلك يركب سيارة مكشوفة و يصعد إلى شارع الشانزيليزيهحتى يصل إلى قوس النصر ثم يزور البانتيون le Panthéon حيث مقابر عظماء فرنسا و ينزل إلى الدهاليز السفلية و يقف خاشعا هناك، كل ذلك تنقله شاشة التلفزة لحظة بلحظة أمام أبصار ملايين المتفرجين إنه لا توجد سياسة دون إخراج مسرحي (8) و دون تهويل une dramatisation و دون طقوس و شعائر تثير الخشية.تبدو حفلات التنصيب في الولايات المتحدة الأمريكية مثيرة للإنتباه فهي مزيج من شعائر دينية و طقوس معلمنة تحترم ثقافتها الدينية العميقة و تتظاهر مع ما بلغه المجتمع الأمريكي من تطور و تنوع و إختلاف ،فالدستور الأمريكي لا يورد أي إشارة إلى أداء الرؤساء اليمين على كتاب مقدس لكن العرف و التقاليد التاريخية و آنسجاما مع ثقافتهم الدينية حولت الإنجيل إلى جزء من إحتفالات التنصيب منذ إنتخاب جورج واشنطن عام 1789 .ألم يستهل جو بايدن الرئيس الأمريكي المنتخب ، في 20 جانفي 2021 فعاليات تنصيبه بحضورها رفقة عدد من نواب الكونغرس قداسا في كاتدرائية متى بواشنطن. كان برنامج الحفل يقوم على صلاة يحضرها الرئيس ،يتلوها قراءة تعهد بالولاء ثم يتبع ذلك قراءة للنشيد الوطني من قبل المطربة ليدي غاغا ثم قراءة أشعار من قبل أماندا جورمان و هي شاعرة أمريكية سوداء و بعدها أغان للفنانة جنيفر لوبيز ثم يؤدي الرئيس اليمين الدستورية ليصبح الرئيس السادس و الأربعين بصورة رسمية، بعدها بساعتين و نصف يضع إكليلا من الزهور في مقبرة أرلينغتون الوطنية على قبر الجندي المجهول ترافقه نائبته كاميلا هاريس ثم يتلقى بايدن مرافقة عسكرية توصله إلى البيت الأبيض ليبدأ مهامه رسميا (10)ففي كل الأزمنة و الأمكنة تنتهي الأنظمة و تتبدل و لكن الحكم الممسرح يبقى لأنه الآلية المثلى لفرض الهيبة و للمحافظة على ديمومة السلطة .
الهوامش و التعليقات:
1–Marcel Gauchet ,” La dette du sens et les racines de l’ Etat ” dans La condition politique, coll, tel,ÉditionsGallimard,et Lefort, 2005, pp 45- 89.
2 –آنظر مقالنا ” إشكالية العلاقة بين السلطة و مشروعيتها قراءة في فكر محمد أركون ” مجلة كتابات معاصرة، العدد 79 ، المجلد العشرون ، بيروت ، كانون- شباط 2011، ص 21.
3 –voir , Stephen F.Brown, Protestantism(facts on file), Hardcover,(2007), 128 pages
4 – الحروب الدينية في أوروبا ، موسوعة ويكيبيديا ، الموقع : Wikipedia.org
5 –إيمانويل كانط ، ” ما هو عصر التنوير؟ ” مجلة الكرمل ، العدد 13 / السنة 1984 ، بيروت ، ص 60 ، ترجمة يوسف الصديق.
6 – ميشال فوكو ، ” كانط و الثورة ” مجلة الكرمل ، العدد 13 / السنة 1984 ، بيروت ، ص 70، ترجمة يوسف الصديق.
7 – محمد أركون، العلمنة والدين، دار الساقي ، بيروت، ط 3 ، 1996 ، ص 63 .
8 –حوار مع جورج بلاندييه ، ” السلطة و الحداثة ” مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت، العدد 41 ، سبتمبر/ أكتوبر 1986 ، ص 34 ، أجرى الحوار و ترجمه هاشم صالح.
9 –voir, G .Balandier, le pouvoir sur scène, Ed . Balland,1980, il dit : ” Le politique dépend encore davantage de l’ art de paraître, l’événement le met en situation, le cérémonial le ritualise , la commémoration l’ entretient par la répétition. ” p.151.
10 –حفل تنصيب بايدن ، جدول المراسم و الفعاليات، قناة الحرة ، واشنطن ، 19 يناير 2021 .
+