خلاصة كتاب: اختفاء الذات عن نفسها
تأليف: عالم اجتماع والأنثروبولوجي الفرنسي دافيد لوبروتون
ترجمة: زكية البدور
مراجعة: عبد السلام بنعبد العالي
الناشر : صفحة سبعة للنشر والتوزيع
تاريخ النشر : 2023 الطبعة الثانية
تاريخ النشر بالفرنسية 2015 Disparaître de soi : une tentation contemporaine
Book by David Le Breton
✅مقدمة
هذا كتاب عن تلك اللحظة التي يتساءل فيها الإنسان: هل يمكن أن أختفي دون أن أموت؟
يكشف دافيد لوبروتون عن رغبة خفية، يعيشها كثيرون اليوم، في الابتعاد عن ضجيج العالم والنجاة من ثقل الهوية.
هنا لا يتحدث عن الهروب كضعف، بل كبحث شجاع عن مساحة نقية نعيد فيها ترتيب أنفسنا.
صفحات الكتاب تمشي بك من شوارع المدن الصاخبة إلى صمت الغرف المغلقة حيث يتكون معنى جديد للذات.
قراءة تفتح بابا داخليا عميقا: ربما لا نريد أن نختفي، بل نريد فقط أن نكون أنفسنا أخيرا.
✅ الفكرة المركزية
يطرح دافيد لوبروتون في هذا الكتاب مفهوم “اختفاء الذات عن نفسها” كاستجابة إنسانية معاصرة للضغط الوجودي والاجتماعي. في زمن تُطالَب فيه الذات بأن تكون حاضرة وفعّالة ومعبّرة طوال الوقت، يلجأ بعض الأفراد إلى حالة من الانسحاب الرمادي التي يسميها المؤلف البياض: توقف مؤقت عن أن يكون الفرد “هو نفسه”، ليس انتحاراً ولا انهياراً نهائياً، بل استراحة وجودية تهدف إلى حماية الذات من الإنهاك واستعادة القدرة على الشعور والمعنى.
📚 المحاور الأساسية
1) هويات معاصرة عسيرة
يبدأ المؤلف بملاحظة أنّ الهوية الحديثة أصبحت عبئاً: الفرد مطالب ببناء ذاته وتمثيلها باستمرار. هذا الضغط يخلق الحاجة إلى تخفيف حضور الذات عبر الانسحاب أو الهدوء الداخلي.
البياض هنا يظهر كمخرج من «امتلاء الذات» ودوارها.
2) ألا تعود أحداً: الاختفاء كاحتمال إنساني
يعرض المؤلف حالات يختار فيها الأفراد الانفصال الجزئي عن الذات:
اللامبالاة
التشتت
النوم الطويل
التعب النفسي الشديد
الانهيار والاكتئاب
تعدد الشخصيات
الانغماس الكلّي في نشاط معيّن
هذه الحالات ليست دائماً مرضية، بل قد تكون وظائف وقائية ضد ضغط «أن تكون شخصاً محدداً طوال الوقت».
هنا البياض = توقف تمثيل الذات لنفسها.
3) أشكال الاختفاء في المراهقة
المراهقة مرحلة هشاشة وتشكّل، حيث يتجلى الاختفاء في:
الانسحاب من المحيط
التيه المكاني والنفسي
البحث عن هوية بلا اسم أو دور
المراهق هنا يجرب حدود الوجود قبل تثبيت صورة عن ذاته.
4) الاختفاء في الآخر
يعرض المؤلف أشكالاً أخرى من الانسحاب:
الأنوريكسيا: السيطرة على الجسد لتقليل الحضور.
العالم المضاد للمؤثرات (المخدرات): محاولة خلق فراغ داخلي.
هيكيكوموري (الانعزال التام): شباب يختفون داخل غرفهم لسنوات.
الانغماس في الافتراضي كبديل عن الوجود الاجتماعي.
كلها تبحث عن مساحة بيضاء داخل عالم مكتظ بالضجيج.
5) الشيخوخة والزهايمر: اختفاء الذاكرة والذات
يتناول المؤلف الزهايمر باعتباره انسحاباً بطيئاً للذات من ذاكرتها وجسدها وعلاقاتها.
هنا الاختفاء غير اختياري، لكنه يعيد طرح السؤال:
من نكون حين نفقد أسماءنا وعلاقاتنا؟
6) الاختفاء دون ترك عنوان
يعرض الكتاب حالات اختفاء إرادي (مثل اختفاء ماجورانا)، وأخرى أدبية ورمزية.
هنا يدرس المؤلف الرغبة في الانسحاب الكامل من العالم كنوع من الاحتجاج الهادئ على الواقع.
7) الذات تخييلاً: هوية بلا مركز ثابت
يختم لوبروتون بالتأكيد أنّ الهوية المعاصرة ليست كتلة ثابتة، بل سردية متغيرة.
البياض يصبح فضاءً لإعادة كتابة الذات، لا نهايتها.
📝 الاستقبال النقدي
اعتُبر الكتاب مساهمة رصينة في فهم هشاشة الهوية المعاصرة.
قوته في دمج التحليل السوسيولوجي بالتجربة الإنسانية الملموسة.
انتقاد محدود يشير إلى أنّ بعض الأمثلة أقرب إلى الوصف الأدبي من التحليل النظري الصارم، لكنّ هذا ما يعطي الكتاب حساسيته الإنسانية.
🔍 المغزى الفكري
البياض ليس مرضاً ولا هروباً جباناً؛
إنه آلية نجاة في عالم ينهك الإنسان بطلب الحضور الدائم.
الاختفاء هنا هو فعل مقاومة صامت يعيد للذات حقها في التقاط الأنفاس، واستعادة المعنى قبل العودة من جديد.
👤 نبذة عن المؤلف
دافيد لوبروتون
عالم اجتماع وأنثروبولوجي فرنسي (مواليد 1953)، متخصص في الجسد، الهوية، والمعنى في الحياة المعاصرة.
من أبرز أعماله:
كتاب Anthropologie du corps et modernité
كتاب La sociologie du risque
كتاب Marcher: éloge de la lenteur
🔚 خلاصة نهائية
اختفاء الذات عن نفسها كتاب عميق يدعو القارئ إلى الاعتراف بحق الإنسان في الغياب.
ليس كل صمت فراغاً، وليس كل انسحاب كسلاً؛
أحياناً يكون الغياب هو الطريق الوحيد لاستعادة القدرة على الوجود.
+++++++++++++++++++
هامش توضيح
البياض (La blancheur) عند المؤلف لا يعني الفراغ بمعناه المعرفي أو الفكري، بل هو حالة نفسية وجودية يمر بها الإنسان عندما تصبح الذات منهكة إلى درجة تفقد فيها القدرة على تمثيل نفسها. الإنسان هنا لا ينهار كلياً، ولا يفقد وعيه، بل يدخل منطقة رمادية بين الحضور والغياب.
الفكرة الأساسية هي التالي:
الإنسان حين يتعرّض لضغط نفسي أو عاطفي أو اجتماعي شديد، تتعب “الذات” التي تقوم بتمثيلنا أمام أنفسنا والآخرين.
يشبه المؤلف هذا بأحوال الاحتراق الداخلي. الذات لا تعود قادرة على مواصلة الدور الذي تلعبه.
في هذه اللحظة ينشأ البياض: حالة صمت داخلي، توقف، فراغ في المعنى، كأن الوعي يطفئ نفسه مؤقتاً كي يحمي نفسه.
ليس مرضاً بالضرورة. هو آلية دفاع. مثل العقل يقول لنفسه:
“لقد حملت أكثر مما أستطيع. سأتوقف الآن”.
أمثلة واضحة للبياض كما يصفها المؤلف:
أن تجلس لساعات تنظر للجدار دون تفكير ولا مشاعر.
أن تشعر أن الكلمات لا تأتي، كأن اللغة نفسها غادرتك.
أن تفقد الاهتمام بكل شيء مؤقتاً، ليس كرهاً للحياة بل كإيقاف مؤقت لحضورك.
أن تقول: “ذهني فارغ” “لا أعرف ما أشعر” “لا أعرف من أنا”.
هنا يدخل الفرد في حالة تعليق للهوية. الأنا لا تموت، بل تتوقف عن العمل.
المؤلف يربط البياض بـ:
الإنهاك الوجودي وليس مجرد التعب.
انهيار النرجسية بمعنى فقدان الطاقة التي تجعلنا نرى لأنفسنا مكاناً في العالم.
تعليق الرغبة، لأن الرغبة هي المحرك الأول لهويتنا.
الخلاصة:
البياض هو نقطة الصفر في الوجود الإنساني.
ليس انتحاراً ولا اكتئاباً بالضرورة.
هو توقفٌ وقائي يسمح للذات بأن تعيد بناء نفسها.
