السلطة الثقافية والسلطة السياسية
تأليف : الفيلسوف المغربي علي اومليل
الناشر وزارة الثقافة – الاردن
عدد الصفحات 280 صفحة
✅ الفكرة المركزية
يحلّل علي أومليل في هذا الكتاب علاقة الصراع والتواطؤ بين السلطتين الثقافية والسياسية في التاريخ العربي-الإسلامي، من الفقهاء والكتّاب والفلاسفة إلى المثقف الحديث. الفكرة الجوهرية هي أن “السلطة الثقافية” — أي سلطة المعرفة والعقل والنقد — لم تتمكن من الاستقلال عن “السلطة السياسية”، لأن بنية المجتمع العربي الإسلامي جعلت المعرفة خادمة للسلطة لا رقيبًا عليها. يدعو أومليل إلى استعادة “العقل النقدي المستقل” بوصفه شرطًا لتأسيس حداثة فكرية عربية.
📚 المحاور الأساسية
القسم الأول: أصوليون وكتّاب
يبدأ أومليل بتحليل جذور الأصولية من خلال “القراء” الأوائل الذين مثّلوا النواة الأولى لسلطة دينية تراقب النص والسلطة معًا.
ثم ينتقل إلى الفقهاء والكتّاب، مبينًا أن الفقيه كان “رقيبًا مزدوجًا” على السلطان وعلى المجتمع، فيما كان الكاتب أداة الدولة وخادمها البيروقراطي.
يُفرد فصولًا عن ابن المقفع والجاحظ والتوحيدي ليُظهر كيف تحوّل “الكاتب” إلى وسيط بين الدولة والثقافة، يعيش بين خدمة السلطان والنقد الضمني له.
في فصل “سياسة الانتحال”، يعرض كيف صاغ الفقهاء نصوصًا رمزية (“العهود”) لضمان انتقال السلطة الدينية والسياسية معًا، مكرّسين “وراثة مزدوجة” للعلم والسلطة.
يُختتم هذا القسم بقراءة ابن خلدون كناقد لبنية العلاقة بين العلماء والسلطة، وكمفكر كشف هشاشة “السلطة العلمية” في مجتمع لا يحتفي بالبحث العقلاني المستقل.
القسم الثاني: سياسة الفيلسوف
يُركّز على وضع الفلاسفة المسلمين (الرازي، الفارابي، ابن باجه، ابن سينا، ابن رشد) الذين حاولوا تأسيس سلطة عقلانية بديلة عن سلطة الفقيه والكاتب.
يصف أومليل الفلسفة بأنها “تمتطي حصان الطب” أي تمارس الإصلاح من خلال معرفة الجسد والنفس، لكنها ظلت حبيسة البلاط.
يبرز ابن رشد بوصفه الحالة الأكثر اكتمالًا لمحاولة بناء “مدينة الفيلسوف” القائمة على العقل السياسي والجدل المنطقي، إلا أن مشروعه انتهى بالعزلة لأن السلطة السياسية والدينية رفضت أن تكون الفلسفة شريكًا في القرار.
يُقدّم أومليل قراءة سياسية للفكر الفلسفي، معتبرًا أن إخفاق الفلاسفة في تأسيس سلطة ثقافية مستقلة كان أحد أسباب غياب “الحداثة العقلية” عن التراث الإسلامي.
القسم الثالث: سلطة المثقفين
ينتقل أومليل إلى العصر الحديث، متتبعًا ميلاد المثقف الأوروبي منذ الثورة الفرنسية حتى المثقف الألماني الذي جمع بين النقد والالتزام الأخلاقي.
يشرح أن ولادة “الكاتب المثقف” (intellectuel) في الغرب اقترنت بتحرره من وصاية الكنيسة والدولة.
ثم يطرح السؤال المحوري: “وأين المثقفون العرب؟”
يُبين أن المثقف العربي لم ينجُ من أسر السلطتين: فهو إما موظف لدى الدولة، أو معارض محكوم بلغة أيديولوجية مغلقة.
يدعو إلى بناء “سلطة ثقافية حديثة” تُمارس النقد باسم العقل لا باسم العقيدة أو الحزب، وتستمد شرعيتها من الاستقلال الفكري.
📝 الاستقبال النقدي
أُشيد بالكتاب عند صدوره كأحد أهم النصوص العربية التي تربط تاريخ الفكر الإسلامي بالتحليل السوسيولوجي للثقافة والسلطة (مجلة فكر ونقد، العدد 20، 1997).
اعتبره باحثون مثل محمد أركون وعبدالله العروي محاولة رائدة في “أنسنة الفكر العربي”، بينما انتقده آخرون (مثل نصر حامد أبو زيد) لعدم تمييزه بما يكفي بين “السلطة الدينية” و“السلطة الرمزية”.
في الأوساط الجامعية، يُدرّس اليوم ضمن مقررات “الفكر العربي الحديث” بوصفه نصًا تأسيسيًا في تحليل المثقف العربي كفاعل سياسي-ثقافي.
🔍 المغزى الفكري
يؤسس أومليل لرؤية نقدية تعتبر أن أزمة الفكر العربي ليست فقط سياسية، بل أزمة في بنية السلطة الثقافية ذاتها.
فمنذ قرون، كانت المعرفة أداة للشرعنة لا للمساءلة، ما جعل المثقف “تابعًا” لا “مبدعًا”.
الكتاب يفضح هذا التاريخ الطويل من التواطؤ بين النص والعرش، بين العالم والسلطان.
ويرى أن النهضة الحقيقية تتطلب إعادة تعريف “العقل” بوصفه فاعلًا اجتماعيًا حرًّا لا موظفًا لدى السلطة.
كما يربط بين مصير الفيلسوف القديم والمثقف المعاصر: كلاهما يواجه خطر النفي أو الترويض.
يدعو أخيرًا إلى ولادة “سلطة ثقافية مدنية” تعيد للعقل سلطته المستقلة وللنقد مكانته في بناء الدولة.
هكذا يغدو الكتاب بيانًا فلسفيًا لتحرير الفكر من تبعية السياسة واللاهوت معًا.
👤 نبذة عن المؤلف
علي أومليل (ولد 1941 – المغرب): فيلسوف ومفكر مغربي، وأحد أبرز منظّري الفكر العربي الحديث. درس الفلسفة بجامعة السوربون ونال الدكتوراه في الفكر السياسي العربي. شغل مناصب أكاديمية ودبلوماسية (سفير المغرب في اليونسكو). من مؤلفاته: الفكر العربي والحداثة، الخطاب العربي المعاصر، والسلطة الثقافية والسلطة السياسية. يتميز مشروعه بإعادة قراءة التراث العربي بعين نقدية عقلانية متأثرة بأركون والعروي، مع إصرار على استقلال المثقف عن السلطتين الدينية والسياسية.
🔚 خلاصة نهائية
الكتاب بمثابة أنثروبولوجيا للسلطة الفكرية في التاريخ العربي، تتبّع جذورها من الفقيه إلى الفيلسوف إلى المثقف.
يكشف أومليل أن غياب الحداثة الفكرية في الثقافة العربية ليس ناتجًا عن غزو خارجي بل عن استمرار الخضوع الداخلي للسلطة.
بدعوته لاستقلال المثقف وتحرير العقل، يُعد هذا العمل حجر زاوية في الفكر النقدي العربي الحديث، ومفتاحًا لفهم العلاقة المأزومة بين الفكر والسياسة في العالم العربي.
