
علي محمد اليوسف
تقديم
بدءا أقر بأن عنونة المقال بين الاتصال والانفصال في الزمان خاطئة من وجهة نظر فلسفيةوكوزمولوجية علمية اناقشها في اسطر لاحقةبأعتبارها مجازا في التعبير اللغوي ولا تعبّرعن حقيقة فيزيائيةوسلامة تطبيقية زمانية يقبلها علم الكوزمولوجيا, علما أن المقولة مأخوذة عن ارسطو نقلا عن المفكر عبد الرحمن بدوي فلسفيا.
فالزمان مفهوم تجريدي شامل لا يتقبّل أن يكون موضوعا لادراك عقلي لا بالماهية ولا بالصفات وأنما يكون أدراكه بالدلالة الادراكية المرصودة لحركة الاجسام والاشياء وتكوينات الطبيعة المتعالقة بالزمان أدراكاتجريديا..لذا من المتعذر رصدنا الانفصال أو الاتصال داخل الزمان لأنهما ليستا خاصيتين له يمكننا ادراكهما.فالزمان مفهوم واحد متجانس الصفات والماهية, وكلتاهما غير مدركتين بالانفصال عن بعضهما بل هما استدلال يمكن ادراكه الحدسي بدلالة الزمان كمفهوم ميتافيزيقي.
والزمان ماهية وصفات غير مدركتين لا تتجانس الا مع ذاتها لعدم وجود ما يتجانس معها لا بالاتصال بها ولا بالانفصال عنها.الزمان جوهر نوعي موحد قائم بذاته يدرك بدلالة حركة الاجسام بداخله.. ولا يوجد زمانان اثنين او اكثر كما يحلو لبعض ذلك. وكل استنساخ لعدة طبعات من الزمن مثل الزمن النفسي, والزمن التاريخي وغيرها هي تقلبات نفسية ولا علاقة للزمن بها.
ثم أن الزمان وحدة كليّانية واحدة كجوهر غير مدرك كمفهوم وماهية وصفات ولا يقبل الانقسام والتجزئة ولا يتقّبل الاتصال بغيره من ماهيات غير مجانسة له زمانيا غير موجودة حيث لا يوجد فرق ماهوي ولا صفاتي لشيء في الزمان ذاته لا تحتويه الكليانيةالماهويةوالصفاتية للزمان كجوهر غريب عن الماهية والصفات قريب منهما بالادراك الزماني كدلالة.
وليس هناك صفات لا تجانسه من غيرمجانسة الزمان لذاته كجوهر غير مدرك عقليا الا بدلالة غيره من الاجسام. بمعنى الزمان هو في حالة أبدية سرمدية ازلية من وجود ملازمة الاتصال الذي لاينفصل ولا يتجزأبالمزامنة له الذي يرفض القطع أو الانقسام لذا فمقولة الاتصال والانفصال الزمانيين لا معنى لها من الناحية الفيزيائية العلمية كوزمولوجيا. بضوء حقيقة الزمان هي وحدة اتصال بالمكانكليّانية قائمة بذاتها مكتفية تجانسيا لا تقبّل اتصالا كيفيا(نوعيا) بغيرها وفي عبارة أرسطو تاكيد لذلك قوله (لا يحد الزمان بالزمان) وهي عبارة عميقة المعنى في التعبير عن الوحدة الكليانية المفهومية للزمان الكوني.
الزمان مفهوم سرمدي وجودي ازلي مطلق الدلالة لا يخضع للتجزئة ولا الانقسام, كما هو وحدة كلية نوعية واحدة قائمة بذاتها بخصائصها الماهوية وخصائصها المتعالقةتاثيرابالاشياء. لذا الماهية النوعية للزمان لا تتقبل الاتصال بغيرها المخالف لها بالصفات الماهوية كنوع. كما لايتقبّل الزمان الانقسام على نفسه ولا الانقسام بمؤثر خارجيطاريء عليه. فالاستدلال بالزمان لا يمكن بغير الاستدلال به نفسه المتجانس به كزمان كلي لامتناهي, وهو ما يؤكد الزمان جوهرا واحدا لا يقبل القسمة على نفسه ولا يتقبل التجزيئ بدلالته أو بدلالة غيره. والزمان في ملازمته ادراك الاشياء لا يتغير لا بالماهية ولا بالصفات لانهما صفتان تدركان بدلالة موجودات مقدار حركة الاجسام داخل الزمان ولا تفهمان بدلالة الزمان ذاته, فالانسان لا يدرك كلية الزمان كي يحاول معرفة صفاته او ادراك ماهيته بدلالة الزمان نفسه وليس بدلالة الاجسام المتحركة فيه..
الزمان وسيلة لادراكات العقل لكنه ليس موضوعا له ولا يتخارج جدليا مع حركة الاجسام داخله. لذا الزمان دلالة ادراكية تزامن الموجودات ولا تتأثر بها بل يبقى ما يدرك من حركة الاجسام داخل الزمان منفصلا تماما عن تعذر الادراك العقلي للزمان منفرداماهويا بذاته.
أما الانقسام الزماني الوهمي خارج وحدة الزمان النوعية الذي نعيشه في التحقيب الارضي بقطوعات الزمان الموزعة بين ماض وحاضر ومستقبل أنما هو في حقيقته تقسيم زماني وهمي لا حقيقة صلبة ثابتة يقوم عليها الادراك لهذا التقسيم الذي هو التسمية الصحيحة له هو التحقيب الزماني الارضي وليس التقسيم الزماني كمفهوم, فالزمان لا يقبلالتقسيم كما ذكرنا لكنما يتقّبل التحقيب الارضي بدلالة غيره التي هي حركة الارض وكواكب المجموعة الشمسية وما ينتج عنه من تغييرات مناخية بيئية…
ولكي نفهم الفرق بين التقسيم والتحقيب زمانيا أنما يكون في معرفتنا المسبقة التمييز بين الزمان الكوني المطلق الازلي, وبين الزمان الارضي المحدود في تحقيبه تاريخيا الى ماض وحاضر ومستقبل ليس بدلالة الزمن ولكن بدلالة حركة الارض حول نفسها وحول الشمس وحركة القمر والكواكب الاخرى في المجموعة الشمسية حصرا فقط وما يتعدى زمان المجموعة الشمسية يكون زمانا في حكم مطلق الزمان الكوني اللامحدود اللانهائي السرمدي الذي لا يمكنه قبول التحقيب زمانيا كما هو الحال في الزمان الارضي..
ولا محدودية الزمان ليست كمثل محدودية زمان الارضتحقيبا, ولامحدودية الزمان اللامتناهي لا يقبل التحقيب التقسيمي على أي شكل ونوع ويحتفظ بخصائصه الكليّانية الذاتية المتفردة كمفهوم ازلي سرمدي لا بداية ولا نهاية له, لا يدركه العقل موضوعا ولا يدرك العقل الزمان موضوعا له.. ولا يوجد زمان تغايره المجانسة الواحدة النوعية معه ويسمى زمانا آخر. بمعنى لا يوجد على الارض وفي الكون اللانهائي غير زمن واحد فقط بماهية وصفات نوعية واحدة.
الزمان وهم التقسيم وحقيقة التحقيب
الاتصال الزماني والانفصال الزماني هما وهمانأصطناعيان لا وجود حقيقة ادراكية لهما يقبلها العقل العلمي. وكما المحنا له في سطور سابقة فالزمان الكوني والزمان الارضي هما وحدة كلية نوعية من التجانس الماهوي والصفاتي واحدة لزمان واحد يلتقي بالماهية والصفات كجوهر ويختلف بالدلالةبغيره من مدركات مقدار حركة الاجسام داخله, لذا يكون كل اتصال زماني بدلالة أخرى غير الزمان ذاته لا تكون صحيحة وكذا نفس الحال في عملية الانفصال, فمن المحال أن نجد زمانين منفصلين عن بعضهما لا يمتلكان نفس الماهية والصفات الزمانيةالنوعية الفيزيائية الواحدة… بمعنى الزمن واحد على الارض والفضاء السرمدي اللانهائيواينما تكون هناك حياة.
فالزمان وحدة كلية متجانسة في الادراك كزمان واحد فقط ولا يوجد زمانين مختلفين لا على الارض ولا على المستوى الكوني من حيث وحدة الماهية والصفات غير الادراكية للزمان.. وهنا يتوجب علينا التفريق بين مصطلحين كلاهما باطل مجازيا لغة ومصطلحا غير متفق عليه, هما الفرق بين التقسيم والانفصال على مستوى أزلية مطلق الزمان اللامحدود من جهة وبين التحقيب الارضي للزمان المحدود من جهة أخرى. وهذا يقودنا قبلهاألى أهمية التفريق بين الزمان الكوني المطلق السرمدي غير المحدود , وبين الزمان الارضي المحدود بعلاقته مع الارض ومع حركتها الذاتية حول نفسها وحول الشمس وحركة كواكب المجموعة الشمسية من حولها ومعها.
توجد مقولة عبقرية سبقت عصرها بالاف السنين لارسطو سبق لي تكرارها مرارا (أن الزمان لا يحد بزمان) كون الزمان وحدة ماهوية في كل الحالات ومختلف الظروف من حيث الماهية والصفات التي يمكنها التواصل التعالقي الزماني مع غيرها من أجسام وموجودات الطبيعة لا يكون على مستوى المجانسة النوعية بغير ما هو زماني..وأنما على مستوى حركة مختلف الاجسام داخل الزمان الذي يحتويها كدلالة في معرفة مقدار حركة تلك الاجسام وليس مهمّا صفاتها غير المتجانسة مع الزمان فكلاهما منفصل عن الاخر.الزمان دلالة احتواء افتراضية للمكان. وأية مجانسةماهوية او صفاتية لحركة الجسم في الزمان الذي يحتويه يكون محالا ادراكه عقليا لأن معنى ذلك كل جسم متحرك يحتويه الزمان بالمجانسة الماهوية النوعية معه يكون بالمحصلة زمانا أحتواه زمان آخر يجانسه الخاصّية الماهوية وهو محال.الزمان الادراكي هو دلالة افتراضية محايدة منفصلة عن مدركات العقل والزمان وحدة افتراضية قائمة بذاتها الافتراضية. فنحن ندرك الزمن افتراضيا بدلالة مقدار حركة الاجسام داخله.
الزمان النوعي المتجانس بصفاته الماهوية لا تربطه بغيره من الاجسام التي تختلف معه بالمجانسة النوعية الا بعلاقة مقدار(حركة) تلك الاجسام داخله اي داخل الزمن..كما أن الزمان لا يحد بالزمان المجانس له بالحتمية والضرورة حيث لا يوجد لا متجانس في الزمن يختلف عنه يكون زمانا آخر. كون الزمان كلية ومطلق مفهومي وليس موضوعا لادراك العقل مثل باقي موجودات الاشياء. لا يمكن للزمان أن يخرج عن نوعه في المجانسة الكلية المطلقة الشاملة لذاته فيزيائيا هو وحده, ولا يمكن في حال تحقيق انفصال جزء منه أن يكون دلالة التعريف به على مطلقه الازلي. وهذا التجزيء الافتراضي لوحدة الزمن الكليّة هراء لا يتقبله ادراك العقل.
فالتوقيت الزمني بالساعة لا يعني أن هذا التوقيت أصبح يمتلك ميزات زمانية مختلفة عن مواصفات الوحدة الكلية الماهية للزمان. فالساعة هي توقيت زمني يرتبط بتحقيب الزمان الارضي في أدراكنا الوقت ولا يكون التوقيت زمانا آخر خارج وحدة كلية الزمان لافي الماهية المعدومة أصلا في عدم امكانية ادراكها العقلي ولا بالصفات التي ندركها بمقدار حركة الجسم داخل الزمان.آلة قياس مقدار الزمان الساعة او اليوم او الاسبوع وصعودا الشهر والسنة والفصول الاربعة ليست في حقيقتها زمانا مدركا بذاته بل هي وسيلة ادراكلتحقيب زماني نعيشه على الارض هو الوقت وليس الزمن.
ارسطو وتقسيم الزمان
يذهب المفكر عبد الرحمن بدوي في كتابه (الزمان الوجودي) مناقشة مشكلة الانفصال والاتصال الزماني, قوله أن ارسطو الذي شغله هذا الاشكال العصّي على الحل بالهروب الى أمام منه, مستشهدا بعبارته (فالآن- أي لحظةالحاضرالمنحلة – بوصفه حدا ليس هو الزمان, وأنما هو عرض يمكن عده عدديا وذلك لأن الحدود لا تنتسب الى الاشياء التي هي حدود لها, فعدد هذه الخيول العشرة يوجد خارجها )1 عددا لا يمكن حصره من الخيول.
في مقالتين سابقتين نشرتا لي عن الزمان فلسفيا كنت اشرت توضيح اشكالية فرضية الانفصال والاتصال الزماني وتوضيح حلها, ويكمن سبب هذه الاشكالية في عدم التفريق بين زمان وتوقيت ليسا متجانسين نوعيا ومختلفين تحقيبا تجاهلهما فلاسفة اليونان هما الزمان الكلي المطلق الازليالكوزمولوجي الذي لا يقبل التجزئة ولا الانقسام كما لا يقبل التعريف بالزمان المطلق بدلالة الجزء غير المنقسم عنه استحالةعقلية.لا يوجد قطوعات زمنية داخل الوحدة الكليّة للزمان.
أما الافتراض الثاني في عدم قدرة التمييز بين الزمن والوقت هو التحقيب الارضي للزمان الذي لا يختلف مع الزمان المطلق ماهويا كونيا كنوع زماني فيزيائي واحد لا غيره ,لكنه يتقاطع معه بقابلية الانقسام وتحقيب الزمان كتاريخوقت ارضيالذي يمكن أدراكه على الارض بدلالة غيره من الاجساموالكواكب والطبيعةوالاشياء وتغيرات المناخ.
ولا يمكنناتحقيب الزمان الكوني بدلالة تحقيب وقته الارضي. فالزمان الكوني الازلي يلتقي التوقيت الارضي بالماهية والوظيفة الاستدلالية به عنوجود الاشياء.ولا يختلف معه أنه زمان ثان بالمقايسة النوعية الواحدة به فكلاهما دلالة لمعنى واحد هو الزمان.
الشيء الثاني هو ربط ارسطو أدراك الآنية أو الحاضر بقابلية قياسه عدديا وضرب مثالا أن عشرة خيول لاتعني حصر عدد كل الخيول كنوع من الكائنات وهي مسالة مفروغ التسليم بها كبديهة حسابية معرفية. أن معرفة مقياس الزمن بعدد الاشياء المحصورة في آنية زمنية هي الحاضر داخله لا تمثل مقياسا صحيحا للزمان الذي يعتمد معرفته على (مقدار حركة الاجسام في الزمان) وليس على مقدار (عدد) تلك الاجسام في حركتها داخل الزمان الذي يحتويها.
مقدار الزمان يقاس بمقدار المسافة التي تقطعها الخيول بسرعة معينة حصيلتها هو مقدار الزمان الكمّي وليس العددي. الكم خصيصة قياس كل (مفهوم) مجرد يقاس بدلالة غيره لا يمكن ادراكه منفردا ماديا. والعدد خاصية كل مدرك يمكننا تحديده بدلالته الذاتية كنوع من المدركات يعبّر بها هو عن نفسه وليس بدلالة غيره عدديا ايضا.فالمدرك ماديا هو ذلك الشيء الذي يمكننا تحديده بالطول والعرض والارتفاع والزمن. العدد رياضيا هو حقيقة ازلية ثابتة لا يمكن تغييرها او دحضها.
الزمان المطلق الكوني الذي أثبته انشتاين نسبي بخلاف مطلقالزمان عند اسحق نيوتن, نيوتن الذي اكتشف قانون الجاذبية اوقف عقول عظماء الفيزياء. وحين قال نيوتن الزمن مطلق والتي دحضها انشتاين في اثباته الزمن نسبي وليس مطلقا في النسبية العامة 1915. كان نيوتن متاثرابافكار ارسطو قوله مطلق الزمان. دامت افكار ارسطو تحكم اوربا طيلة مدة القرون الوسطى حوالي الفي عام.
الزمان الارضي كتحقيب وقتيتوزعه الماضي والحاضر والمستقبل يكون مقياس الدلالة له بالكتلة والكم والحركة والمسافة والسرعة وليس بعدد الاشياء المتحركة داخله. عندما نقول زمان فنحن نقصد تعبيرا دلاليا عن نوع واحد هو الزمان الفيزيائي لا غيره من الاشياء والاجسام التي يحتويها داخله.. ولا يقبل الزمان المجانسة بغيره من الماهيات النوعية للاشياء, فالاجسام داخل الزمان وفي حركتها لا تغادر خاصيتها الاساسية على أنها أشياء يحدها الزمانأدراكيا لكنها في حقيقتها منفصلة عنه في عدم المجانسةماهويا وصفاتيا معه على أنها ليست زمانا لكنها مقدار حركة الزمان بدلالة حركتها هي كاجسام واشياء داخل الزمان الذي يحتويها بحيادية.
الشيء أو الجسم المتحرك داخل زمان محسوب كمّيا بالمقدار لا يمكن أن يكون زمانا ثانيا نستدل به على الزمان الذي يحتويه كنوع لا علاقة تربطه بغيره من الانواع سوى في مقياس مقدار الزمن بدلالة حركة تلك الاشياء والاجسام داخل الزمان الذي يحتويها. الزمان جوهر نوعي ميتافيزيقي لا يتحدد ادراكا إفتراضيا الا بمقدار حركة الاجسام والاشياء داخله كمّيا وليس عدديا.. كما لا تتحدد محدودية الزمان بدلالة جزء منه في أدراك كليته كنوع مطلق من الادراك.واشارافلوطين لتلك الحقيقة قائلا” أن الزمان بكليته لا يتفتت, أي لا توجد أزمنة مختلفة بل زمان واحد فحسب”.2 عبارة افلوطين الفيلسوف الهلنستي غاية بالذكاء الذي سبق بها افلوطين عصره.
حول سرمدية الزمان
ذهب معظم الفلاسفة من بعد ارسطو أن سرمدية الزمان ليستبسبب عدم ادراكنا له لغيابه في مجاهيل الكون الذي لا نهاية مدركة له تحيط به وتحتويه, بل أعتبروا سرمدية الزمان هي في وجوده (الحاضر!!) الدائم الذي يحكم الطبيعة والانسان والحياة, وليس السرمدية هي الازلية التي لا نعيشها ولا ندركها في حاضرنا الزماني الارضي, ولا نهائية الزمان لا تقاس ألا بأدراك الوجود الحاضر الذي يلازمه الزمان بلا توقف ولا انقطاع, معتبرين حقيقة سرمدية الزمان هي الآنية الحاضرة التي بها يحيا العقل وكذلك تحيا بها النفس في حاضر قابل للقسمة, وبذلك نسفوا مقولة كلا من افلاطون وارسطوالسابقة بأن زمنالحاضر وهم زمني غير موجود لعدم أدراكنا العقلي له بدلالة الاشياء والموجودات المدركة حركيابه.ولا حتى بدلالة التحقيب الارضي للزمان في توسيط الحاضربأعتباره نقلة تجسيرية تربط الماضي بالمستقبل من خلال تشظيتها الانشطارية الموزّعة بين الماضي والمستقبل.لذا ذهب ارسطو وافلاطون اعتبارهما الزمان الحاضر وهما افتراضيا لا حقيقة فيزيائية له.
وفي هذه المقولات مغالطة فادراك الاشياء صحيح لا يكون ألا بدلالة الزمان, لكن أدراكنا الاشياء لا يعني أدراكنا الزمان المتلازم معهاكينونة جوهرية منفصلة عنها… فالزمان يصبح وهما دلالياإفتراضيا بتحققنا من موجودات الاشياء ادراكا حركيا انطولوجيا والتيلا ندرك زمانها الملازم لها بالادراكالمغاير لها بالمجانسة الماهوية والصفات.
رغم أن هذه الفرضية لا تطابق الواقع ولا صحيحة فادراك زمانية الشيء لا تنفصل عن ملازمة الزمان له في ادراكنا للاشياء مكانيا في حالتي حركتها وسكونها وفي حال عدم ادراكنا لها…لكن رغم ذلك تبقى عدم المجانسة بين الاجسام والزمان الذي يحتويها قائما أبدا…فأدراك الشيء بدلالتي المكان والزمان لا يعني أنعدام وتجاوز عدم المجانسة الماهوية والاختلاف بين ماهية الشيء المدرك بأختلافه عن ماهية الزمان غير المدرك الذي يحتويه وبدلالته نعرفه. لا يتجانس الزمان الا مع ذاته كزمان ماهيته الجوهرية هو وحدة كلية من التجانس ذاتيا وباستقلالية ترفض التداخل النوعي غير التجانسيمعه بالكيفية والصفات.
الزمان ليس علة وسبب وجود الاشياء وأنما هو دلالة أدراكية منفصلة عن الاشياء كجوهرين غير متجانسين بالصفاتوبالماهية. لنرى ما يقوله بعض المفكرين بهذا المجال:(وجرى تقسيم الزمان الى جوهر حقيقي قائم بذاته هو جوهر يقيس الكون والفساد. يليه الزمان الطبيعي الموجود في الحركة وليس له جوهرا قائما بذاته كون الوجود الذي يدركه الزمان عبارة عن كائن وحادث طاريءباستمرار والحاضر غير المنقسم ينتسب للسكون الثابت الذي يقيس الحركة الدائمة وهو العلة المولدة للزمان).3(ويعتبرون السرمدية جوهرا قائما بذاته وليس جوهرا مقترنا بالزمان الذي هو الاخر جوهر سرمدي قائم بذاته) 4. عبارات تحاول خلط الزمان كوحدة متجانسة بذاتها بميتافيزيقا الادراك الشيئي.
الملاحظاتالتعقيبية النقدية التي يمكننا تثبيتها على هاتين العبارتين :
وجود الزمان كجوهر ملازم للاشياء ليس تعويضا عن عدم ادراكه بدلالته ادراكنا الاشياء في العالم الخارجي, بمعزل عن ادراك ماهية الزمان وكيف يعمل في تحقق ادراكنا العالم من حولنا؟.أدراك الاشياء والاجسام في ملازمة الزمان لها لا يترتب عليه ادراكنا الزمان منفصلا عنها الذي يحتوي حركة تلك الاجسام كجوهر قائم بذاته. الزمان ليس موضوعا يدركه العقل لوحده بغير دلالة حركة الاشياء والاجسام داخله.
الحاضر حسب أدعائهم ينتسب للحركة وليس للسكون, وكل ساكن مدرك يصبح حقيقة, وهو ما لا ينطبق على الحاضر أنه ثبات ودلالة تسير نحو أضمحلال وتلاشي مستقبلي حتمي. وبالتالي لا يكون مقياسا للحركة كونه ساكنا والسكون لا تتولد عنه حركة فالحركة تلزم بالحتمية السببية التعالقية الضرورية أن تسبقها حركةوتعقبها حركة ما بعدها ايضا.. الحركة تتوسط حركتين قبلية وبعدية.. .
والأهم هو قولهم الحاضر المنقسم الذي ينتسب للسكون الثابت الذي يقيس الحركة العلة المولدة للزمان, وهو ما يترتب علينا دحضه, فالحاضر غير مدرك لأنه جوهرمتشظ غير ثابت ولا ساكن والا كان موضوعا مدركا وليس وهما لاحقيقة له كما يصفه ارسطو وافلاطون. يمكننا وصف تشظية الحاضر الى ماض يحكمه سكون, وبالعكس منه الى مستقبل تحكمه الحركة والتغيير. الحاضر أو الآنية كما ذكرنا هو تشظية يتوزعها ماض ساكن ومستقبل متحرك بسيرورة دائمية لا تعرف التوقف ولا الثبات لذا المستقبل لا يدرك الا بدلالة الحاضر المنقسم المتشظي بين الماضي والمستقبل. كما أن السكون لا يتولد عنه حركة وكيف يمكن قياس الحركة بدلالة السكون ؟ الا اذا أعتبرنا كل ساكن هو رهينة زمانية يتحكم بها الانسان بمعزل عن ملازمة صفة الزمان الساكن لها بلا تداخل انساني. ولا يتحكم بها لا الزمان ولا هي تحتكم لذاتها لافي الحركة ولا في السكون وهو تصور محال يدركه العقل.
الزمان صحيح هو دلالة معرفة مقدار حركة الاجسام ألا أن الزمان بأعتباره أحد قوانين الطبيعة الثابتة يعمل باستقلالية تامة عن ادراكات العقل للاشياء بمعزل عن عدم امكانية ادراكه منفردا كجوهر قائم بذاته, ولا يرتبط الزمان بعلاقة انقيادية للانسان. ولا وصاية للانسان على عمل الزمان لا في الادراك ولا في إحتوائه الوجود.
الزمان بين وجوده الحقيقي والوهمي
ورد على لسان عبد الرحمن بدوي مقطعا مفاده ” ومن الناس قال كيف يقال عن الزمان الذي لا يتصور وجود شيء الا فيه انه لا وجود له؟ بل له وجود أسبق وأحق من كل ما يوجد فيه. وذاته باقية لا تتغير وذلك هو الدهر”5, بدءا العبارة سليمة جدا ولا يشوبها نوع من الخطأ وهي عبارة تنسب لفلاسفة العرب وليس المفكر بدوي.
وفي تعليقنا على هذه العبارات المستمدة عن فلاسفة عرب مسلمين, هم يعنون الزمان الارضي المحدود بقابليته علىالتحقيب الى ماض وحاضر ومستقبل, ولا يقصدون الزمان الكوني الازلي غير المحدود. لذا سيكون التعليق لا يخرج عن المجال الذي أختاروه وهو الزمان الارضي الذي هو تحقيبيتوزعه الماضي والحاضر والمستقبل الذي يقوم على الثوابت التالية:
اولا الزمان لا يدرك الا بدلالة حركة موجوداته في داخله, وهو ما يؤكد على أن الزمان في كل الاحوال وأينما وجد هو جوهر متجانس مع ذاته فقط غير مدرك ماهويا ولا هو موضوع يدركه العقل. وتجانس الزمن مع ماهيته يلغي كل التقولات التي تفترض الزمان في علاقته بالمكان يمّثل موضعة غير مدركة ولا منظورة للزمن.
ثانيا الزمان هو مقدار كمي في قياس حركة الاجسام داخل الزمان وليس مقدارا عدديا للاجسام بداخله. والزمان يدركه العقل بدلالة موجوداته وليس بدلالة ماهيته النوعية هو كموضوع لا يدركه العقل لا في الماهية ولا بالصفات.
ثالثا ادراك الزمان الارضي بمحتوياته الموجودية داخله, أنما يقوم على تحقيب تاريخي له ندركه على الارض كماض وحاضر ومستقبل. وهذا التحقيب الارضي لا يغيّر في ماهية الزمان ولا في حقيقته كجوهر يحمل دلالة غيره من اجسام يحتويها داخله, وليس كموضوع معرفة منفردا. لذا يبقى الزمان محتفظا بخصائصه الذاتية غير المعروفة وغيرالمدركة عقليا, وهذه الذاتية الزمانية تكون في الوقت المزامن لكل الموجودات التي يحتويها بالادراك, تبقى منفصلة بغير المجانسة مع خصائص وماهيات الاشياء التي تتحرك داخله كفضاء زماني محدود تتم بدلالته معرفة مقدار حركة الاجسام.
رابعا حين يدرك العقل الاشياء بمزامنة الزمان لها في وجودها فهذا لا ينسحب على أن معرفة وادراك الموجودات يقود بالضرورة الى ادراك زمانها كموضوع يدركه العقل منفصلا مستقلا كما هو ادراكه الاشياء في مقدار حركتها داخل الزمن.
خامسا القول الزمان لا يمتلك حقيقة وجودية الا فقط بدلالة الاشياء التي يحتويها. وبتجريد الزمن الادراكي عن تلك الموجودات لا يكون هناك بعدها عملية ادراكية للاشياء وليس للزمان مقولة صحيحة, الاشياء لا يدركها العقل مجردة عن زمانها هذا هو السائد بالفلسفة في التعالقالزمكاني , كذلك لا يدرك العقل الزمان بدلالة أخرى غير حركة الاجسام بداخله التي يحتويها. علما أنه من المحال أن يدرك العقل الاشياء من غير ملازمة زمانها لها وهو إفتراض يحتاج اثبات صحته., كذلك الاهم محال انفصال الزمان عن موجودات داخله تتعين حركتها بدلالته وليس بدلالة ذاتية حركية تمتلكها الاجسام ..
سادسا المكان بمجمله الكلي كمفهوم , والمكانيكتجزيء منقسم على نفسه تبقى أستحالة ادراكه خارج أحتواء الزمان له قائمة لا يمكن تجاوزها. الاشياء مكانا تدرك بملازمة زمانها, ولو نحن استطعنا أخفاء شيء مادي بمعزل افتراض تجريده عن زمانيته, تكون حصيلة هذه الفرضية المستحيلة توقف العقل عن الادراك لذلك الشيءنهائيا.المكان هو مدرك زماني ايضا والمكان لا يمكن ادراكه بتجريد الزمان عنه هذا هو السائد بالفلسفة والفيزياء ايضا..
خاتمة
بعد مغادرة ارسطو مقولته في الآنية أو الحاضر على أنها وهمية وشرحنا تفسيرنا لها على اساس أن آنية الحاضر متشظية في انشطارها الوجودي كزمان يتوزعها جذبالماضي من جهة وإحتواءالمستقبل من جهة أخرى معاكسة, فالماضي يحتم على الآنيةتذويتها به, والشد المستقبلي المعاكس يعتبر الحاضر بداية تصنيع مستقبل زماني في حالة من السيرورة منفصل عن الحاضر التوليدي له.
يعود ارسطو القول ( الزمان هو المعدود, بمعنى هو العدد المشار له في كل لحظة حاضرة يمر بها, وأن الوجود الحقيقية يقاس بآنات الحاضر فقط )6, مقولة ارسطو خاطئة بداية ونهاية. وبدورنا نخلص الى أن الاشكالية تتلخص بالاساسيات التالية :
الزمان الارضي– لا يوجد زمن ارضي واستعمالنا المصطلح لاغراض فلسفية لا غير- المحكوم بالتحقيب التاريخي الموزع بين ماض وحاضر ومستقبل, هو غيره الزمان الكوني الازلي ليس على صعيد أختلاف الماهية فالزمن هو الزمن أينما يكون واينما يكون بدلالة معرفة غيره به, لكن تحقيب زمان الارض لايقبله مطلق الزمان الكوني الازلي, لان الزمن كليّة واحدة. وقولنا هذا أن تحقيب الزمان الارضي أصبح يمتلك زمانا مغايرا للزمان المطلق الكوني بالماهية والصفات ليس صحيحا كوننا ندركزمن الموجودات الارضية ولا ندرك الزمان جوهرا محايدا منفصلا عنها., فالزمان واحد ولا يقاس الزمان بدلالة زمان آخر ولا بدلالة جزء منه وهو مستحيل في أمكانية قسمة الزمان ولا قابلية تجزئته في مغايرة الوحدة الزمانية الكلية لزمان كوني أنه لا يتقبّل التحقيب ولا القطوعات كما في زمان الارض.تحقيب الزمان الارضي كما قلنا هو بدلالة حركة الارض والمجموعة الشمسية, فكيف لنا وبأي معيار نستطيع تحقيب لا نهائية الزمان الكوني, هل بدلالة حركة ملايين الكواكب والمجرّات مثلا؟؟ مسألة يرفضها العقل والمنطق.الزمان في حالتي الوحدة الكلية المطلقة كونيا غير القابل للانقسام على نفسه ولا الانقسام بدلالة غيره. هو زمان واحد يجمع كل الازمنة بوحدة كلية من الماهية الزمانية, وهذه الوحدة الكلية تقوم على ادراك العقل للزمان بقياس مقدار السكون والحركة بالاشياءوالموجودات داخله. كون الزمان ثابت في ملازمتهإحتواء حركة الاجسام. حركة المدرك مكانا لا يجعل من الزمان الراصد له تابعا حركيا له. الزمان يدرك المتحرك مكانا والساكن مكانا في ثباته الزماني, فحركة الجسم لا تسحب معها حركة الزمان بالضرورة التبعية وألا لما كنا نحتاج قياس الزمان بمقدار حركة الجسم داخله.بتوضيح الالتباس الزمان ثابت في قياس مقدار حركة الاجسام التي هي متحركة بدلالة أحتواء الزمان قياس مقدار حركتها.
الزمان لا يتغير بالماهية الذاتية له في جميع الاوقات ومختلف الظروف, وكلية الزمان كجوهر ثابت لا يتقبّل القياس بحركة زمنية تجانسه ماهويا بل بحركة أجسام مختلفة عنه بالصفات, من حيث حقيقة الزمان تعرف بدلالة حركة الجسم وتقاس به. والزمان ليس حركة بذاته بل هو دلالة قياس مقدار حركة غيره من الاجسام.
الشيئ الاخير أن الزمان مفهوم ميتافيزيقي وليس موضوعا مدركا من العقل. بمعنى أن العقل يدرك الاشياء فقط ولا يدرك مزامنة الزمان لها, فهو يدرك محتوى الزمان من أجسام ولا يدرك الزمان كموجود أو ماهية منفصلة لوحدها. وهنا يمكننا تشبيه الزمان كمفهوم ميتافيزيقي بمفهوم الوجود الميتافيزيقي, فالوجود يدرك بمحتوياته ولا يدرك بماهيته كمفهوم.
كذلك نحن ندرك الزمان بمحتوياته من الاجسام وليس أدراكه هو كماهية ذاتية يمكن أن تكون موضوعا لادراك العقل. فالزمان ماهية بخصائص انفرادية لا تلتقي مع ماهيات غيره من أجسام يحتويها كأجسام متحركة داخله. وما يجمع الزمان بمحتوياته من الاجسام هو الادراك العقلي بقياس مقدار الزمان الكمي بدلالة حركة الاجسام داخله.ولا يدرك الزمان مجردا عن محتوياته.
علي محمد اليوسف /الموصل
الهوامش
- الهوامش 1, 2, 3, , ,عبد الرحمن بدوي /الزمان الوجودي/ الصفحات 68 – 83