
الطاهر لبيب: العالم اليوم بشاعة نادرة
-العالم اليوم بشاعة نادرة: نادرة، لا بنوعها فقط وإنما أيضا بصلف علنيّتها، بما في ذلك علنيّةُ تبريرِ القتل والتعويدِ على مشاهده، حتّى ولو كان إبادة جماعيّة. لقد عمّ اليأس وتضاءل الحلم بعالم أفضل. العالم يسير نحو مجهول.
-من منّا يعرف، اليومَ، ما المقصود بكلمة مثقّف في الاستعمال العربي المتسيّب؟ لقد غابت السياقات التي امتدّ فيها النقاش، من منتصف خمسينات القرن الماضي إلى منتصف السبعينات، تقريبا، حول تصنيف المثقفين، من المثقف الملتزم إلى المثقف العضوي. كان كل صنف يسعى إلى التميّز بانتمائه ورؤيته وأحلامه ومشاريعه، من أكثرها واقعية إلى أكثرها طوباويّة. مثقف اليوم له أنماط جديدة هي من صنع وسائل الإعلام، بعضها يفتي في كلّ شيء وبعضها له كل عناوين التحليل والخبرة. هكذا ظهر وساد في المشهد مثقف مقاول ليس مطلوبا منه التفكير بقدر ما هو مطلوب منه الاستجابة بالتعليق على العاجل والعابر. مهما كانت كفاءته، فوقت استجابته لا يتسع للتفكير.
قد يتيسّر التصنيف، بعضَ الشيء، إذا افترضنا أن المقصود بالمثقف هو المفكّر، لكن، حتى في هذه الحالة، تعترضنا صعوبة من نوع آخر، وهي صعوبة متزايدة في الربط بين الفكر والواقع، إذ ما يسود من ثقافة، في معناها العام، قد غابت سياقاته وأصوله الاجتماعية، فاكتفينا بوصفه معولَما. لم نعد نرى فكرا بقدر ما نرى أفكارا متطايرة كتلك الجمل التي يكثر الاستشهاد بها، خارج سياقها. من السهل اعتماد تصنيف مألوف، من نوع التقدميين والرجعيين، وهو تصنيف تباغته إعادة انتشار المثقفين بطرق مربكة للفهم والتفسير. لننتظر، إذاً، حدوث تغيّر تاريخي اجتماعي كبير يُعيد تموقعهم بصورة أوضح! في انتظار هذا، ليس لنا، من مواقعنا، إلا السعي إلى إنتاج المعنى.
-تستبطن الثقافة العربية السائدة ثنائيات مرتبطة بالماضي، من نوع الأصالة والمعاصرة أو التراث والحداثة، لم تقدر لا على حلّها ولا على التخلّص منها. لهذه الثقافة، دائما، عينٌ على الماضي، كأنها تخاف أن يصيبها العمى إن لم تره ماثلا بأمجاده. الماضي، في هذه الثنائيات، ماضٍ مصفّى بالتخيّل، سلفُه صالح وليس فيه طالح. هذا يعني أن هذه الثقافة لا تستوعب فكرة القطيعة وما زالت لا تتحمّل الرؤية النقديّة الساعية إلى تخليص الواقع التاريخي مما نسجه المخيال، تلبية لنزعات ومطالب متنوّعة. هناك قطيعة أو قطائع لا مناص منها في منعطفات تاريخية معينة، وهي التي تكون مع ما يعرقل تقدم المجتمع نحو الأفضل. وليس في هذا القول أي تنكّر للماضي. في الماضي العربي محطات وأشياء رائعة. شخصيّا، لا أتوقف، مثلا، عن قراءة أدبه ونصوص صوفيّيه. كل ما يطلب من الماضي أن يبقى ماضيا، أي أن يكفّ عن عنف التدخّل في الحاضر وفي التوجيه إلى المستقبل.
المصدر: majalla.com/ ٣١ كانون الثاني ٢٠٢٤